عاشق يتلظّى...
شددتُ رحالي إلى امرأة أعجبتني.. قرّرتُ أن أسمعَها ندائي... علّها تسمعني أو حتّى تراني بين أحرف كتاباتها....
فقلْتُ لها في خطابيَ الأوّل:
أستهلّ حديثي إليكِ بتحيّة صباحيّة .. حيث تشرق الشّمس في وجهك:
صباحكِ أمطار و نور...
صباحكِ أطفال و حبور...
صباحكِ بإشراق العبير،
زقزقته بلابل من حرير......
ألوانه تلال و بحور...
رأيتها تنظُرُ لشابّ جالس على مقعد بعيد هو عنها.. فأضفتُ:
لست أدري ما الذّي يميّزكِ...؟؟؟ !!!!!!!!!!!!
ففيكِ النّدى و فيك الوجل...
فيك مقامات الغزل...
تتربّع السّماوات فيك .. فتُسكرين الخجل..
فيك ارتواء الكلام و عطش الأمل...
تقام الصّلاوات على شفتيك و يسكن الحمام و الحجل...
و تشرق الأنوار من عينيك و يرحل الملل...
أعيد السّجود بين فكّيكِ..
فالفوقيّ سمائي و التحتيّ بيت العسل...
غابت عنّي قليلا.. فناديتها..
يا سيّدتي... أنا ...أنا أناديكِ:
فتعالِي... قلتٌ تعااااااالي... لا تبرحيني و لااااااااا لا تقسمِي أنّ تركي من المحالِ.... دوري أيّتها الشّمس فوق التّلال.. و دعيني أراني فوق الظّلال... تعالي...تعالي، أرسميني و غازلي ريحي فوق ارتجالي... و أمشي الهوينة بين نعالي و لا تبرحي، يا سيّدتي، قرص ابتهالي.. أنا سنواتكِ متى هرمتِ يا جبالي... و ارتعي ما شئتِ بين كرومي.. و اشربي ما شئت من غلالي فهي حلّ حلال.. و اركضي بين ربوعي .. ففيكِ يرتع الرّبيع مثل الرّجال....
رأيتُ دمع كحلها يسيل و احمرارا في عينيها يميل إلى الحزن و إلى المغيب.. ذلك الشّاب غادر... يا ويلتي...ماذا أضيف؟؟؟!!!!!!!!!
تأنّيتُ ثمّ تجشّعتُ و نطقتُ:
أنا بحاجة إلى ظلالك و لا حاجة لي حتّى بثيابك.. أنا مطرود من وطني ..فآويني إليكِ و امسحي بمنديلي دمعتيْكِ... أنا طلبتُ اللّجوء العاطفي و الشّبقي إلى ضفّتيكِ... أرسميني بين عقارب معصميكِ و أشّري للدّخول إلى مقلتيكِ...
لا تهجري قبل أن تعرفيني أو قبل مسامحتي لعدم معرفة اسمكِ أو لنضال لم يدم إلّا دقيقتين ..و إذا كانت أزمنتكٍ تشبه مرايا العَرَبِ.. فاطحنيها و آتي لي بماء يطهّر قلبكٍ الذّهبي.. و ضعيه على يمينكِ ليدقّ متى توقّفت ساعة نبضكِ عن الدقّ... فإنّ أعمدتي شاءت أن أكتبكِ في دفاتر عمري.. و متى تذكّرتكِ سأستعين بمرآتي التّى منعت الصّفر من العدّ.. و سأسقي بألوانكِ مافات قوس قزح... فانحناءه لكِ بشرى لبداية النّور في الشّهب..
ابتعدتْ و كأنّها لم تلمح طيفي و غادرت الحديقة العامّة...فطار بصري و سمعي و كلامي إليها وهم يهتفون مع قلبي..
أرجوكِ اسمعيني آخرا و ليس أخيراَ....
سمّيتكِ آلهتي ...
فإنّي أتلظّى لكِ عشقا...
إنّي أستسلم لكِ قتلا...
بل شنقا...
فارجميني بقبلاتكِ رجما...
وعنّفيني حبّا،
فإنّي صرت في ملكوتكِ من الأسرى...
سمعتُ وقع أقدامها و رنين حذاءها، فالتفت إليّ و يدي ممدودة إلى جمالها بجمل كتبتْ على شرفها مرفوقة برقم هاتفي، فقالت: هذا فلسٌ وهو آخر ما عندي.. أعانكَ اللّه، يا أخي....
(رحاب السّوسي)
تونس