الجمعة، 30 نوفمبر 2012

اليسار الديموقراطي








          «اليسار الديموقراطي»: 

                           نحن أمّ الصبي 

 عفيف دياب

  أين «اليسار الديموقراطي» اليوم؟ الحركة التي انطلقت بزخم قوي سنة 2004 طارحة نفسها نموذجاً جديداً لليسار اللبناني، سرعان ما دخلت في جمود تنظيمي أسهم في تراجع حضورها بعد استفحال الخلافات الداخلية حول موقعها ودورها، وتحوّلها من حركة سياسية كان يعوّل عليها لأداء دور في استنهاض اليسار، الى حركة تحتاج اليوم الى من ينفخ الروح فيها لتستعيد نشاطها السياسي والتنظيمي والفكري.
حركة اليسار التي شهدت، منذ تأسيسها، انشقاقات وانسحابات، يجد من بقي فيها مبررات لتراجع حضورها السياسي والشعبي. يؤكد امين سرها وليد فخر الدين ان الحركة بدأت بـ «حوار داخلي يمهد لإعادة إطلاقها بزخم وطني»، موضحاً أنها مرّت في مرحلتين: «الاولى تأسيسية أخذت زخماً في شارع اليسار، وطرحت نموذجاً وطنياً وقدّمت شهيدها الكبير سمير قصير على محراب الوطن». أما الثانية، فأسهمت في تراجعها بسبب «الاغتيالات التي تعرضت لها قيادات ١٤ آذار، وبالتالي فان هذا الأمر انعكس سلباً على الحركة، التي لم تستطع العمل بفعالية شعبية على امتداد خريطة الوطن، مما أدى الى انكماش جمهورها».
لا ينفي فخر الدين وجود «انكماش» تنظيمي داخل الحركة، ولهذا قرّرت في مؤتمرها الأخير «ضخ دماء شابة في القيادة للعمل على إعادة لمّ الصفوف، وبلورة برنامج عمل يناسب المرحلة، ويكون قادراً على إعادة تجميع التيار اليساري العلماني ضمن الإطار الوطني العام، تحت شعارات ١٤ آذار (الحرية والسيادة والاستقلال) ومشروع بناء الدولة». يؤكد فخر الدين ان اليسار الديموقراطي «أُسست لضرورة وجود تيار يساري علماني لبناني عابر للطوائف»، لكن هذا التوجه العام لا موقع للحزب الشيوعي اللبناني ضمنه، الحركة «على نقيض مع الحزب الشيوعي حول رؤية أي لبنان نريد». فالحزب، وفق أمين سرّ الحركة، «جزء من المحور الإيراني السوري، بينما نحن جزء من الرأي العام السيادي والاستقلالي»، كما يشير الى ان هناك خلافاً كبيراً حول موضوع اسقاط النظام السوري، فـ «نحن مؤيدون للثورة السورية، وندعم الثوار سياسياً، ومع اسقاط ذلك النظام الديكتاتوري». مؤكداًَ في الوقت نفسه «أننا على علاقة جيدة مع حركة إنقاذ الحزب الشيوعي المعارضة لقيادة الحزب».
حركة اليسار الديموقراطي لا ترى في الحزب الشيوعي رافعة لليسار في لبنان، فالحزب الذي ولدت من رحمه «يتخبط»، و«ابتعد نهائياً عن الهم الوطني اللبناني»، و«تحوّل الى تابع لقوى الأمر الواقع السوري، وهو منخرط بالكامل في مشاريع الممانعة ويقع تحت سيطرة حزب الله وسوريا». ويلفت فخر الدين الى ان النائب السابق إلياس عطا الله، الرئيس الحالي للحركة، «كان عضواً قيادياً في الحزب الشيوعي، وكان يتقدم الخط المواجه لسوريا في القيادة، والرافض لهيمنتها على الحزب والمقاومة الوطنية اللبنانية».
الكلام عن عطا الله في حركة اليسار الديموقراطي يفتح الباب على مدى هيمنته على الحركة وتأثيره المعنوي عليها، يقول فخر الدين إن عطا الله «قاتل إسرائيل وسوريا»، وهو «مؤسس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وفي قلب المعركة اليوم مع النظام السوري»، موضحا أن «الجميل» في عطا الله «واقعيته، فهو تنحى من موقع أمانة السر للحركة طواعية وفتح الباب أمام جيل الشباب ليتبوّأ مراكز قيادية فيها»، مؤكداً ان النائب السابق «يحرص على استكمال الحوار مع المقاطعين للحركة وعلى توسيع قاعدة اليسار الديموقراطي».
حركة اليسار الديموقراطي، التي شهدت ابتعاد ابرز مؤسسيها، الياس خوري ونديم عبد الصمد وزياد ماجد وغيرهم، عن واجهة المشهد السياسي والتنظيمي للحركة، تجدّد تأكيدها انها مكوّن مؤسس لحركة 14 آذار، وتعتبر نفسها «ام الصبي»، كما يقول فخر الدين الناشط اليوم في عقد حلقات حوار داخلي مع رفاقه المغادرين او المعتكفين، لاعادة الحركة الى زخمها، واخذ موقعها «الصحيح». يؤكد ان «همّ» حركته اليوم، عدا الداخلي ــــ التنظيمي، هو «عدم انحراف 14 آذار عن التوجه الاستقلالي وبناء الدولة»، موضحاً «أننا في الامانة العامة لـ14 آذار نؤدي دور المشاغب ونرفع الصوت حين نشعر بأن دور قوى 14 آذار السياسي يتراجع عن الثوابت، ونعمل على اطلاق دينامية تبقي ١٤ آذار في قلب الحدث، وتحافظ على انجازات الرأي العام الـ١٤ آذاري وتخرجه من التناقضات التي يمكن أن تؤثر في أدائها وتبعدها عن جمهورها». ويشدّد على ان «14 آذار وجدان وحس شعبي قبل أن تكون أحزابا وشخصيات لا يمكن اختزالها أو تجاوزها». لكنكم لا تتمايزون عن الموقف العام لـ14 آذار؟ يرفض وليد فخر الدين هذا «الاتهام او التبعية»، مذكّراً بأن حركته «عارضت» الاتفاق الرباعي وانتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب و«عارضنا اتفاق الدوحة ومفاعيله، ورفضنا صيغة الـ (س ــــ س)، وبالتالي بقيت الحركة محافظة على موقعها المتمايز والمستقل».

منير بركات







            منير بركات (أبو الثوار):

              لسنا يساراً درزياً أو جنبلاطياً


عفيف دياب
تغلب قائد «الحركة اليسارية اللبنانية» منير بركات (ابو الثوار) على المرض الذي كاد يفتك به قبل سنوات. المتمرد «صاحب الارواح السبعة» الذي طرد من الحزب الشيوعي عام 2005، يتهمه شيوعيو لبنان بأنه «صنيعة» النائب وليد جنبلاط لاثارة البلبلة داخل الحزب وتقسيمه مجموعات. ولأن «اكرام الميت دفنه»، كانت لدى جنبلاط وبعض الشيوعيين داخل الحزب وخارجه نظرية تتحدث عن «موت الحزب» ووجوب تقاسمه حصصاً وفق الالوان المذهبية، فكانت مجموعة منير بركات من حصة النائب الاشتراكي ومجموعة اليسار الديموقراطي من حصة تيار المستقبل، الى مجموعات خرجت من الحزب والتقت مع التيار الوطني الحر وحزب الله وصولا الى نيل النظام السوري حصته من الحزب أيضاً. هذه النظرية يرفضها بركات جملة وتفصيلاً، ويتهم قادة في الحزب بـ «فبركتها» لتشويه حركته الاعتراضية او حركة رفاق آخرين انشقوا عن الحزب «نتيجة فشل محاولات التطوير الديموقراطي داخل الحزب، وهيمنة المتشددين عليه وخطفه الى مواقع سياسية وتحالفات طائفية لا تعبّر عن موقف الشيوعيين اللبنانيين، كحال تحالفه اليوم مع حزب الله والنظام السوري».
في مدينة عاليه، حيث يقطن بركات ويتخذ من منزله مقراً رئيسياً لحركته و«أبيع ارضاً ورثتها عن اهلي لاعيش»، يرفض اتهامه بأنه «صنيعة جنبلاطية»، ويقول: «لست منير بركات جنبلاط كما اتهمني الرفيق زياد الرحباني على اذاعة صوت الشعب». ويضيف: «انفصلنا عن الحزب لاسباب منها التنظيمي والفكري والسياسي، وحركتنا الاعتراضية داخل الحزب تعود الى ما قبل 2005»، لافتاً الى ان خلافه مع الحزب الذي انتسب اليه «شبلاً مقاتلاً في الجنوب» سنة 1969 يعود الى قناعته بأن «التغيير من داخل الحزب أصبح مستحيلاً». يرفض بركات بشدّة أن تكون «انتفاضته» قد جاءت بدعم وتحريض من جنبلاط لتصفية حساباته مع الحزب الشيوعي، مؤكّداً ان علاقته بالزعيم الدرزي «تعود الى ايام الطفولة في المختارة». ويشدّد على ان جنبلاط «اكثر حرصاً مني»، مؤكّداً ان «مشاكل الحزب الداخلية من مسؤولية الحزب أولاً وأخيراً».
«قصر نظر» 14 آذار في القراءة السياسية، يسمح لمنير بركات بانتقادها بشدة، ولا سيما أن قوى هذا التجمع «خانت مبادئ ثورة الارز واضاعت فرصا كثيرة على لبنان». ويقول: «رفضنا ان نكون في الامانة العامة لقوى 14 آذار، وهم يعتبرون الرفيق الياس عطا الله ممثلا لليسار ولا يريدون الاعتراف بغيره». يؤكد بركات ان بين حركته اليسارية و14 آذار «نقاطاً خلافية ابرزها التراجع عن مشروع بناء الدولة»، ويقول: «لا وجود اليوم لـ14 آذار الا بالعودة الى مشروع بناء الدولة»، نافيا ان يكون انتقاده نابعا من عدم تلقي حركته دعما ماليا من تيار المستقبل. واعتبر ان موقف جنبلاط من اغتيال اللواء وسام الحسن «كان عاقلا اكثر من موقف تيار المستقبل وبقية مكونات 14 آذار»، مشيراً الى أن «14 آذار ادارت معركتها بطريقة خاطئة. وحده جنبلاط ادارها على نحو صحيح. فسدّد سياسياً على رأس المتهم بالاغتيال (النظام السوري) وهادن الاطراف الداخلية (حزب الله) منظماً الخلاف معه». ويلفت الى ان 14 آذار «تريد فتح معركة على كافة المحاور وتهديد السلم الاهلي، بينما الرفيق وليد (جنبلاط) يريد حماية البلد ويرفض الحروب الداخلية المجانية».
«ابو الثوار» يؤكد ان حركته «اقوى مما يعتقد البعض، وهي منتشرة في كل لبنان وتضم المئات من مختلف الطوائف والمذاهب»، موضحاً ان «الثقل» يتركز في جبل لبنان الجنوبي، من دون أن يعني ذلك أن حركته درزية، لافتاً الى أن البيئة السياسية التي تعيش فيها «تتميز بطيف سياسي وطائفي متنوع»، لكن «بحكم وجودنا في جبل لبنان الجنوبي فان انتشارنا اكبر في الوسط الدرزي والسني والمسيحي».