الجمعة، 4 نوفمبر 2011

انا كلب

  

 انا كلب
   
 
اورهان باموق*
   انيابي حادة وطويلة.. حتى ان فمي يتسع لها بصعوبة. اعرف انها تعطيني منظراً مخيفا، ولكنني مسرور منها. في احدى المرات نظر قصاب إلى أنيابي، وقال:" يااا، هذا ليس كلبا، انه خنزير". عضضته من رجله حتى احسست بأن أنيابي المغروزة في لحمه المدهن اصطدمت بعظمه. وهذا ليس أمرا بالنسبة إلى كلب. ليس هنالك أمتع من غرز أنيابه في لحم عدو سيء بحرص وغضب نابع من داخله. عندما تسنح لي فرصة كهذه، ويمر أمامي واحد كهذا، تسود عيناي تلذذاً، وتلمع أنيابي كأنها تتململ، ودون ان انتبه أخرج من بلعومي شخيراً يخيفكم.
أنا كلب، ولأنكم لستم مخلوقات معقولة مثلي تقولون: وهل يتكلم الكلب؟ ولكنكم تبدون أنكم تصدقون حكاية يتكلم فيها الأموات، ويستخدم أبطالها كلمات لا تعرفونها. الكلاب تتكلم، ولكنها تعرف كيف تستمع.
كان يا ما كان، في قديم الزمان، كان الغربال في التبّان، وكان هنالك عاصمة فيها جامع ضخم(...) وهناك واعظ لا يعرف اصول العلاقات اتى من مدينة ريفية، لعله كان مضطرا لإخفاء أسمه. ولكن عليه ألا يكذب في موضوع آخر غير الاسم، وهذا الرجل واعظ عنيد. في لسانه قوة تعادل ما في عقله ما شاء الله. كان كل جمعة يهيّج المصلين، ويبكيهم حتى أن هنالك من تجف عيناه، ويغمى عليه، وينصرع. ولكن انتبهوا، ولا تخطئوا، فهو لا يَبكي مثل بقية الوعاظ الاقوياء اللسان، بل على العكس، فهو يُبكي الجميع ولا يرف له جفن، وحديثه المؤنب للجماعة يعطيه قوة اضافية. يبدو أنهم لحبهم التأنيب فإن غلمان الخاصة والحلوانيين، وبقية السابلة، ووعاظاً كثيرين مثله صاروا بين يديه خدما وعبيداً. إنه ليس كلباً، إنه من بني البشر راضعي الحليب. داخ بإعجاب الجمهور. كما ان لإبكاء الناس طعما لا يقل عن طعم التخويف، انزلق معه العيار كثيرا (...).
ويقال ان الشيخ عندما يشتد انفعاله، ويتطاير اللعاب من فمه يصرخ: يا ايها المؤمنون! شرب القهوة حرام، ولان حضرة نبينا يعرف انها تخدر العقل، وتثقب المعدة، وتسبب الفتق والعقم، ولانها حيلة شيطانية لم يكن يشرب القهوة.إن المقاهي يقصدها اهل الكيف(...) ويخرجون عن الاصول، ويستمعون الى ما يحكيه الكلاب والجراء ويعتقدون انه صحيح. وهكذا يطلق الشيخ لفظة كلب علّي، وعلى الكفرة بديننا.
عن إذنكم اريد ان ارد على جملة هذا الواعظ الافندي الاخيرة. بالتأكيد تعرفون عدم حب جماعة الحجاج والوعاظ والأئمة لنا نحن الكلاب. أنا ارى ان اصل هذه القضية هو قيام حضرة محمد بقص طرف ثوبه الذي تنام عليه قطة لكي لا يوقظها. ويُذكر ان هذه الظرافة التي عوملت بها القطة لم نعامل بها نحن. وبسبب حربنا الازلية مع هذه المخلوقة التي يعرفها حتى اغبى بني الانسان، يراد استنتاج ان رسول الله يعادي الكلاب. وما اكلناه من ضرب على مدى قرون بمكانس القيمين على الجوامع ذات العصي الطويلة هو نتيجة التفسير الخاطيء المقدم بنية سيئة.
اريد ان اذكركم بواحدة من اجمل سور القرآن الكريم، وهي سورة الكهف، وليس لاعتقادي ان في هذا المقهى من لا كتاب له، ولكن لاجدد ذاكرتكم فقط اقول: تقدم هذه السورة قصة سبعة فتية سئموا العيش بين الوثنيين. لجأ هؤلاء الى مغارة وناموا. لقد ضرب الله على آذانهم، والبثهم ثلاثماية وتسع سنين. وفهم احد هؤلاء الفتية أنهم ناموا كل هذه المدة من العملة الباطلة بين يديه عندما اختلط بالناس ودهشوا منه كثيرا. وفي الآية الثامنة عشرة من هذه السورة التي تحكي عن الاخلاص لله، ومعجزاته، ومرحلية الزمان، ولذة النوم العميق، اذكركم ـ بعد طلب عفوكم ـ انها تحكي عن وجود كلب في مدخل تلك المغارة التي نام فيها السبعة اصحاب الكهف. طبعا كل مخلوق يتباهى بذكره في القرآن الكريم، انا ككلب اتباهى بهذه السورة. واقول: إن شاء الله يعقل الذين يقولون عن عدوهم :"كلب شارد".

                                                                                         * من رواية "اسمي أحمر"