| بيروت - من عفيف دياب |
لم يكن قصف الجيش السوري النظامي (ليل الاربعاء) منطقة مشاريع القاع في شمال سهل البقاع اللبناني بعدد من القذائف المدفعية من مرابضه في مرتفعات جوسة الخراب الشرقية عادياً، فهذا التطور يعتبر الاول من نوعه منذ بدء الأزمة السورية وعكسَ مخاوف متزايدة من ارتداداتها على الواقع اللبناني ولا سيما في المناطق الحدودية في الشمال والشرق.
وجاء قصف منطقة القاع وتعرضها لرشقات نارية ما ادى الى اصابة مواطن سوري كان نزح سابقاً الى لبنان هرباً من الاعمال الحربية في مدينته حمص، ليقلق سكان القرى اللبنانية المتاخمة للحدود السورية (التابعة لمحافظة حمص)، ويعطي صورة جديدة عن تطورات الاوضاع الميدانية في القرى والمزارع السورية الحدودية التي تشهد عمليات كر وفر بين الجيش النظامي و«الجيش السوري الحر».
وقد رصدت «الراي» في الساعات الأخيرة عمليات عسكرية داخل مزرعة الحسيبية السورية التي تعرّضت لقصْف مدفعي مركز ادى الى تدمير عدد من المنازل ونزوح عدد من السكان المعارضين لنظام الرئيس بشار الاسد الى داخل الاراضي اللبنانية.
وقالت سيدة كانت تستقل دراجة نارية خلف زوجها وتحمل بعض الامتعة لـ «الراي» ان الجيش السوري النظامي «سيطر بالكامل على الحسيبية والنزارية والزراعة بعد انسحاب الجيش السوري الحر من هذه البلدات». واضافت «ان الجيش السوري النظامي يقصف بشكل متقطع كل ساعة مدينة القصير التي تعتبر اليوم تحت سيطرة الجيش الحر بالكامل».
واذ اوضحت السيدة «ان المدينة تحوّلت مدينة اشباح بعد نزوح غالبية سكانها الى داخل الاراضي اللبنانية»، قالت وهي تبكي ولا تلتزم بمحاولات زوجها لمنعها من الكلام: «لم نعد نقدر على البقاء في منزلنا لاننا نُعتبر من المعارضين للنظام». واضافت: «لقد دمر جيش بشار (الاسد) منزلنا، وهربنا بين البساتين ولا نعرف الى اين سنذهب، علماً ان في المزرعة موالين ومعارضن للنظام وكرمى لعيون الموالين دُمرت منازلنا وتهجرنا».
عمليات الكرّ والفرّ بين الجيش السوري النظامي و«الجيش الحر» على طول خط الحدود المتاخمة للبنان قرب عرسال ومشاريع القاع نزولاً حتى مدينة القصير، تحدث عنها مصدر امني لبناني لـ «الراي»، فقال ان المنطقة الحدودية السورية المتاخمة للبنان «تحولت مناطق اشتباكات عسكرية على مدار الساعة بين الجيش النظامي والمنشقين عنه»، موضحاً «ان الجيش اللبناني يرصد عن كثب تطورات الاوضاع العسكرية داخل الاراضي السورية المتاخمة لحدود لبنان».
وكشف المصدر الامني «ان حركة النزوح المدني السوري الى داخل الاراضي اللبنانية وتحديداً الى شمال سهل البقاع تراجعت نسبياً بعدما اصبحت القرى السورية شبه خالية من السكان الذين إما نزحوا الى لبنان او الى عمق الاراضي السورية»، لافتاً الى ان الجيش السوري النظامي «بدأ يمسك ببعض المعابر غير الشرعية مع لبنان».
واكد المصدر نفسه «ان الجيش اللبناني نجح خلال الايام الماضية في توقيف اكثر من مجموعة مهربين لبنانيين كانوا يعملون على نقل اسلحة ومواد متفجرة الى الجانب السوري بواسطة بغال»، موضحاً ان المهربين من جميع الطوائف اللبنانية ولا ينتمون الى اي حزب لبناني موال للنظام السوري او حتى معارض له، ومشدداً على ان الاجهزة الامنية اللبنانية التي تتابع اوضاع الحدود مع سورية «تسمح فقط بعبور الجرحى المدنيين، إما عبر المنافذ الشرعية او تلك غير الشرعية»، ولافتاً الى ان الاجراءات الامنية لم تلحظ عبور افراد من «الجيش الحر» او عناصر سورية مسلحة.
هذه الاجواء الامنية والعسكرية على طول خط الحدود في شمال سهل البقاع، تابعتها «الراي» ميدانياً حيث جالت على مدى يومين في جرود بلدة عرسال ومناطق مشاريع القاع، ليتبيّن ان غالبية نقاط العبور غير الشرعية بين عرسال وسورية اقفلت بسواتر ترابية عدا الالغام المضادة للافراد والاليات.
ويقول السيد ابو محمد حجيري الذي رافقنا في جولتنا على اعالي جرد عرسال ان سكان البلدة «لم يعودوا يعبرون الى داخل الاراضي السورية». واذ يوضح انه منذ بدء الثورة ضد الرئيس بشار الاسد «تراجعت حركة عبور المدنيين من الجانبين»، اشار الى ان الالغام التي زرعها الجيش السوري «ساهمت في امتناع الاهالي عن العبور»، ولافتاً الى عامل آخر ساهم في عرقلة عمليات العبور بين البلدين، وهو تراكم الثلوج «التي لا تسمح لاحد من عرسال بالعبور الى داخل الاراضي السورية او بالعكس».
عرسال التي تحتضن اليوم اكثر من الف عائلة سورية نازحة من قرى وبلدات في ريفيْ دمشق وحمص، انقطع تواصلها مع الجانب السوري بعد انحيازها الى الثورة السورية ضد نظام الاسد. ويقول ابو محمد ان عرسال «اخذت الجانب الانساني من العلاقة مع سورية، والاهالي يحتضنون اقاربهم واهلهم السوريين»، كاشفاً عن ان الجيش اللبناني واستخباراته «يعرفان جيداً حقيقة الامر في عرسال».
وعن تهمة تهريب الاسلحة الى الثوار السوريين يوضح ابو محمد الحجيري ان امكان تهريب الاسلحة «صعب جداً» بسبب اجراءات الجيش اللبناني ونظيره السوري في الجانب الاخر من الحدود «عدا عن العوامل الطبيعية التي لا تسمح بعبور المهربين المفترضين»، ليخلص الى ان «امكان تهريب الاسلحة من لبنان الى سورية اصبحت مستحيلة بسبب اجراءات الجيش اللبناني».
وفي موازاة الاجراءات اللبنانية، فان الجيش السوري النظامي وسّع نطاق زرْعه للالغام على طول حدوده مع بلدة عرسال وصولاً الى مرتفعات وجرد مشاريع القاع التي تبعد رمية حجر عن اقرب منزل سوري. ويقول ابو فهد «ان الالغام السورية لا تسمح لاحد بتهريب حتى ربطة خبز، فكيف بالاسلحة؟»، موضحاً «ان الجيش اللبناني يعرف تماماً حقيقة الواقع الميداني وهو موجود على الارض في مشاريع القاع».
ويضيف ابو فهد، الذي امضى يوماً كاملاً في متابعة شؤون مجموعة من النازحين السوريين من الحسيبية والنزارية والزراعة وجوسة الخراب لتأمين المسكن والمأوى لهم، «ان الجيش السوري اصبح يطلق الرصاص حتى على الحيوانات التي تتحرك قرب الحدود». ويتابع ضاحكاً: «حين نسمع ليلاً صوت انفجار لغم، نقول في سرّنا لقد خسرنا بقرة شاردة من مزارعنا».
الرجل الستيني، يوضح ان اكثر من 3 الاف عائلة لبنانية تقطن في مشاريع القاع الزراعية «وهم يرتبطون بقرابة مع عدد مماثل من السوريين في الجانب المتاخم لهم، ولذا لا يمكن ان نقف متفرجين على ما يتعرض له اهلنا، واخلاقنا لا تسمح لنا الا باغاثة المظلوم»، معدداً اصحاب المنازل الذين اصيبت بيوتهم ومزارع ابقارهم برصاصات سورية او شظايا قذائف المدفعية.
ابو فهد، الذي اصطحبنا الى الساتر الترابي الذي يفصل سورية عن لبنان، يشير الى ان الجيش السوري النظامي يسيطر تماماً على بلدة جوسة و«لا يمكن لاي انسان ان يعبر بطريقة غير شرعية، فلماذا يستهدفنا بالقصف والقنص؟»، طالباً من السلطات اللبنانية «التدخل لوقف اعمال الترهيب السوري للمدنيين اللبنانيين في منازلهم ومزارعهم».
في مشاريع القاع التي تعتبر نقطة وصل بين الداخل السوري والآخر اللبناني، تجمعات كبيرة لعائلات نازحة. ففي مسجد المنطقة الصغير حيث كانت قد وصلت 4 عائلات من مدينة حمص السورية، قال ابو وليد (48 عاماً) انه اضطر للمكوث في المسجد ريثما يستطيع تأمين مأوى لأفراد عائلته، بعدما اضطر نتيجة القذائف المدفعية ورشقات الرصاص الى ازلة الخيمة التي نصبها في بستان مشمش. واضاف: «ان المسجد قد يحمينا من القنص السوري وشظايا القذائف اذا سقطت مجدداً على مشاريع القاع»، معرباً عن اعتقاده ان الجيش السوري يستخدم رصاص القنص ورشقات عشوائية لمنع النازحين من اقامة خيم للسكن في البساتين و«حتى لا نحوّل المنطقة مخيماً للنازحين، وخصوصاً ان فصل الربيع بدأ، ويخشى النظام في الداخل ان نحوّل الجانب الحدودي اللبناني مخيمات وتتطور لاحقاً الى معابر ومناطق عازلة آمنة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق