الاثنين، 19 ديسمبر 2011

تحقيق

 

                مصابون في سوريا يقومون برحلة خطرة للعلاج في لبنان



سهل البقاع (لبنان) (رويترز) -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  يتلقى الطبيب اللبناني المسن رسالة على هاتفه المحمول هذا نصها "حقيبة الباذنجان الخاصة بك جاهزة." يقفز في سيارته الجيب ويسرع الى سفوح التلال على الحدود السورية بحثا عن المحتج المصاب الذي يعلم أنه بانتظار مساعدته.يقول الطبيب محمود الذي يستخدم اسما مستعارا "أحيانا أتلقى اتصالا لعلاج مغص لكنني (كثيرا ما) أجد سوريا هاربا مصابا برصاصة في جنبه. أرى الان واحدا منهم على الأقل في اليوم." وأضاف أن نقل المصابين عبر الحدود المتوترة والخاضعة لمراقبة مشددة تتطلب رسائل مشفرة. ربما تكون المخابرات السورية تراقب المكالمات والرسائل النصية من المعارضة السورية.
وأظهرت أحدث أرقام صدرت عن الامم المتحدة أن اكثر من خمسة الاف سوري قتلوا في الحملة على الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الرئيس بشار الاسد منذ تسعة أشهر. ولا يجرؤ الاف اخرون من المصابين على طلب المساعدة داخل سوريا لان اصاباتهم بالرصاص والشظايا ستفضح سرهم للشرطة كمحتجين او متمردين. وينجح البعض في القيام بالرحلة القصيرة المحفوفة بالمخاطر الى لبنان لتلقي الرعاية الطبية. يتسللون متجاوزين جنود الجيش ويتحركون عبر الحدود الملغمة ويتحملون برد الشتاء القارس.
ويقطع محمود بمعدل شبه يومي الطرق الموحلة في بلدته الحدودية الفقيرة نحو منزل امن يختبيء بين المنازل الاسمنتية المتداعية المتناثرة وسط الجبال. في هذه المرة يعثر الطبيب على احمد مصابا في ساقه. جر أحمد نفسه على سفوح التلال التي كساها الجليد ليصل الى سهل البقاع بلبنان. اختبأ في الخمائل حين كانت القوات السورية تبحث عنه. قضى الليل بطوله ليقطع سبعة كيلومترات من قرية القصير السورية القريبة التي ينتمي لها.
وقال احمد "في سوريا الجيش والمخابرات في كل مكان حتى المستشفيات. نخشى جدا الذهاب الى هناك باصابات." وأضاف "اذا لم تدخل مستوصفا بطلقة في رأسك فقد تخرج منها على هذا الحال." ويقول المصابون الذين يأتون الى لبنان ان العيادات السرية المؤقتة التي تعمل الان في سوريا لا تتوفر لديها المعدات اللازمة لعلاج جروحهم. ويحملهم متعاطفون سيرا على الاقدام او على دراجات نارية او حتى على ظهور الخيل. وينتظر البعض أياما الى ان يصبح العبور امنا.
وقال حسن (24 عاما) وهو طالب "نزفت لساعات. كنت شبه غائب عن الوعي من شدة الالم ولم أستطع السير." فر حسن من حمص مركز الاحتجاجات التي شهدت أعمال عنف بعد أن اخترقت الاعيرة النارية ساقه اليسرى. وأضاف "لم تكن لدي أدنى فكرة عمن يكون معظم من ساعدوني. كنت مرعوبا من احتمال أن يكونوا من الشرطة السرية. لكنهم أنقذوني. وضعوني بين حاويتين بلاستكيتين للكيروسين على ظهر حصان فبدونا كمهربي وقود." 
ووصل مئات السوريين سواء من المحتجين العزل او المقاتلين المسلحين الذين يقاتلون الحكومة الى بلدة الطبيب محمود في سهل البقاع كبوابة للبنان. ويقول بعض السكان اللبنانيين ان البعض لاقوا حتفهم خلال انتظارهم فرصة للعبور. ويدعم مسؤولون محليون هذه الجهود لكنهم يطلبون عدم نشر اسم بلدتهم تفاديا لاثارة المشاكل. فعلى مقربة يوجد لبنانيون يؤيدون الاسد. وتنتشر على الطرق لافتات للرئيس السوري وهو يقف مع زعيم حزب الله اللبناني الموالي لسوريا حسن نصر الله. وحاولت سوريا أن تخمد بالقوة الاحتجاجات الشعبية ضد حكم عائلة الاسد المستمر منذ 41 عاما والتي اندلعت في مارس اذار كاحتجاجات سلمية. الان انشق بعض الجنود عن الجيش بأسلحتهم وكونوا قوة تهاجم آلة الأمن التابعة للأسد على الطرق وحتى في قواعدها.
وتقول الحكومة في دمشق انها تقاتل ارهابيين مدعومين من الخارج وانها فقدت اكثر من 1100 من أفراد قواتها في أعمال العنف التي تهدد بانزلاق سوريا لحرب أهلية. عمر (20 عاما) انشق عن الجيش وفر من كابوس. اتسعت عيناه البنيتان حزنا على فقد رفاقه.
وقال "أعتقد أنه تم اطلاق الرصاص علي 14 مرة." ويشير بيديه المضمدتين الى اصابات أعيرة نارية في صدره وذراعيه ومعدته. وهناك خط سميك من الغرز الجراحية في بطنه. وأضاف "استدعيت وحدتي لقمع المحتجين. قمنا باشياء لا أريد أن أتذكرها. حين أتيحت الفرصة هربنا الى حمص وبدأنا القتال."
 وخلال اشتباك مع الجيش منذ عدة أسابيع فقد عمر الوعي بين خمسة من زملائه سقطوا قتلى. ظل في مكانه لساعات لان أصدقاءه الذين كانوا يحاولون انقاذه انتظروا الى ان يتوقف اطلاق الرصاص. وتشبه مناطق من حمص التي جاء منها معظم المصابين الذين وصلوا الى لبنان في الآونة الأخيرة ساحة حرب. ويقول نشطاء ان الجيش يبحث عن المصابين.
وقال حماد وهو محتج يبلغ من العمر ثلاثين عاما من حمص انه اختبأ برفقة عشرات المصابين في مبان مهجورة حتى يحموا أسرهم من الاعتداءات أو الاعتقال إذا عثر عليهم في بيوتهم. وأضاف وهو مقطب الجبين فيما كان طبيب لبناني يغير الضمادة على الجرح الموجود بفخذه "انتظرت هناك لعشرة ايام. أخذت ساقي تتعفن." ويعمل المسعفون في المستشفيات الحكومية نهارا ويعالجون المحتجين في الليل. يتسللون للمساعدة متى تيسر لهم. لكن يجب تهريب الحالات الاسوأ. وحتى على الآراضي اللبنانية لا يشعر المصابون بأمان تام. ينقلون سريعا الى خارج سهل البقاع الذي يغلب على سكانه الشيعة والموالي لسوريا حتى لا يلفتوا الانتباه. وينقلهم الصليب الأحمر الى بلدة طرابلس الشمالية وهي معقل للسنة المتعاطفين مع احتجاجات الشعب السوري الذي يشكل السنة أغلبيته. 
 هناك أنشأ الطبيب السوري مازن الذي يعيش في المنفى مستوصفات سرية. وتعالج المستشفيات اللبنانية العامة المصابين السوريين لكنها لا تسمح لهم بالبقاء سوى أربعة أيام. وقال مازن (24 عاما) الذي تخرج في حمص في فصل الربيع الماضي "هذا لا يكفي لاصابة خطيرة. نحتاج الى مساعدة في علاج هؤلاء الناس لاشهر." لقد قضى الأشهر الاولى من عمله كطبيب في علاج اصابات بأعيرة نارية.
ورافق مازن فريق رويترز إلى جناح بمستشفى مهجور في طرابلس هو مقر مستوصفه بمساعدة متبرعين سريين لعلاج من سيحتاجون لأشهر للتعافي. ويستحيل ابلاغ عائلاتهم بمكان تواجدهم. وعلى غرار اخرين مرر عمر رسالة من خلال قنوات سرية ويتعشم أن يعلم والدته ووالده بأنه حي. وقال وهو يبتسم "أشعر كأنني مت وعدت الى الحياة. بمجرد أن أشفى أريد العودة وقتال النظام حتى الموت. اما نحن او هم."
                                     من  اريكا سولومون (شارك في التغطية عفيف دياب)
                                     رويترز ـ 14 ديسمبر - 2011

جبل الشيخ



 جبل الشيخ:
“متحف الحروب” ومركز التجسس وممر استراتيجي للتهريب*

عفيف دياب
     جبل الشيخ، جبل حرمون، بعل حرمون، شنير، جبل الثلج، الجبل المقدس، اسماء اطلقت على ما سماه العرب لاحقا بـ”جبل الشيخ” او “الجبل الشيخ”. جبل يشرف على لبنان وسوريا وفلسطين والاردن، يستطيع زائر قمته العالية (2814 م) ان يرى اماكن واسعة من سوريا ولا سيما دمشق وسهول حوران وبادية الشام والجولان وقسما من الحدود الشمالية الاردنية والفلسطينية وتحديدا جبال الجليل والخليل وسهل الحولة وبحيرة طبرية، ويستطيع متسلق الجبل ان يرى من على قمته كل جنوب لبنان وسهل البقاع وسلسلة جبال لبنان الغربية.
الجبل الصامد منذ العصر الجوراسي الاوسط، يشتهر بقممه العالية والشاهقة، وابرزها قمة قصر شبيب التي تعلو عن سطح البحر قرابة الثلاثة آلاف متر (يقول عنصر من قوات الطوارئ الدولية هناك ان الارتفاع يتجاوز الثلاثة الاف متر بنحو 15 مترا، ولكن المعلومات الرسمية تعطي رقم 2814 م.) فكان لهذا محط اطماع الامبراطوريات والممالك الغابرة وكان محطة تعبد لبعض المعتقدات الدينية.
الجبل لا تعرف قممه العالية من فصول السنة سوى فصلي الشتاء والربيع واروع ما يمكن لمتسلق “الشيخ” ان يشاهده من قمة الجبل “شروق الشمس” التي تخرج من اسفل معلنة بدء يوم جديد، حاضنة دمشق التي يراها الزائر وكأنها تخرج الشمس من بين بيوتها.
من سهل جنعم، شمال بلدة شبعا، وحتى قمة قصر شبيب، سبع ساعات من السير على الاقدام وقافلة المتسلقين الاحد عشر (من الجنوب والبقاع وبيروت) لم يستطيعوا اللحاق بقافلة “البغال” التي سبقتهم بأمتعتهم، فهي تحفظ عورة مسالك جبل الشيخ، وهي ايضا خبرت دروبه جيدا يوم كان ل”التهريب” عزه وتحولت اليوم الى حاملة أمتعة هواة ومحبي الوصول الى قمة “الشيخ”.
في الطريق الى قمة قصر شبيب تلتقي بالدوريات المؤللة ل”الاندوف” وبدوريات راجلة للجنود الدوليين يمارسون رياضة المشي تحت اشعة شمس حرموا منها بعد حصار طويل فرضته الثلوج عليهم.. وخلال المسير الطويل، تكون مياه الثلوج الذائبة نهارا (المتجمدة ليلا) خير معين للتزود بالمياه التي تحافظ على برودتها رغم اشتداد الحرارة، وكأنك كلما صعدت نحو الاعلى تلامس الشمس مباشرة.
بعد سير مضن على الاقدام، وصلت القافلة الى نقطة التجمع واقيم “المخيم” في حفرة صغيرة تلفها الصخور والثلوج، وحسب الدليل “انها افضل نقطة للتخييم والنوم واتقاء الرياح العاتية من الجهات الاربع رغم وجود “جبل” ثلجي يتجاوز ارتفاعه العشرة امتار.. وزيارة قصر شبيب لن تتم الا بعد الاستراحة ونصب الخيم واعداد طعام الغذاء.  
المتحف الحربي 
  جبل الشيخ، الذي كان في يوم من الايام، غنيا بالغابات الكثيفة من السنديان والبلوط والملول والقيقب واللبان والزعرور والخوخ البري والبطم، يصعب على زائره ان يجد ولو “عودة” حطب واحدة، وعلى المتسلق حمل “اكياس” من الفحم لاشعالها واستخدامها للتدفئة والشواء. فالارض هناك غنية اليوم بما خلفته الحروب بين جيش الاحتلال الاسرائيلي والجيش العربي السوري ولا سيما في حربي 1967 و1973، فكيفما درت في جبل الشيخ يقع نظرك على معدات حربية خلفها العدو الاسرائيلي خلال محاولاته احتلال القمم العالية هناك، وتشير المخلفات كم كانت المعارك شرسة ولا سيما خلال حرب تشرين. ويقول احد جنود “الاندوف” عندما سألناه عن هذه المخلفات ان “القوات الاسرائيلية كانت تتمركز في المنطقة وتقيم لها تجمعات عسكرية وان الجيش السوري استطاع السيطرة عليها بعد ان استهدفها بمئات الغارات الجوية والقصف الصاروخي وعمليات الانزال”. بقايا صواريخ “الغراد” المنفجرة والتي لا تعد ولا تحصى يخالها المرء انها نبتت هناك، فخلف كل صخرة وحجر تعثر على بقايا صاروخ او قذيفة مدفعية اضافة الى عشرات الحفر التي احدثتها صواريخ الطائرات.. وملايين الشظايا التي صنع منها احد جنود “الاندوف” صليبا تركه معلقا كذكرى فوق اعلى قمة في جبل الشيخ واكثر ما يلفت نظر الزائر ل”المتحف” الحربي في جبل الشيخ ما تركه العدو الاسرائيلي من اثار لمروحياته المدمرة خلال حرب تشرين 1973 واثار مواقعه المدمرة التي احتلها في حرب 1967 والاسلاك الشائكة التي حولها بعض الرعاة الى “زرائب”.
المواقع العسكرية الاسرائيلية في تلال جبل الشيخ ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، ترتبط مباشرة بطرقات معبدة ببعض المواقع الاخرى في الجولان العربي السوري المحتل، وابرزها مواقع ومراكز الرصد والتجسس، وهي تشكل العمود الفقري للاحتلال ولها اكثر من طريق معبدة وترابية وتظهر بوضوح اجهزة الرصد والتجسس والتنصت. فبعد ان سيطر الاحتلال على قمم ومرتفعات جبل الشيخ باشر بإنشاء شبكة من الطرق لربط مواقعه بعضها بالبعض الآخر. وتمتد هذه الشبكة من معسكر النخيلة عند الطرف الجنوبي الغربي لمزارع شبعا (300 م. فوق سطح البحر) مرورا بكافة المواقع داخل المزارع وتلال كفرشوبا وصولا الى قمم جبل الشيخ المشرفة على الجولان والجنوب اللبناني (ألفي متر وما فوق عن سطح البحر). وتبين خارطة مواقع الاحتلال الاسرائيلي هناك، ان قوات العدو قد قسمتها الى 3 محاور، جنوبي ووسطي وشمالي، ويبدو ان المحور الوسطي هو الاهم حيث تنتشر المواقع والمراصد ومحطات الانذار على شكل مثلث نقطته الاساسية في قمة الزلقا وتمتد اضلاعه الى نشبة المقبلة والفوار ومعاصر الدود مع نقاط عسكرية متفرقة تبدو وكأنها مخافر حماية ونقاط تموين للمواقع الاساسية. وهذا المحور الذي تتوزع مواقعه على ارتفاعات ما بين 1800 و2200 م. فوق سطح البحر يعتبر اكثر اتساعا وعرضا، كون جبل الشيخ تتفرع منه قمم عدة ويتسع تدريجيا نحو الجنوب والغرب (المزارع) مما سمح للاحتلال باستخدامها في اقامة مواقعه.   
رعاة الماشية 
  لا يقتصر التواجد في جبل الشيخ على قوات الاحتلال الاسرائيلي وقوات الاندوف.. فهناك ايضا رعاة الماشية الذين يعتبرون قمم واودية الجبل افضل مراع خصبة لقطعانهم من الماعز، كيف لا والربيع قد بدأ في هذه الايام في المنطقة بعد موسم زاخر بالثلوج. ويقول الراعي حسين مصطفى هاشم من بلدة شبعا انه يرعى الماشية في القمم العالية في جبل الشيخ منذ 12 سنة. فرعاة الماشية يبدأون بالتوجه الى جبل الشيخ اعتبارا من بدايات شهر تموز ولا يغادرون المنطقة قبل نهاية شهر ايلول من كل عام. ويعزو هاشم الاسباب الى ان فصل الربيع في اعالي جبل الشيخ يزخر بالنبات والمياه جراء ذوبان الثلوج: “الربيع بيبلش هون بنص تموز وبيظل لاول تشرين وحسب التلج”.. اكثر من 3 فرق تقوم برعي الماشية يتمركز افرادها ويسرحون بقطعانهم في اعالي قمم جبل الشيخ وهم حفروا اقنية لتحويل مياه الثلوج الذائبة نحو برك صغيرة لسقي قطعانهم.. ويتراوح عدد اعضاء الفرقة ما بين ثلاثة رعيان وستة يتولون امر اكثر من 1400 راس من الماعز بقيادة كل من حسين هاشم وقاسم دعكور وحسين يوسف صعب ويساعدهم افراد من اسرهم في نقل الحليب فجر كل يوم الى بلدة شبعا. ويؤكد هاشم ان تصريف انتاجهم من الحليب جيد جدا “اهل البلد كل يوم بينطروا حليبات عنزاتنا”.   

التهريب 
    حياة جبل الشيخ تحفل بمغامرات رجال التهريب. فالجبل، وككل منطقة حدودية بين دولتين او اكثر، تحول الى بوابة شاقة لممارسة اعمال التهريب بين لبنان وسوريا، على مدى عقود طويلة من الزمن. فالتهريب ليس وليد الساعة بل هو امتداد متوارث. وجبل الشيخ لوعورة مسالكه وانتشار عشرات القرى على سفوحه، الشرقية والغربية، كان المنطقة الافضل لممارسة عمليات التهريب بين لبنان وسوريا وبالعكس. كما انه كان بوابة لعمليات تهريب الى الاردن من لبنان عبر الاراضي السورية وبالعكس ايضا. فمن شبعا وعين عطا والكفير وميمس وراشيا وغيرها من القرى الحدودية كانت تنطلق قوافل المهربين تحت جنح الظلام لتلتقي مع “زميلات” لها من قرى بيت جن وريمي وعرنه والقلعة وبقاع سم والحضر وقرى اخرى في الجانب السوري.
المهربون الذين كانوا ينشطون على طرقات جبل الشيخ، في رحلات متواصلة، اندثروا اليوم بعد ان اصبحت الاسعار متقاربة جدا بين البلدين، واصبحت جميع المواد متوافرة في اسواق البلدين.. مما اصاب اعمال التهريب بكساد كبير. ويقول احد “المتقاعدين”: “خلصت ايام التهريب.. ولم يعد لها قيمة اليوم”!
رفعت اعمال التهريب من اسعار البغال التي كانت تسلك معابر جبل الشيخ. فالبغل الذي يتراوح عمره ما بين 5 و10 سنوات كانت اسعاره مرتفعة جدا مقارنة ببغال اكبر سنا، والبغل ذو البنية القوية وصل سعره، ايام عز التهريب (منذ اقل من 10 سنوات) الى اكثر من الفي دولار.. ووصل سعر البغل الذي يستطيع نقل الحمولة الى المنطقة المحددة دون مرافقة صاحبه الى اكثر من 10 الاف دولار اميركي.. بينما اليوم: “احسن بغل ما بيستاهل مليون ليرة”.. يقول احد المهربين الذي توارث المهنة ابا عن جد.   
قصر شبيب 
     هنا قصر شبيب.. المعبد الذي يعود الى الكنعانيين الذين اتخذوا جبل الشيخ إلها لهم وسموه “بعل حرمون” واقاموا على اعلى قممه هياكل ومعابد لا تزال اثارها بادية للعيان ومنها الجدار العائد لاحداها وطوله قرابة العشرة امتار ويعرف اليوم باسم “قصر شبيب” وقد عمدت قوات الاحتلال الاسرائيلي الى تدمير اجزاء منه في حرب 1967.
ويقول رعاة الماشية هناك ان قوات الاحتلال جرفت القصر ونقلت بعض حجارته الى فلسطين المحتلة، كما جرفت معبدا اخر مكملا له يقع شرقي القصر الذي تحول اليوم الى موقع لقوات المراقبة الدولية “الاندوف” التي منعت الدخول الى القصر وسمحت بالتقاط الصور من بعيد لانه “لا يحق لكم الدخول الى الاراضي السورية”. وتنتشر حول القصر او المعبد مغاور وبقايا حجارة قصر آخر يدعى “قصر عنتر” وهو في الجانب اللبناني من جبل الشيخ ايضا دمرته آلة الحرب الاسرائيلية في حرب ال67. 

 "الأندوف"
     تنتشر في قمم جبل الشيخ قوات دولية مهمتها مراقبة وقف اطلاق النار بين الجيش الاسرائيلي والجيش العربي السوري بعد حرب تشرين، وهذه القوات التي تعرف ب”الاندوف” تتوزع على مراكز ترتبط بطرقات ترابية خلفها العدو الاسرائيلي بعد هزيمته في تشرين 1973 وتنتشر في مناطق عدة من جبل الشيخ، وأبرز هذه المراكز المقام على أنقاض قصر شبيب على ارتفاع 2814 م. والذي دمره العدو الاسرائيلي ويشرف على الاراضي السورية وأجزاء واسعة من الجولان المحرر والمحتل، ويطلق على الموقع “الفندق الدولي” او “فندق حرمون” وهو مشيّد بأحدث التقنيات وتعلوه أبراج للمراقبة والصحون اللاقطة والمناظير الكبيرة وأجهزة اتصالات عبر الاقمار الاصطناعية وشبكة انترنت.. اضافة الى مستودعات لمواد التدفئة والمواد الغذائية ومولدات كهربائية تعمل على مدار الساعة، والموقع يرتبط مباشرة بالاراضي السورية من خلال طرقات ترابية بينما يرتبط بطريق ترابي آخر يصل الى مزارع شبعا المحتلة.
يخدم في “فندق” الاندوف في قصر شبيب 7 ضباط من الجنسية النمساوية، تلقوا تعليمات مشددة بعدم السماح للزوار بدخول الموقع والتجوال داخل بقايا قصر شبيب.. وهم يخدمون سنة كاملة قبل ان يعودوا الى بلادهم براتب شهري يفوق مبلغ ألفي دولار اميركي. ومهمة عناصر الموقع هي مراقبة ما يجري في محيطه بقطر كيلومترين فقط، أما اعمال الدوريات المؤللة التي تجول على قمم جبل الشيخ ومزارع شبعا فهي من مهمات مواقع اخرى.

                                                                   *السفير (السبت، 9 آب «أغسطس» 2003)