الثلاثاء، 31 يناير 2012

حلب تتأفف

تحقيق




حلب «تتأفّف» من أزمة المحروقات:

     الوضع لم يعد يُحتمل



حلب | سماح عبدو
إنها «ثورة» البيدونات أو الغالونات في مدينة حلب وأطرافها، لم تشهد مثلها المدينة على مرّ تاريخها. فالعاصمة الاقتصادية الثانية لسوريا تعاني اليوم من شحّ كبير في النفط ومشتقاته، وطوابير المواطنين تمتد على مسافات يمكن القول عنها إنها أكبر و«أعقد» من الأزمة التي تمر بها البلاد، سياسياً وأمنياً.
تستيقظ حلب صباح كل يوم على أزمة محروقات، بعدما تكون قد نامت على تقنين كهربائي يسهم في رفع حزنها وينذر بكسر صمتها. كسر للصمت بدأ يتسرّب همساً وعلناً بين «أهل» صفوف الطوابير التي تنتظر الفوز بليتر واحد من المازوت أو البنزين، أو الظفر بقارورة غاز.
فمنذ أسبوع، ينهض «الحلبيون» باكراً لتنفيذ مهمة الانتظار أمام محطات المحروقات، لتتكون جموع من البشر تنتظر في صفوف أوّلها منظور وآخرها يضيع في المدى. مادة المازوت الأساسية اليوم في التدفئة حُدِّد سعرها التمويني (الرسمي) بـ15,65 ليرة سورية لليتر الواحد، في مقابل توافر المادة في السوق السوداء بسعر30 ليرة لهذا الليتر «الذهبي».
وكانت السلطات المعنية قد أصدرت سابقاً قراراً بتأمين 500 ليتر للاستخدام المنزلي فقط للموظفين الرسميين، ثم تبعه قرار آخر بتوزيع 200 ليتر للعائلات القاطنة في المناطق الشعبية (لم يشمل القرار سكان المناطق غير الشعبية) شرط التسجيل المسبق لدى مختار المنطقة، ثم عيّنت هذه السلطات لجاناً من الموظفين المنتسبين إلى حزب البعث العربي الاشتراكي لمراقبة عمل المحطات المغلقة بغالبيتها، ما أسهم في ارتفاع منسوب الفساد المستشري أساساً، فأصبح المازوت يتسرّب إلى أفراد عائلات اللجنة المعيّنة وأقربائهم وأصحابهم.
حال «الغاز» في حلب ليست أفضل من واقع «المازوت»؛ فالمشكلة ظهرت أخيراً بعد اعتماد المواطنين على هذه المادة للتدفئة بديلاً من المازوت «المفقود والمنهوب»، ما أدى إلى ارتفاع سعر القارورة من 275 ليرة (السعر الرسمي) إلى 500 ليرة.
وكان وزير النفط سفيان العلاو قد برر ارتفاع الأسعار بسبب تخزين المواطنين أكثر بكثير من حاجاتهم الفعلية.
أما الأزمة الأحدث التي تواجهها حلب اليوم فهي فقدان مادة البنزين، إذ قفز سعر الليتر من 50 ليرة إلى 75 ليرة، ووصل في بعض نواحي المدينة إلى 100 ليرة، ولا سيما في أقيول وبستان القصر والراموسة، وذلك بتغطية من بعض المتنفّذين.
وكان مصدر مسؤول في محافظة حلب قد صرّح بأنّ سبب أزمة البنزين هو تأخر وصول الشاحنات الآتية من بانياس براً بعد تعرُّض الصهاريج لنيران مسلحين على الطريق.
وفي جولة لـ«الأخبار» على محطات الوقود، يقول أبو محمد، وهو من الموالين للنظام، إن «الوضع لم يعد يُحتمل والدولة إذا لم تتدارك هذا الموضوع، فإن حلب ستعلنها ثورة بيدونات (غالونات)». وهنا يتدخّل صديقه فؤاد ليقول بصوت عالٍ، وهذا بحد ذاته أمر جلل في حلب، «نعم نحن ندعم النظام لكن للصبر حدود».
وأثناء الحوار هذا، جاء صوت أحد عمال المحطة ليقول متهكّماً «بدكن حرية مو؟»، فردّ عليه صوت مواطن من بين جموع المنتظرين: «لا أخي، على هذه الحالة يبدو أننا بدنا نسقط النظام». تداركَ عامل المحطة ذهاب النقاش إلى ما لا تُحمَد عقباه، فصرخ «عم نمزح يا شباب روقوها شوي». وعلى بعد أمتار من هذا الحوار، كان هناك نموذج آخر من النقاش وعلى مستوى مختلف؛ كان الشاب الثلاثيني يحدّث جيرانه في الطابور وأيضاً بصوت مرتفع: «يا أخي، نظام أثبت فشله وبجدارة»، فيردّ عليه آخر «أستاذ يعني يلي عم تسموها ثورة أفضل؟ إنهم جماعة مسلحة شو ما عم تشوف قناة الدنيا؟»، فيأتيه الرد من الشاب الثلاثيني: «يا أخي أنا معك، عصابات مسلحة منذ عشرة أشهر تسرح وتمرح والدولة غير قادرة عل ضبطها؟».
يصمت الآخر قليلاً، ثم يجيبه «يعني بدكن أميركا وإسرائيل يتحكّموا فينا؟».
وهنا يجيبه الشاب «شو دخل أميركا؟
يعني عاجبك هالحالة، أديش صرلك واقف عالدور؟».
فجأةً يصرخ أحدهم: «إي بلا حكي فاضي، قال ثورة قال، روحوا حرروا الجولان بالأول إذا كنتم فعلاً ثوار». يسود صمت قاتل يقطعه صوت عامل المحطة: «بالدور يا شباب بالدور».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

