الثلاثاء، 14 يوليو 2015

بشار وسعد




                                                         
                                                                   بشار وسعد 










 عفيف دياب
  يوم أيقن الأسد الأب أن أفول نجم أيامه أصبح قاب قوسين أو ادنى، كلف شبله مهمة إدارة مقاطعة لبنان وبدء مرحلة الاستعداد لتولي رئاسة الإمارة السورية، وموكلاً ايضا إلى العميد غازي كنعان مهمة تدريب شبله لا ترويضه. فالترويض تكفل به الأب القائد منذ زمن طويل رغم قلقه من جهل الابن بإدارة تفاصيل ما بناه من تكتيكات واستراتيجيات. ويقول ثقاة عايشوا حقبة تدريب الشبل (1994-2000) أن الأسد كان يعرف نقاط ضعف نجله، وانه أسر لمقربين منه هواجسه وخوفه من ان يدمر "الصبي جنى العمر" ويضيع في التفاصيل وينسى الاستراتيجيات المهمة ويغرق النظام في فوضى لا أحد يعرف كيف تنتهي. ويروي أحد "ثعالب" نسج العلاقات مع أجهزة إستخباراتية تبدأ من السورية ولا تنتهي بالاميركية، أن حافظ الأسد سأل رفيق الحريري يوماً عن عائلته ودراسات و أولاده وهل سيورث لأحدهم إدارة الثروة او العمل السياسي؟ ويضيف "الثعلب" أن الحريري الأب مدح كثيراً بنجله بهاء، مبدياً قلقه من تصرفات ابنه سعد. ويتابع الرجل صاحب نظريات "التفتيت" والتقسيم وحكم الأقليات واهمية تحالفها؛ أن الأسد الأب طلب من الحريري توضيحا أكثر، فقال رئيس حكومة لبنان الاسبق ان نجله بهاء حين "يكمش" التراب يتحول ذهبا، وان سعد اذا "كمش" الذهب يتحول إلى تراب.. ويختم "ثعلب" نسج العلاقات مع الاستخبارات أن الأسد والحريري ضحكا كثيرا، إلى ان صمت الرئيس السوري الراحل فجأة وقال ممازحا ضيفه :"عندي هيك شي يا أبو بهاء.. عندي هيك شي"!!

غازي كنعان والياس الهراوي




                           غازي  كنعان و الياس الهراوي


عفيف دياب  

   كان اللواء السوري غازي كنعان يحب قيادة سيارته بنفسه من مقر إقامته في فيلا الصحفي الراحل سعيد فريحة في مدينة شتورة نحو مقر عمله في عنجر. كنعان الذي ادار لبنان بحنكة وغطرسة وقسوة على مدى ثلاثة عقود، انتحر داخل مكتبه بدمشق سنة 2005. انتحار قيل عنه الكثير ولم ترو حقيقته بعد. كان "أبو يعرب" يقود سيارته المرسيدس التي تلقاها كهدية متواضعة جداً من الرئيس رفيق الحريري، بهدوء قل نظيره عند سائق آلية سورية او حتى لبنانية. كان يلتزم الرجل بنظم السير البسيطة على طول خط شتورة – عنجر البسيط. كان عبوره في ساحة شتورة مناسبة "ترهيبيه" لاستراق النظر إليه وهو يقود سيارته الشبح السوداء. سائقو سيارات الاجرة الذين يفتعلون زحمة غير مبررة في الساحة، سرعان ما كانوا ينتظمون حتى تعبر سيارة كنعان بلا أدنى إنزعاج لها وله.
كان الهمس في شتورة يزداد مستواه ومنسوبه كلما شوهد اللواء كنعان يقود سيارته بنفسه من دون مرافقين و"شبيحة" يعكرون مزاج المارة والعابرين. كانت الاسئلة تتزاحم حول سر هذا الرجل وكيف لا يخاف من إغتيال او إعتداء عليه في زمن الحروب الاهلية الصغيرة أو الكبيرة أو في زمن ما بعد اتفاق الطائف وبدء ادارة دمشق الاسد للبنان من عنجر وأخواتها. سر كشفه لاحقا الرئيس الراحل إلياس الهرواي. كان رئيس الجمهورية يرفض زيارة دمشق ما لم يكن سائق سيارته غازي كنعان. يصل موكب الهراوي الى فيلا كنعان في شتورة. يصعد الرئيس الى سيارة ابو يعرب او بالعكس، وثم يتابع الموكب الرئاسي سيره نحو دمشق. عادة اتبعها الهراوي مع كنعان منذ لحظة انتخابه رئيسا للبلاد المنقسمة في 1989 واتخاذه من ثكنة أبلح مقرا لرئاسة الجمهورية. فيوم أعلن رئيسا للجمهورية من بارك أوتيل شتورة، رفض التوجه الى منزله في حوش الامراء لتقبل تهاني اهالي مدينته زحلة ما لم يكن غازي كنعان سائقه.. سائق قال عنه لاحقا الرئيس الهراوي انه كان أمينا .. وأمنيا لا يخرق. وحين طلب من الرئيس توضيح كلامه اكثر قال:" إذا غازي كنعان عم بيسوق فيك.. ما حدا بيقدر يغتالك. فهمت أو بعد"!!

عبد الناصر والاسد وجارتنا



                            جمال  عبد الناصر وحافظ الاسد وجارتنا 


عفيف دياب 
صرخت جارتنا باعلى صوتها :" يلا قوموا .. شوفو القمر"! ارتعب الجميع من قوة صرختها، وسر دعوتها، وماذ يجري للقمر حتى نركض لمشاهدته. سبقتنا جارتنا حافية القدمين إلى وسط الشارع، محدقة بالسماء والبدر الذي ينير القرية الهادئة في البقاع الغربي.
شو في .. خير؟ ليش صوتك طالع وعم تبكي؟! سألت أم محمود جارتنا ام وليد عن دموعها المنهمرة وسر تحدقيها بالبدر. فاجابتها بصوت متهدج: شوفي يا أم محمود طلعي منيح بالقمر. صورة جمال عبد الناصر . سبحان الله. الله يحب جمال عبد الناصر وطبع صورته على القمر.
عمت الفوضى القرية التي تخالها مسقط رأس عبد الناصر. كيفما تجولت في أزقتها لا تجد الا صور الزعيم المصري، ويد خطاط محترف "خط" من اقواله اذا ما قيس طولها بالامتار لتجاوزت المسافة من المحيط الهادر الى الخليج الثائر.
لا احد لليوم يعلم من أقنع جارتنا أم وليد بان صورة جمال عبد الناصر تزنر القمر. حتى أنصار "الاتحاد الاشتراكي العربي" في القرية كانت لهم "نظريتهم" الخاصة المبنية على ما شاهدته جارتنا، وأن زعيم الامة العربية الراحل أصبح بدراً معلقاً في السماء ينير طريقنا، وأن البدر لا يكتمل إلا بصورة الزعيم الخالد.
جهدت الجارة التي تقرأ كل مساء سورة الفاتحة عن روح عبد الناصر، حتى تقنع الجميع بما شاهدته. ولكي تؤكد صحة "خبريتها" أبلغت جاراتها أن أبو علي الشيوعي – هذا الكافر - نطق حين شاهد البدر بـ:" اشهد ان لا اله الا الله"، وانه سيطلب من رفاقه بموسكو حين يصعدون برحلة الى القمر ان يرسلوا له صورة لجمال عبد الناصر من هناك.
طال إنتظار أم وليد، وأبو علي الشيوعي – الكافر لم يتلق اتصالا من رفاقه في الاتحاد السوفياتي "العظيم"، وكلما التقت به كان "يخترع" لها "خبرية" ليتخلص من اصرارها. وجد الكافر صعوبة في الخلاص من إلحاح أم وليد عليه بالسؤال كلما صادفته الى ان قال لها ان الشيوعيين الكفار في موسكو وضعوا صورة كبيرة لجمال عبد الناصر على القمر، وانهم سيضعون قريبا صورة أكبر لحافظ الاسد . وهنا صرخت جارتنا بالشيوعي الكافر :" يلعن أبوك قوم من هون.. حافظ الاسد قال"!!

ابو وائل



                                                ابو وائل

عفيف دياب 
    سمعت الكثير من السياسيين اللبنانيين عن محمد ناصيف "ابو وائل".  كان أحدهم يفتخر بمعرفته الوطيدة برجل الاسد الأب ولاحقا شبله.  كان هذا السياسي يستخدم مصطلحات ترهيب بحق بعض أقرانه في مهنة التزلف والخنوع عند الأمن السوري. ويفرض على بعض المتمولبن مبالغ مالية بالعملة الصعبة لصديقه "ابو وائل".  كان يستخدم اسم الرجل لزرع الرعب بهدف "السطو" على سيارة اعجبته أو أعجبت ابنته. لا أحد للآن يعرف سر وصول هذا "الوصولي" إلى مكتب محمد ناصيف إلى أن صار طفله المدلل وصاحب المهمات الخاصة. مهمات قيل عنها الكثير ودفنت مع دفن صندوق أسرار الاسد الأب وشبله. مع موت محمد ناصيف خير بك كثر من قادة العمل السياسي والأمني في لبنان، ومعهم اصحاب صحف ومؤسسات إعلامية لبنانية، تنفسوا الصعداء مع موت الرجل ودفن أسرارهم معه قبل أسرار نظامه.