ابو قيس
الأمّ حين لا تلد طفلها تظلّ تتلمّسه، تشمّه، تلعقه، تقرأ تفاصيله طيلة حياتها . فتصاب بثورة داخلها لفراغ أحشاءها من ربيع تتخيّل قدومه كلّ تسعة أشهر. ترسمه في دواخلها و في الحدائق و الطّرقات.. تشتري له ثياب العيد باختلاف موضاتها و تقصّ شعره و تقبّله بتعدّد ساعات انتظارها... هي كالمراهقة التّي تنظم نصّا: تخربشه، تفترضه، تتخيّله وتخفيه من ذاكرتها لأنّها عندما تفيق من غيبوبة ورديّة المحتوى .. تعرف حينها أنّها توهّمت ولادة حبّ في حشى قلبها ،و أنّ الفراش الذّي كان يطير بها سراب، حتّى لو كانت صيرورته قيصريّة و محطّات قطاره متوقّفة أو لا تعمل أصلا...
هذه أطوار حكاية تشبه الحالتين في الحبّ، بطلتها طفلة في الثّلاثين و بطلها تجاوز قطاره الأربعين بمحطّتين... هو عاشق خطّاط حسب تعريفه لنفسه. يرسم خطوطا في السّماء و يركبها: خطوطا هوائيّة، يعرفّها بالهوى المقدّس حيث تعمّدُ كائناته فيها بالعشق اللّاملموس و اللّامحسوس وبماء لا يشبه الأرض في شيء .. هي مراجيح تعلَّقُ في فضاءها ساحابات عرق و إعجاب الطّبقة الوسطى بحبّ إستهلاكيّ تغنّى به و داسه، ثمّ ألّهه وعبده على أنّه إله لا صورة تجملّه و لا جنس له و لا يلده أحد و لا يولد.... حسنا، خطّاطنا وافق و عارض أن أنقل صورة عن ليلة حبّ جمعته بشهرزاده.... وهو من سمّى نفسه و سمح أن أناديه بأبي قيس...
جاءتني في أحد الأيّام رسالة جاء فيها: "أشكرُ ثقتكِ و إنّه ليشرّفني أن أتعرّف بكِ أكثر... هل يمكن أن تخبريني عن سبب إضافتكِ لي لزمرة أصدقائكِ.. وهل من الممكن أن تذكري تفاصيل عنكِ ؟؟؟؟"
هذه أطوار حكاية تشبه الحالتين في الحبّ، بطلتها طفلة في الثّلاثين و بطلها تجاوز قطاره الأربعين بمحطّتين... هو عاشق خطّاط حسب تعريفه لنفسه. يرسم خطوطا في السّماء و يركبها: خطوطا هوائيّة، يعرفّها بالهوى المقدّس حيث تعمّدُ كائناته فيها بالعشق اللّاملموس و اللّامحسوس وبماء لا يشبه الأرض في شيء .. هي مراجيح تعلَّقُ في فضاءها ساحابات عرق و إعجاب الطّبقة الوسطى بحبّ إستهلاكيّ تغنّى به و داسه، ثمّ ألّهه وعبده على أنّه إله لا صورة تجملّه و لا جنس له و لا يلده أحد و لا يولد.... حسنا، خطّاطنا وافق و عارض أن أنقل صورة عن ليلة حبّ جمعته بشهرزاده.... وهو من سمّى نفسه و سمح أن أناديه بأبي قيس...
جاءتني في أحد الأيّام رسالة جاء فيها: "أشكرُ ثقتكِ و إنّه ليشرّفني أن أتعرّف بكِ أكثر... هل يمكن أن تخبريني عن سبب إضافتكِ لي لزمرة أصدقائكِ.. وهل من الممكن أن تذكري تفاصيل عنكِ ؟؟؟؟"
الأسماء كانت تشبه بعضها.. و أنا لم أكن أعرف حتّى من هو أو من يكون.. ظهر على صفحتي كما غيره و لكن كان يحمل صحيفة وقلما ...و لأنّه كان من ضمن قدر مثقّفٍ من النّاس أضفته للوحي و قائمتي وسمحتُ له أن يقيم بين بنات أفكاري و أن يعبر إلى ذكرياتي دون سفر.... العلاقات أصبحت صورا و النّاس سجلّات متنوّعة.. و أنا كالآخرين حيّنتُنِي و أردت تجاوز حدود إقامتي و زياراتي الميدانيّة إلى أخرى افتراضيّة.....فما المانع أن تعرف امرأة صديقا فايسبوكيّا؟؟؟؟!!!!!!!!!
أجبتُه أن لا مانع عندي، فكما رحّب بي سأبادله الصّداقة من قصر الجمّ الشّهير إلى جنّات و أحصنة بعلبك و من النّخيل إلى الأرز و من بلد الجبال و الياسمين إلى سماء و زيتون الخضراء .. من الدرّر إلى الزّبرجد .. من بلد ابن خلدون و حنّبعل والحضارة القديمة الجديدة إلى بلد تاريخه سنّة و أدبه و فنّه عيون يرعاها اللّه و تسقيها محبّة شعوبه.......من أليسار إلى علّيسة و من مواني صيدا إلى أحضان قرطاج.....
تعدّدت مواضيع حديثنا بين ماض وحاضر و مستقبل... إلى أن قال: "بحثت عنكِ لمدّة اثني و أربعين عاما.. ناديتكِ عند ولادتي و كتبتُ اسمكِ ببنان أمّي .. تزوّجتُ و أنا شابّ.. هُجّرت من أرضي و أنا في عمر الزّهور...ناضلتُ مذ كنت صغير و ها أنا طفل رضيع بين يديك.. فصيّريني كيفما شئتِ، يا حوّاء جناني و يا مصدر الإلهام.. يا إلهةَ الخصوبة و المطر و الحبّ معا.. يا حوريّة فراديسي و ياقارئة فنجاني"....
كيف يمكننيي أن أكون عشتار أو أسطورة كاهنة و أقمار؟؟ كيف لي أنا التّي تخيط كلام الحبّ أن أرفض أن أنجب إعصارا؟؟ كيف لي أن أرفض دعوة أن أكون امرأة في حضرة سيّد قال فيَّي أجمل الأشعار؟؟
كتبنا معا معاني اللّقاء الأوّل و السّطور الأولى كانت تنام بين أحضان الفراش و تنام بين نهدي الطّبيعة... ترتوي أحلامنا من رحيق شفاهنا و تسافر بنا في فضاءها.. كانت نجومنا بألوان أزهار عيوننا و نبرات أصواتنا بخرير مياهنا و تغريد البلابل في رسومات خيالنا..... إذ كنتُ حقّا فراشته: نمت بين ألوانه و بين جناحي أغصانه و سافرت بين زوارق شطآنه.. وتلوّنت بربيعه و سكنت في وروده.... ثمّ صيّرني "بيسته": لاعبني بكفوفه و خربشت جذوعه و نمت في سريره و تصّورت مع أوراقه و لعبت بلفافات سجائره و طيّرتُ مقالات صحفه وتطعّمتُ عبير دخانه ..... و أخيرا صيّرني صديقتهُ.... هههههههههههه
يااللّه كيف يقرئني بين سطوره و يقبّلني بفتوره؟؟؟؟ كيف يمزج الملح و السكّر؟؟؟ و يخلط الشّمبانيا بالماء؟؟؟ كيف يكفّر من أحبّه و يصدّق من يدنّس الحبّ بالأوهام ؟؟ كيف و لماذا و هل؟؟؟ هل كتُ حقّا حبيبتهُ....؟؟؟!!!!!!!! هل كنت حلقة في مسلسله أو غانية في قصائده يتصيّد من خلالها القرّاء؟؟؟ ربّما كنت فقط عشيقتهُ....أو عابرة في سبيله.. لا أدري ما كنتُ و ما أصبحتُ عليه...
أجبتُه أن لا مانع عندي، فكما رحّب بي سأبادله الصّداقة من قصر الجمّ الشّهير إلى جنّات و أحصنة بعلبك و من النّخيل إلى الأرز و من بلد الجبال و الياسمين إلى سماء و زيتون الخضراء .. من الدرّر إلى الزّبرجد .. من بلد ابن خلدون و حنّبعل والحضارة القديمة الجديدة إلى بلد تاريخه سنّة و أدبه و فنّه عيون يرعاها اللّه و تسقيها محبّة شعوبه.......من أليسار إلى علّيسة و من مواني صيدا إلى أحضان قرطاج.....
تعدّدت مواضيع حديثنا بين ماض وحاضر و مستقبل... إلى أن قال: "بحثت عنكِ لمدّة اثني و أربعين عاما.. ناديتكِ عند ولادتي و كتبتُ اسمكِ ببنان أمّي .. تزوّجتُ و أنا شابّ.. هُجّرت من أرضي و أنا في عمر الزّهور...ناضلتُ مذ كنت صغير و ها أنا طفل رضيع بين يديك.. فصيّريني كيفما شئتِ، يا حوّاء جناني و يا مصدر الإلهام.. يا إلهةَ الخصوبة و المطر و الحبّ معا.. يا حوريّة فراديسي و ياقارئة فنجاني"....
كيف يمكننيي أن أكون عشتار أو أسطورة كاهنة و أقمار؟؟ كيف لي أنا التّي تخيط كلام الحبّ أن أرفض أن أنجب إعصارا؟؟ كيف لي أن أرفض دعوة أن أكون امرأة في حضرة سيّد قال فيَّي أجمل الأشعار؟؟
كتبنا معا معاني اللّقاء الأوّل و السّطور الأولى كانت تنام بين أحضان الفراش و تنام بين نهدي الطّبيعة... ترتوي أحلامنا من رحيق شفاهنا و تسافر بنا في فضاءها.. كانت نجومنا بألوان أزهار عيوننا و نبرات أصواتنا بخرير مياهنا و تغريد البلابل في رسومات خيالنا..... إذ كنتُ حقّا فراشته: نمت بين ألوانه و بين جناحي أغصانه و سافرت بين زوارق شطآنه.. وتلوّنت بربيعه و سكنت في وروده.... ثمّ صيّرني "بيسته": لاعبني بكفوفه و خربشت جذوعه و نمت في سريره و تصّورت مع أوراقه و لعبت بلفافات سجائره و طيّرتُ مقالات صحفه وتطعّمتُ عبير دخانه ..... و أخيرا صيّرني صديقتهُ.... هههههههههههه
يااللّه كيف يقرئني بين سطوره و يقبّلني بفتوره؟؟؟؟ كيف يمزج الملح و السكّر؟؟؟ و يخلط الشّمبانيا بالماء؟؟؟ كيف يكفّر من أحبّه و يصدّق من يدنّس الحبّ بالأوهام ؟؟ كيف و لماذا و هل؟؟؟ هل كتُ حقّا حبيبتهُ....؟؟؟!!!!!!!! هل كنت حلقة في مسلسله أو غانية في قصائده يتصيّد من خلالها القرّاء؟؟؟ ربّما كنت فقط عشيقتهُ....أو عابرة في سبيله.. لا أدري ما كنتُ و ما أصبحتُ عليه...
نزّلني في منزلة "أنتِ كلّ شيء... أموتُ دونكِ.... أنتِ أمّ قيس- نسبة إلى امرئ القيس، حيث كان يعشق شعراء الجاهليّة ( اللّه، الله.. هذا يعني هو عنترة و أنا عبلاه أو هو جميل و أنا بثيناه أو هو عمر و أنا سلماه هههههه ) - و إذا رحلتُ عنكِ.. فآتي لقبري و انثري عليّ دمعتين واكتبي على لوحه بلون الحبّ و ريق العمر و طول الصّبر و دموع القمر و قولي: هذا من أحبّني قبل أن يراني..."
لا أنكرُ أنّي أحببتُ حبّه لي... لا أنكرُ أنّه زيّن صباحي و مسائي و ليلي... لا أنكرُ أنّني كنت أوقّع معه مواعيد دخوله و انصرافه من عمله بل حتّى مواعيد أكله و نومه و قيامه.. مارست الحبّ الأسطوريّ معه.. انتشينا سويّا.. كنّا ندخل معا قاعات السّينما و مجالس الأدب و نسافر إلى الأندلس و نكتب قصائدنا ونثبّت مواعيدنا.. لا أنكر أنّني أحببتٌ شَعره التّقليديّ إذ كانت خصلة واحدة في مفرقه وشِعره الذّي كنتُ صدره و أبوابه ... كلّ تفاصيله كانت معي.. أحاديثه كلّها.. حتّى مصروفه و ظروفه و مشاكله و نفره من روتين حياته اليوميّة... عشقتُ منظار حبّه لي و قسمات صوته وهو يهاتفني.... ولم أكن أعرف أنّ من يشمّ من أحبّ ليس كمن يتذوّقه... في لحظة تكتشف أن لا طعم له و لا رائحة فقط شكله التّجريبيّ يزيّنه...
كم أحببتُ خصامي له و عتابي له و بكائي عليه إذ يمتلكني كلامه عن عشقه لي و بكائه لفراقي و شهقاته و نومه في شرفة بيته حزنا عليّ......
كان يذهب إلى المحلّ العموميّ لنتحدّث عبر الشّبكة العنكبوتيّة... فكنت أوّل الواقعات في شراك هذا الرّجل... إذ كان الصّيف أوّل فصولنا و أوّل ضمير تصرّف فيه أفعالنا... عشنا الخريف معا و تواعدنا على أن يكون الرّبيع أوّل مواعيد لقائنا و تناسينا كوارث الشّتاء و عواصف الغدر و الأمطار معا....
جاءني في يوم ليقول لي:"لقد اشتركت في النات لنتكلّم للصّباح دون مقاطعة أحد...!!!!!!!!!!!!!!!!!"... فقلتُ: "آه.. فعلا؟؟؟!!!!!!!"... قال: "نعم...."... يا ليته ما فعل.....كان كلامه المختزل يكفيني.. كنت الأميرة والسّلطانة والفاتنة والشّاعرة والآمرة والنّاهية و الأكيد الثّانية....
الفصل الثّاني بدأ بعاصفة القلق...
تجرّأت أن أنعته بكلام لم أكن أقصده أو أعنيه بعد غيابه المتكرّر... محوته من حسابي بعد أن حتّى وروده أصبحت بألوان المقابر بل بلون كفن أمواتها باردة و تصقع و لم و لن تتغيّر... آسف و لكن حتّى الحجر يتكلّم و أنت تعشق القراءة و تكتب... فكيف حتّى عن الكره لا تعبّر؟؟... بل عبّرتَ.. يال ضعف ذاكرتي... بعد أن قلتُ انتهى... قلتَ: مبروك ... يال تغيّر المفردات في حدائقه!!!! أصبحتْ فقط بضع حروف: أنتِ صديقتي...
قال عن عباراتي قاسية، عن اتّهاماتي صاعقة، عن اختياراتي خاطئة، عن أمومتي اللّاحقة عقيمة.. أصبحت امرأة في عيونه عاقر.. هل لن أنجب أبدا؟؟ لقد تلفت أجزاء قيس... مات وليدي دون أن يسجد.. مات رضيعي دون أن يعقل.. من القتلة.. ؟؟؟من القاتل؟؟؟
أجبتهُ :"أنتَ من علّم قلبه القسوة... كلامي كلّه دار و يدور حولك... أنت لم ترني... أنت لا تعرف أنّي عاقبت نفسي لغيرتي عليك و لحبّي الشّديد لكَ.. أنت تعرف أنّي متّ تحت قدميك عشقا.. لذلك تعاقب قلبي.. خسارة.. خسارة... خسارة أن ترى الحبّ ضعفا أو ترى شوقي إليك تهمة..."
لم أكن أعرفُ وقتها أنّ منظارهُ كان يبحثُ عن أخرى ولا أنّ تفاصيل الأخريات تهمّه... لذلك حسبتُ أنّ مشاكلنا هي من فلسفة كياني كامرأة تغار على شبلها أو دلال شابّة مع حبيبها أواحتواء شجرة لثمارها... فأضفت بعد خصام آخر شديد: "لو عرفتني لعملت بما قلته لك... في عزّ ثورتي قل أحبّكِ.... النّساء كائنات ناعمة، شوكها يضمّد جرحاه عند ارتوائه بالعشق..... أنتَ ماذا فعلت؟؟؟؟؟ غادرت الحلبة و تركت الثّور وحده يصارع نفسه.. إنّها خيبتي أنا و ليست خيبتك... إذ أصبحتَ لا تذكر ما أعطيت.. فقط تصنع تواريخا وهميّة لخصومات غير التّي حصلت..."
قال:"سأعوّضك بالصّداقة و الأخوّة"، فأجبته: ممكن... هذا رأيك... أنا لا أراك في منزلة الخادم لأوقات فراغي و مشاكلي و حكاياتي التافهة بعد أن قاسمتك العرش... كنت تركتك تشاركني الصّداقة بعد وقت أطول من هذا لتعرفني.... ليس أن تعرف أغلب تفاصيلي و ثوراتي و قوّتي و ضعفي في وقت قصير.. غريب أمرك و اللّه هدّدتني برحيلك من هذه الدّنيا عندما قلت لك فلنكن أصدقاء... والآن تطلب الصّداقة بمنزلة تاج تضعه على رأس خادمة....أنا لم أقل لك أعدني لحياتك أو أحبّني لأن الكأس لا يصلح إذا انكسر.. فهل سهل تلصيقه ؟؟.. أنا أسمّي الأشياء بأسماءها و عندما ترى ذلك بعينيك ستدرك واقع ما فعلت.. لأنّك لن تستمرّ في قول أنا جرحتك... أنا طلبت منك احتمالي و الصّبر ... صدّقت وعودك... و أنا أنتظر الرّبيع القاحل.... ألم تر كيف أحرقته شمسه؟؟؟؟ أو ستصمت أمام هذه الحقائق؟؟؟
ليس من السّهل أن ترى حبيبك في أحضان أخرى.. أن تتغزّل به امرأة كانت أو طفلة.. من غير المعقول أن تمشّط شعره بعيون لا عسل فيها أو خمرة.. ليس من المنطقيّ أن تلعق رسوماته فرشاة أنثويّة عبقة أو أن يشتعل له فتيل شمعة تذوب في شحمه بالفطرة..
لا أنكرُ أنّي أحببتُ حبّه لي... لا أنكرُ أنّه زيّن صباحي و مسائي و ليلي... لا أنكرُ أنّني كنت أوقّع معه مواعيد دخوله و انصرافه من عمله بل حتّى مواعيد أكله و نومه و قيامه.. مارست الحبّ الأسطوريّ معه.. انتشينا سويّا.. كنّا ندخل معا قاعات السّينما و مجالس الأدب و نسافر إلى الأندلس و نكتب قصائدنا ونثبّت مواعيدنا.. لا أنكر أنّني أحببتٌ شَعره التّقليديّ إذ كانت خصلة واحدة في مفرقه وشِعره الذّي كنتُ صدره و أبوابه ... كلّ تفاصيله كانت معي.. أحاديثه كلّها.. حتّى مصروفه و ظروفه و مشاكله و نفره من روتين حياته اليوميّة... عشقتُ منظار حبّه لي و قسمات صوته وهو يهاتفني.... ولم أكن أعرف أنّ من يشمّ من أحبّ ليس كمن يتذوّقه... في لحظة تكتشف أن لا طعم له و لا رائحة فقط شكله التّجريبيّ يزيّنه...
كم أحببتُ خصامي له و عتابي له و بكائي عليه إذ يمتلكني كلامه عن عشقه لي و بكائه لفراقي و شهقاته و نومه في شرفة بيته حزنا عليّ......
كان يذهب إلى المحلّ العموميّ لنتحدّث عبر الشّبكة العنكبوتيّة... فكنت أوّل الواقعات في شراك هذا الرّجل... إذ كان الصّيف أوّل فصولنا و أوّل ضمير تصرّف فيه أفعالنا... عشنا الخريف معا و تواعدنا على أن يكون الرّبيع أوّل مواعيد لقائنا و تناسينا كوارث الشّتاء و عواصف الغدر و الأمطار معا....
جاءني في يوم ليقول لي:"لقد اشتركت في النات لنتكلّم للصّباح دون مقاطعة أحد...!!!!!!!!!!!!!!!!!"... فقلتُ: "آه.. فعلا؟؟؟!!!!!!!"... قال: "نعم...."... يا ليته ما فعل.....كان كلامه المختزل يكفيني.. كنت الأميرة والسّلطانة والفاتنة والشّاعرة والآمرة والنّاهية و الأكيد الثّانية....
الفصل الثّاني بدأ بعاصفة القلق...
تجرّأت أن أنعته بكلام لم أكن أقصده أو أعنيه بعد غيابه المتكرّر... محوته من حسابي بعد أن حتّى وروده أصبحت بألوان المقابر بل بلون كفن أمواتها باردة و تصقع و لم و لن تتغيّر... آسف و لكن حتّى الحجر يتكلّم و أنت تعشق القراءة و تكتب... فكيف حتّى عن الكره لا تعبّر؟؟... بل عبّرتَ.. يال ضعف ذاكرتي... بعد أن قلتُ انتهى... قلتَ: مبروك ... يال تغيّر المفردات في حدائقه!!!! أصبحتْ فقط بضع حروف: أنتِ صديقتي...
