الاثنين، 24 أكتوبر 2011

عرسال وسوريا

 

الحدود المشتركة ووجـع العلاقة مع دمشق

 
عفيف دياب
لم تتعب عرسال بعد من إبريق زيت حدودها مع سوريا. أقراصها في كل الأعراس السياسية، لبنانية كانت أو سورية، وحتى أممية. يدوّن فتيان وشبان متحمسون شعاراتهم على جدران البلدة الفقيرة والمنسية في واد صغير مزنر بصخور موحشة. ولعرسال حكايات حدودها، وقصص لا يتعب «العراسلة» من سرد تفاصيلها المفرحة والمحزنة. فتسلل الدبابات السورية من تحصيناتها في أعالي الجرد الفاصل بين البلدين إلى داخل أراضي عرسال، لم يكن الأول، وحكماً لن يكون الأخير. ولكل «عرسالي» رواية خاصة مع سوريا، تبدأ من الأفراح والأتراح ولا تنتهي بالضرورة عند «وحدة» حال مواجهة قساوة الطبيعة.
هذه الـ«سوريا» التي لعرسال شراكة معها بأكثر من 50 كليومتراً من الحدود الوعرة و«التبادل» الاقتصادي والاجتماعي، لم تفهم يوماً عرسال وإشكالية قدر موقعها الجغرافي. وهي أيضاً عرسال التي لم «تهضم» يوماً حكاية سوريا البعث في زمن الوصاية المباشرة على لبنان، ويوم أفل هذا النجم الذي لم يظهر للبلدة منذ أن أصبح خلف الحدود الوعرة إلا وجهه القاسي. إنها حكاية «سوء الفهم» بين طرفين أسهمت الدولة اللبنانية في تغذيته منذ الاستقلال. وإنها عرسال التي لها لغة خاصة مع سوريا. وإنها سوريا التي لم تعرف بعد سر وجود هذه الكتلة البشرية الحزينة على حدودها الغربية. فما بين أبناء قاره وعسال الورد والبريج ودير عطية ورأس المعرة والمشرفة وغيرها من البلدات السورية، وعرسال وحدة حال ورغيف خبز من معجن واحد.
لا يخفي «العراسلة» أن حادثة تسلل الدبابات السورية إلى أراضيهم والعبث بمحتويات بعض المنازل، وإطلاق النار على مزارعين و صيادين وتدمير خزانات مازوت مهرب من سوريا، ليست الأولى من نوعها، أو أنها حادثة لم تحصل سابقاً. إنها أمر طبيعي ـــــ تقليدي درج عليه الجيش السوري أو فرق الهجانة (شرطة الحدود السورية) كما يقول عبد العزيز الفليطي الذي يقدم قراءة سياسية شاملة لواقع بلدته، ماضياً وحاضراً. و«إن كان التسلل طبيعياً في الأمس، فهو الآن يأخذ موقعاً سياسياً يقدم البعض له تفسيرات متنوعة، ويسقطه على مزاجه السياسي». يضيف: «عرسال ليست جزيرة معزولة عن محيطها، ولكل فرد فيها اليوم تحليله الخاص لما يجري في سوريا، والعبور السوري نحو أراضي البلدة ليس جديداً».
كلام الفليطي مبني على حوادث سابقة لم تشهد إثارة إعلامية وسياسية كما حصل في التسلل الأخيرة، ويجد الفليطي في إثارة الأمر «تضخيماً لحسابات سياسية محلية، ولا يمكن أحداً وضعه في نصابه الصحيح إلا الدولة التي عليها قول كلمة الفصل».
أما بشأن عملية تسلل الدبابات السورية نحو 7 كيلومترات داخل أراضي بلدة عرسال، فللمصادر الأمنية اللبنانية روايتها. تقول هذه المصادر لـ«الأخبار» إن الجهات السورية أبلغتها إثر وقوع عمليتي التسلل والقتل، أنها كانت تطارد «عصابات مسلحة» تهرّب السلاح إلى الداخل السوري. وتوضح هذه المصادر أن الرواية أبلغت رسمياً إلى مراجع لبنانية رسمية عليا، رافضة التحدث عن أسباب «امتناع» الجيش اللبناني عن إصدار بيان رسمي، كما جرت العادة، يشرح فيه ملابسات ما جرى في جرود عرسال، ولا سيما أن الجيش كان قد أصدر أكثر من بيان عن قمعه عمليات تهريب في دير العشاير وغيرها من المناطق الحدودية مع سوريا. وتؤكد المصادر أن الأجهزة الأمنية المعنية في الدولة اللبنانية تملك تفاصيل ما جرى في أعالي جرود عرسال، و«هي تملك معلومات موثقة عن عمليات تهريب أسلحة نحو الداخل السوري جرت عبر معابر غير شرعية في الشمال والبقاع». هذه الرواية السورية التي تتبناها السلطات الأمنية اللبنانية، يرفضها أهالي عرسال جملة وتفصيلاً. ويقول مختار البلدة محمد الحجيري إن القوات السورية تخرق الحدود يومياً، نافياً بشدة ما يحكى عن تهريب «عراسلة» أسلحة إلى سوريا و«أتحدى من يثبت ذلك. عرسال لا تملك السلاح، وكلنا يعلم في لبنان أين تقع مخازن الأسلحة ومن يهربها أو يبيعها للسوريين». يضيف: «أعتقد جازماً أن سوريا تعرف جيداً، وبالأسماء، من يهرب السلاح إلى أراضيها من لبنان، وكلنا يعلم أن عرسال لا تملك السلاح، وليس بمقدور أي مواطن عرسالي العمل في هذه المهنة». ولا يخفي المختار الحجيري أن «الدخل القومي» لعرسال يرتكز على السوق السورية، «لذا، لا مصلحة لنا في إثارة القلاقل مع جارتنا الكبرى، أو تدمير العلاقة بيننا. فنحن نعتاش اقتصادياً من سوريا، ولا أخفي أن الركود الاقتصادي في البلدة اليوم تجاوز الـ35 في المئة منذ بدء الثورة الشعبية السورية على النظام هناك».
تصرّف فردي
لا يخفي رئيس البلدية علي الحجيري وجود مضايقات متعمدة يقوم بها الجيش السوري منذ أن انتشر على الحدود إثر بدء التحرك الشعبي في الداخل السوري. ويوضح الحجيري أن علاقة بلدته مع الجوار السوري «عادية في الأيام العادية، ومتوترة في الأيام المتوترة». لا يجد رئيس البلدية حرجاً في القول إن ما جرى في جرود بلدته «قد يكون تصرفاً فردياً من ضابط سوري، وليس قراراً سياسياً أو أمنياً على أعلى المستويات»، مؤكداً أن عرسال لا تريد مواجهة سوريا و«عندنا علاقات اقتصادية واجتماعية واحدة، ولكن الحادثة الأخيرة عكّرت المزاج العام هنا».

ليست هناك تعليقات: