الثلاثاء، 17 أبريل 2012

راوول يوماران







راوول يوماران طبّاخ «الحركة الوطنية»



    عفيف دياب
   من العمل طبّاخاً في عدد من أبرز مطاعم لبنان، انتقل رويل نقولا يوماران، المشهور باسم راوول، إلى إعداد الطعام لمقاومي «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية: بعدما تفرّغ في الحزب الشيوعي اللبناني. بعض من ذكريات الرجل الثمانيني مع «الزمن الجميل»
ــــــــــــــ
   لم تمهل معارك حرب الجبل سنة 1983 وليد جنبلاط لكي يتناول «الترويقة» التي أعدّها له رويل نقولا يوماران، المشهور في البقاع باسم راوول. يتحسّر الرجل على الوقت الذي أمضاه في المطبخ يعد طعام الفطور لجنبلاط، الذي كان في دمشق، وعرّج في طريق عودته على مركز الحزب الشيوعي اللبناني في سعدنايل لإجراء اتصالات بقادة حزبه في محاور الجبل: «بقيت شي ساعة زبّط بربّ الترويقة.. وصل الرفيق وليد وحكى على اللاسلكي مع الشباب بالجبل وضلّ رايح ركض من دون ما ياكل لقمة من ترويقتي». يتابع وكأن الأمر حصل بالأمس «كتير قهرني وليد جنبلاط».
رويل يوماران الآشوري ــ اللبناني، المولود في حيّ المعلقة في زحلة سنة 1928، احترف فن الطبخ الغربي والشرقي، وتحول إلى أكثر الرجال الموثوقين عند قادة «الحركة الوطنية اللبنانية»، مع بدايات الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 بعدما تفرّغ كلياً في صفوف «الحزب الشيوعي اللبناني»، متولياً قيادة إعداد الطعام للمقاتلين على مختلف محاور القتال من بيروت إلى الجبل والبقاع، وصولاً إلى الجنوب. ويقول راوول، إنه بدأ منذ أواسط ستينيات القرن الماضي تعلّم فن الطبخ، لينطلق بعدها في رحلة العمل في أرقى المطاعم في وادي البردوني، زحلة، جونية، بيروت وانطلياس وشتورة «ومع بداية الحرب الأهلية تركت العمل في المطاعم وتفرّغت في الحزب الشيوعي بعدما طلب مني الرفاق ذلك».
لم يتعب راوول من «شرب العرق» رغم حالته الصحية الصعبة، رافضاً نصائح الأطباء. فهو يمضي ما تبقى له من عمر في بيت صغير في حي الأشوريين في كسارة جنوب زحلة، ويقضي معظم وقته في إعداد «سفرة» صغيرة له ولأقرانه الأشوريين الذين يضيّعون أوقاتهم في شرب العرق بعدما أتعبهم العمر وهجرة أولادهم إلى بلاد الله الواسعة «بس قوم من النوم، بشعّل الصوبيا وبحط الطاولة وقنينة عرق وشوية خيار وزيتون وصحن لبنة». ويضيف «ما عندي حدا. هون بالضيعة كم واحد متلي. منتسلى بشرب العرق»، مبدياً أسفه لأنه لم يعد يسمع جيداً و«ما عم شوف منيح كمان».
هاجر جد راوول هوميروس ووالده من شمال العراق إلى شمال تركيا أوائل العام 1910 هرباً من الظلم. يقول: «بعدها ذهبت العائلة كلها إلى روسيا، والتحق والدي نقولا بجيش القيصر هناك، وبعدها التحق بثورة الرفيق لينين وانتصروا». في العام 1920 قرّر والد راوول وأعمامه ترك موسكو والهجرة إلى أميركا «وصلوا إلى زحلة وما عاد يقدروا يروحوا على أميركا». أسس والد راوول حانوتاً صغيراً لصناعة الأحذية وترميمها في حيّ معلقة زحلة حيث ولد «الرفيق» راوول سنة 1928، ونزل إلى العمل في سنواته الأولى مساعداً لوالده الذي شمله لاحقا إحصاء 1937 وأصبح لبنانياً مع مجموعة من الأشوريين المهاجرين من روسيا والعراق وتركيا. «بقينا في المعلقة حتى العام 1969، ثم انتقلنا إلى كسارة بعدما شيّد مجمع الكنائس التابع للكنيسة الأشورية مجموعة من المنازل والغرف الصغيرة لأبناء الطائفة هنا، وصار للأشوريين ضيعة خاصة بهم».
عاش رويل يوماران فتوته وشبابه متنقلاً من عمل إلى آخر، ومع بدء تشكّل وعيه السياسي، اكتشف أن والده كان ناشطاً في الحزب الشيوعي الروسي قبل أن يصبح شيوعياً لبنانياً مع تأسيس الحزب سنة 1924 «لا أعرف كيف انتسبت إلى الحزب الشيوعي، لكني أعرف أن العائلة كانت في الحزب». يتابع «كنا نعمل بشكل سرّي، وأقام عندنا خالد بكداش حين هرب من سوريا في أواخر الخمسينيات، كما زارنا فرج الله الحلو في زحلة مرة واحدة». لا تسعف الذاكرة راوول كثيراً، لذلك يستعين الرجل الذي أصبح في الثالثة والثمانين من عمره، بصديقه وقريبه جورج لسرد بعض القصص المشتركة، أو تلك التي تشمل عائلتيهما منذ زمن الهجرة من شمال العراق الى تركيا وروسيا ولبنان واميركا وبلجيكا والسويد والمانيا والنمسا حيث يتوزع افراد عائلة يوماران الأشورية و«ما عاد في حدا غيرنا هون».
رفض راوول فكرة الزواج أو الارتباط. فالزواج مؤسسة فاشلة برأيه «كما أني أمضيت عمري في العمل الحزبي وتعلم الطبخ وشرب العرق. لم أفكر يوماً بالزواج. كنت أمضي وقتي في العمل وفجأة صرت كبيراً، أمضي ما تبقى لي من وقت هنا في الضيعة». يعيش راوول متقاعداً اليوم في منزله، ويتقاضى راتباً شهرياً من الحزب الشيوعي الذي أمضى فيه حياته: «تفرّغت في الحزب سنة 1975 بناء على طلب الرفيق فاروق دحروج الذي كان مسؤولا عن البقاع. قال لي الرفيق بدنا حدا نوثق فيه ويعمل أكل للشباب». بدأ راوول إعداد طعام المقاتلين في الحزب الشيوعي والحركة الوطنية في النبي سباط وعرسال وبريتال، وصولاً إلى بيروت والجنوب والجبل. ويفتخر كثيراً أنه أعدّ الطعام لشخصيات مثل جورج حاوي ومحسن ابراهيم وألبير منصور وجورج حبش وفاروق دحروج وانعام رعد وعاصم قانصوه والياس عطالله و«كنت أطبخ للشباب في ساقية الجنزير وتلة الخياط وراس النبع ومراكز كثيرة. كانت الحركة الوطنية تجتمع أحياناً في مراكز الحزب وكنت اجهز لهم الطعام».
بعد العام 1984 استقر راوول بشكل دائم في البقاع، حيث تفرّغ لإعداد طعام شباب «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» الذين كانوا يمرّون سرّاً على مراكز الحزب الشيوعي في سعدنايل وقب الياس و«كان كبار المسؤولين في الحركة الوطنية حين يعودون من دمشق يمرون على مركز الحزب وأجهز لهم الطعام. ويا ريت بترجع أيام النضال الحقيقي».


حنين إلى الصيد
يعشق راوول يوماران اصطياد الضفادع، لكنه لم يذهب إلى الصيد منذ زمن لأن «صحتي تعبانه». الرجل المشهور في منطقة البقاع بأنه أفضل من أعدّ صحن ضفادع وكأس عرق، كان يحمل صنارته وسلّته ويجول في البقاع الغربي لاصطياد أجود أنواع الضفادع التي كان بعض قادة الحركة الوطنية يتسابقون على تناولها. اليوم، يفتقد راوول الأيام السالفة، التي كان يستضيف فيها إلى مائدته العديد من الشخصيات التي كان كثيرون يتطلّعون إلى مجالستها والاستماع منها إلى أخبار لبنان. لكن الزمن لا يعود إلى الوراء.

معرفتي فيك




معرفتي فيك
  
صالح ملحم 
 لم يك لينسى تلك اللحظات التي يستفزها متعمداً فيصفها بالفتاة البرجوازية ، كان أمر مخجل ومحرجاً لها ، أما هو الذي يعي ذلك جيداً كان يهدف في لقاءاتهما إلى استفزازها بتلك الكلمات لا لشيء فقط ليدفع الحوار بينها إلى لحظة الانفجار بأسرع الطرق ثم يلي ذلك لحظة من الهدوء يتخللها فجأة صوتها تغني " معرفتي فيك " ثم تبدأ بالرقص على ايقاعات موسيقى لزياد رحباني  ......  تلك كانت أجمل اللحظات التي لا ينساها في عام 1984
 في المرفأ إلتقاها لأول مرة ، صورة الفتاة العشرينية الغنية ابنة صاحب العمل التي ترتدي الميني جيب و الممتلئة بالعطور ،  المغرورة إلى حد الغباء ،الجميلة لدرجة الدهشة ، التي أوقف  عمله ليتأملها وهي تعبر من جانبه دون ان تلتفت له، تلك الصورة لم تغادر أحلامه منذ صيف 80  
 يدق باب منزلهما بقوة ، فقد استطاع أن يحصل على شريط الرحباني الجديد " هدوء نسبي " ، وقد وعدها ان يستمعا إليه ، وهي لغاية الآن لا تفتح .....
" بلا ولاشي .......... بحبك
ولا في بهل  الحب مصاري
ولا ممكن في ليرات
 ولا ممكن في أراضي
 ولافيه مجوهرات  "  
كان يرافق الشريط مغنياً والابتسامة تملأ وجهه وهوينظر إليها  ، انتصر له زياد بهذه الأغنية  ........... كان ذلك في عام 1987
  في 16 أيلول من كل عام يحتفلان معاً في ذكرى اطلاق جبهة المقاومة  الوطنية وفق طقس بوهيمي ، يستمعان لأحدث أشرطة زياد ثم يتناولان العشاء مع النبيذ  لتبدأ بعده بالرقص ، حتى في تلك الأعوام القليلة التي تلت الاجتياح كانت تّصر على الرقص ، منفردة ً ترقص وتبكي وتغني ، تتذكر جورج وكمال وعمر وكل الرفاق الذين رحلوا تباعاً ، إلا أن هذا العام 1990 ليس كسابقه فهو لم يتناول العشاء معها ولم يحتس النبيذ ولم يستطع حتى استفزازها بكلماته عن منشأها البرجوازي ، فقد ودعها فجراً وهي متجهة لسفح جبل الشيخ بمهمة كلفت بها ...    
 لم تستطع ان تتحمل مشهد احتراق بيروت ، أو أن توافق على وجود جندي اسرائيلي في حيها  خلال اجتياح 82، أو أن تشاهد عبر التلفاز أطفال مخيم شاتيلا يذبحون . هي التي استهزأت منذ بضعة أشهر بكل من يقتل نفسه في سبيل فكرة أو عقيده أو أرض وضحكت منه هو تحديداً و اتهمته بأنه ساذج وأن أفكاره الغريبة المنشأ حول الحرية ورأس المال المتوحش والاشتراكية وغيرها مضحكة، فكان أن تركت ذكريات الطفولة و منزلها الفخم  و تركت أفكارها عن حب الحياة ، ومضت إليه ..... 
 اليوم يرتبط 16 ايلول بذكرى رحيلها ، لم ترجع في ذاك اليوم ،  كل عام يحمل شمعة ويمشي وبجانبه بعض رفاقه ، هؤلان الرجال والنسوة الخمسينيون يجوبون شوارع بيروت ،فلكل منهم فقده .... عندما يصل إلى قبرها يجلس ، لا يبكيها ، لكنه يغني لها كما كانت تحب دوماً اغنية " معرفتي فيك " .... إنه عام 2010
 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
دمشق في  18 – 9 – 2010
*ملاحظة  
هذه القصة مهداة إلى ذكرى الشهداء جورج نصر الله و كمال الحجيري و عمر المحمد ... وإلى الاستاذ عفيف دياب لمقالته المنشورة في جريدة الأخبار عدد الجمعة ١٧ أيلول ٢٠١٠  
http://www.al-akhbar.com/ar/node/206639