قال عن عباراتي قاسية، عن اتّهاماتي صاعقة، عن اختياراتي خاطئة، عن أمومتي اللّاحقة عقيمة.. أصبحت امرأة في عيونه عاقر.. هل لن أنجب أبدا؟؟ لقد تلفت أجزاء قيس... مات وليدي دون أن يسجد.. مات رضيعي دون أن يعقل.. من القتلة.. ؟؟؟من القاتل؟؟؟
أجبتهُ :"أنتَ من علّم قلبه القسوة... كلامي كلّه دار و يدور حولك... أنت لم ترني... أنت لا تعرف أنّي عاقبت نفسي لغيرتي عليك و لحبّي الشّديد لكَ.. أنت تعرف أنّي متّ تحت قدميك عشقا.. لذلك تعاقب قلبي.. خسارة.. خسارة... خسارة أن ترى الحبّ ضعفا أو ترى شوقي إليك تهمة..."
لم أكن أعرفُ وقتها أنّ منظارهُ كان يبحثُ عن أخرى ولا أنّ تفاصيل الأخريات تهمّه... لذلك حسبتُ أنّ مشاكلنا هي من فلسفة كياني كامرأة تغار على شبلها أو دلال شابّة مع حبيبها أواحتواء شجرة لثمارها... فأضفت بعد خصام آخر شديد: "لو عرفتني لعملت بما قلته لك... في عزّ ثورتي قل أحبّكِ.... النّساء كائنات ناعمة، شوكها يضمّد جرحاه عند ارتوائه بالعشق..... أنتَ ماذا فعلت؟؟؟؟؟ غادرت الحلبة و تركت الثّور وحده يصارع نفسه.. إنّها خيبتي أنا و ليست خيبتك... إذ أصبحتَ لا تذكر ما أعطيت.. فقط تصنع تواريخا وهميّة لخصومات غير التّي حصلت..."
قال:"سأعوّضك بالصّداقة و الأخوّة"، فأجبته: ممكن... هذا رأيك... أنا لا أراك في منزلة الخادم لأوقات فراغي و مشاكلي و حكاياتي التافهة بعد أن قاسمتك العرش... كنت تركتك تشاركني الصّداقة بعد وقت أطول من هذا لتعرفني.... ليس أن تعرف أغلب تفاصيلي و ثوراتي و قوّتي و ضعفي في وقت قصير.. غريب أمرك و اللّه هدّدتني برحيلك من هذه الدّنيا عندما قلت لك فلنكن أصدقاء... والآن تطلب الصّداقة بمنزلة تاج تضعه على رأس خادمة....أنا لم أقل لك أعدني لحياتك أو أحبّني لأن الكأس لا يصلح إذا انكسر.. فهل سهل تلصيقه ؟؟.. أنا أسمّي الأشياء بأسماءها و عندما ترى ذلك بعينيك ستدرك واقع ما فعلت.. لأنّك لن تستمرّ في قول أنا جرحتك... أنا طلبت منك احتمالي و الصّبر ... صدّقت وعودك... و أنا أنتظر الرّبيع القاحل.... ألم تر كيف أحرقته شمسه؟؟؟؟ أو ستصمت أمام هذه الحقائق؟؟؟
ليس من السّهل أن ترى حبيبك في أحضان أخرى.. أن تتغزّل به امرأة كانت أو طفلة.. من غير المعقول أن تمشّط شعره بعيون لا عسل فيها أو خمرة.. ليس من المنطقيّ أن تلعق رسوماته فرشاة أنثويّة عبقة أو أن يشتعل له فتيل شمعة تذوب في شحمه بالفطرة..
أنا أذكّرك بكلماتك فقط... إذ قطعتَ نصف طريق.... أين ما وعدتني به وهو أنّك ستعذرني لأنّك تعرف أنّي مزاجيّة و لست خبيثة... سمعت بكائي مرّة فبكيت.. أين دموعك بينما كنت فعلا أحتضر أم تعتقد أنّي كنت أمثّل.؟؟؟ أين قلبك و حبّك و لهفتك و أنت تصفني بالصّديقة؟؟؟؟ أين أنا بين مشاريعك و أنتَ تقول اصبري؟؟؟ أين عطش فساتيني الزّهريّة وخربشات أناملي فيك.. ؟؟؟ أين عبث طفولة أنوثتي و قهقهات مراهقتي؟؟؟ أين عطوري وغرامي؟؟؟؟ أين فصولي القمريّة؟؟ أين أمطاري و أنهاري في جذوعك و جفاف صيفي في حلقك؟؟ أين هبوب أوراق شعرك و تناثر خريفي على زندك؟؟ و أنا أقول لك سآتي أنا للقاءك.. فتجيب لن أكلّمك بعدها أبدا..هل أنت من أحبّني أم آخر؟؟؟...."
