هجرة الرّعد
نظرت إليه وهو يلقي محاضرته على طلبته والحضور يصغي إليه بشغف بينما كانت الصّحافة بعدساتها تلتهمه... لم أستطع مقاومة فضولي و لا عتابي و لا...
غزلي بعباراته أحرجني فكنت أبادلها الابتسام و انعقاد حاجبيه لسؤال مبهم من الجالسين على يمنتي و يسرتي كان يضايقني فأبادلهم الاتّهام. فأقول له: تابع فأنت منتصر بحول اللّه. فينتصر و يقنع و يقول على لسان شكسبير: "أعذب الشّعر أكذبه" يعني و بالتٍالي يمكننا القول بأنّ أعذب الشّعر أصدقه، أو بالأحرى أصدق الشّعر أكذبه. فكيف ذلك؟؟؟!!!!!!!!
اكذب عليّ وعلّمني الصّدق في الكذب
فقلبي إذا دقّ يركع لصلاته العرب
و جنّي إذا ماج يغتصب الكِبْرِ في الحبّ
و فكري إذا ضاج يُسْكِر الكرم في العنب
أخذ الألوان جميعها من سلّة الكتب و راح يرسمني بأفكاره عن علاقة السّلطة بالدّين وعن علاقة اللّغة بالحضارة و الخيال بالإثارة...
فرأيتني عارية الوصف بل مغتربة في اللّحظ.. هل هاجرت إلى كتب لألبسها و نسيت في القرى ثوبي؟؟؟؟!!!!!!!!
فحكايات "ألف ليلة وليلة" تاريخها غارق في القدم. و أنا التّائهة في زمني أندهش لخيال "مائة عام من الوحدة"؟؟؟ فكم من من حكاية يرويها أجدادنا نراها في "علبة الضخّ"؟؟؟ و كم من جريمة كتبناها في صفحة حوادثنا نقلت من تاريخ إعدامنا بالحرق و الشّنق.. و كم من حبّ عشقناه أصبحنا نتباهى به وننقله في مذكّراتنا..!!!! و كم من سنبلة قمح نشأت هنا و سافرت إلى بطونهم. و كم و كم و كم!!!!!!!!
يال قمّة جهلي!!!!!!!!!!!!
فهل تكلّمت حيواناتهم الرّوائيّة قبل ابن المقفّع وهل نامت أميراتهم في قصور غير التّي صنعت في عتمة ليالينا؟؟؟ لقد ألفت صحارينا قصائدنا ونام "الحكواتي" في مقاهينا...
فهل صدّرنا لهم الجن ليصطادوه و ليستجيب لخيالهم فيستعمرون القمر فيعمّرون فيه. فنجني نحن دقّات ساعات نومنا بعد أن نبّهناهم لآلة قيس الزّمن و بعد فرارحكايات ذاب زمنها في الحروب... وهل تعبنا من الحلم و من الجبر و من التّساؤل..؟؟؟؟ أين النّجوم التّي كانت ترقبنا؟؟؟ هل ذابت في فضائهم؟؟ أين رنّات عود زرياب و آهات الموشّحات؟؟؟ هل ذاب تاريخ المنى في أمنياتهم؟؟
قالوا عن الأدب أنّه للتّأديب. فالعقل إذا هوى ضاعت متاهاته. و عقلنا نزح إلى كتاباتهم... إذا فتبعيّتنا أصبحت اتّباعيّة.
ف"الأدب الاتّباعيّ أدب العقل بلا منازع. - العقل دليل الأديب الذي يعصمه من الزلل.-وهو أداة ثمينة في تمييز الجيد من الرديء في الأدب. - وهو سلاح الأديب في سعيه لخلق أدب إنسانيّ خالد شبيه بالأدب القديم. -وهو ملكة مشترآة بين البشر يختلفون ، انفعالاً، عاطفة، خيالاً". ابتسمت لقوله وفجأة،قال لي: "أين ذهبت؟.. هل سرحت؟؟؟"
فأجبته بغمزة من شهدي : أنا هنا، أنا معك ها هنا أناضل ضدّ هجرة الرّعد...
رحاب السّوسي
(تونس)