http://www.al-akhbar.com/node/34114


شو همّ الناس اليوم ؟



                  شو همّ الناس اليوم ؟


د. نقولا ألوف
بتكون قاعد بالسهرة وفجأة بيعتم البيت، شو صار؟ شو ها السؤال، وينك إنت، نحنا بلبنان وهيدي مش اول مرّة بتنقطع فيها الكهربا. وبعد القطعة وبعد لحظة بيجي السؤال: شو كان جايي، الكهربا الاصلية امّا الموتير؟ يعني كهربة الشركة صاحبة الامتياز امّ كهربة المولد الرديف؟ كانت الاصلية.
بسيطة، انطروا شواي وبيدور الموتير. فعلاً لحظات ونوّر البيت عن جديد. اوف مين بعد بيقدر يعيش بالعتمة، ها الموتيرات رحمة لولاها لكنا رجعنا لأيام القنديل والشمعة ينذكروا ولا ينعادوا. بس لا طال الزمان ولا تهنينا، كام تكة وبتنقطع الكهربا عن جديد.
ساعتها بيطلع الصوت: يلعن ساعة الكهربا والموتيرات اي متى راح ترجع الكهربا الاصلية لنتخلص من الموتيرات. يللا قوموا طفوا، شوفوا شو في شغّال، شوفوا شو في داير. خفّفوا، هيدي كهربة الموتير مش الكهربا الاصلية. دخلكم لشو بتكفي الخمس امبيرات؟ ليش هودي الخمسة امبير خمسة مظبوطين مش شايف كيف عم تلعب الكهربا والضو بيروح وبيجي؟
شو العمل، الكهربا الاصلية مقننة والموتير عم يعرج والحل؟ سمعت أنو واحد من الجيران ركّب UPS وصار عنده كهربا عا طول، لنعمل مثله لنتخلص من التقنين ومن الموتير. بس ليمشي المشروع مثل ما لازم، لازم نركب بطاريات كبيرة وكَفو لتخزين الكمية اللازمة من الطاقة الكهربائية لتغطي كامل فترة التقنين.
بس يا ترى فينا نعرف اي متى في تقنين وأي متى بتجي الكهربا؟ يا ترى عم تلتزم الشركة بفترات التغذية؟ كام مرّة إجت الكهربا، يعني للاصلية، خمس دقايق وبعدها انقطعت، كام مرّة إجت نص ساعة بس ورجعت انقطعت، كام مرّة بغتتنا وغابت ساعات وساعات. ساعتها كيف بدنا نشحن ونعبي البطاريات؟ مشروع ال UPS بينفع لقطعة كهربا بو ربع لنص ساعة مش اكتر وشو بنعمل إن الكهربا انقطعت اكتر، منعيش على العتمة، شو منكون عملنا؟
طيب إذا كان مشروع ال UPS مش عملي شو البديل؟
ولو ما سمعتو بالطاقة الشمسية يللي بتعطيك ماي سخنة ببلاش كل السنة، ركّبها وشوف، بيكفي تفتح الحنفية لتنزل الماي سخنة بدون قازان على الكهربا ولا على المازوت ولا على الحطب. طيب صار عنا ماي سخنة بس شو منعل بالضو والتلفزيون وبالحاسوب يعني الكمبيوتر وتوابعه من انترنت وتويتر وفيسبوك الخ...؟
هات لنستعمل اشعة الشمس لإنتاج الكهربا. في خلايا حسّاسة على الضو، بيكفي تضربها اشعة الشمس حتى تحوّل الطاقة الاشعاعية لطاقة كهربائية. كل خلية كفيلة بإنتاج تيار كهربائي بقوة فولت واحد. يعني وبحساب بسيط لازم مئة خلية لإنتاج مئة فولت كافية لإضائة لمبة واحدة قوتها مئة شمعة ولازم على الاقل الف خلية لإنتاج خمسة امبير.
ومتل ما بيدل اسمهم عليهم بتشتغل الخلايا الشمسية وتنتج الكهربا ساعة اللي بتتعرض لأشعة الشمس، يعني بالنهار. وبالنهار ما منعوز الضو. فينا نشعل الآلات الكهربائية من برّاد وتلفزيون وحاسوب الخ بس شو منعمل بالليل، كيف منضوّي البيت؟ لازم التخزين للاحتفاظ بالطاقة المجمعة خلال النهار. لازم نوصّل الخلايا الشمسية على ال UPS لاستعمال الطاقة المخزنة نهاراً خلال الليل. نظرياً كله حلو بس يا ترى إن غيمت واكفهر الجو بيضل الإنتاج على ما هو أو بيخف، ساعتها شو منعمل بالليالي؟ وهل ينتاسب الاستثمار مع المردود لأنو الخلايا الضوئية غالية ومكلفة.
تُنتج الكهربا في لبنان وفي العالم بواسطة تربينات اللي بتشغلها شلالات الماي ومن التربينات اللي بتشغلها المحركات العاملة على المازوت أو الغاز أو البنزين. آخر المشاريع تشغيل التربين والدينامو بواسطة مراوح بتبرّمها الرياح وبتحول طاقة الرياح إلى طاقة كهربائية, هيدي المروحة الموصولة بالدينامو بتضل تنتج كهربا طالما عم بتبرم وما بتتعرف على الليل ولا على النهار. يعني فيها تنتج كهربا اربعة وعشرين ساعة على اربعة وعشرين طالما الريح قايمة. بس شو العمل ساعة بتهمد الريح بيوقف كل شي ومنرجع لقصة التخزين و ال UPS.
ركّبت المراجع المختصة خلايا ضوئية ووصلتها مع مراوح لإنتاج الكهربا على عواميد الطريق الدولية بضهر البيدر بهدف الاستفادة من الاشعة الشمسية بالنهار ومن طاقة الرياح اللي بتهب ليلاً نهاراً لتنوير الطريق بالليل بدون حاجة لكهربا المولدات. بالنتيجة وبعد التجربة بتضل اغلب الاضوية مطفية بعد كام ساعة عتمة.
ها الحلول البديلة المطروحة لقطعة الكهربا كلفتها عالية ومردودها قليل لأنها محدودة بالاستهلاك المنزلي. كما أنه مشروع انتاجها، إن كان من اشعة الشمس أو من الريح مش متوفر إلا لمين عنده الامكانيات المالية والمساحة اللازمة بسكنه لتركيبهم. يعني القصة بعيدة عن سكّان الشقق وأهل المدينة.
ومن الامكانيات المتوفرة لاصحاب البيوت إنتاج الكهربا بتحويل مباشر للطاقة الشمسية، أي اشعة الشمس، لطاقة كهربائية بواسطة الخلايا الضوئية. دشّن وزير الطاقة مؤخراً مشروع من هذا النوع غطّت فيه الخلايا الضوئية مساحة 180 متر مربع، يعني مش  بمتناول الكل.
اخيراً، وعلى سيرة الطاقة الشمسية المتجددة كل يوم، في مشاريع دراسات لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة حرارية ومن ثم إلى طاقة كهربائية بواسطة محركات خاصة.
كل هاالمشاريع البديلة ما بتحل مشكلة الكهربا في لبنان وتبقى المشكلة كاملة وما بيكون حلها إلا على مستوى المجتمع ككل إن كان من حيث الانتاج أو التوزيع.

                        

" كلاشن" المقاوم منصور


قصة قصيرة




" كلاشن" المقاوم منصور
عفيف دياب
 .. في السادس عشر من شهر أيلول سنة 1982، صدر بيان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من بيروت المحاصرة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ، ودعا الجميع إلى حمل السلاح ومقاومة العدو الإسرائيلي.
تبلغ " منصور" الأوامر من قيادة الحزب الشيوعي اللبناني بضرورة عودته إلى قريته الجنوبية المحتلة في العرقوب، والالتحاق برفاقه هناك لتشكيل مجموعات مقاومة تضرب الاحتلال الإسرائيلي في مختلف مواقع انتشاره في منطقة حاصبيا ـ مرجعيون.
حمل منصور سلاحه الفردي، واستطاع الوصول إلى قريته بسهولة، مكث أسبوعاً كاملاً ، ثم باشر الاتصالات " بالرفاق " والتحضير لعملية نوعية ضد دورية إسرائيلية تعبر يومياً طريق حاصبيا ـ مرجعيون.
قاد مجموعته إلى المكان المحدد ومعه سلاحه الذي حمله من بيروت المحاصرة إلى الجنوب المحتل. نجحت العملية وسقط عدد من القتلى والجرحى من دورية الاحتلال ، وكانت العملية الأولى من نوعها في المنطقة ، ووصل صداها إلى القرى والبلدات.
رفض "منصور"  تغيير  "الكلاشن" على الرغم من وصول أسلحة من قيادة المقاومة لمجموعته، فهذا " الكلاشن" عزيز على حامله ، ورافقه طوال فترة مقاومة الاجتياح. " ما بعرف قوص بغير هالكلاشن" يقول "منصور ".
شارك "كلاشن منصور" في أكثر من 17 عملية مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي في منطقة مرجعيون ـ حاصبيـا، إضافةً إلى أنه كان الزميل الدائـم لحامله في أكثر من عملية  "زرع عبوات ضد الدوريات" ونصب صواريخ "107" .  فالرفيق منصور كان لا يستطيع التحرك أو التنقل من دون "الكلاشن"،  فكان دائماً في المخبأ السري في سيارته التي كان يتجول بها في طول المنطقة وعرضها، مستطلعاً ومنفذاً ومرافقاً للمقاومين .
استمر "منصور" على هذا المنوال حتى العام 1985 عندما شعر الاحتلال الإسرائيلي أن مجموعات المقاومة تأخذ من قرى العرقوب مراكز انطلاقتها ومخازن أسلحتها، فكثّف دورياته ونشر رجال مخابراته في القرى، في محاولة منه لكشف هذه المجموعات واعتقالها لوقف العمليات العسكرية ضد مواقعه ودورياته.
وبعد أن فشل في تحقيق أهدافه، نظم حملة إعتقالات عشوائية طالت أكثر من 250 شاباً وشابة من قرى العرقوب في سنة 1985، وشملت من عمر  17 سنة وحتى ألـ 65.
طال اعتقال "منصور" ونقل مكبلاً إلى ثكنة مرجعيون معصوب العينين. أربعة أشهر أمضاها بين التحقيق والضرب: ولم يعترف " نافياً كل التهم الموجهة إليه. فشل العدو بأساليبه النازية من انتزاع اعترافات "منصور". أفرج عنه وعاد إلى قريته، وقرر  توجيه ضربة مؤلمة للعدو. اتصل بقيادة "الجبهة" طالباً دعماً من مجموعة ترسل إليه لتنفيذ عملية على طريق مرجعيون ـ الخيام.
لبّت القيادة الطلب، فعملية ناجحة تؤكد للعدو أن حملة اعتقاله للشباب فاشلة ولن ينجح في وقف العمليات العسكرية ضد دورياته ومواقعه.
وصلت "المجموعة" إلى المكان المتفق عليه، والتقت "منصور" المنتظر بفارغ الصبر مع "الكلاشن" العزيز عليه. وانطلقت االمجموعة  سيراً على الاقدام ليلاً حتى وصلت إلى مشارف طريق الخيام ـ مرجعيون حيث كمنت بانتظار مرور الدورية، و" كلاشن" منصور ينتظر لإفراغ رصاصاته بعناصر الدورية.
أكثر من نصف ساعة ولم تمر الدورية ، مشاورات سريعة بين منصور وأفراد المجموعة، "الانتظار ساعة كاملة" وفي حال لم تمر الدورية الانسحاب إلى طريق حاصبيا ـ ابل السقي وضرب إحدى الدوريات الأخرى التي تخرج من مستعمرة ابل السقي باتجاه حاصبيا.
لم تمضِ ربع ساعة حتى بانت طليعة دورية الاحتلال من محلة "الدردارة"، ووصلت إلى مرمى نيران المجموعة، أعطى منصور " الأمر " وانهمر الرصاص وقذائف "ألار.بي.جي" خمسة قتلى و 4 جرحى للعدو حسب اعتراف إذاعته.
فقد العدو صوابه ، وأيقن أن حملة الاعتقالات كانت فاشلة. ولكنه نظم حملة أخرى طالت مرجعيون والخيام وقرى العرقوب وحاصبيا.
غادرت المجموعة إلى قواعدها ، وعاد " منصور " إلى منزله في العرقوب ، نام مرتاحاً وفرحاً.
وفي اليوم التالي ، شعر أن رجال مخابرات العدو يراقبونه، متسائلاً في نفسه "هل يريدون اعتقالي أم يريدون الكلاشن الذي قاومهم من بيروت إلى الجنوب ؟".
أجرى "منصور" اتصالاً بقيادة المقاومة، ووضعها في "الأجواء" وصدر القرار بضرورة مغادرته المنطقة فوراً، وتسليم ما بحوزته من أسلحة وذخائر إلى شخصٍ حددته القيادة له. أنجز الرفيق "منصور" المطلوب منه، ولكنه احتفظ لنفسه "بالكلاشن" العزيز عليه، وطمره في مكان محدد حتى يعود إليه في أي لحظة.
طال غياب "منصور" عن القرية، ولم يستطع زيارتها إلا يوم النصر والتحرير سنة 2000. وأول ما فعله التوجه إلى مكان "الكلاشن" وإخراجه إلى الشمس والحرية. وكانت المفاجأة: "الكلاشن" في وضع مهترئ جداً بسبب تسرب المياه إلى مكان "طمره"، ولكن هذا الأمر لم يمنع " منصور"  من حمله والتجول به في قريته بحرية كاملة بعد ان اسهم في عودته الى ارضه وبيته.
              

أبو سمير وبغل جمال

قصة قصيرة



أبو سمير وبغل جمال 
عفيف دياب
  يفتخر أبو سمير من البقاع الغربي بأن "جبهة المقاومة الوطنية " كلفته مهمة شراء "بغل" سنة 1985 ... دون أن يعرف الأسباب الموجبة لهذه المهمة :"اعتقدت أن الجبهة تريد استخدام البغل في نقل الأسلحة والذخائر إلى المناطق الجنوبية المحتلة، لأن هناك مجموعات من رفاقنا كانت تعمل خلف خطوط العدو بشكل سري... "
  أمضى أبو سمير أكثر من 15 يوماً ، وهو يبحث عن "البغل" المطلوب على وجه السرعة، سيما وأن قيادة جبهة المقاومة طلبت منه الإسراع في تنفيذ مهمته :"تنقلت في كل قرى البقاع الغربي، من لبايا إلى سحمر ويحمر ومجدل بلهيص وكفرمشكي .. وصولاً إلى سوقي ضهر الأحمر والمرج :"تعبت كثيراً وأنا أبحث عن بغل بصفات مميزة وأن يكون قوياً إلى أن وجدت مطلبي في بلدة مشغرة".
وجد "أبو سمير" مطلب جبهة المقاومة في بلدة مشغرة، وأجرى كشفاً حسياً على ثلاثة بغال، وهو المزارع والفلاح والراعي الذي يعرف جيداً ماذا يريد... ولكنه لم يكن يعرف لماذا تصرّ جبهة المقاومة على شراء "بغل" بصفات محددة ومميزة.
 "عندما وجدت البغل المناسب وامتطيته في تلال مشغرة وأوديتها "لأجربه" رفض صاحبه لاحقاً أن يبيعه لأنه اعتقد أنني من المهربين،  وأريد أن أستخدم البغل في التهريب... ولما حاولت إقناعه بأنني لست من المهربين ولا أشتغل في هذه المهنة السيئة، قال لي: لماذا إذاً "تجرب" البغل؟ فقلت له: أنني احتاج إليه لنقل المياه واستخدامه في الفلاحة، وأنني تعرضت لعمليات غش سابقة في شراء البغال ولا أريد أن أقع في الفخ مرة أخرى ، ولهذا السبب أجرب البغل ما إذا كان قوياً أو ضعيفاً... ".
نجح " أبو سمير" في إقناع صاحب البغل بوجهة نظره ، ولكن " لم نتفق على السعر، فقد طلب سعراً عالياً والبغل لا يستحق الثمن الذي طلبه، ولكنه عندما وجدني مصراً على شراء البغل ، استغل الأمر ورفع سعره. لم تكن البغال يومها تستأهل هذا السعر، ولأنني لا أستطيع تلبية طلبه ، عدت إلى قيادة جبهة المقاومة وأبلغتها بأن البغل جيد جداً ولكن سعره مرتفع جداً ولا يستحق الثمن الذي طلبه صاحبه... ".
أصدرت قيادة الجبهة أمراً إلى " أبو سمير" بوجوب شراء البغل بأسرع وقت ومهما كلف الثمن ، لأن الأمر ملح وضروري ولا مجال للتأخير: " لم أقتنع بقرار شراء البغل، وحاولت إقناع الرفاق بأن سعره مرتفع جداً، وعلينا أن نبحث عن بغل آخر... ولكنهم رفضوا وأصرّوا على الشراء ".
نقد أبو سمير ستة آلاف ليرة لبنانية لصاحب " البغل " وهو غير مقتنع بالسعر ... وأيقن أن أمراً ما تحضر له جبهة المقاومة، وإلا ما معنى الإصرار على الشراء بأسرع وقت..." ؟
امتطى أبو سمير " البغل " من مشغرة إلى مجدل بلهيص. وبعد لحظات، وصل شاب لا يعرفه ."طلب مني أن أدربه على ركوب البغل والعدو به في الحقول وبين الصخور... وبعد أربعة أيام ، جاء الشباب من الجبهة ونقلوا البغل في سيارة بيك أب ..."قال ابو سمير.
 بعد أقل من أسبوع ، سمع أبو سمير بنبأ اقتحام "جمال ساطي" على بغل مفخخ مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في ثكنة "زغلة" في حاصبيا : " سمعت الخبر على إذاعة صوت الجبل ... وبيان جبهة المقاومة واستشهاد الرفيق جمال ... وبس شفت صورتو تاني يوم بالجريدي فرحت لأنو كان إلي دور بالعملية ... وعرفت ليش الجبهة كان بدا تشتري بغل بسرعة ... الله يرحمك يا جمال شو كان شب مهذب وقبضاي.
نجح الشهيد جمال ساطي ( أحمد ) المولود في بلدة كامد اللوز في البقاع الغربي سنة 1962، في إدخال " بغله " المفخخ بـ400 كلغ TNT إلى مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في ثكنة زغلة وتفجير المقر على من فيه... فهو من خطط لعمليته واقترح الفكرة على قيادة جبهة المقاومة التي لم تقتنع بدايةً وحاولت جاهدة إقناع جمال بالعدول عن " عمليته " واقتراح مهمة أخرى غير استشهادية. ويقول " أبو أحمد " الذي تابع كل تفاصيل عملية " جمال ساطي " أنه سعى أيضاً لإقناع الشهيد جمال بعملية أخرى ولكنه لم ينجح و"عندما وجدنا الإصرار والإلحاح من قبل الرفيق جمال...قررنا المباشرة بالتخطيط واستطلاع مقر الحاكم العسكري والوقت الأنسب لعملية اقتحام... سيما وأن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت أقفلت معبر زمريا واستبدلته بمعبر ميمس ـ زغلة للمشاة . وهذا الأمر كان محط اهتمامنا ومتابعتنا ، لأننا لا نريد أن يحصل أمر ما يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين ، داخل مقر الحاكم العسكري أو خارجه، وكنا نعلم أن قوات الاحتلال تعتقل في ثكنة زغلة بعض الشباب من العرقوب وحاصبيا..." .
تابع الشهيد جمال ساطي و"أبو أحمد" التفاصيل الدقيقة لمسار العملية وزمانها:" كان جمال يقوم باستطلاع مقر الحاكم العسكري بنفسه ونحن معه... وكنا ننتظر الوقت المناسب، تأخرنا بعض الوقت في تنفيذ المهمة... حيث كان بداخل سجن مقر الحاكم العسكري مجموعة من المعتقلين ... وقررنا ألا يقتحم جمال المقر إلا بعد خروج كل المعتقلين منه... ولكن هذا الأمر لم يحصل، فقرر جمال اقتحام المقر من أحد مداخله التي تقع بالقرب من مكتب الحاكم العسكري وكبار الضباط ... وأن يلبس جمال زي رجل دين محلياً من حاصبيا... وكلفنا أحد الرفاق في منطقة حاصبيا بأن يلبس نفس الزي ويتجول ممتطياً بغلاً بالقرب من مقر زغلة لأيام عدة وبشكل يومي حتى لا تثار شبهات عندما يحين موعد اقتحام جمال ساطي للمقر العسكري...".
" نجحت الخطة ... واستطاع رفيقنا من المنطقة المحتلة يومذاك الوصول على بغله إلى مدخل مقر زغلة أكثر من مرّة دون أن يثير الشبهات بحجة أنه بائع متجول ويريد أن يعرض بضاعته على جنود الاحتلال ، واستطاع جمال أيضاً أن يجول ممتطياً بغله أكثر من مرة بالقرب من المقر الذي استطلعه جيداً وأصبح يعرف أدق التفاصيل وساعة الاقتحام وشكله.
أبلغت قيادة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بكل التفاصيل والمعلومات ، وأن الاستعدادات لتنفيذ "العملية" أصبحت منجزة ولم يعد " ينقص" سوى تحديد "ساعة الصفر". أبلغت قيادة الجبهة القيادة الميدانية لها بوجوب أن تحدد هي الوقت المناسب... وهذا ما جرى في الساعة الواحدة ظهر يوم الثلثاء من شهر آب سنة 1985 يوم هزّ جمال ساطي مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في زغلة ـ حاصبيا.
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