رفضت منصب الوصيفة الأولى في مسابقات غرامه....رفضتُ المشي بين النّاس دون تاج المرأة الملكة.... رفضتُ أن لا أدفن معه مباشرة في قبره... رفضتُ أن أتنازل على لقب السيّدة الأولى في مملكة ديمقراطيّة الطّابع... رفضتُ أن يفرغ سريري من عطره.... فهل أجرمتُ؟؟؟؟؟
قال:"لن أجيب وأظن أننا ندور في حلقة مفرغة ...."
جرحتني عباراته فثرت عليه كالأفعى:
" أنا لا أدور في حلقات مفرغة لأنّك من ملأها.....و أنت أعلم منّي بكلامك و ما أقوله لك له معنى واحد...ما تدور فيه أنت هو ذلك المارد الشرقيّ الشرعيّ الذّي لا تردّ له كلمة و الذي يعشق النّساء النّعاج اللّواتي يستسلمن لأدواره كلّها... أنا جرحتك حرفا أي كلاما و أنت أجهزت عليّ فعلا لأنّك عرفت وقتها أنّني أحببتك... ومن يقتل امرأة يقتل جنينها و من يعبث بقلبها تدوس على رجولته و تنحرها نحرا..".
قتلتُه.. نعم قتلتُه.. في يمّ حبّي أغرقْته... في بئري النّاري أحرقْته... بعتُ كلّ ما كتبته و حبيبي السّابع و السّابق و المخلوع سميّته...رفضت منصب الوصيفة الأولى في مسابقات غرامه....رفضتُ المشي بين النّاس دون تاج المرأة الملكة.... رفضتُ أن لا أدفن معه مباشرة في قبره... رفضتُ أن أتنازل على لقب السيّدة الأولى في مملكة ديمقراطيّة الطّابع... رفضتُ أن يفرغ سريري من عطره.... فهل أجرمتُ؟؟؟؟؟
قال:"لن أجيب وأظن أننا ندور في حلقة مفرغة ...."
جرحتني عباراته فثرت عليه كالأفعى:
" أنا لا أدور في حلقات مفرغة لأنّك من ملأها.....و أنت أعلم منّي بكلامك و ما أقوله لك له معنى واحد...ما تدور فيه أنت هو ذلك المارد الشرقيّ الشرعيّ الذّي لا تردّ له كلمة و الذي يعشق النّساء النّعاج اللّواتي يستسلمن لأدواره كلّها... أنا جرحتك حرفا أي كلاما و أنت أجهزت عليّ فعلا لأنّك عرفت وقتها أنّني أحببتك... ومن يقتل امرأة يقتل جنينها و من يعبث بقلبها تدوس على رجولته و تنحرها نحرا..".
كتبتُ له وداعا على لوح أبيض بين الشّعر و النّثر و الدّعاء.. تلبسه امرأة بيضاء، خرقاء كانت بلهاء.. تعيش قصص العشق بحذافيرها كما الرّوح العمياء.. :
أنا أحبّكَ صدّقت أم لم تصدّقْ...أحبّك جدّا و جدّا و جدّا...
أحبّك و لن تكُ إلّا حبيبي ما دمت حيّة...
أنتَ وحدَكَ البيتَ الذّي قُرآني يحفظه وهو "أُحِبُّكَ أكثَرْ"....
أنا يا وحيدي غزال شريد.. عمره بعمر هذا الحبّ الشّهيد ....
كنتُ في ديوانك كلّ الحروف حتّى الكسوف...
كنْت العناوين و القوافي و الصّدر و السّيوف...
و ها أنا مثل امرأة تعبث بالدّفوف....
تقرع دويّ الحبّ بالحرف و بين الأنامل و الكفوف...
فالِردَّةُ في الحبّ كما في الإيمان، يا حبيبي، كفرٌ و إيلاف مقروف....
(رحاب السوسي ـ تونس )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق