الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

مقابلة



إمامة ضد حمل سنّة لبنان السلاح في سوريا



عفيف دياب

يرفض مؤسس التيار السلفي في البقاع وأحد أبرز منظّريه ومشرّعيه في لبنان، الشيخ عدنان إمامة، أن يشارك أنصار التيار أو أبناء الطائفة «السنيّة» في العمل العسكري الداعم للثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد. يقول الدكتور إمامة لـ«الأخبار» إنه يدعو «إخوانه» في التيار السلفي و«الطائفة السنية» إلى دعم إخوانهم السوريين «بما لا يؤدي الى زعزعة الاستقرار في لبنان». يضيف: «لا نريد أن نحرق لبنان في أتون الثورة السورية». ويؤكد أن الثوار في سوريا «ليسوا في حاجة الى رجال، بل إلى مال ومن يؤوي أهلهم وينصر قضيتهم في الإعلام». فبرأيه، «مفاسد مشاركة اللبنانيين العسكرية في الثورة السورية أكبر بكثير من مصالحها».
يدرك إمامة أن «فتواه» أو رأيه السياسي _ الديني سيتعرض لهجمة من سلفيين متشددين لا يرى أن لهم فعالية تذكر في لبنان، و«هم في الأساس لا يتجاوز عددهم 50 الى 60 سلفياً متشدداً»، داعياً الى «النظر في ميزان المصلحة أولاً». ويوضح: «إذا شجعنا السنّة في لبنان على حمل السلاح ليقاتلوا النظام السوري، فمعنى ذلك أننا نقول للفريق المناصر لنظام بشار الأسد أن يحمل السلاح. ونحن من أنصار ألا تنتقل الفتنة السنية _ الشيعية من العراق الى لبنان، ولا من سوريا الى لبنان».

سوريا وحزب الله وأهل السنّة

يوجه إمامة انتقادات لاذعة لحزب الله: «قامت ثورتك على أنها ثورة المظلومين، وأنك تحيي ذكرى الحسين الذي مات مظلوماً، والحسين كان يمثّل ثورة المظلوم على الظالم، والحق على الباطل، وثورة الدم على السيف»، سائلاً حزب الله: «لماذا انقلبت المعادلة في سوريا؟ أبشار الأسد هو مظلوم أم عبيد الله بن زياد أم هو الحجاج». يضيف: «إننا نحكي عن شعب بقي 8 أشهر يقاوم بصدره العاري، وكنا ننبّه من مخاطر تسلح الثورة السورية. فنحن نريدها سلمية، ولكن ماذا تريد من إنسان تنتهك حرماته أن يفعل؟ أتريده أن يواجه بالسلمية؟».
ألا ترى أن حزب الله يناصر النظام السوري لأنه داعم لحركات المقاومة وليس من خلفية طائفية أو مذهبية؟ يجيب «منظّر» التيار السلفي الوسطي في لبنان بعد أن يقسم بالله العظيم: «لو كان الذي يقوم في سوريا بهذه المجازر سنيّاً لدعونا إلى قتله، حتى لو كان قاتلاً للعلويين والنصارى والشيعة». ويتابع: «لسنا ضد الشيعة كشيعة، بل ضد الشيعية السياسية (...) وليقل لي حزب الله ما سر هذه المصادفة العجيبة: لا يقف مع النظام السوري الآن إلا شيعة العراق وإيران ولبنان. فسّر لي هذه المصادفة؟ فإذا كان النظام السوري يصنّف نفسه علمانياً، فلماذا تحول الامر الى طائفي عند الشيعية السياسية وعند حزب الله؟».
انتقادات الشيخ إمامة لحزب الله أو ما يفضّل تسميته «الشيعية السياسية»، لا تمنعه من «تمجيد» مقاومة حزب الله للاحتلال الإسرائيلي. يقول إن «كل من يقاوم إسرائيل هو شريف، وكل من يقاوم هذا العدو فنحن معه بغض النظر عن عقيدته (حتى لو كان ماركسياً). ونرى أن العدو المشترك لنا هم اليهود، ونتمنى لو أن هذا العدو المشترك يوحّد اللبنانيين». ويؤكد أنه «مع حزب الله في قتال إسرائيل»، ولكنه يبدي أسفه لأن الحزب «لا يريدنا أن نكون معه في قتال إسرائيل».
يجدد التأكيد أن «خلافنا ليس مع حزب الله، بل مع العقيدة الاثني عشرية». ويتابع: «الشيعية السياسية تصنف الحركة السلفية على أنها تنظيم قاعدة وإرهاب، وتعاملنا في لبنان كما يعامل القاعدة في العراق». ويقول: «هناك صدام بين العقيدتين السلفية والشيعية، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أننا نعتبرهم أعداءنا»، متمنياً «لو أننا بنينا جسور حب وتعاون وتواصل حتى نعيش وإياهم في هذا الوطن».
الشيخ عدنان إمامة لا يوفر من انتقاداته تيارات سلفية في لبنان. يجزم بأن المتطرفين في التيار السلفي في لبنان «أقلية». ويقول إن التيار السلفي الأكبر في لبنان «هو التيار الوسطي الذي يدعو إلى السلفية بشكل صحيح، وهو تيار لا يقبل التطرف والتشدد، ويرفض الاعتزال عن المجتمع». ويضيف: «تيارنا الدعوي هو تيار حركة ولا يقبل أن يعيش في الصوامع والكهوف ويترك الناس والدنيا». ولكن ألا يعتبر التيار السلفي المتشدد هو الأقوى وحضوركم تراجع لصالحه؟ يؤكد إمامة أن التيار السلفي المتشدد أو المتطرف «لا يتجاوز عدد أعضائه 50 إلى 60 شاباً». ويضيف: «لأنهم قاموا بأعمال عنفية ومخلّة بالأمن، سُلِّطَت عليهم الأضواء، والإعلام هنا وفي الخارج يسلط الضوء على ظاهرة التطرف والجماعات المسلحة». يؤكد أن التيار السلفي المتشدد «يعتبر دخيلاً على السلفية»، موضحاً أن النبي محمد «لم يكن يقول للناس أنا داع للموت والذبح». ويرى أن تنظيم القاعدة «أخلّ بأصل من أصول الشريعة... فالسلاح يجب أن يكون محقّقاً للحياة والخير والمصلحة لا أن يعود على المسلمين بالخراب والدمار والهلاك».
كيف تصنّف الداعية السلفي عمر فستق بكري؟ يجيب مؤسس التيار السلفي في البقاع وأحد كباره في لبنان: «عمر فستق بكري ليس له أتباع. هو ظاهرة صوتية يريد أن يقول أنا موجود».
الحوار مع الشيخ عدنان إمامه يتناول ظاهرة الشيخ أحمد الأسير، ولا سيما أن لقاءات عقدت بين الرجلين. يقول إمامة إن «وهج الشيخ أحمد بدأ يخفت». ويضيف: «نحن وقفنا مع الشيخ أحمد وهو قام بصرخة حق، ولكن للأسف أخطأ، وخطأه كان كبيراً حين قطع طريق صيدا». ويكشف أنهم كهيئة علماء مسلمين اجتمعوا مع الأسير وطالبوه بالانضمام إليهم لـ«نصرة قضايانا، ولم يقبل»، موضحاً أن الأسير من جماعة التبليغ، و«هذه الجماعة منغلقة، والشورى عندها غير ملزمة».

  الحريري ليس على قدر الأمل

 في انتخابات 2009 النيابية، واجهت الرئيس سعد الحريري مشكلة رفض السلفيين الاقتراع للوائحه كاملة. استعان الشيخ سعد بالشيخ عدنان. عقد لقاء في قريطم بحضور مشايخ سلفيين. «أفتى» إمامة بوجوب الاقتراع للوائح تيار المستقبل و14 آذار «زي ما هيي» لأنها «أقرب إلى مصالح المسلمين من لوائح تيار 8 آذار، وتيار 14 آذار لا يستهدف ديننا وعقيدتنا». هذه الخدمة الجليلة التي قدمها إمامة للحريري على ما يبدو لم تترك أثراً عند الرئيس الشيخ، حيث يبدو العتب كبيراً. ويقول إمامة: «زرت الشيخ سعد سابقاً وقلت له أنت تمثل اليوم الشارع السنّي، ويجب أن تكون عند مستوى الطموحات». يضيف: «للأسف، الشيخ سعد لم يكن على قدر الأمل، والطائفة السنيّة لا تقف عند شخص إذا تراجع دوره أو لم يحسن تمثيل الناس». وهل ستدعمون الحريري مرة ثانية؟ يجيب «نحن سندعم من يحقق مصالح الطائفة السنيّة. عندنا عتب على الرئيس سعد الحريري».

وجهة نظر



ماذا قدّم «الثنائي الشيعي» للبقاع الشمالي؟



عفيف دياب

 ماذا قدّم حزب الله وحركة أمل لبلاد بعلبك ــ الهرمل؟ عشرون عاماً و«الثنائي الشيعي» يحتل المقاعد النيابية والوزارية ووظائف الفئة الأولى المخصصة لقضائي بعلبك ــ الهرمل. عشرون عاماً وحركة أمل وحزب الله ينطقان رسمياً وشعبياً باسم «البلاد المحرومة». عشرون عاماً و«الأمر لهما» من دون منازع أو منافس. عشرون عاماً وخطاب سياسي واحد لم يتغير حرفاً لوضع حجر أساس لمشروع تنموي واحد. عشرون عاماً تغيّر خلالها شكل ممثلي الثنائي الوزاري والنيابي، فيما بقي مضمونه عصياً على التغيير. عشرون عاماً و«شتلة» الحشيشة تنتظر بديلاً... وعشرون عاماً وخطاب «الثنائي» عن الحرمان والمحرومين في بلاد بعلبك ـــ الهرمل لم ينتهِ بعد.
عشرون عاماً ومستوى الخدمات الإنمائية والتنموية والثقافية يتراجع حتى وصل إلى الخط الأحمر، فاستيقظ الثنائي لاستدراك خطأ أو لاستيعاب قلاقل بدأت تقضّ مضاجع يومياتهم السياسية في زمن الانقسامات العمودية في لبنان. ففي جردة أولية وسريعة، يتضح أن نواب حركة أمل وحزب الله في بعلبك ــــ الهرمل، لا تختلف يومياتهم التشريعية والسياسية والاجتماعية عن يوميات غيرهم من نواب لبنان. فالرئيس نبيه بري الذي ينشط هذه الأيام لوضع البقاع تحت راية الدولة اللبنانية أمنياً، يعرف جيداً أن البقاع الشمالي أرهقته المناشدات للدولة بتنفيذ مشاريع إنمائية. وهو يعرف أيضاً، إذا ما عاد إلى خطاباته السابقة في شمال البقاع، أن جدول مطالبه لإنماء المنطقة لم يتغير بنداً واحداً منذ 20 عاماً. فلا المشاريع التي نادى بها تحققت، ولا فرص العمل توافرت، ولا الهجرة الداخلية التي تزداد نسبتها سنوياً توقفت، ولا الزراعات البديلة تحققت، ولا بناء سد العاصي وسدود أخرى وبرك مياه اصطناعية واستصلاح الأراضي الزارعية قد نفذت، ولا طرق الموت أوقفت حصدها لفقراء الشمال البقاعي. وإذا أردت تعداد ما طالب به الرئيس بري وحزب الله على مدى عقدين، اكتشفت أن من حق ناس بعلبك ــ الهرمل أن يسألوا هذا الثنائي: «ماذا قدمتما لنا من تنمية ومشاريع إنتاجية وأنتما رب السلطة والحكومات المتعاقبة؟».
  عشرون عاماً وحركة أمل وحزب الله في السلطة التنفيذية، أو إن قرار صناعتها بيدهما. فمطالب نوابهما وخطاباتهم المملة ومجموع وزرائهما طوال العقدين المنصرمين، ليست إلا إدانة واضحة وصريحة لتقصير هذا «الثنائي» الذي لم ينجح حتى الآن في تشغيل مستشفى حكومي واحد، ولا شق طريق واحدة «متل الخلق» أو حتى تعبيدها بشكل لا تفوح منه رائحة فساد. ولولا التدخل الإيراني المباشر لشق أوتوستراد بعلبك ــــ الهرمل، لبقيت الطريق على الحال التي كانت عليها منذ أيام الانتداب. وهما لم ينجحا حتى في توفير فرصة عمل واحدة من دون ذلّ طالبها. ولم يحققا لأهلهما و«شعبهما» ما حُرموه منذ تأسيس لبنان الكبير. وبالتالي فإن من حق ناس بعلبك ـــ الهرمل أن يسألوا ممثليهم في السلطتين التشريعية والتنفيذية: ماذا قدمتم لنا وماذا فعلتم بنا؟ وبماذا قصّرنا معكم حتى تقصّروا معنا؟ أين مشاريعكم الإنمائية، وأين مؤسسات الدولة التي تتحكمون بها؟ ولماذا تطلبون منا ما عجزتم عن تحقيقه في عقدين من الزمن؟

على الحدود




                                               

              ثوار سوريا اللبنانيون عبء على الثورة


عفيف دياب


من مشاريع القاع وجرود عرسال، وصولاً الى الطفيل وقرى سورية ثائرة على الضفة الأخرى من الحدود، عشرات المقاتلين اللبنانيين ينتشرون مع مقاتلي المعارضة السورية في الأودية وخلف المتاريس. يمارسون هواياتهم في التمرد والفوضى والتهريب. وحدهم ضباط من «الجيش السوري الحر» يعملون على وقف هرطقات أولاد لبنان الشقيق 

****

يخرج زائر خط الحدود اللبنانية ــ السورية، وبعض الداخل السوري، بانطباعات قاتمة. أصبح اللبنانيون قادة ثورات وخبراء في فنون العسكر والقتال واستراتيجيات «هزّ» كيانات أنظمة، ومعلمين في فكّ حروف لغات الانتفاضات الشعبية. أصبح كل لبناني يقطن على مقربة من حدود سوريا وعلى تواصل يومي مع شعبها، إن تهريباً أو علاقة مصاهرة أو صادقاً في حبه لفقرائها، صاحب حق في رسم مسار ثورة وتقرير مصيرها.
يعود زائر حدود لبنان الشرقية مع سوريا بمشاهد متنوعة. المناصرون لـ«الثورة» ضد نظام الرئيس بشار الأسد، تخالهم وصلوا للتو من معسكرات تشي غيفارا في غابات كوبا، فيما يوحي مناصرو النظام اللبنانيون بأن الرئيس السوري لا يقدم على خطوة عسكرية من دون استشارتهم. وحدهم السوريون يدفعون ثمن «تخبيصات» مجموعات لبنانية، موالية ومعارضة، تصفّي حساباتها اللبنانية بالرصاص على أرض حمص والقصير وجوسية وربلة والنزارية، مروراً بفليطا وعسال الورد ورنكوس وأطراف الطفيل بجانبيها السوري واللبناني، وصولاً إلى دمشق ومزارعها الغربية والجنوبية.
يجلس «الثائر» اللبناني أحمد مع مجموعة من المقاتلين السوريين في أطراف مشاريع القاع. لا يتجاوز عمر الشاب العقدين. يرسم للسوريين الخمسة خطة هجومهم على موقع للجيش النظامي. يرسم على التراب، بسكين صغيرة، خريطة الهجوم والاقتحام... والانسحاب إلى لبنان. يستمع الخمسة، بانتباه شديد، إلى «القائد» أحمد وأفكاره العسكرية. يعيد الشرح مرة تلو أخرى. يستفسرون عن بعض النقاط الملتبسة في الخطة، فيشرح مجدداً. يسدل الليل ستاره. تنطلق المجموعة للهجوم. أقل من نصف ساعة وتسمع رصاص الاشتباك المتبادل بين «الثوار» وحامية الموقع غير البعيد عن قرية ربلة. يحاول «القائد» أحمد، بعد نصف ساعة من الهجوم، الاتصال بالمجموعة. لا أحد يجيب: «يمكن استشهدوا» يقول. ويتابع: «ما التزموا بالخطة اللي حطيتها»!
تسأل «القائد الثائر» عن علومه العسكرية والمعارك الحربية التي خاضها. الشاب البقاعي المتحمس لإسقاط نظام الأسد لا يعرف من «العسكر» إلا بندقية كلاشنيكوف تدرب على الرمي بها في جرود قريته بالفطرة: «السوريون مساكين ما بيعرفوا شي. لازم نساعدهن». لكنك سببت مصيراً مجهولاً لخمسة أشخاص؟ يجيب الذي لا يعرف إلا مهنة التهريب منذ أن ولد: «هني ما فهموا عليّ»!
يدّعي لبنانيون مناصرون لـ«الجيش السوري الحر» أنهم «أهل الصبي»، وأن «الثورة» السورية تحتاج إلى خبرات عسكرية لبنانية. ففي جولة على مواقع مقاتلين لبنانيين وسوريين يتبين أن المجموعات اللبنانية ليست إلا عبئاً على «الثورة». لا يخفي أحمد «أمّيته» في العلوم العسكرية، لكنه لا يجد حرجاً في التعلم... تعلّم يبدو أنه يودي بحياة شباب سوري متحمس يعمل ضباط سوريون منشقون على وضع حدّ له ووقف «هرطقات» بعض اللبنانيين. يقول النقيب أمجد على محور فليطا ــــ عرسال إن مجموعته تضم «ثواراً» من لبنان، و«لكننا لا نسمح لهم إلا بتوفير الدعم اللوجستي». ويؤكّد: «نحن نقرر أين ومتى وكيف نشنّ هجماتنا على مواقع الجيش» السوري، مشيراً إلى أن هناك مجموعات سورية لبنانية مسلحة تهاجم مواقع للجيش السوري «من دون تنسيق معنا وفاتحة على حسابها».
كلام النقيب أمجد لا ينطبق على أرض الواقع؛ فمشهد «القائد» أحمد يتكرر في أكثر من نقطة حدودية تقع تحت سيطرة مقاتلين سوريين ولبنانيين لا علاقة «عسكرية» لهم مع «الجيش الحر». على الخط الحدودي اللبناني ــ السوري بعمق نحو كيلومترين داخل الأراضي اللبنانية، ويمتد على مسافة تقدر بنحو 90 كلم من مشاريع القاع، مروراً بجرود رأس بعلبك وعرسال، وصولاً إلى الطفيل وامتداداتها نحو لبنان وسوريا، تنتشر مجموعات قتالية أو مراكز تدريب محدودة ومتواضعة «لا يمكن وصفها بمواقع ذات قيمة عسكرية يعول عليها»، بحسب أحد اللبنانيين كان قرب قرية معربون المتاخمة للحدود مع سوريا. يوضح الشاب الثلاثيني أن هذه المواقع هي «محطة انطلاق أو استراحة قبل اجتياز الحدود الدولية نحو الأراضي السورية»، مؤكداً أن تجمعاتهم ليست ثابتة. ويوضح قائلاً: «ندخل إلى الأراضي السورية وننفذ عمليات ضد الجيش النظامي، ثم نعود إلى الأراضي اللبنانية قبل القيام بهجوم آخر». ويقول مقاتلون لبنانيون وسوريون يتخذون من وعورة جرد رأس بعلبك مواقع آمنة، إن عبورهم لمناطق مختلفة من ريف دمشق المتاخمة للحدود مع لبنان «يكون ليلاً ونهاراً بالتنسيق مع جنود نظاميين يتلقون رشى مالية»، ويكشفون أن «مهماتهم تقتصر على تهريب بعض البنادق وذخائرها، ومواد غذائية». ويقول أحدهم: «أحيانا نهاجم دورية إذا اعترضت طريقنا».
هل «المساعدة» اللبنانية لـ«ثوار» سوريا، تقتصر فعلياً على مجموعات من المهربين وجدوا في دعم «الجيش السوري الحر» باباً للارتزاق كمعيار أول؟ يجيب عن هذا السؤال «ثائر» لبناني من عرسال: «لا ننكر أن ثمة مهربين يستغلون الوضع في سوريا»، موضحاً: «إننا والجيش الحر نحتاج إلى خبرات المهربين». ويؤكد «أبو القعقاع» العرسالي، من جهته، أن «الواجب العقائدي ــ الطائفي هو أساس دعمنا للثورة على بشار الأسد»، مشيراً إلى أن «المصلحة المشتركة» تقتضي التعامل مع مهربين، و«إن تدخلوا في أمور عسكرية لا يعرفونها».
في جرود عرسال الجنوبية ــــ الشرقية يتخذ لبنانيون مع عدد من المقاتلين السوريين في واد محصن طبيعياً موقعاً لهم. يعبرون تحت جنح الظلام إلى داخل الأراضي السورية. قتل 3 منهم خلال الأسبوعين الماضيين، أحدهم لبناني، خلال اشتباك مع الجيش السوري قرب مزرعة قارة السورية. لا يخفي أحد «الفدائيين» السوريين، من خارج ما يعرف باسم «الجيش الحر»، أن المهربين اللبنانيين «يساعدوننا كثيراً». لكن كيف أصبحوا قادة معكسرات تدريب لـ«الثوار»؟ يؤكد «أبو الوليد» أن «المصيبة جمعتنا. كلنا نريد إسقاط الأسد». هنا يتدخل ابن مجدل عنجر الذي نذر نفسه لدعم «ثوار سوريا» لينفي تهمة «المهرب» عن نفسه. ويقول: «كنت أخدم في الجيش اللبناني. وعندي خبرة عسكرية كبيرة. لست مهرّباً». ويضيف محتداً: «حتى اليوم، نفذت أكثر من عملية ضد جيش الأسد»، مؤكداً أنه درّب 30 سورياً على استخدام السلاح.
من قرية معربون اللبنانية، صعوداً نحو الطفيل، ومنها إلى أطراف قرى عسال الورد وحوش عرب ورنكوس السورية، خط تماس عسكري بين الجيش السوري و«الجيش الحر» ومجموعات لبنانية تتخذ من البساتين والجرود الوعرة في شمال شرق الطفيل من المقلب السوري مواقع قتالية لها. لا يخفي المقاتلون أن الجيش النظامي يحاصرهم من الجنوب والشرق، وأن سيطرتهم على «جيب» حدودي مع لبنان (أكثر من 25 كلم) وفّر لهم دعماً مقبولاً. ويقدم العقيد السوري المنشق عن الجيش النظامي «أبو هيثم» قراءة عسكرية لما يجري هناك، مؤكداً أن غارات المقاتلات السورية قرب الطفيل «قبل أيام لم تصب أهدافها»، وأن الصواريخ التي أُلقيت هدفت إلى قطع التواصل مع لبنان، موضحاً أن المناطق المتاخمة للطفيل اللبنانية، وصولاً إلى عسال الورد وحوش عرب ورنكوس والمزارع الصغيرة المتناثرة هناك «تُعَدّ ساقطة عسكرياً بيدنا»، معرباً عن اعتقاده أن قوات «الجيش الحر» «ستسيطر قريباً على خط حدودي مع لبنان، يضمن لها التوسع جنوباً وشرقاً وفكّ الحصار».


بلاد بلا أخلاق

أن تكون صباحاً في أعالي جرود الطفيل وعرسال، ومساءً في مشاريع القاع، فهذا يعني أن لعنة الجغرافيا والتاريخ والعلاقات المشتركة بين سوريا ولبنان، ستبقى تطاردك لأنك لم تعد تفهم حقيقة ما يجري في الأودية وبساتين التفاح. فما بين بلاد «سوا ربينا» من فرح وحزن وقتل وأوجاع تحملها ممارسات سلطة مسّها الشيطان هنا، وقمع قاتل هناك، سيبقى الموت خبز الفقراء بلا منازع. في أزقّة فقراء قرى المصاهرة والعلاقات الإنسانية الجميلة على جانبي الحدود، البراءة يخنقها حوت طوائف القتل هنا... وتمساح الدموع هناك.
أن تكون في جمهوريات الحدود اللبنانية المنسيّة أصلاً وفصلاً منذ أن وجد «لبنان الكبير»، فهذا سيدخلك الى حلبة رقص الطوائف والمذاهب، وكيف نصفي حساباتنا اللبنانية هناك، وكيف ننقل عدوى «مذاهبنا» الى بلاد شقيقة خلف الجبال الوعرة والسياج الأسود منذ عقود. تسمع قصص الوجع هنا وهناك، وتحزن لموت بطيء يزحف نحو يباس الحقول. عند الحدود، تتصارع شعوب لبنان من أجل تدمير وطن شقيق. هذا مع النظام، وذاك مع ثورة. وما بين النظام والثورة فعل شيطان يأكل من اللحم اللبناني ـــ السوري، حيث لا فعل لنا ولهم إلا الرقص على حدود موت بلاد بلا أخلاق.