الأحد، 10 يونيو 2012

انتاج العمالة وحمايتها






نظام إنتاج العمالة.. وحمايتهاSample Image

د. خالد حدادة

(تحية إلى المقاوم عفيف دياب)  

لقد كانت سوريا على الدوام، وفي لحظات تماسكها كدولة، ضامناً مكلفاً من الأطراف الاقليمية والدولية لإبقاء حالة من السلم الأهلي، مضبوطة على إيقاع النظام السوري السائد. وحين يكون التوافق الاقليمي - الدولي غائباً، تتحول النظرة الى سوريا والعلاقة معها الى عامل من عوامل الحرب الأهلية المستمرة في لبنان وتدخل معها دول إقليمية أخرى، من السعودية الى إيران الى الكيان الصهيوني، عوامل مؤثرة في «التوازن الطائفي» اللبناني.
وتكفي الإشارة الى مثلين، الأول في نهاية السبعينيات وخلال الحرب الأهلية، حين تناوبت القوى السياسية - الطائفية في لبنان على نسج العلاقة مع سوريا كأساس في التوازن الداخلي للحرب الأهلية وذلك عبر مسار ما قبل اتفاقية كامب ديفيد وما بعدها. والثاني، خلال مرحلة التوافق الاقليمي - الدولي ضد صدام حسين، والذي أنتج اتفاق الطائف المجير في تطبيقه للنظام السوري.
أما اليوم، فإن لبنان يعيش مرحلة الذروة في ميدان علاقته بسوريا. إجماع على الوصاية من قوى البرجوازية على مختلف استقطاباتها الطائفية وخلاف على طبيعة الوصي، فيندلع الصدام المسلح بخلفية الانحياز، للطرف السوري المعارض أو «الثائر» (مسكين تشي غيفارا) أو للنظام السوري المتمسك بقواعد عمله حتى النهاية.
ويمتد الاصطفاف اللبناني ليتوغل في عمق الانقسام الاقليمي - الدولي، من امتداد حتى تركيا والسعودية والولايات المتحدة (وإسرائيل) الى طرف يمتد من دمشق الى ايران وروسيا والصين.
وفي هذا الإطار، يتحول لبنان مجدداً الى ساحة، وهو في تاريخه الحديث وعلى الأقل منذ انحياز كميل شمعون الى «حلف بغداد»، لم يكن إلا ساحة تشبه كل شيء إلا الوطن...
والسؤال الأهم والمكرر: هل بإمكان هذا النظام وفي ظل الطبيعة الطائفية للدولة أن يكون إلا ساحة... الجواب واضح منذ ما قبل الاستقلال في العام 1943. إن الأساس الطائفي للدولة في لبنان، لا يمكنه تحويل مشروع الوطن، الى وطن وهو سيكون دائماً أداة الاستقطاب الاقليمي لـ«الطوائف»، وسيكون السلم الأهلي فيه غير ممكن لانعدام التوازن في ظل هذا النظام.
فالطبيعة الملازمة لهذا النظام لا تؤمن له الاستقرار إلا في إطار شرطين متلازمين: الأول، وجود طائفة مهيمنة (المارونية السياسية كمثال حتى نهاية الخمسينيات وبوهن حتى نهاية الستينيات) والثاني، توافق إقليمي ـ دولي على هذه الهيمنة وهو ما توافر في الفترة الاولى وأعيد تجديده في ظروف أخرى في أواخر الخمسينيات. ولكن ما هو مؤكد اليوم، أن تحقيق هذين الشرطين، أو أحدهما أصبح صعباً الى حد الاستحالة في الظروف الداخلية والاقليمية، ولذلك فإن محاولات البرجوازية اللبنانية المتكررة منذ ذلك الحين فشلت كلها في إعادة تركيب توازن جديد، يجدد سيطرتها على البلد ومقدراته، عبر ترميم «الدولة الطائفية» المنهارة، ووصل الأمر اليوم، الى ذروة جديدة تتجاوز بعثرة «أسس الدولة»، الى حد تهديد وجود الوطن وإلغاء مشروعه.
[[[[
هذا الكلام ليس انفعالاً، ولكنه تحذير أطلقناه منذ الانتداب الفرنسي ونضال الوطنيين والتقدميين اللبنانيين حينها، وخاصة نضال «حزب الشعب» ضد مشاريع الانتداب الفرنسي وتحديداً مشروع الوظيفة التي حددها هذا الانتداب، «للدولة الطائفية» انسجاماً مع تقسيم المنطقة وخلق الكيان الصهيوني بالتوافق مع الاستعمار البريطاني.
وليس أكثر تعبيراً عما يجري، التحذير- المشروع، الذي حمله الشهيد الكبير فرج الله الحلو والذي عبر عنه «المؤتمر الوطني اللبناني» وما تضمنته رسالته حول مطالب الهيئات الشعبية والسياسية اللبنانية الوطنية والنقابية والاجتماعية والمركزة على ضرورة بناء الدولة الديموقراطية الوطنية كأساس لإنجاح مشروع الوطن وحماية مصالح الشعب اللبناني...
ولكن الانتداب وكل من ورثه من قوى إقليمية آثروا الوظيفة التي ترتكز على «دولة طائفية»، لتأمين مصالح هذه الدول، وليس مصلحة الشعب اللبناني، وليس غريباً في هذا الإطار، أن يبقى الشعار المعتمد هو ان قوة لبنان والمقصود حكماً هو قوة النظام، هو في ضعف دولته. وهذا الضعف هو تجاه التدخلات الخارجية بأشكالها كافة، بما فيها خاصة تجاه العدو الاسرائيلي... وقوته الداخلية بالمجمل تجاه الشعب ومصالحه وحقوقه والقوة المفرطة في حروب اهلية مستمرة دفاعاًً عن توافق مصلحة البرجوازية مع مجريات الصراع الاقليمي وتناقضاته...
إنه مشروع التفتيت المستمر للمنطقة وإن تعددت أشكاله والذي اعتمده الاستعمار منذ سايكس بيكو الى مشروع سايكس - بيكو الجديد بقيادة الولايات المتحدة... وليس أفضل من مناخ «الساحة اللبنانية» للمساعدة في إطار هذا المشروع.
[[[[
في السياق نفسه، لم تعد الخيانة الوطنية جرماً في ظل هذا النظام، فالجرم لمن يتمايز عن مصلحة الجماعة الطائفية وعن رأي زعيمها، فهو «الخائن»، أما من يرتكب فعل العمالة للخارج، لكل الخارج، فهو ليس خائناً وليس مجرماً.
الجديد اليوم، ليس احتضان الدولة بمكوناتها المختلفة للعملاء، فهم في المواقع المتقدمة للنظام ووصلوا الى أعلى الرتب فيه.
الجديد هو مستوى الوقاحة، فالخونة أبطال، ما لم يسيئوا الى «طوائفهم» أو «زعاماتهم». يُسقبلون ويُرفعون على الراحات وينثر عليهم الأرز والورد... ويقمع ويُدان كل من بقي لديه من كرامة وطنية، كما جرى مع المقاوم الاعلامي عفيف دياب، من قبل بلطجية الخائن المخفضة عقوبته زياد الحمصي وهم في الوقت عينه بلطجية القوى المذهبية التي تحتضنهم...
السؤال الطبيعي هنا، الذي يجب ان يطرحه كل المقاومين والوطنيين: هل كان رهانهم في مرحلة سابقة على إمكان بناء الدولة ومؤسساتها بأن تأخذ بعد «الطائف» جانب المقاومة رهاناً صحيحاً؟ ها هو الجيش يتعرض للتدمير المنهجي من داخل بنى الدولة الطائفية ذاتها، والقضاء يقوم بعملية تدمير داخلي متناغمة مع التدمير العام لمشروع الوطن، وربما كان أحد دوافع قرار القضاء بخفض أحكام العميلين فايز كرم وزياد الحمصي، هو إمكان تسلق للمواقع القضائية العليا في إطار توازن سياسي - طائفي، تقتضيه بنية النظام نفسه(...).
إن ما يجري اليوم هو عملية تطبيع تدريجي مع العدو الصهيوني، والتطبيع ليس قراراً مباشراً. القرار القضائي تطبيع، والتبعية الاقتصادية تطبيع، والارتهان للمشروع الاميركي تطبيع. واسمحوا لي بصراحة أكبر، بالقول إن وجود وزراء المقاومة على طاولة واحدة مع نقولا فتوش، هو شكل من أشكال التطبيع.
السؤال الكبير هنا: هل على المقاومين والأسرى وأهالي الشهداء والجرحى أن يواجهوا الأمر، بطريقة اخرى، لقد واجهوا اسرائيل وعملاءها... أما اليوم، فالنظام نفسه هو في موقع إنتاج العمالة والخيانة وحمايتها؟
نعم إن العمل المقاوم للنظام الطائفي نفسه كان وهو الآن بإلحاح أكبر هو المكمل الطبيعي لمقاومة الاحتلال وعملائه... نتمنى ألا يدفع المقاومون لممارسته بأشكال لم يعتمدوها حتى الآن... ولكن سكوتهم لن يكون طويلاً وإلا أصبحوا شركاء في الصمت.
[[[[
في الختام، لا نطلب شيئاً جديداً، اذا قلنا إن الحل يكمن في استعادة روح «المؤتمر الوطني اللبناني» الذي أشرنا اليه، وفي الدعوة الى مؤتمر وطني تأسيسي منتخب، لصياغة دستور الوطن العلماني الديموقراطي... وعبثاً التفتيش عن السلم الأهلي خارج تغيير نظام الحرب الأهلية المستدامة.

([)
الأمين العام لـ«الحزب الشيوعي اللبناني» 
افتتاحية النداء 188/ بالتزامن مع جريدة السفير (9 حزيران 2012)

ليست هناك تعليقات: