الثلاثاء، 6 مارس 2012

حفاة وحوامل وأطفال



الفارّون إلى لبنان حفاة وحوامل وأطفال
وحكايات عن قصف يطول كل شيء



|  عفيف دياب |

  
لم تعد الحدود اللبنانية مع سورية مجرد جغرافيا «وعرة» بل تحولت «دفرسواراً» نازفاً يضج بالمآسي على غرار ما شهده الشريط الشرقي من تلك الحدود على مدى اليومين الماضيين، مع طفرة جديدة من «الفرار الجماعي» من «ملعب النار» في المقلب السوري الى المناطق اللبنانية المتاخمة عبر ممرات من الصقيع الذي يضاعف الاهوال التي تئن تحت وطأتها العائلات النازحة.
فالبلدات السورية المحاذية للحدود اللبنانية عند مشروع القاع في البقاع دخلت في عين الحملة العسكرية التي ينفذها الجيش السوري ضد معارضي نظام الرئيس بشار الاسد، الامر الذي ادى الى حالات نزوح هرباً من القصف العشوائي الذي يطاول انحاء مختلفة من محافظة حمص، «ومن دون مبرر عسكري»، بحسب ما قاله نازحون لـ «الراي» التي قصدت الاعالي لملاقاة «الحُفاة» الذين فروا بأرواحهم و... أطفالهم.
ففي اقل من 24 ساعة سجل اول من امس الاحد نزوح ما لا يقل عن 1500 مواطن سوري من بلدات القصير وجوسة والنزارية وربلة وغيرها، نحو منطقة مشاريع القاع الزراعية التي غصت بالنازحين الذين توزعوا بين البساتين والكروم في ظل طقس ماطر ومثلح وبرد قارس.
وقال نازحون من جوسة لـ «الراي» انهم اضطروا الى مغادرة منازلهم ركضاً وحفاة نحو الاراضي اللبنانية بعد سقوط قذائف دبابات على قريتهم. واضاف «أبو أحمد» (35 عاماً) انهم تعرضوا لقصف مدفعي عنيف قبل اقتحام الجيش السوري لعدد من المنازل المستهدفة بالقصف والاسلحة الرشاشة الثقيلة.
وروى الرجل، الذي غادر منزله مع زوجته واولادهما الخمسة، ان احد جيرانه اصيب برصاصة و«لا أعرف عنه اي شيء».
وقالت المواطنة ام علي (65 عاماً) انها هربت مع ابنائها واحفادها بعد تعرض منزلهم لرشقات نارية، راوية انهم عبروا في البساتين الموحلة والغارقة بمياه الامطار. واضافت: «لم نستطع ان نحضر ثيابنا، ونحن الان في المجهول وقد نبقى طويلاً في العراء».
الطفلة مريم (7 سنوات) قالت انها هربت ركضاً مع امها و«وقعتُ على الارض». واضافت وهي تبكي ان الرصاص اصاب منزلهم في جوسة و«خفتُ كثيراً فهربت مع امي».
وفي بستان مشمش حيث اتخذت عائلة سورية من جوسة مقر اقامة الى ان يتسنى لهم ايجاد مأوى، قال رب الاسرة ابو محمد (54 عاماً) انه اضطر الى النزوح بعد تعرض قريتهم للقصف من دبابات الجيش السوري المتموضعة شرق بلدتهم. واضاف وهو يهم لاشعال النيران في كمية حطب للتدفئة «أنتظر اقرباء لي من عرسال (بلدة لبنانية) حتى يأتون لنقلنا الى منزلهم». وكشف ان الجيش السوري «دخل الى منازل الحي الشرقي من جوسة وقام بتفتيشها واعتقال عدد من الاشخاص وثم بدأ القصف علينا فهربنا الى هنا».
وليس بعيداً من بستان المشمش كانت عائلة سورية تنتظر على جانب طريق ترابي حتى يسمح لها الجيش اللبناني بالعبور الى داخل الاراضي اللبنانية. وبعد اتصالات اجراها جنود الجيش مع قيادتهم سمح للعائلة التي تضم سيدة حامل في شهرها السادس بالعبور والدخول الى مسجد صغير في مشاريع القاع للاقامة ريثما يحضر طبيب صحة عامة للكشف عليها هي التي كانت تعاني من اوجاع جراء الركض في البساتين خلال اطلاق الرصاص على الاهالي في جوسة.
وكشف مصدر طبي لبناني لـ «الراي» انه تم ادخال 6 جرحى سوريين خلال الساعات الماضية من منطقتي القصير وجوسة، اضافة الى جرحى آخرين من مدينة حمص لم «يتمكن المسعفون من ايصالهم الى لبنان»، موضحاً ان حالات بعض الجرحى «حرجة»، ولافتاً الى وجود عدد كبير من الجرحى قرب الحدود من المقلب السوري و«لا يمكن لاحد نقلهم الى لبنان للمعالجة جراء اطلاق الرصاص من الجيش السوري».
وقال الطبيب اللبناني ان جريحاً واحداً توفي على الاقل متأثراً بجروحه قرب الحدود خلال الساعات الماضية. وطالب المجتمع الدولي بالتدخل والسماح لفرق الاسعاف بنقل الجرحى من داخل الاراضي السورية الى لبنان، كاشفاً ان نقل الجرحى يتم سيراً على الاقدام و«يقطعون مسافات طويلة ما يؤدي الى وفاة بعضهم، كما حصل اثر قصف الدبابات لاطراف جوسة».
قصف جوسة والقصير وبدء الحملة العسكرية السورية ضد القرى والبلدات السورية المتاخمة للبنان، واكبها الجيش اللبناني بعملية انتشار عسكرية واسعة على طول خط الحدود من مشاريع القاع شرقاً وحتى تخوم القصير غرباً.
وقال مصدر امني لـ «الراي» ان الانتشار العسكري جاء بعد معلومات امنية تحدثت عن احتمال بدء الجيش السوري عملية امنية ضد «الجيش السوري الحر» و«لذا رفعنا من اجراءاتنا المتخذة سابقاً، وعززنا مواقعنا وانتشارنا لمنع المسلحين من دخول الاراضي اللبنانية».
واضاف: «هذه الاجراءات لن تمنع المدنيين النازحين، بل ستسهل عبورهم».
واكد المصدر لـ «الراي» ان الجيش اللبناني «يتابع عن كثب تطورات الاوضاع العسكرية داخل الاراضي السورية المتاخمة للبنان»، موضحاً ان المعلومات الامنية «تتحدث عن قرب بدء حملة عسكرية سورية ضد الجيش الحر في القصير ونواحيها، ولذا اتخذنا اجراءات وقائية».
استعدادات لبنان العسكرية والامنية لاحتمالات قيام الجيش السوري بعملية عسكرية واسعة النطاق على تخوم حدوده، بدت واضحة خلال الجولة الميدانية التي قامت بها «الراي» في شمال سهل البقاع، حيث لوحظت التعزيزات العسكرية التي ادخلها الجيش اللبناني، وحواجز التفتيش والمراقبة والتدقيق في هويات ركاب السيارات. وتزامنت هذه الاجراءات الكبيرة مع اقفال الجانب السوري لمعبر الجوسة الرسمي نحو لبنان، ومنع العبور من والى البلدين.
وقال شهود عيان التقت بهم «الراي» في محلة مشاريع القاع ان الامن السوري منعهم من العبور رسمياً نحو لبنان مما اضطرهم الى العبور عبر مسالك غير شرعية. واضافوا ان الاجراءات الامنية السورية «قاسية وواسعة». وتابعوا ان الجيش السوري يصادر منهم اكياس الخبز والمواد الغذائية التي يأتون لاحضارها من لبنان لعائلاتهم
ــــــــــــــــــــــــــ
http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=333428&date=06032012


ليست هناك تعليقات: