الأربعاء، 1 أبريل 2015

دراسة .. الفاعلين السنة في لبنان





خريطة الفاعلين السُّنَّة في لبنان: التركيبة والتوجهات 
(الجزيرة)
ملخص
يشكِّل المكون السنِّي أهمية خاصة في الكيان اللبناني كونه يتولى تقليديا قيادة الحكومة ويدافع عن وحدة السلاح بيد الدولة اللبنانية، وغلب على الفاعلين فيه الاعتدال السياسي والديني في الفترة السابقة، لكنه يواجه اليوم تحديات تتصل بانعكاسات الاستقطاب الديني "السني" في سوريا والنفوذ الإيراني المتزايد في لبنان والإقليم؛ ما يطرح أسئلة حول من هم أبرز الفاعلين السنَّة في لبنان؟ وما هي طبيعتهم والتي يمكن من خلالها استقراء أدوارهم وتوجهاتهم المستقبلية، لاسيما أنهم يتنوعون وظائفيًّا وأيديولوجيًّا، كتيار المستقبل الرخو تنظيميًّا والأكبر راهنًا، وآخر يتسم بطابع أيديولوجي كالجماعة الإسلامية، وتمثل الوجه الديني غير الرسمي للمكون السنِّي عند الأزمات، وهيئة العلماء المسلمين التي برزت كأحد تداعيات التغير الإقليمي والثورة السورية على لبنان، وهناك الأحزاب القومية السنية التي تراجعت وأصبحت مجموعات جهوية صغيرة،  وهناك مواقع رسمية في الدولة اللبنانية تُعتبر فاعلًا قائمًا بذاته مثل رئاسة الوزراء ودار الإفتاء؟
مقدمة
أظهرت الفترة السابقة، وتحديدًا منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005، صعودًا شعبيًّا لتيار المستقبل، سمح له بالصدارة في قيادة المكون السنِّي، ثم تعرض للتراجع بفعل التحديات الإقليمية والمحلية التي واجهته، وأخذ فاعلون سنَّة آخرون تدريجيًّا يقومون بأدوار جديدة أو أكبر لم تُتح لهم سابقًا، وخاصة إبَّان رئاسة نجيب ميقاتي الأخيرة (2011-2013، واستمرَّ بتصريف الأعمال لعام 2014) وبعد إسقاط حكومة سعد الحريري(2011)، واليوم مع الحوار الذي يجري بين تيار المستقبل وحزب الله وفي ظل حكومة تمام سلام المدعومة من تيار المستقبل، يعود التساؤل حول أدوار ووظيفة هؤلاء الفاعلين السنَّة في المشهد اللبناني، لاسيما مع نشؤء بعض التنظيمات المتشددة دينيًّا في الجوار السوري من جهة وتصاعد النفوذ الإيراني في لبنان والإقليم من جهة أخرى، وما لذلك من تأثيرات  كبيرة على مستقبل المكون السنِّي في لبنان والإقليم وعلى علاقته ببعضه البعض أو مع الطوائف الأخرى(1).
تتسم الساحة السنِّية اللبنانية بالتعدد من حيث البُعد التنظيمي، ويتنازعها في الغالب تيارات مرنة أكثر مما هي تنظيمات حديدية أو حادة أيديولوجيًّا، ربما لأنه يغلب على السنَّة عدم التركز طائفيًّا في مناطق خاصة دون غيرهم، ويمتازون بالاختلاط الواسع مع المكونات اللبنانية الأخرى لاسيما أنهم توزعوا على المدن الكبرى مثل بيروت وطرابلس وصيدا(2)، فضلًا عن انخراطهم التاريخي في "المقاومة" الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي ومجاورتهم له في فلسطين. وبهذا تعددت أوجه الفاعلين السنَّة تاريخيًّا، وهي كذلك اليوم. وبالنظر إلى فعاليتهم في الشأن المحلي وقدرتهم على نسج علاقات قوية مع الإقليم يمكن حصرهم في ستة فاعلين أساسيين، هم: تيار المستقبل، وهو الأكبر وذو طبيعة انتخابية، والجماعة الإسلامية، وتمثل الطابع الأيديولوجي للمنتمين للمكوِّن السني، وهيئة العلماء المسلمين، وهي أبرز ممثل غير رسمي لعلماء "السنَّة" حتى اللحظة، وهناك الأحزاب القومية السنِّية التي التحقت بغالبيتها بقوى 8 مارس/آذار، إضافة إلى مواقع أخرى هي جزء من بنية الدولة مثل رئاسة الوزراء ودار الإفتاء، مع التنويه بوجود أدوار هامشية لجمعيات أهلية بعضها ديني وبعضها روابط عائلية ومناطقية ليست محل اهتمام هذا التقرير لضعف بنيته وتأثيرها(3).
تيار المستقبل
تعود جذور تيار المستقبل إلى الكتلة الانتخابية لرئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وكان التأسيس الرسمي له برئاسة ابنه سعد الحريري في 9 أغسطس/آب 2007(4)، ويمثل المستقبل السنِّيَّة السياسية التقليدية في لبنان المتماهية مع النظام العربي عبر البوابة السعودية وما كان يُسمَّى محور "الاعتدال العربي". تظهر قوة المستقبل باعتباره يمثل الوجهة الانتخابية للأغلبية السنية دون منازع في الطائفة وذلك ليس لقوته الذاتية فقط، بل لعدم رغبة أو قدرة الأطراف الأخرى في الطائفة على الولوج إلى "بِنية السلطة" اللبنانية حيث هي الساحة الحقيقية للتنازع أو تقاسم الغنائم من قِبل الطوائف اللبنانية. فالسلطة في لبنان ليست مجرد ناتج لما يقدمه الصندوق الانتخابي من تعبير عن وجهات نظر القوى المحلية وسياساتها بل إن قواعد اللعبة تعكس توازنات إقليمية ومن ورائها توازنات دولية، وهذا ما جعل الحياة السياسية اللبنانية مكلفة جدًّا وتحتاج لأموال طائلة وإدارة علاقات خارجية مع دول، وليس مجرد الاكتفاء بنشاطات محلية في إطار الدولة الوطنية، وذلك خاصة بعد تعزز النفوذ الإيراني والسعودي بإمكاناتهما الكبيرة في مواجهة بعضهما البعض، فانعكست الثنائية الإقليمية لطهران والرياض تقابلًا محليًّا لحزبين كبيرين: حزب تيار المستقبل وحزب الله.
يعتمد التيار في سياسته الداخلية على المزاوجة بين الشراكة لضرورات التعايش الوطني والنقد القاسي لحزب الله -سواء لدوره في الحكومة أو لدوره الأمني الموازي لسلطة الدولة الشرعية- واستمالة الخصوم الآخرين من قوى 8 مارس/آذار كالتيار الوطني الحر وحركة أمل، وتحصين تحالف قوى 14 مارس/آذار مع ضبط الساحة السنِّية والفاعلين فيها بما يتوافق مع سياسته ومتطلباته المحلية وفي الإقليم.
وتقوم رؤيته السياسية على بناء الدولة في مقابل حلِّ الميليشيات، وحصرية سلاح الدولة في مقابل انتشار السلاح غير الشرعي ومنه ما يُسمَّى "سلاح المقاومة"، وعلى "الاعتدال الوطني" و"الديني" في مواجهة "التطرف السياسي والديني"؛ لذا فعضويته التنظيمية "عابرة للطوائف"، وعلى الانتماء العربي للُبنان كإشارة إلى أولوية التواصل مع المحيط العربي في مقابل أي انتماء آخر. وهذه السياسة لتيار المستقبل تضعه بإجماع الأطراف اللبنانية في موقع النقيض لقوى الثامن من مارس/آذار سواء من حيث الرؤية أو الممارسة، وخاصة في مقابل حزب الله بسبب الذراع المسلحة لهذا الأخير وأجندته الإقليمية التي منها تدخله في سوريا ودوره المتعاظم في الإقليم وعلاقته الخاصة مع إيران.
ولكن بعض الصفات الإيجابية التي يعلنها تيار المستقبل، مثل: مفهوم "الشراكة" و"الاعتدال" ليست بالضرورة هي التعبير الصحيح المسلَّم به لوصف تيار المستقبل وأهدافه، ولا يقبلها أطراف آخرون ومنهم بعض الفاعلين السنَّة الذين يرون أن تيار المستقبل يريد احتكار التمثيل السياسي السنِّي لنفسه دون "شراكة" من الآخرين، ويريد حصر رئاسة الوزراء بسعد الحريري أو بمن يرضاه ويمنعه عن غيره، وأن "الاعتدال" الذي يروِّج له أصبح مؤخرًا، خاصة في ظل حكومة الرئيس سلام، موجَّهًا ضد "التيار الإسلامي السنِّي" حصرًا.
الجماعة الإسلامية
تكاد الجماعة الإسلامية تكون الكيان اللبناني الإسلامي الوحيد الذي يمارس دورًا سياسيًّا ويمثل شريحة واسعة من السنَّة بعد المستقبل، ويرأسها حاليًا إبراهيم المصري. تأسست رسميًّا عام 1964 وتنتمي لمدرسة الإخوان المسلمين في ثقافتها الدينية. برزت كقوة مستقلة انتخابيًّا بعد أول انتخابات تَلَت الطائف عام 1992(5)، ثم أصبحت بعد الانسحاب السوري من لبنان عام 2005 أكثر ارتباطًا بتيار المستقبل في أدائها السياسي بسبب ضعف وجودها في بنية "السلطة اللبنانية"، ولتشاركها مع المستقبل في الجمهور المستهدف، أي: "الجمهور السني"، وتبنَّت مقولاته الأساسية في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري (2005) لاسيما مواقفه إزاء "بناء الدولة" بنزع سلاح المليشيات و"محاكمة" قتلة الحريري ولاحقًا التقت معه في دعم الثورة السورية (2011). ويمكن اختصار دور الجماعة الإسلامية على الصعيد المحلي في أنها التعبير المحافظ عن سنَّة لبنان حتى عندما يختلف بعضهم معها سياسيًّا، لأنها تمثل الطموحات الدينية للمجتمع السنِّي المتدين من جهة، وتشكِّل داعمًا إضافيًّا للسنِّيَّة السياسية عند تلاقي الديني والسياسي، أي إنها تُسهم في الحفاظ على الجوهر الديني للسنَّة وبنفس الوقت هي قوة احتياط سياسية بالنسبة لهم، وهذا ما يجعلها أكثر نخبوية وقوة متوسطة تقف وراء الفاعلين أو الفاعل السني الأول. إلا أن الجماعة قد تتحول إلى عقَبة لتيار المستقبل لأنها ليست مرتبطة بالسياسة السعودية ارتباطًا وثيقًا، كما أن اقترابها من إيران أو بُعدها عنها مبني على حسابات خاصة بمصالحها السياسية وبمنظومة قيمها الأيديولوجية؛ حيث كانت أقرب إلى "محور المقاومة" وإيران إلى أن اجتاح حزب الله بيروت عسكريًّا عام 2008، ثم أصبحت في مواجهة معه مع اندلاع الثورات العربية عام 2011 التي جعلتهما متواجهين. وتسببت الثورات أيضًا بجفاء ولو لفترة قصيرة، في علاقة الجماعة بالسعودية خلال حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز؛ حيث وضعت الرياض حينها حركة الإخوان العالمية على لائحة المنظمات الإرهابية(6)، ولكن هذا لا ينفي أن الجماعة تحرص على الانسجام مع السياسة السعودية في الإقليم ما استطاعت، أو على عدم الاصطدام مطلقًا معها باعتبارها الراعي العربي الأكثر التزامًا بسنَّة لبنان، والأكثر فعالية في الساحة اللبنانية سواء اتفقوا معها أم اختلفوا. وهم يقدِّرون أن السعودية تدرك أو يجب تدرك أن أولوية الجماعة الإسلامية في لبنان المتمثلة بحفظ المكون السني اللبناني وتنمية دوره المحلي والإقليمي تتقدم على أية مصلحة أخرى ولو كانت تتصل بمصير حركة الإخوان المسلمين في المنطقة.
هيئة العلماء المسلمين
تضم هيئة العلماء المسلمين علماء وشخصيات دينية من التيار السلفي والجماعة الإسلامية وعلماء من دار الفتوى انضموا إليها كمستقلين فضلًا عن آخرين مستقلين استقلالًا تامًّا. تأسست عام 2012(7) لدعم الثورة السورية وبعد سلسلة من الأحداث أوصلت أهم الفاعلين السنَّة وعلى رأسهم تيار المستقبل إلى أدنى درجات الضعف؛ حيث كان من أبرزها اجتياح حزب الله لبيروت عسكريًّا عام 2008، ثم إقالة سعد الحريري -بتحالف واسع- من رئاسة الوزراء باستقالة وزراء قوى الثامن من مارس/آذار في يناير/كانون الثاني 2011(8) لاسيما أنه بقي في الخارج لثلاث سنوات قبل أن يعود ويتردد على بيروت منذ أغسطس/آب 2014. أما دار الإفتاء فكانت حينها في موقع مخالف للجمهور السني؛ حيث أصر المفتي محمد رشيد قباني على استقرار علاقته مع حزب الله رغم تدخل الأخير في سوريا وموقفه المعادي للمستقبل، لا بل استقبل المفتي قباني السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، لتفقِدَ الدار قدرتها على تمثيل أهلها لا بل استدعت غضبهم(9). وفي الفترة نفسها كانت الجماعة قد فقدت بعضًا من مرجعيتها الدينية (غير الرسمية) بوفاة أمينها العام "المستشار القاضي فيصل مولوي" عام 2008 والذي كان يحظى باحترام المجتمع الديني الرسمي وغير الرسمي. ما عزَّز هذا كله، الفراغ السياسي والديني وما اصطُلح عليه "بالمظلومية السنية"، من فرص إيجاد كيان ديني يضم علماء سنَّة في مواجهة خطاب حزب الله المتصاعد، وليكون رافدًا لبنانيًّا للثورة السورية ومتابعًا لتداعياتها في الشأن اللبناني.
لعبت الهيئة دورًا متقدمًا على صعيد التوسط لدى المجموعات السورية المسلحة للإفراج عن لبنانيين مختطفين، ودعت لمحاكمات عادلة وعاجلة للإسلاميين الموقوفين في السجون اللبنانية "ظُلمًا" كما تصف غالبهم(10)، وعملت على التوسط بين الجيش اللبناني والمسلحين خلال بعض الاشتباكات التي جرت بين منطقتي التبانة وجبل محسن في مدينة طرابلس، وحاولت التوسط بين الجيش اللبناني والمجموعات السورية في الاشتباكات التي وقعت في بلدة عرسال اللبنانية وأُصيب أثناءها شيخان من الهيئة أحدهما الشيخ سالم الرافعي الذي يشغل منصب رئيسها الدوري راهنًا(11).
تسعى هيئة العلماء لتكون الممثل الشعبي لعلماء لبنان مع اعترافها لدار الإفتاء بالتمثيل الديني الرسمي للمسلمين على الصعيد الوطني، ومن الواضح أنها تريد أن تملك هامشًا أوسع للتحرك سواء على الصعيدين اللبناني أو الإقليمي ولكن دون التعارض مع الفاعلين السنَّة الآخرين، خاصة في مقابل الكيانات الدينية الأخرى التي تنشأ بعيدًا عن مظلة الدولة في بقية الطوائف، مثل تجمُّع العلماء المسلمين الذي يضم علماء شيعة وسنَّة لكنه يحظى بدعم إيران وتمويلها ويسير في ركابها.
إن تركيبة الهيئة مرنة جدًّا وليست صلبة وأثبتت في الفترة الأخيرة قدرتها على الاستمرار بسبب الانسجام بين أبرز الشخصيات الفاعلة فيها، لأنها تجمع في توجهاتها بين سلفية حركية نسبيًّا وبين مرونة سياسية تستقيها من أدبيات الجماعة الإسلامية اللبنانية، ولكن ما زالت تفصلها مسافة عن تيار المستقبل قد تهدد فاعليتها أحيانًا.
الأحزاب القومية
غالب الجمهور السني الذي كان ينتمي للأحزاب القومية الناصرية والبعثية أصبح في تيار المستقبل أو تحت جناحه، في حين يميل معظم الأحزاب القومية السنية التي ما زالت قائمة بذاتها لمحور قوى الثامن من مارس/آذار، وهناك أسباب سياسية وأحيانًا شخصية لخيار هؤلاء، منها محليًّا، على الأقل، أن رفيق الحريري "عدو سوريا" كان يعمل على احتكار تمثيل الطائفة السنِّية وإغلاق ما اصطُلح على تسميته "البيوت السنِّية" الأخرى، مثل: آل كرامي وسليم الحص وسواهما. كما أنه لعب دورًا في تحجيم الأحزاب السنِّية الأخرى لاسيما القومية ليعزز من نفوذه في صفوف طائفته ووطنيًّا. أما على الصعيد الوطني والإقليمي فـ "الحريرية السياسية"، كما توصف أحيانًا من خصومها، مصنَّفة على أنها نصيرة لليبرالية المتوحشة وأنها ضد خيار "المقاومة"، وحليف يأتمر بأمر "السعودية" التي كانت تاريخيًّا "ضد المدِّ القومي الناصري في المنطقة العربية"(12). وتتسم الأحزاب القومية في لبنان حاليًا بصغر حجمها وبولائها لشخصيات جهوية محدودة التأثير، من أبرزهم: مصطفى حمدان رئيس حركة "المرابطون" في بيروت، وأسامة سعد رئيس التنظيم الشعبي الناصري في صيدا، وعبد الرحيم مراد رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي في البقاع الغربي، وقد يشار إلى سواهم ولكن بأدوار أقل أهمية في الحياة السياسية اللبنانية.
وحاليًا، تلتقي هذه الأحزاب مع حلفاء سوريا وإيران(13)، مع مجموعات أخرى لها طابع إسلامي محلي أو شخصيات دينية مثل الشيخ ماهر حمود في صيدا، فضلًا عن مجموعات وأحزاب أخرى.
وربما تبرز أهمية هذه القوى في مسألتين أساسيتين: أنها تضفي الشرعية الإسلامية والوطنية على "دور" حزب الله السياسي والعسكري سواء في الشأن الداخلي اللبناني أو الإقليمي، كما أن لها ذراعًا مسلحة تحت اسم "سرايا المقاومة" ترتبط تنظيمًا وتمويلًا بحزب الله كإطار معلن -لغير منسوبي حزب الله (عمليًّا غير الشيعة)- للمقاومة ضد إسرائيل، لكن دور السرايا الفعلي مقتصر على حماية شخصيات ونفوذ قوى سنَّة الثامن من مارس/آذار، في مناطق السنَّة.
رئاسة الوزراء
إن التوزيع الطائفي للرئاسات الثلاث -رئاسة الجمهورية للموارنة، رئاسة المجلس النيابي للشيعة، رئاسة الوزراء للسنَّة- جعل لكل منها دورًا واسعًا سواء على الصعيد الوطني أو على على صعيد الطائفة وتمثيلها، وتعتبر رئاسة الوزراء قمة الهرم في تمثيل السنَّة في لبنان، ويُعيَّن رئيس الوزراء بحسب الدستور وتعديلاته(14) بتسمية النواب له وليس بتعيين من رئيس الجمهورية كما كانت الحال قبل الطائف، ووفق تعديلات هذا الأخير أُعطيت السلطة الإجرائية لمجلس الوزراء مجتمعًا بعد أن كانت منوطة برئيس الجمهورية، كما أن صلاحيات رئيس الجمهورية تنتقل إلى "مجلس الوزراء مجتمعًا" عند الشغور في موقع رئاسة الجمهورية كما حصل في 25 مايو/أيار 2014 بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان(15) ودخلت البلاد في فراغ حاد.
بيد أن سلطة رئاسة الوزراء الفعلية ليست حاسمة في الحياة السياسية اللبنانية؛ حيث كانت خاضعة لدمشق خلال الوجود السوري في لبنان، وبعده أصبحت مقيدة باللعبة اللبنانية وأدواتها التي من بينها السلاح، وإذا ما استثنينا الحديث عن دور السلاح (مثل اجتياح حزب الله لبيروت بالسلاح عام 2008) فقد واجهت "رئاسة الوزراء" في عهد فؤاد السنيورة (2005-2009) تحالفًا أطلق عليه البعض "تحالف الأقليات"(16) بعد ورقة التفاهم ما بين حزب الله والتيار الوطني الحر بقيادة الجنرال عون(17)، وكان الدافع الأبرز المعلن بالنسبة للأخير تقلص صلاحيات رئيس الجمهورية وانتقال بعضها لصالح مجلس الوزراء الذي يرأسه سنِّي. وكانت المعادلة السورية منذ الطائف وكذلك قبله أن يستلم رئاسة الوزراء شخصية سنية لا واقع شعبيًّا لها؛ وهو الأمر الذي حاول رفيق الحريري تغييره، أما حاليًا فقد أثبتت التجربة قدرة تيار المستقبل على الاحتفاظ بهذا المركز لمصلحته أو لمن يرضاه له، وشنَّ حربًا سياسية على رئيس الوزراء السابق "نجيب ميقاتي" إبَّان رئاسته الأخيرة إلى أن استقال فجاءت حكومة الرئيس تمام سلام الأخيرة وتحت عنوان "ربط النزاع"(18)، أي: ربط النزاع بين تيار المستقبل وحزب الله. وفي الحقيقة غالبًا ما كان يجري الحوار في ظل هذه المعادلة (ربط النزاع) بين الطرفين قبل إعلانها، وذلك لتخفيض نسبة التوتر المذهبي في البلاد، أو حلِّ مشكلات أخرى بعضها يتصل في العادة برئاسة الوزراء، وذلك إما لتصريف شؤونها أو للتباحث حول اختيار من يشغلها، كما هو جار الآن حيث قد يقود الحوار في مرحلة ما إلى عودة رئاسة الوزراء لسعد الحريري، باعتباره "الممثل الدائم للأكثرية السنِّية وضامن الاعتدال فيها". وبهذا الاعتبار قد يكون مما يقلق كل مرشح لرئاسة الوزراء ومنهم تيار المستقبل هو اتساع نادي المرشحين لهذا المنصب وازدياد أعدادهم، لأن كل رئيس سابق يصبح مرشحًا دائمًا لرئاسة الوزراء لاسيما أن توجهاته تصبح معروفة ولأن التجربة معه من قبل الأطراف الأخرى تقرر المرحلة التي يصلح ليتصدرها أو التعامل معها، وهم حاليًا ليسوا كثرًا وإن كان من أبرزهم ميقاتي والحريري ورئيس الوزراء الحالي تمام سلام.
دار الإفتاء
إن القانون اللبناني(19) "يؤكد استقلال المسلمين السنيين، في شؤونهم الدينية وأوقافهم الخيرية" بإدارة من "المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى" المنوط بأعضائه "حقُّ إصدار التشريعات" المنظمة لشؤون وأوقاف الطائفة ويرأسه مفتي الجمهورية اللبنانية الذي هو أيضًا "الرئيس الديني لعلماء الدين المسلمين والمرجع الأعلى للأوقاف الإسلامية والإفتاء على سائر الأراضي اللبنانية، كما أنه المشرف الأعلى على أحوال المسلمين ومصالحهم الدينية والاجتماعية". أما من الناحية السياسية فإن الدار تتبع سياسيًّا رئيس الوزراء اللبناني "السنِّي"، خاصة منذ الطائف والفترة التي حكم فيها رفيق الحريري(20) وما بعدها، وشهدت افتراقًا في ظل المفتي السابق محمد رشيد قباني مع تيار المستقبل الذي يكاد يكون الممثل السياسي للسنَّة بلا منافس، وشمل خلاف قباني لاحقًا علاقته برئيس الوزراء نجيب ميقاتي؛ ما أدى في لحظة فريدة في تاريخ الطائفة السنية إلى انقسام في بعض مؤسسات دار الإفتاء على نفسها لاسيما المجلس الشرعي الإسلامي، وكذلك الانفصام بين دار الإفتاء ورئاسة الحكومة، ولكن بعد انتخاب تمام سلام لرئاسة الوزراء تم الاتفاق بوساطة سعودية-مصرية-سوريَّة على استقالة المفتي قباني وتم انتخاب عبد اللطيف دريان خلَفًا له، وأُعيد توحيد الدار تحت الرعاية السياسية لتيار المستقبل(21)، وهذا لا يمنع وجود مسؤولين دينيين نافذين في الدار قد يُعتبرون من القريبين نسبيًّا من قوى 8 مارس/آذار وترضى بهم سوريا في هذا الظرف، خاصة من أولئك الذي تجمعهم علاقات جيدة مع مصر، وهم يوفرون غطاء نسبيًّا من الدار لعلماء سنَّة يؤيدون حزب الله وهو يدعمهم(22).
على العموم، إن تجربة الخلاف بين دار الإفتاء وتيار المستقبل أثَّرت على قيادتي الطرفين؛ حيث بات الأخير أكثر حرصًا على تقليم أظافر الدار والنأي بها عن السياسة من خلال التلويح بحزمة إصلاحات "تُقلِّص من صلاحيات المفتي" وهي إحدى النقاط التى كانت مثار خلاف مع المفتي السابق رشيد قباني إذا استبعدنا الاتهامات بالفساد المالي التي سيقت ضده(23). ويحرص المفتي الجديد عبد اللطيف دريان على أن يبتعد عن مواضع الاشتباك السياسي مع الإذعان للسنِّية السياسية محليًّا وفي الإقليم، حتى بات متهمًا من بعض علماء الدار نفسها بالإذعان لتيار المستقبل. وعلى الصعيد الإقليمي ألقت الدار بثقلها على خط محاربة ما يُسمى بـ "التطرف والإرهاب"، وهو تقاطع يحظى برضى من السعودية ومصر وتقبله إيران وسوريا، وترضاه فئات سياسية وبيروقراطية لأنه "يحفظ اعتدال الطائفة" في زمن التطرف، لكنه بالمقابل يثير ريبة علماء وقضاة وخطباء وفئات أخرى، ويرون أن دار الإفتاء مقبلة على "تسييس" أكبر بخضوعها أكثر من أي وقت مضى "للسياسيين"، "وستفقد دورها كأحد الحصون الأخيرة لحفظ سمات الطائفة الدينية، "لتكون نُهبة للتطرف أو الانحلال".
مستقبل خريطة الفاعلين السنَّة
يصعب على أي طرف سنِّي احتكار التمثيل السني شعبيًّا أو رسميًّا خاصة في هذه المرحلة دون أن يُمنى بفشل على أكثر من صعيد، وذلك بسبب تنوع التحديات التي تشهدها الساحة اللبنانية، ما بين أمني وسياسي واقتصادي وديني وعدم قدرته على الاستجابة لها منفردًا، وهو ما أثبتته التجربة مع تيار المستقبل، الذي استنهض كل الفاعلين السنَّة ليكونوا بجانبه بعد مقتل زعيمه رفيق الحريري وجمعهم على أجندة واحدة للتخلص مما سمَّاه "الوصاية السورية"، ولاحقًا التصدي لما وصفه بـ"هيمنة السلاح" ومواجهة التمدد "الإيراني" في لبنان، لكنه ما لبث، كما يقول منتقدوه، أن حاول التفرد بقرار "السنَّة اللبنانيين" الذين استنهضهم من قبل، لكنه تجاهلهم حيث قرر التنازل، ومن ذلك على سبيل المثال عقده حكومة شراكة مع حزب الله آخرها "حكومة ربط النزاع" رغم أنه عاب ذلك على الرئيس نجيب ميقاتي واتهمه بـ"الخيانة" و"الانقلاب"(24). لا، بل سار بخطة أمنية مشتركة مع حزب الله "أسقط منها حلفاءه السنَّة من التيار الإسلامي بل بعضهم اعتبرها تستهدفهم فيما تستهدف"(25). فضلًا عن ذلك كان زعيم تيار المستقبل -الحريري الابن- قد نزل بضيافة الرئيس بشار الأسد في سوريا رغم اتهامه لسوريا بقتل والده(26).
هذه التنازلات كما يصفها الفاعلون السنَّة -المتضررون من "تفرد المستقبل بقرار المكون السنِّي" دون إشراكهم أو على الأقل إبلاغهم مسبقًا بما يقرره ولو من باب العلم- قد أربكتهم بل أربكت عموم الشارع السنِّي وتسببت بظهور فاعلين جدد كانوا أكثر ميلًا للتشدد، منها حالة الشيخ أحمد الأسير في صيدا (جنوب لبنان) التي ظهرت -كما تبرِّر نفسها- لمواجهة التحدي الأمني الذي "فشل المستقبل" في التعامل معه والمتمثل بسلاح حزب الله في الداخل اللبناني، وظاهرة أمراء المحاور السنَّة في التبانة (شمال لبنان) لمواجهة "سلاح جبل محسن" المؤيد للنظام السوري، وكذلك ظاهرة التفجيرات "الانتحارية" المتنقلة التي تورط فيها لبنانيون سنَّة وضربت مناطق لبنانية، بتأثير من "النصرة" و"تنظيم الدولة" في الجوار السوري، بسبب "غموض خطاب تيار المستقبل وتردده"(27)
وقد يكون في تحميل تيار المستقبل مسؤولية ضعف المكون السنِّي واتهامه بالتردد مبالغة وربما هرب من المسؤولية خاصة من قِبل الفاعلين الآخرين من المكون السنِّي، لأن "المستقبل" بادر بالتصدى للتطورات المحلية المتسارعة منذ الانسحاب السوري من لبنان عام 2005 بما سُمِّي "ثورة الأرز"، وتصدر مواجهة التحديات التي ألمَّت بالإقليم، بدءًا من الصعود الإيراني مرورًا بأحداث "الربيع العربي" وتداعياته خاصة في سوريا، ولكن هذا لا ينفي أن نهج "التفرد بالقرار" والركون "للانقسام" بغضِّ النظر عمن يصدر ومهما كانت أسبابه ومبرراته، سيعطي رسالة للشارع السنِّي مفادها أن الفاعلين السنَّة لا يملكون القدرة ولا الإرادة على حماية حقوق "المكوِّن السنِّي" الوطنية وخياراته فضلًا عن تحقيق مكاسب له لا عن طريق السياسة ولا عن عن طريق العمل المشترك؛ ما قد يُنتج فاعلين جددًا، مجموعات أو أفرادًا، أكثر غضبًا وأقل انضباطًا لا يرون خيارًا إلا الجنوح نحو التشدد والعنف ونبذ "للعبة السياسية الخاسرة" كما يرونها، خشية من أن يخسر "المكون السنِّي" مكانته في الكيان اللبناني.

 http://studies.aljazeera.net/reports/2015/03/201531681918560956.htm
___________________________________________
شفيق شقير - متخصص بالمشرق العربي والحركات الإسلامية
المصادر
1- تم إعداد هذا التقرير وسَيليهِ آخر عن الفاعلين السنَّة والتحديات التي تواجههم على ضوء عدة مقابلات أجراها الباحث مع مجموعة من المعنيين اللبنانيين من الناشطين السياسيين وعلماء الدين والباحثين والصحافيين، منهم: الصحافي في صحيفة الحياة حازم الأمين، والدكتور في الجامعة الأميركية أحمد الموصللي، والباحث وسام سعادة، والمحامي الدكتور طارق شندب، ومدير مكتب الجزيرة مازن إبراهيم، ومراسلا الجزيرة في بيروت: إيهاب العقدة وعفيف دياب. والمجموعة الأكبر طلبت التحفظ على ذكر أسمائها.
2- مستفاد من مقابلة للباحث مع الصحافي حازم الأمين.
3- تم حصر واختيار الفاعلين السنَّة من قبل الباحث في التقرير على ضوء مقابلات عقدها الباحث مع مدير مكتب الجزيرة مازن إبراهيم ومراسلي الجزيرة: إيهاب العقدة وعفيف دياب.
4- لم يعقد المستقبل مؤتمره التأسيسي إلا في يوليو/تموز 2010، انظر: حرقوص عمر، الحريري يعلن إطلاق مؤتمر «تيار المستقبل» التأسيسي في 24 و25 الجاري، 9 يوليو/تموز 2010.
http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=np&Articleid=418087
تاريخ الدخول 3 مارس/آذار 2015
5- قصير، قاسم، خمسون عامًا على تأسيس الجماعة الإسلامية في لبنان، موقع جنوبية، 21 مايو/أيار 2014.
http://janoubia.com/2014/05/21/%D8%AE%D9%85%D8%B3%D9%88%D9%86-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A/
تاريخ الدخول 3 مارس/آذار 2015
6- السعودية تُدرج «الإخوان» على قائمة المنظمات الارهابية، صحيفة الحياة، 7 مارس/آذار 2014
http://alhayat.com/Articles/953933/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D8%AC--%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86--%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9----%D9%88%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D8%A8
8A/
تاريخ الدخول 4 مارس/آذار 2015
7- انظر: البيان التأسيسي لهيئة علماء المسلمين في لبنان على موقع جمعية الاتحاد الإسلامي، 27 يونيو/حزيران 2012.
http://www.itihad.org/content/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D9%84%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86
تاريخ الدخول 24 فبراير/شباط 2015
8- انظر: صحيفة المستقبل، استقالة جماعية لوزراء المعارضة من الرابية، 13 يناير/كانون الثاني 2011
http://www.almustaqbal.com/v4/article.aspx?type=NP&ArticleID=448705
تاريخ الدخول 3 مارس/آذار 2015
9- إلياس، سعد، متظاهرون أمام دار الفتوى احتجاجًا على زيارة السفير السوري، ونواب المستقبل ينتقدون تحدي المفتي مشاعر الطائفة السنِّية، القدس العربي، 16 مارس/آذار 2012.
http://www.alqudsalarabi.info/index.asp?fname=data%5C2012%5C03%5C03-14%5C14z492.htm&arc=data%5C2012%5C03%5C03-16%5C14z492.htm
تاريخ الدخول 24 فبراير/شباط 2015
10- هيئة العلماء تستبق التفويض بجولة على القيادات، صحيفة اللواء اللبنانية، 10 ديسمبر/كانون الأول 2014.
http://www.aliwaa.com/Article.aspx?ArticleId=229428
 تاريخ الدخول 5 مارس/آذار 2015
11- عيناوي، وسيم، اتهامات للجيش اللبناني بخرق هدنة عرسال، الجزيرة نت، 6 أغسطس/آب 2014.
http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2014/8/6/%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D8%AE%D8%B1%D9%82-%D9%87%D8%AF%D9%86%D8%A9-%D8%B9%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84
تاريخ الدخول 4 مارس/آذار 2015
12- مستفاد من مقابلة للباحث مع الدكتور أحمد الموصللي.
13- قوى لبنانية تؤسس لقاء وطنيًّا لمواجهة التحديات التي يتعرض لها لبنان، وكالة سانا السورية، 18 سبتمبر/أيلول 2014.
http://sana.sy/%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3-%D9%84%D9%82.html
تاريخ الدخول 24 فبراير/شباط 2015
14- مراد، علي، الدستور اللبناني والسياسيون وعقدة الفراغ الرئاسي، مؤسسة هينرش بُل-الشرق الأوسط، 4 يوليو/تموز 2014.
http://lb.boell.org/ar/2014/07/04/ldstwr-llbnny-wlsysyyn-wqd-lfrg-lrysy
تاريخ الدخول 11 مارس/آذار 2015.
15- انظر: شكر، كلير، الآلية الجديدة: الإجماع أو الثلثان زائدًا واحدًا، جريدة السفير اللبنانية، 17 فبراير/شباط 2015.
http://assafir.com/Article/2/402489
تاريخ الدخول 11 مارس/آذار 2015
16- انظر على سبيل المثال عن تحالف الأقليات:
- الحبيل، مهنا، لبنان وتحالف الأقليات: العمق الاستراتيجي، الجزيرة نت، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2010.
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2010/11/30/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A
تاريخ الدخول 10 مارس/آذار 2015
- سلامة، فؤاد، تحالف الأقليَّات أم حكم الأكثرية؟، صحيفة المستقبل، 13 يناير/كانون الثاني 2013.
http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=np&Articleid=554626
تاريخ الدخول 10 مارس/آذار 2015
17- انظر نص وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر المعلنة بتاريخ 6 فبراير/شباط 2006، موقع المقاومة الإسلامية، بدون تاريخ.
http://www.moqawama.org/essaydetailsf.php?eid=467&fid=19
تاريخ الدخول 24 فبراير/شباط 2015
18- انظر: شقير، شفيق، الرئاسة الأولى والحكومة اللبنانية: ربط النزاع بانتظار تفاهم لبناني جديد، 8 مايو/أيار 2014.
http://studies.aljazeera.net/reports/2014/05/20145811193295356.htm
تاريخ الدخول 11 مارس/آذار 2015
19- انظر الموقع الرسمي لدار الإفتاء اللبنانية، وإشارته بهذا الصدد للمرسوم الاشتراعي رقم 18 تاريخ 13 يناير/كانون الثاني 1955، والمنشور في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني 1955.
http://www.darfatwa.gov.lb/single.php?id=156
تاريخ الدخول 24 فبراير/شباط 2015
20- انظر: الصمد، عبد الكافي، جريدة الأخبار اللبنانية، دار الفتوى ورئاسة الحكومة: صراع المرجــعيتين، 31 يوليو/تموز 2013.
http://al-akhbar.com/node/188051
تاريخ الدخول 24 فبراير/شباط 2015
21- عرابي، عبد الرحمن، العربي الجديد، الانقسام مجددًا بدار الفتوى اللبنانية: مفتي "الوسطية" يعود لـ"المستقبل". 21 أكتوبر/تشرين الأول 2014.
http://www.alaraby.co.uk/politics/39235129-8751-4ec3-bd76-982fd9eee482
تاريخ الدخول 24 فبراير/شباط 2015.
22- ويشار في هذا الصدد إلى اتهام المدير العام للأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة من قِبل خصوم له، بأنه يقود هذا الجناح في دار الإفتاء تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وتعرض للاعتداء في أبرز مساجد بيروت من بعض المخالفين له. انظر صحيفة اللواء اللبنانية: مؤتمر بيروت يأسف لعدم اهتمام ميقاتي بالاعتداء على خليفة، 2 مارس/آذار 2012.
http://www.aliwaa.com.lb/Article.aspx?ArticleId=114503
تاريخ الدخول 11 مارس/آذار 2015
23- انظر على سبيل المثال: الداعوق، معروف، القرار (بتحديد انتخابات المجلس الشرعي) محاولة مكشوفة لمنع المساءلة في ملفَّات الفساد والتجاوزات وتعطيل مشروع إصلاح دار الفتوى، صحيفة اللواء اللبنانية، 4 ديسمبر/كانون الأول 2012.
http://www.aliwaa.com/Article.aspx?ArticleId=146355
تاريخ الدخول 11 مارس/آذار 2015.
24- حول وصف الحريري لميقاتي بالخيانة والانقلاب، انظر: صحيفة الرياض، تيار الحريري يرفض "الوصاية الفارسية"، ويتهم حزب الله بتنفيذ انقلاب، 25 يناير/كانون الثاني 2011.
http://www.alriyadh.com/598106
تاريخ الدخول 10 مارس/آذار 2015
25- معظم من التقاهم الباحث من التيار الإسلامي شكَّكوا بنوايا الخطة الأمنية إزاءهم. حول الخطة الأمنية انظر على سبيل المثال: خليفة، مرلين، لبنان: الخطط الأمنية في صلب حوار «المستقبل» و«حزب الله»، صحيفة الرياض، 19 يناير/كانون الثاني 2015.
http://www.alriyadh.com/1014464
26- انظر بهذا الخصوص: صحيفة الشرق الأوسط، الحريري يلتقي الأسد في سوريا، في زيارة "كسرت الجليد وبددت ذيول الماضي"، 20 ديسمبر/كانون الثاني 2009.
http://archive.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11345&article=549235
تاريخ الدخول 10 مارس/آذار 2015
27- هذا التقدير سمعه الباحث من بعض الباحثين والشخصيات المؤيدة لقوى 14 و8 مارس/آذار على السواء، فضلًا عن شخصيات ذات توجهات إسلامية، ولكن لكل مبررات مختلفة تتفق مع توجهاتهم السياسية.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا:  
 المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

الأحد، 29 مارس 2015

قمة الهجوم المضاد


قمة الهجوم المضاد

غسان شربل
     حين يفتح القادة العرب، في شرم الشيخ اليوم، خريطة العالم الذي ينتمون إليه ستفوح رائحة الدم. الدم السوري. والعراقي. واليمني. والليبي. والصومالي. فضلاً عن دم القضية المركزية أو التي كانت تحظى بهذا الوصف.
وإذا أمعنوا النظر استقبلتهم الأهوال. خرائط ممزقة. وشعوب تائهة. ودول مفككة. وحدود منتهكة. وجيوش متهالكة. وأسراب من الظلاميين. وميليشيات عابرة للحدود. وسكاكين مذهبية. وحدها مصانع الجثث والأرامل والأيتام تعمل بكامل طاقتها. لم يعد حديث «الربيع» مطروحاً لا من الخائفين منه ولا من الخائفين عليه. القصة أكبر وأخطر.
وحين تضرب رياح الظلم والظلام مواقع أساسية في الجسد العربي وتوقع المنطقة بأسرها في دوامة الخوف أو التشدد لا يفاجأ المراقب بما حل بالعرب. خسروا دور اللاعب وتحولت ديارهم ملاعب. ضرب الإعصار استقرارهم. واستنزف اقتصاداتهم. وها هم شعوب كاملة من اللاجئين والعاطلين من العمل واليائسين.
الدول المجاورة ليست جمعيات خيرية. تزداد الصعوبة حين تكون هذه الدول وافدة من ركام امبراطوريات. ومن ذاكرة مجروحة تهجس باستعادة مجد ضاع. والفراغ يستدرج الجيران ويشجعهم على ارتكاب التدخلات ومحاولات تغيير الموازين والملامح.
ليس كثيراً أن يطالب العربي العادي قمة شرم الشيخ أن تكون قمة الهجوم المضاد. قمة تبدأ بوقف الانحدار العربي وتنطلق لاستعادة أبسط حقوق العرب في الإقليم. حقهم في الإمساك بمصيرهم. ووضع اليد على ملفاتهم. وحقهم في استرجاع استقرارهم. واسترداد الشعوب من الحروب الأهلية والمغامرات المكلفة وردع المتعصبين والذباحين الذين خرجوا من كهوفهم لاقتياد الأمة إليها.
ليس كثيراً أن يطالب العربي القلق بإيقاظ العروبة التي سقطت تحت ضربات التعصب والتربص وتسديد الحسابات القديمة. إيقاظ عروبة حضارية تسمح بالاختلاف والاعتراف المتبادل والإنصاف وتعيد اجتذاب من سرقتهم عقدة الهويات المسورة بالدم. عروبة تتسع للأعراق والأديان والمذاهب. تتسع للأكثريات والأقليات تحت سقف الدولة والمؤسسات.
قتلنا سقوط العروبة. أعادنا جزراً متكارهة ومكونات متحاربة ومناطق متربصة. ثوب العروبة أكثر رحمة من الملابس الضيقة المحروسة بالخطافات والخناجر. عروبة حضارية ومتسامحة. ودول طبيعية يذهب فيها الأولاد إلى المدارس لا إلى ثكن الميليشيات.
إنه حق العرب في أن يكونوا أمة حرة وطبيعية. وأن يدافعوا عن وجودهم ومصالحهم. وأن يتعايشوا مع الآخرين ويتاجروا معهم. وأن تكون الحدود فرص تعاون وتبادل لا كمائن للتسلل وفرصاً للاشتباك. لهذا ليس المطلوب استحضار جروح التاريخ وفواتيره. ليس مطلوباً إيقاظ العروبة لا ضد الفرس ولا ضد العثمانيين. المطلوب إيقاظها من أجل أن يكون للعرب في هذا الشرق الأوسط الرهيب بيت يعيشون فيه حاضرهم ويبنون مستقبلهم.
انطلاقاً من عروبة من هذا النوع يمكن أن يبدأ الهجوم المضاد. استجماع طاقات الدول العربية الأساسية والانطلاق لتوظيف الثقل هذا في وقف المذابح العربية وعلى قاعدة البحث عن حلول سياسية واقعية. لن يشعر العالم العربي بالاستقرار ما دامت النار مندلعة داخل ضلوعه. إن مهمة إخماد النار ملحة حتى ولو استلزمت أحياناً بفعل موازين القوى تجرّع كاسات من السم أو قطرات منه.
ليس صحيحاً أن العالم العربي سقط إلى غير رجعة. وأن دوله الأساسية مشلولة أو مكبلة. وأنه لم يعد قادراً على التذكير بمستلزمات أمنه القومي وحقوقه ودوره. والدليل أن تطورات اليمن وباب المندب أدت إلى قيام تحالف مؤثر أطلق عملية «عاصفة الحزم» وهي عاصفة لم يتوقع كثيرون إمكان هبوبها. وبكلام أوضح شكل التحالف الجديد، المنطلق من تحالف سعودي-مصري، أول محاولة عربية جدية لتعويض غياب الدورين العراقي والسوري معاً. الملفت مسارعة أردوغان إلى تأييد العاصفة واتهام إيران بمحاولة الهيمنة على المنطقة.  
لا شك أن ولادة نواة عربية مؤثرة ستمكن العرب من التحدث إلى القوى الإقليمية والدولية من موقع آخر. ستعطيهم أيضاً حق التقدم لمعالجة الملفات العربية الساخنة أو على الأقل حق الحضور في هذه المعالجات. إن إعادة بناء الدور العربي على قواعد منطقية ستعيد اجتذاب من اجتذبتهم خيارات أخرى في مرحلة غيبوبة الدور العربي. شرط نجاح الهجوم المضاد هو امتلاك رؤية واقعية للأمن والاستقرار والأدوار والعلاقات داخل الإقليم وخارجه. وحين يسترجع العرب قدرتهم على تقديم أنفسهم لاعباً مقنعاً على أرض المنطقة ستتراجع شهية الآخرين في تسجيل الاختراقات داخل الملعب العربي.

 http://alhayat.com/Opinion/Ghassan-Charbel

الثلاثاء، 24 مارس 2015

مساءات ملونة



                       مساءات ملونة

  لحلم بعيد، لعينين غارقتين بالسكينة..
 لقلب هاديء يرشح ذهبا كلما دق، لهدوء أكبر من الوقار نفسه..
 ليدين تصنعان انجازا لكل من يصافحها، لثبات أبعد من الرؤيا..
 لإصرار على أن غدا سيكون أجمل..
 لإيمان لا يشبه نية بأن الحق هو السيد والسلطان..
 لثقة حاضرة بأن العقاب لمن يستحق سيأتي لا محالة..
 لقناعة أن الخوف ذل لمن يحمله، لصراحة أوضح من الماء نفسه..
 لجرأة تتخطى معنى أن يبلغ الانسان خط النهاية..
 لكل سنة ستأتي من بعد الحكاية، لتلك الخطى الواثقة...
 كل المساءات الملونة بأمنية.
(ميسون حمزة)

الأحد، 2 فبراير 2014

خلسة


خلسة


  الشوق إليك يأخذني..
 على  شاطيء  حانوت السمك
 نبيذك اﻻبيض يرسم ضحكة
 وقبلة ارتشفتها منك... 
 خلسة.
                                                                 ( عفيف)

السبت، 11 يناير 2014

أوان النزول


                    أوان النزول

  فصل الشتاء
 عميق وطويل
 وإن نظرت داخلك
 سترى السعادة !!

هو أوان النزول 
من سلالم قلبك
 الى وسط الحديقة 
 حيث نبتة الحبّ


                                                   شعر/ ماريو دي روسا 
                                                   ترجمة / بثينة الزغلامي


الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

السبت، 5 أكتوبر 2013

عرس جدّتي


      عرس جدّتي


زنّرت خصرَها بعناقيد السمّاق
سلّة التّين.. رقصة عرسها
مَشَت جدّتي حقولَ الجليل
ليمون حيفا.. مهر عرسها.

                               (عفيف دياب)

السبت، 21 سبتمبر 2013

جسور المطر



                                                                     جسور المطر



جميلة مسلماني

 ما زلنا ننتظر ما يأتي حتى لا يأتي
البوح مدينة تراص الشجر
الغد تقاطع الكون
وأنا أرقد في جفنك أصنع لك ما لا يأتي!!
الكون مرعوب بالريح وجذوره الى الهاوية!!
ماتت القامات وانتحرت مرؤة الرجال الرجال!!
أثقب العمر كي أملأ عينيك ولكن عبثا
 نحن مفجوعون بما صنعت أيدينا !
فلنخشع في صلاتنا
 لعل الله يستجيب لنا
 فلنحتضن الله حبا كي نرمم ما تبقى من الكون !!
وجهك ما رأيته يوما وهو يبكي
 فقد القمر إيحاءه وهو يحاول النجاة من نزف البشر ...
صار الحلم عذرنا الوحيد أمام تكدس الموت
 نحن أكثر دناسة من أن نقترب من سجادة الصلاة....
ابتهال الريح لا جدوى منه
 فقد غرق الهواء في الدماء من فرط جحدنا وقسوتنا !!
خنّا الأوطان
 خنّا الأقدار
 قسونا على الروح
زورنا أصواتنا
 واخترنا الكفر والدم والموت
 دونا عن الرحمة
لا الأرض صارت لنا
ولا السماء صارت لنا
 نحن العراة من كل شيء
 ليس لنا سوى الذنوب !!
كتبت بوجهي اسمك
 لعلك تجمع أشلائي
ولعلك تنثر على مهل
صوتك كي أحيا دون أرق!
الألم أن تولد من عينيك جثتي
 الألم أن تتكور أجسادنا جثثا
ولا تحفل بها كل اتساعاتك !!
من يثقب العمر
 ويبدل جدار القلب
من يقدر أن يولد من جديد
 ومن يريد أن يولد من جديد ؟؟؟
تستسلم الأرض كي تنتهي أما آن لها أن تستريح ؟؟
ليس لأننا نجهل الكلام توقفنا عنه
بل لأن لا جدوى منه!
لا شيء ينفع حين يصير السطر ركام
 وحين يصير الغيم مرقد الظلام !!
لا أستطيع ركوب الموج..
وأنت تكسر صدى طفولتي
وأنت تخنق حلم الحرف والصباح .
من أين تبدأ السماء
من أين يبدأ النهار
 كيف لي أن أعرف القرار؟؟
من يرصف العمر
يحيا بين يديك
 ينام على صوتك
يلتصق باسمك
 يزور شوارعك
 ويعشق أوطانك !!
ليست الأوطان لنا
ولكن الله لنا.......
 فمد لي كفيك كي أملأ خطوطك بالأمل !
أسميتني يوما الريح
وأسميك الآن المطر
من يأتي بعدك يشقى !!
حين تنحني للقصيدة .....تكون قد ملكت وطني
 وحين تهرول لصوتي ......تكون الضوء في حرفي!
قرار آخر للطغاة: مكانكم بين الموتى اعبروا اليه دون نقاش !!!
الجرح أعمق من القبر وأبقى
 هذا زمن هالك..
أفتح صوتي للجليد كي يطفأ ما بعدك
 وكي تموج أنفاسي اليابسة!!
ليس لي سوى بقايا
 سوى كلمات تحاور الرحيل
 والحلم والأمال لعل الجرح المفتوح لين الى حين !!
آن لك يا مطر أن تخترق أهدابي
وأن تعيد ترميم جراحي
يمتلئ وجهي بتقاطيعك
 اللغة أول الغيم وآخر الجنون..
أغلق عيني وأعرف أني أضيء
وأن الله كل شيء !!!
ما عادت الأرض بكر السقوط
من فعل الخطيئة
 ليس هلاك بل هو حق!!
من يحيا دون خطيئة ليس عاقل!!
أمشي بصوتي اليك
 لعل لنذوري مرقد في جفنيك!!
السماء تجهض النجوم
 وأرضك تفرغ أصداؤها في ضحايا السؤال
وجهي ملفوف باحتضانك أيها الموت
 لست صديقي.....
 الغيم بعيد فلا تلتهم أرض المظلومين
تاريجنا لا ينبت توهجا
 بل يحرق البحر
ويرقص للشيطان كي نشفى
العالم مهزوم ولا جدوى
ليس في الموت ما لا يعنينا
ليس في الحياة ما لا يعنينا
وامتلأت الأرض بالدموع
أيها الرفض أبصقنا كي ينتهي الدمع
انهارت الثنايا في خطوات التاريخ
 قادتنا المسافات تحت المحاجر
 الى آخر حدود الحدود .....
ولكن عبثا مقدر لنا هذا الهلاك
 مقدر لنا هذا الجنون
حين نجهل من نكون
 كيف لنا أن نحيا أو نتنفس
هكذا أرادوا لنا أن نكون أو لا نكون !!
لن تستريح الأرض حتى نموت
نحن شعوب محكوم عليها
لا تعرف كيف ترحل
 ولا تعرف كيف تعود
بل من أين تعود !!
أغسل صوتي باسمك
وأكتسي بك كي أضيئ

السبت، 22 يونيو 2013

عساف ابو رحال




عساف أبو رحال «محرّراً» مزارع شبعا






 عفيف دياب
قبل أن يحتدم النقاش حول «جنسية» مزارع شبعا وترسيمها، كان الزميل الشهيد عساف أبو رحال أوّل من أكدّ لبنانيّتها في 23 أيار 2000 مجرياً مقابلة مع اللبناني الوحيد المقيم هناك

أن تتحدّث عن ذكرى انتصار المقاومة وتحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، بعد 13 عاماً، فهذا يعطيك دفعاً معنوياً جديداً في زمن فقدان الذاكرة وحروب زواريب الطوائف والمذاهب وملل المال. ملل تفعل ما في وسعها حتى تزني في فعل انتصار مقاومة كان جبناء يصفونها بالمجنونة لأنها فضحت انهزامهم أمام عدو رفع «العشرة» وخرج تحت جنح الظلام دون قيد أو شرط.
ذكرى انتصار المقاومة وتحرير الجزء الأكبر من الجنوب ليست حدثاً عابراً، أو تفصيلاً صغيراً في حياة الجنوبيين اليوم.
يحلو للبعض الرسمي وحتى الشعبي، أن ينسى، أو أنه نسي فعلاً هذا المجد العظيم المحروس بتضحيات شهداء لم ينصفهم هذا الوطن المأزوم. تجول جنوباً. ذاكرة أهل لم تخن «تحريرهم»، ولا انتصار مقاومتهم. ولهؤلاء وحدهم الحق في الاحتفال والفرح. فرح علّمهم كيف ينتصرون ويصمدون صوناً لزيتونهم وتينهم. فرح علّمهم كيف تبقى ذاكرتهم حية لا تخون، وأن الاحتلال لم يخرج بعد من مزارعهم وتلالهم حيث الرصاص اليومي يقتل بساتين كرزهم وتفاحهم ويسرق عذوبة مياههم.
في أعالي شبعا وكفرشوبا، المحتل لم يرحل بعد، والحقول الخصبة في مزارع بسطرة ورمثا والربعة وفشكول وخلة غزالة والقرن والنخيلة وزبدين وقفوة وبيت البراق ومراح الملول وكفردورة المشهد وتلال السماقة ورويسات العلم، تتمترس فيها الدبابات وغرف جند العدو ومدافعهم المصوّبة نحو حياة يقتلها برصاصه أيضاً النسيان الرسمي اليومي. مزارع وتلال نسيها بعض لبنان، وبعض آخر أزالها من ذاكرته ولم يعد يريد سماع «نصر وانتصار»، وبعض يتطلع الى استكمال مسيرة التحرير وحق مقاومة لا يضيع في استعادة أهل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لأراضيهم وحقولهم وبساتينهم المحتلة.
في ذكرى التحرير، يبقى شهيد «الأخبار» الزميل عساف أبو رحال شاهداً على لحظات عمر جميل، وحقبة من نصر مجيد كانت له بصمات في تحقيقه. حارس الحدود الجنوبية بأمانة وصدق، كان يرابط في أيار من عام 2000 على شرفة منزله في الكفير، ينتظر بفارغ الصبر لحظات الدخول الى حاصبيا وشبعا ومرجعيون وإبل السقي بعد طول غياب. يوم 23 أيار قررت وعساف الدخول الى مدينة حاصبيا المحتلة، وبث رسائل صوتية الى إذاعة صوت الشعب عن بدء تحرير القطاع الشرقي. رسائل أحدثت فعلاً شعبياً لم نكن نتوقعه. لم يبق عرقوبي أو حاصباني، مهجّر إلى البقاع أو صيدا أو بيروت، إلا وزحف نحو ميمس. حاصبيا وزغلة وعين قنيا وشويا استقبلت طلائع «الشعب» الزاحف، فاتحاً عهداً جديداً.
ظهر 23 أيار، جال عساف في شوارع حاصبيا فرحاً بالنصر. طارد دبابة ميركافا لالتقاط صورة لها قبل أن تصطدم بعمود كهربائي على طريق كوكبا ــ إبل السقي. الدبابة تهرب وعساف يطاردها. مطاردة لم تتوقف عند التقاط صورة لدبابة العدو المنهزمة. فيوم 24 أيار، كنّا أنا وعساف والزميلة هناء حمزة وفريق تلفزيوني فرنسي في مزرعة حلتا المتاخمة لمزارع شبعا. الراعي هيثم عبد العال أخبرنا أن لبنانياً يعيش تحت الاحتلال في مزارع شبعا، وأنه يمكن الوصول إلى الشريط الشائك عند مزرعة بسطرة والمناداة عليه لمقابلتنا. أقنعنا عساف بفكرة زيارة الراعي أبو قاسم زهرة الذي لم يغادر مزارع شبعا منذ أن سيّجها الاحتلال بشريط شائك سنة 1989. رحلة الوصول إلى الشريط الشائك تتطلب ساعة ونصف سيراً على الاقدام صعوداً في واد وعر. عثرت هناء على علم لبناني في مزرعة حلتا. حملته وقالت قد نستطيع رفعه فوق مزارع شبعا، أو يرفعه أبو قاسم زهرة فوق منزله.
عساف الذي وثّق تحرير منطقة حاصبيا والعرقوب، كلمة وصورة، وصل الى الشريط الشائك عند مزرعة بسطرة المحتلة. انتظر هناك حتى وصل الفريق، وتوزعنا الأدوار: ندخل أنا وعساف وعدنان والراعي هيثم إلى داخل بسطرة، وتنتظر هناء والفريق الفرنسي الآخر خلف السياج. حطّم هيثم بحجر قفل بوابة الحديد الإسرائيلية، وأخذ يصرخ «يللا فوتوا بسرعة». دخلنا ركضاً إلى بسطرة لتجنّب رؤيتنا من موقع الاحتلال في تلة رمثا.
من تحت سنديانة معمرة خرج الراعي أبو قاسم مستغرباً ومرحّباً بعدما علم بهويتنا «صرلي زمان ما شمّيت ريحة أهلي». أمضينا قرابة نصف ساعة في مزرعة بسطرة، كادت خلالها رصاصة إسرائيلية أن تقتل عساف وهو يسجل حديثاً مع أبو قاسم لنشره وتأكيد لبنانية مزارع شبعا، وأن لبنانياً وحيداً يعيش هناك رغم الاحتلال وممارسته. دورية الاحتلال الاسرائيلي التي طوّقت منزل أبو قاسم وأخذت تطلق الرصاص فوق رؤوسنا، طلبت أن يأتيها أبو قاسم. خرج العجوز المتعب من الأسر خلف الاسلاك الشائكة وأبلغ جنود الاحتلال هويتنا الصحافية. عاد اللبناني الوحيد المنسي خلف الشريط وطلب منا المغادرة فوراً. خروج واكبه إطلاق رصاص حتى أصبحنا في قعر الوادي.
قصة أبو قاسم زهرة، الصامد في مزرعة بسطرة قبل أن ينسحب بعد تحريرها سنة 2001 بترسيم الخط الازرق، كانت نصراً لعسّاف. اكتشاف حرّر قادة البلاد من جمودهم، وأصبح حديثهم الرسمي عن مزارع شبعا «لازمة» في كل خطاب وموقف. وحده عساف أبو رحال بقي يتابع يوميات أبو قاسم على مدى 10 أشهر بعد الإعلان الرسمي عن 25 أيار ذكرى للنصر والتحرير.
رحلة الدخول الى مزرعة بسطرة كانت أجمل لحظات عساف في مواكبة عملية تحرير الجنوب وانتصار المقاومة. مواكبة لم تضع حدوداً للإنسان الطيب. أصبح جزءاً يومياً من تفاصيل المزارع والتلال المحتلة. وثّق في عشرات التحقيقات الصحافية ما كان لبنان الرسمي ــ الطائفي لا يعرفه عن المزارع وأهلها وعن تاريخ مقاومة استشهد من أجل أن تبقى رصاصاتها نحو العدو.

فلسطينيو سوريا





فلسطينيو سوريا:

 من مخيّم إلى مقبرة مخيّم آخر




عفيف دياب

تقيم ستون عائلة فلسطينية نازحة من سوريا، في غرف أعدّت على عجل في مدافن مخيم الجليل في بعلبك. موضوعياً، حلّ هذا الإجراء جزءاً من مشكلة الإيواء في المخيّم، لكن ماذا عن تداعياته؟
*****
أن تكون فلسطينياً، يعني أن لعنة الأمة المهزومة من المحيط إلى الخليج ستبقى تطاردك في لجوئك ونزوحك، وستبقى تتفرّج على نومك بين القبور الصامتة وشواهد الموت. أن تكون فلسطينياً، يعني أن الحياة لا تليق بك. كتب عليك أن تبقى مشرّداً من خيمة في الوعر إلى مخيم محاصر بالنار. أن تكون فلسطينياً نازحاً اليوم من مخيمات الحزن في سوريا، يعني أنه ما عليك إلا أن تصنع من «مقبرة» أجدادك وأولاد أرضك المسلوبة، مخيماً جديداً للموت البطيء. لقد أصبح حلم الحاجة أم حسين (78 عاماً) الهاربة من الموت في مخيم اليرموك، نسمة هواء تنعشها في غرفتها الصغيرة في حديقة مخيم الجليل الخلفية جنوب مدينة بعلبك. حلم العجوز التي تعبت من الترحال هو حلم كل أقرانها في مخيم مقبرة الجليل الجديد.
اختنق مخيم اللاجئين الفلسطينيين في بعلبك بقاطنيه. لم تعد غرفه ـ الزنازين، تتسع لرحيل جديد من أرض القهر في سوريا. ولم تعد مقبرة المخيم، وحديقة ما يسمى متنزه الجليل، تشكلان إلا موقعاً للجوء جديد. ستون عائلة فلسطينية تفترش أرض مدافن الجليل البعلبكي، اقيمت لهم على عجل 41 غرفة بين القبور. وحدها أم حسين تختصر المشهد وأمنية العودة الى مخيم اليرموك في دمشق: «مكتوب علينا يما نعيش متل اهل القبور»، و«محدّش بيسألهن شو مالكم... ولا إحنا كمان حد بيسألنا يما». أردفت وهي تستجدي بحبات مسبحتها ثواب الآخرة «تعال يمّا وشوف هالعيشة... يا ريت حدا يقدر يجبلي مروحة راح موت من الشوب». وتضيف ضاحكة: «إحنا يما عايشين بين القبور. احنا مش احسن من اللي ماتوا». تستغفر أم حسين الله وتدعوك للتفرّج على غرفتها «شوف يما هاي الغرفة متل القبر» تضيف: «أنت لسّا ما بتعرفش أم حسين. مش فارقة معايا أعيش بالغرفة او بالقبر المهم أرجع على فلسطين».
أكثر من 1600 عائلة فلسطينية نزحت من مخيمات اليرموك وخان الشيح وسبينة في سوريا، إلى مخيم الجليل في بعلبك. نزوح أرهق الجليل، إذ يقول عضو اللجنة الشعبية في المخيم عماد الناجي إن «قدرة الجليل على إيواء عائلات فلسطينية نازحة من سوريا أصبحت مستحيلة». ويوضح أن الإيواء هو «لبّ المشكلة التي نعاني منها»، وخصوصاً أن الواقع السكاني المستجدّ «بحاجة ماسة إلى تدخل سريع لتوفير المأوى والاحتياجات الأخرى الضرورية». ويلفت الناجي إلى أن أكثر من عائلة تعيش في غرفة واحدة، موضحاً أن إقامة مساكن سريعة للنازحين في مدافن المخيم كان «شرّاً لا بد منه». ويبدر أمله في أن تقوم «الأونروا» والمنظمات الإنسانية بالمساعدة على توفير مأوى للنازحين، مبدياً تخوّفه من ارتفاع أعداد النازحين في مقبل الأيام.
حركة حماس هي التي تشرف على أوضاع النازحين في مدافن مخيم الجليل، وقد أوضح أحد مسؤوليها أنهم اضطروا الى تشييد غرف صغيرة بين القبور وفي حديقة «الجبّانة» لاستيعاب العائلات النازحة. موضحاً أن الحاجة ألزمتهم بتنظيم إيواء لأكثر من ستين عائلة «كيفما اتفق». ويشير هذا المسؤول إلى أن هيئة الغوث الإنساني قدّمت كل ما يلزم لإنجاح فكرة الإيواء في حديقة مخيم الجليل وفي زوايا «المقبرة». لا تتجاوز مساحة الغرفة الثلاثة أمتار لكل عائلة. وإذ يعترف المسؤول بضيق المساحة، يلفت إلى حلّ يمكن اعتماد «أن يعمد الشباب إلى النوم تحت الأشجار في الحديقة». وكشف أن ضغط النزوح من مخيمات سوريا «ألزمنا بإلغاء مسبح أطفال المخيم (الجليل) والاستفادة من مساحته لتشييد غرف إيواء».
النوم تحت الأشجار وبين القبور لا يروق الفتى أحمد (14 عاماً) الذي تعب من كوابيس الخوف خلال نومه. أحمد الذي هرب مع أهله من مخيم خان الشيح في اطراف دمشق الى مخيم الجليل قبل ستة أشهر، يرهب أقرانه بكوابيسه. تتحدث والدته عن ليالي ابنها وخوفه الدائم من فكرة النوم على مقربة من الأضرحة. ابنة مدينة صفد التي ولدت في مخيم خان الشيح قبل أربعة عقود، تجد في اقامتها القسرية بين قبور مخيم الجليل «مكاناً آمناً» وأفضل من البقاء تحت القصف اليومي في سوريا. وتقول جارتها في غرفة ملاصقة شيدت قرب ضريح، ولد صاحبه في فلسطين سنة 1945 واستشهد في جنوب لبنان سنة 1981، انها كانت تتمنى لو بقيت في اليرموك ولم تسكن في مقبرة بـ«آخر هالعمر». وتختم أم عمر (47 عاماً) «تعبنا من المذلة يما. والمصحف الشريف تعبنا من المذلة».

السبت، 18 مايو 2013

خياط غازي كنعان الارثوذكسي




ايلي الفرزلي



عفيف دياب
قبل خروج نائب رئيس المجلس النيابي السابق ايلي الفرزلي (64 عاماً) من السلطة إثر انسحاب الجيش السوري من لبنان ربيع عام 2005، حقق نجاحات وإخفاقات متنوعة في مسيرته السياسية الطويلة منذ أن كان طالباً في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، حيث تخرج منها سنة 1972. برع «الفتى» الفرزلي في أواسط سبعينيات القرن الماضي في اللعبة السياسية المحلية في زحلة. وعندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في 1975 تحول إلى «وسيط» غير معلن بين القوات السورية التي دخلت لبنان، وقادة زحلة السياسيين.
في حرب زحلة سنة 1981 أصبحت كلمة السر السورية في جيب الفرزلي. نشط في تدوير زوايا إنقاذ زحلة من التدمير. حقق مع صديقه النائب والوزير السابق خليل الهراوي إنجازات مهمة بعد أن نجح الأخير في إقناع الرئيس الراحل كميل شمعون بوجهة نظره القائلة إن زحلة محاصرة و«الجبهة اللبنانية» لا تستطيع فعل شيء لها، سياسياً وعسكرياً. فطلب شمعون من الهراوي عقد تسوية مع «السوري»، صاغ بنودها لاحقاً المحامي إيلي الفرزلي.
نجاح الفرزلي هذا لم يعطه «النعيم السوري»؛ إذ جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف 1982، معيداً خلط الأوراق، فمكث ابن نجيب الفرزلي في بلدته جب جنين تحت الاحتلال متعرضاً لضغوطات كادت تنهي حياته السياسية قبل أن يبتدع خطة مكنته من الخروج من «سندان» الاحتلال وإعادة التنسيق مع «المطرقة» السورية التي كسرت الأبواب وشرعتها أمام الفرزلي الذي أصبح رقماً صعباً في المعادلة البقاعية، وخصوصاً في زحلة.
المحامي البارع وصاحب النفَس القصير في تدوير الزوايا السياسية، تربع على عرش «الدلال» السوري بإشراف مباشر من اللواء الراحل غازي كنعان الذي كلف الفرزلي بين عامي 1984 و1985 العمل على تعبيد الطريق لوضع الطرحة السورية على رأس عروس البقاع. حقق الفرزلي رغبة كنعان وأنقذ زحلة من حرب كان الجيش السوري سيشنها ما لم تنفذ رغباته الأمنية والسياسية. وجد كنعان في الفرزلي «مبدعاً وفناناً» في صوغ وربط أفكار سياسية، كان الأول يحتاجها لترتيب سلطته المحلية في لبنان عموماً والبقاع خصوصاً، فكانت ولادة «الجبهة الزحلية» سنة 1986 التي كلف الفرزلي رئاستها وضمت إليه خليل الهراوي وحشداً من الناشطين الزحليين في الحقل العام.
نجاحات إيلي الفرزلي على الساحة البقاعية، واحتفاظه بحسن العلاقة مع غازي كنعان وفريقه الأمني، أعطياه أدواراً كبيرة، منها ترتيب إقامة قائد القوات اللبنانية الأسبق إيلي حبيقة في زحلة بعد فشل الاتفاق الثلاثي سنة 1986. تمكن الفرزلي من إقناع الزحليين بإقامة حبيقة في مدينتهم، فكاد يدفع حياته ثمناً لذلك، يوم استهدف قائد القوات اللبنانية سمير جعجع كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة بعبوة ناسفة سنة 1987 لاغتيال حبيقة ومعه الفرزلي وخليل الهراوي والمطران حداد. نجا الفرزلي من الاغتيال الجسدي، وبقي عصيّاً على الاغتيال السياسي حتى قفز بالمظلة السورية وعين نائباً عن مدينة زحلة بعد إقرار اتفاق الطائف، محققاً حلم والده نجيب، ووارثاً زعامة آل الفرزلي التاريخية. وتحول الفرزلي رقماً برلمانياً صعباً يمنع على أيّ أحد منافسته في دائرة البقاع الغربي وراشيا بعد نجاحه في انتخابات 1992 وما تلاها. واحتفظ بمنصب نائب رئيس مجلس النواب حتى عيّن وزيراً للإعلام في حكومة الرئيس عمر كرامي بناءً على طلب العميد رستم غزالي الذي ورث رئاسة جهاز الأمن والاستطلاع من سلفه اللواء غازي كنعان الذي كان قد بدأ يضيق على الفرزلي إثر «دعسات» ناقصة أقدم عليها خلافاً لرغبته. ومن هذه «الدعسات» محاولات تقربه من الرئيس أمين الجميّل وعقده لقاءات غير مصرح له بها مع النائب وليد جنبلاط وغبريال المر وبيار أمين الجميّل وآخرين في منزل جورج حاوي ببلدة بتغرين، وأخرى مع سفراء أوروبيين في بيروت.
إيلي الفرزلي الذي أخرِج انتخابياً من السلطة إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأصبح عدواً لدوداً لتيار المستقبل وجمهوره في البقاع الغربي، اعتكف في دارته في جب جنين مستمتعاً بزراعة الورود. اختلى الرجل بنفسه وأعاد تقويم تجربته السياسية والشعبية. فوجئ بالهجمة الشرسة التي تعرض لها من قبل ناخبيه في البقاع الغربي وراشيا في انتخابات 2005 بعد زلّة اللسان التي سقطت منه حين وصف من اغتال الحريري بـ«الاستشهادي». لم يكن يتوقع أن خدماته لأبناء منطقته يمكن أن تتبخر بسرعة قصوى وتتحول العلاقة معه خيانة بعد أن كانت «حريراً» وبرداً وسلاماً. اختمرت في رأس الفرزلي إثر سقوطه في انتخابات 2005 فكرة «كل مذهب ينتخب نوابه»، فقال حينها في دردشة مع مقربين له في شتورة: «البلد قبائل، وكل قبيلة تنتخب شيوخها». ازدادت قناعة الفرزلي إثر انتخابات 2009 وفشله مرة ثانية في خرق الحصار المذهبي الذي استهدفه في البقاع الغربي وراشيا، وأخذ يعمل على بلورة أفكار و«شقلبتها»، ناسفاً كل أدبياته السياسية.
تلقف الفرزلي مشروع اللقاء الأرثوذكسي وعدّل فيه نسبياً. جاءت الفكرة في توقيت صائب للمحامي الشاطر المحبط من الحياة السياسية اللبنانية. وصل الرجل الليل بالنهار لإقناع الجنرال ميشال عون بفكرته. كان كل همه أن يقتنع الأخير بالاقتراح والباقي سهل الإقناع. «نشّف» الجنرال «ريق» الفرزلي حتى اقتنع ببدعة رجل عرف كيف يدخل خيطه في أصغر خرم إبرة. يوم لبس عون ثوب الفرزلي الانتخابي انفرجت أسارير ابن جب جنين وبدل خطابه الشعبي من وطني نسبياً إلى مذهبي وطائفي بحت. ارتفع الغضب الشعبي في البقاع الغربي على إيلي الفرزلي. نجحت ماكينة آل الحريري المذهبية في استهداف خياط «الأرثوذكسي». لم يعد أبناء كامد اللوز يجدون في إيلي الفرزلي مرجعاً يجب استقباله، ولا راشيا تجد فيه خطيباً يعمل من أجل «العيش المشترك وأهمية وحدة أبناء المنطقة»، حتى إنه خسر حليفه عبد الرحيم مراد الذي رفض بالمطلق اقتراح «إيليا» الذي لا ينقذ لبنان.