الخميس، 4 أغسطس 2011

مطران 14 آذار (لا) يغادر زحلة


أندره حداد: مطران 14 آذار (لا) يغادر زحلة

 
عفيف دياب
ـــــــــــــــــــ
   بعد أكثر من 3 عقود أمضاها في زحلة قابضاً على مفاتيحها وأسرارها السياسية والاجتماعية، وحتى الأمنية، يستعد المطران الأكثر إثارة للجدل وصناعة للعداوات السياسية، أندره حداد (82 عاماً)، لتسليم مفاتيح مطرانية زحلة الكاثوليكية إلى المطران الجديد عصام درويش، الذي يعول عليه في ترتيب البيت السياسي للمدينة
*****
تستعد مدينة زحلة، ومعها لبنان وبعض سوريا، لحدث ديني ـــــ سياسي يوم 13 آب المقبل، يتمثل بالإعلان في حفل رسمي وشعبي عن تعيين المطران عصام درويش «قائداً دينياً» لأبناء الطائفة الكاثوليكية في عاصمة الكثلكة في الشرق. المطران الجديد سيخلف المطران أندره حداد، الذي لن يغادر المدينة بعد ترك قيادة أبرشية مطرانيتها، هو الذي له بصمات كثيرة في الحياة السياسية المحلية.
لا يخفي حداد بين أوساطه دورَه في تسمية خلفه المطران درويش على رأس القيادة الدينية في زحلة «لما يتمتع به من ميزات وقدرات يعول عليها» لترتيب البيت الزحلي الداخلي بعد استفحال الخلافات السياسية بين قواها الحزبية وبيوتاتها السياسية المتنوعة. و«ربما يحقق نجاحات أفضل مني»، يقول المطران، الذي سيغادر بعد تاريخ طويل من المشاكسات السياسية مع عدد كبير من القادة السياسيين والأمنيين اللبنانيين والسوريين، الذين نسج معهم علاقات ودّ حين ساروا وفق رأيه، وعداوات منقطعة النظير عندما خالفوه الرأي، أو لم يلبّوا مطالبه باسم أهل المدينة.
يعرف حداد خبايا زحلة وأسرارها. ويمكن القول إنه أسهم في صناعتها ورسم بعضها، واضعاً مفاتيحها «الخطرة» في جيبه منذ أن وصلها من قرية روم الجنوبية، مهجراً مع بدء الحرب الأهلية اللبنانية، قبل أن يصبح مطرانها الأول في 19 حزيران 1983. يتمتع الرجل، الجنوبي المولد والبقاعي الهوى، بذاكرة قوية تختزن الكثير من الأسرار. وعلى حد قول زحلاوي صديق حميم لحداد، فإن «مستودعاً من الأسرار في رأس المطران.. لو كشف بعضها لكان قد غير الكثير سياسياً واجتماعياً في المدينة ومنطقتها، مقفلاً بيوتاً، ومُنهياً حياة سياسية لهذا أو ذاك».
«غرام» غازي كنعان
وصل أندره حداد الى كرسي مطرانية زحلة والمدينة تتألم من الحصار العسكري السوري. وضع المطران خطة لإنهاء الحصار بأقل الأضرار السياسية والعسكرية، ما أدى الى نشوب خلافات بينه وبين قادة عسكر الجبهة اللبنانية. نجح خليل الهراوي وإيلي الفرزلي في ترتيب لقاء بين حداد وغازي كنعان (آب 1983) في تمثال السيدة العذراء في أطراف زحلة الجنوبية. تحدث الرجلان لمدة ساعة، وانتهى اللقاء بإطلاق سراح عدد من الموقوفين الزحليين، وبجملة شهيرة قالها كنعان لحداد: «أحببتك أيها المطران. وكرمالك سأخلص زحلة. وأقسم بشرفي العسكري إن أحداً لن يدخل المدينة إلا على جثتي».
نجح حداد وكنعان في وضع ما أصبح يعرف لاحقاً بـ«الحل الزحلي». أقنع المطران القوات اللبنانية وحزب الكتائب بوجوب مغادرة المدينة، وأسهم خليل الهراوي في تنظيم الاتصالات السياسية مع بيار الجميل وكميل شمعون، حيث اقتنع الأخير بوجوب الحل السلمي، قائلاً للهراوي: «نحن لا نقدر على أن نفعل لكم شيئاً. حلوا أزمتكم وتصالحوا مع السوريين». كرس حداد مصالحة زحلة مع سوريا. انسحب عسكر القوات والكتائب وافتتحت الاستخبارات السورية مفرزة أمنية لها في المدينة كان تاريخها أسود. تطورت العلاقة بين حداد وكنعان، وأصبحت الثقة المتبادلة بين الرجلين مفتاح بدء الحوار بالتواصل مع زحلة سياسياً واقتصادياً. فالاتصالات واللقاءات اليومية بين رجل سوريا الأول في لبنان ومطران «عاصمة الكثلكة» في لبنان والشرق، لم ترحم الأخير، الذي اتهم بأنه «العميل السوري الذي يمشي معهم على العمياني». وهنا لا يخفي حداد امتعاضه من هذه التهمة، التي أسهمت في إعاقة عمله داخل زحلة وخارجها، لكن «أعرف أن الزحلاوي لن ينسى أن السوري دمر مدينته وهجره. جربت زحلة الحرب مع السوري وفشلت، لذا لم يكن أمامنا سوى العلاقة مع دمشق. عملنا كان لإنقاذ زحلة، وقد أنقذتُها بحكم علاقتي مع غازي كنعان، وزياراتي لسوريا مع قادة زحليين». يضيف: «كنت مقتنعاً بأن العلاقة الجيدة مع السوريين هي الحل الصحيح. الحل أعطانا السلام، ولاحقاً من اتهمني بالخيانة أصبح ابن العروبة والمدافع الأول عنها».
لا ينكر المطران الجوانب السلبية للسوريين في لبنان، فهو كان يقول لغازي كنعان مباشرة إن تدخلهم السافر في أصغر الأمور وأكبرها ليس صحياً، بل إنه مسيء إلى العلاقة بين البلدين، لكنه لا يخفي في المقابل أن المسيحيين أخطأوا في تعاملهم مع سوريا. «فالموقف السلبي منها أدى الى تراجع دورهم في الدولة ومؤسساتها بعد توقف الحرب الأهلية، واليوم أصبح من كان يقصف سوريا مدافعاً عنها».
انتقام رستم غزالي
العلاقة الودية الطويلة جداً بين مطران زحلة اندره حداد وسوريا انهارت مع مغادرة غازي كنعان لبنان، وتولي العميد رستم غزالي رئاسة جهاز الأمن والاستطلاع. حارب غزالي كل أصدقاء كنعان في لبنان، وأخذ بقص أجنحتهم وتحجيم أدوارهم وتقريب آخرين منه. ساءت العلاقة كثيراً بين حداد وغزالي، جراء اعتراض المطران على حفل غذاء تكريمي لأبي عبدو قائلاً: «يجب تكريم أبو يعرب لا أبو عبدو». تدهورت العلاقة الى أن اغتيل الرئيس رفيق الحريري سنة 2005، ففجر حداد غضبه على أداء رستم غزالي، مرحباً بالانسحاب السوري والخلاص من «الوصاية التي دمرت البلدين».
عارفو المطران اندره حداد لا يخفون تقربه الوثيق من 14 آذار، ويؤكدون أنه وجد في شعارات السيادة والحرية والاستقلال ما يحاكي وجدانه وقناعاته، لذا أخذ موقفاً داعماً لـ14 آذار في انتخابات 2005 و2009 النيابيتين، وانتخابات زحلة البلدية الأخيرة. هذا الانحياز ولّد حرباً ضروساً في زحلة مع الياس سكاف والتيار الوطني الحر، حيث حاربهما المطران بقوة، ولم يوفر جهداً لإسقاطهما في انتخابات 2005 و2009. فحداد كان ينظر إلى الطرفين كخونة، لكونهما تحالفا مع حزب الله «ضد الوجدان المسيحي».
اعتراض حداد على تحالف سكاف وميشال عون مع حزب الله لم ينته حتى مع قرب مغادرته كرسي المطرانية. فهو يتهم الطابور الخامس بالإساءة إلى العلاقة مع الياس سكاف، و«نقل الحكي». سوء الفهم بين الرجلين لا يحجب مقولة حداد الدائمة: «بيتان في زحلة مهمان جداً: بيت المطرانية وبيت سكاف، لكن نقل الحكي أحياناً يوتر العلاقة التي هي اليوم حلوة. هون في حكي قد ما بدك».
جعجع رجل «مهذّب»
«حلاوة» العلاقة اليوم بين حداد وسكاف، وعلقمها مع ميشال عون، ليست كحلاوتها مع سمير جعجع، الذي كاد أن ينهي حياة المطران من خلال تفجير سيدة النجاة لقتل خصمه إيلي حبيقة سنة 1988. يجد حدّاد في جعجع اليوم «السياسي اللبناني الأكثر واقعية من عون»، والرجل «المهذب». فقائد القوات اللبنانية اعتذر من الأخير في خلوة مشتركة قبل سنتين و«11 سنة تحت الأرض غيرت الزلمي». قبل حداد الاعتذار مهدياً «الحكيم» صليباً قائلاً له: «خذ هذا صليب المسيح الحقيقي، وصليبك المشطوب غير حقيقي».
تقرب حداد من القوات اللبنانية على حساب سكاف وعون في زحلة، ترك آثاراً سلبية على علاقاته مع قادة زحلة الآخرين. فالعلاقة السيئة مع آل الهراوي منذ أواخر عهد الرئيس الياس الهراوي لم ينجح الأحباء في ترطيبها اليوم، نتيجة الحرب الخفية بين الهراويين والقوات على زحلة. والعلاقة مع نقولا فتوش لم تكن يوماً على ما يرام، ويفضل حداد «عدم الحكي» عن هذه العلاقة الملتبسة. غطى بعباءته الكتائبيين، طارداً من تحتها كل من يحاول المس بهم. اليوم، يبدو حداد مصراً على إعطاء صك براءة لنواب زحلة الذين لم يكن يقدّر لهم الوصول إلى البرلمان لولا دعمه السياسي والديني.

فرحة سكافية وعونية
يُعَول كثيراً على مطران زحلة الجديد عصام درويش في إعادة ترتيب البيت الداخلي السياسي لزحلة، بعد استفحال العداوات بين قادتها وأحزابها، وحتى مع بعض جيرانها. فدرويش (السوري الجنسية)، الذي فرح أنصار التيار الوطني الحر بتعيينه مطراناً على زحلة لكونهم يعدّونه مناصراً لهم، عَقَد خلوة مع النائب السابق الياس سكاف خلال الأسبوع الماضي ناقشا فيها مختلف القضايا السياسية التي تهم زحلة ومنطقتها، وصولاً الى تنظيم حفل قداس التنصيب، الذي دعي اليه الرؤساء الثلاثة، والنائب ميشال عون، ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون، والنائب ميشال فرعون، إضافة إلى عدد كبير من الشخصيات السياسية الكاثوليكية.


الاخبار - 3\8\2011