صوت دمشقي: اريد حريتي
عفيف دياب
قالت شروق احمر كل شيء على الهاتف. انكسر حاجز الخوف عندها.. قالت ان الصمت لم يعد لغتها. حكت شروق خلافا لعادة الحوار الهاتفي اليومي "الحذر" معها. "الرفيقة" الدمشقية ابنة الشام اباً عن جد لم تعد تستوعب ما يجري في بلادها. فجرت غضبها بصوتٍ عال على هاتف كان يخضع حكما للتنصت الامني. كانت اكثر جرأة مني حين قالت بثقة :"اكتب انت ورجل الامن الذي يتنصت.. لم اعد خائفة من السجن .. لقد تعبت من الصمت"!
رفضت شروق احمر التزام الحذر في الحوار الهاتفي :" اكتب كل كلمة ولا تخف علّي.. لن اخاف بعد اليوم. لقد اصبح القتل سيد ساحات وميادين سوريا .. لم يعد الخوف ممكنا هنا. فقط حلوا عنا انتم في لبنان واخرسوا قليلا، وقل لقناة (...) في بيروت ان تعود الى رشدها السياسي، وان لا تكون بوقاً مزيفاً للحقيقة. قل لجماعة 8 و14 آذار انهم لا يعرفون حقيقة الدم المسفوك هنا. لقد تعبنا منكم ومن اعلامكم السيء والكاذب اكثر مما تعبنا من زخات رصاص الامن وبعض الجيش ضد الابرياء والفقراء".
لم تترك شروق مجالا للحوار الهاتفي الهاديء والاكتفاء بكلام عام. فهي منذ "عمر" لم تحكِ اوجاعها "السياسية" واوجاع بلادها. كان اتصالي الهاتفي بها، امس، للاطمئنان فقط عنها وعن دمشق التي نحب رغم طول الغياب عن شوارعها وحاراتها القديمة. قالت انها لا تصدق ان مؤامرة تحاك ضد بلادها :" انتو سخيفين بلبنان، مؤامرة شو.. صدقتوا انو في مؤامرة؟ تعوا شوفوا الناس كيف عم تموت بالشوارع!. خلي (...) و(...) يجوا يشوفوا ويسمعوا. حلوا عنا بقا. خليهن يسكتوا جماعة الفاسدين عندكن.. مش ناقصنا ابواق تزايد علينا بالعروبة والوطنية والقومية وحب فلسطين والمقاومة. هم لا يحبون سوريا اكثر مني. قل لهم ان يسكتوا ويحلوا عنا".
صوت شروق احمر من دمشق، كان مختلفا عن بقية الايام. كان تعباً جداً وكأنها لم تنم منذ زمن طويل، او ان البكاء كان رفيقها منذ ان ولدت. قالت: "اكتب ما اقوله لك ": نحن في سوريا مع الحرية والكرامة. نرفض الذل. لم نعد نخاف من الاعتقال. لقد زرت كل فروع الامن. لن اصمت بعد اليوم. اكتب انا شروق احمر : اريد الحرية، واريد تحرير رفاقي من الاعتقال وتحرير الجولان. اريد نظاماً مقاوماً لا ممانعاً. اريد ديموقراطية وخبزاً وكتاباً. اريد ان احكي بلا خوف. اريد ان ازور بيروت ساعة احب. اريد ان امشي بلا خوف في شوارع الشام. اريد خطيبي الان. اريد الوفاء لابي الذي استشهد في حرب تشرين ضد العدو الاسرائيلي. اريد فلسطين.. كل فلسطين". وتابعت "اكتب ايضا :انا مواطنة سورية ـ عربية اسمي شروق احمر .. ارفض السلام العادل والشامل مع اسرائيل. انني ضد الهيمنة الاميركية وسرقة ثرواتنا. وانني ضد الاصوليين في النظام وخارجه. اكتب الان انني اريد حريتي.. واريد ان ازور حمص ودرعا".
صبت شروق احمر جام غضبها على "ازلام" اليسار واليمين والوسط في سوريا، وعلى 8 و14 آذار في لبنان. لم تستطع "ضبط" انفعالاتها المتأتية من حال دمشق واخواتها، ومن ارتفاع معدل القتل اليومي :"عم يتصيدوا الناس متل العصافير". لم تستوعب مدربة الاطفال المعوقين ان ما يجري في بلادها من تحرك شعبي يطالب بالحدود الدنيا من الحرية يستحق كل هذا القتل :" ما كنت اعرف انو الموت رخيص هالقد بسوريا. كنت مفكري انو القمع متل ما كان يصير معي.. روح على التحقيق كم يوم.. وكفين على الماشي وارجع على البيت.. كان اللي يصير معي دلال قدام اللي عم بصير اليوم" تقول "الدمشقية" باكية وتتابع "انتم جبناء في لبنان. نحن هنا اكثر حرية منكم. ندفع ثمنها دما.. المشوار على درعا صار حقو دم. انتو ما بتعرفوا هالشي ابدا. اكتب ما اقول والا سأقفل الخط".
لم تستطع شروق ان تصل الى درعا منذ يومين للاطمئنان على رفاق فقدت الاتصال بهم قبل اسبوع، وعدلت عن التوجه الى حمص للاطمئنان على خطيبها الذي لا احد في منزل اهله يجيب على رنين الهاتف وجواله خارج التغطية وتعتقد انه في الاعتقال. وقالت انها لم تتعب من التجوال في شوراع دمشق بحثا عن رفيقتها منى التي اختفت فجأة خلال توجهها من كفرسوسة الى حي المزرعة، ولا تعرف شيئا عن ابن عمتها الذي رفض تنفيذ اوامر الضابط باطلاق الرصاص على متظاهرين في بانياس، ولا عن جارها طبيب الاطفال الذي غادر منزله الى عيادته ولم يعد و:"بعدكن بتقولوا مؤامرة.. كل اللي بعرفن ما بعرف وينن. انتم في لبنان شاطرين بالحكي فقط .. قل لشبيحة الأقلام والاعلام ان يخرسوا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق