الاثنين، 17 أكتوبر 2011

عطش الزهور


                           عطش الزهور
لم أعد أدري...
أتشرقُ الشمسُ من خلفِ الغيوم المثقلةِ بأنين الليلِ كلَ صباح..
أم أنها ترافقني يوماً تلو الآخر ولا تغيب ؟؟
أتروي قطراتُ الندى عطش الزهور المُلتهب ..
أم أنها مجردُ ملامحَ خطوطٍ على أوراقها، لظلالِ ألوانٍ لا تُرَ
ى ؟!
أهي الحربُ الضروسُ تبدأ دائماً حينَما أغمضُ عينيّ..
أم هي النفس تتخبط شوقا لرؤياك ؟؟
لا أدري .. إنه الزمن ..  حتماً هو الزمن
قد توّقف بهزيمةٍ كبرى، أمامَ انتصارِ صمتك ..
                                                                     (سها)

كن رؤوفا




                                 كـــــــــــــــــن رؤوفــــــــــــــــــــــا

                   كــــــــــــــــــن رؤوفــــــــــــــا أيهـــــــــا اليـــــــــــراع
                   يـــــــــــا من الى أعمـــــــقِ الاعمــــــــــاق تنـــــــــدسُّ
                   تستشــــــــــــعِرُ أحــــــاسيسي
                   وتنقِــــــــل مشــــــــــــاعري
                   تنثــــــــــــرها حروفــــا على بيــــــــاض الـــــــــورق
                   كــــــــــــــــن رحــــــــــــوماً
                   فــــــــــــــــــلا تــــــــــــدع مشـــــــــــاعري تسيــــــــلُ
                   حِبـــــــــــــراً يَشـــــــــــــــــي بكلِ ما يَختلِــــــج بـــداخلي
                   مــــــــــــن عـــــــــواطف ....
                                       ***** 
                   أجــــــــــــدُنــــــــــي عاريــــــةً أمـــــــــام نفســــــــــي
                   واقفــــــــــــــةً أمـــــــــــــام مـــــــــــرآة حالــــــــــــي
                   شـــــــــــفّافـــــــةً ....تَصفــــــــــعُ الكلمـــــــــــــــــــات
                   خجلــــــــــــــي ....
                   فــــــــــــــي خضّــــــــــــــــم المشـــــــــــــــــــاعر
                   تُعـــــــــــــــــايشنــــــــي ...وجعـــــــــــــــــــــــــي
                   ألمــــــــــــــي ....فـــــــــــرحـــــــــي....
                   تسطـــــــّرُه .....كلمـــــــــــــــــــــــات ...

                                                                                  (إخلاص الشاب)

الأحد، 16 أكتوبر 2011

انتظــــــــــــــــــــــــار


                             انتظــــــــــــــــــــــــار

         وقَفـــــــــــــــــــت  أمـــــــــــــــام دُميتهــــــــــــا المحطّمـــــــــــة

              دمـــــــــــــــــوع تسيـــــــــــــــــلُ على صفحـــــــــاتِ الوجدان

              بصمــــــــــــــــــــت ....

              عنــــــــــــــــــــد تلك المحطّـــــــــــة وقفــــــــــــــت تنتظــــــــــر

              مُـــــــــــــــوقِنــــــــــــةُ انــــــــه لن يـأتــــــــــــي وتنتظـــــــــــر

              بصمــــــــــــــــت ....

              قـــــــــــــد أضـــــــــــــاعَت بوصلتهـــــــــــــــا الزّمنيــــــــــــــة

              ومـــــــــــــا زالـــــــــــــت تنتظــــــــــــر

              بصمــــــــــــــت ...
                                                
              إلـــــــــــى تلــــــــــــــك البقعــــــــــــــــة من الــــــلاوجــــــود

              حلّقـــــــــــــــــت ....صمــــــــــــــتٌ يصـــمُّ الآذان ....

              وتحلّــــــــــــــــــق .... تُــــــــــــــراقصــــــــــــــه ...

              تُــــــــــــــراقصُ  ذاتهــــــــــــا ....

              تتيـــــــــــــــــه في حنــــــــــايا الـــــذات ...وتـــدور

              بصمـــــــــــــــــت ....

              وتـــــــــــــــــروح في اغفــــــــــــــاءة ...تـــــــــــروح

              تحـــــــــــــــاكي ثورتهــــــــــــــا ...

              تتمــــــــــــــــايل ....تشــــــــــــــــدو ....ترقــــــــــــص

              بصمــــــــــــــــــت ...
                                                                          (اخلاص الشاب)

الخميس، 13 أكتوبر 2011

رعشة صلاة




            رعشة صلاة

موجات حبّكِ تتمايل  كسمراء تزرع القمح وتحصد العشق
تحتضن موجات حبي مثل سنبلةِ قمحٍ تحتضن الحياة
***********
أنام في حضنكِ ..أتنشّق هواء روحكِ كإله يعشق ملائكته
ملكوت حبّكِ كتبَ رسالة الله : قل عشقكَ وادخل جنتي.
***********
أحبّكِ كموجة بحرٍ .. مدها وجزرها يسرقان وجدي
أبكي..أفرح ..أصمت ولا أجد سراً لعشقكِ
انتِ منديل ميدان الحرب..
 ساحات الأرض تغطي وجهي في مشهد صلاتكِ
تقرأ فاتحتي ..تفتح خزانة أسراري
تأخذ كل قصائدي .. وتقفُ عند أعباب صحرائي
ونتلاشى..
**********
أقفُ عند أعتاب روحكِ وأغطي وجهي بوجهكِ
مفاتيح قلبي قلادةٌ على صدركِ تتراقص..
رنينها صدى عشاق الأرض..
تعرفين وقتي من خيوط شمسكِ
وأعرف وقتكِ من دقات قلبي.
**********
تسألينني الوجود وهو سرّكِ؟!
وجودكِ يرسم تراب قلبي نهراً..
ترتجفُ ينابيعه حين تهمسينني
وحقول قمحكِ صبايا كوثر حواء.
                                                                        (عفيف)

الاثنين، 19 سبتمبر 2011

وأحبّكَ


         وأحبّكَ

 بين أحضان حضوركَ أتمدّد
وأُأَنّثٌ كلماتي وأنثرها عليكَ
قبلة قبلة؟
......
بأناملِ حنينكَ ولهب شوقي ..
أُعيد رَسْمَ روحي
وبرموش لهفتكَ..
أرسم حدود حقولي
أنثرُ قلبي بين يديكَ وأطوف طوافَ الشوق
على شرفات غيمكَ..
فتزهر الفصول في كفيّكَ ..ربيعاً
وعلى شفاهكَ ينتصبُ الريحان
......
على إمتدادِ روحكَ المكّلِلَةٌ تفاصيلي..يبزغ الفجر
ويتحول إسمكَ إلى غدير أبجديةٍ لا تنتهي
أنتَ أنا..
وحروفي ثمانٍ وعشرون همسة.. بحضوركَ
ويومَ غزلتكَ من عشقي بيتاً لأحلامي..
سكنتُ الجنة
.....

أتناثرُ على مدى كفيكَ.. منهكةٌ روحي حدَّ الوصول إليكَ
كلّما هممتُ بمغادرتكَ .. تعثّرتُ بحبكَ
يتلوكَ قلبي كتراتيل يمامكَ المنتفض من بين كلماتكَ
يا مدارات المدى.. كم أعشقُ تلكَ النزهة
التي تأخذني بها إلى شفتيكَ
كلّما ناديتني
......
وأجلس على حافّة القمر..أنتظركَ
وأعدّ على أصابع الريح كم أحبّكَ
كلّما أحسستكَ أسابق الصمت
وأخترق ضباب المستحيل
وأفتح دائرة الزمن.. وأعانقكَ
......
لكَ وحدكَ..
أمضي الليل أطرّز شالات وصالٍ من ياسمين
يا عيناكَ تختصران كحل المدائن الجميلة
يا فرسَ الندى من أينَ تسرق الصهيل ؟؟ 
.......
أحبّك وحدي..
وأُجدّل ليلكَ وحدي
وأقبّلكَ قبلتين واحدة لي
والأُخرى لي وحدي
أنتَ البداية والنهاية
خاتمة القصيدة..
وإكتمال الفرح
وأنا بوحكَ ..
عندما تسامرت الأسرار
.......
ما أروعَ وجودكَ 
لا يكفُّ عن إيجادي.

                                                   (يسرى)

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

سورة صلاة




  •        سورة صلاة     



    لا تتركي يمامة صلاتي في كعبة أولاد الكفر!
    أهواكِ بلا سجود ..وليل الصحراء
    أرتشف من فناجين قهوتكِ..

    روحكِ
    أمشي خلفّ إسراء النبي..
    أسرقُ لكِ القدس و بلاد الشام!
    .....
    إتلو عليَّ سورٌ من عشقكَ
    سلامٌ على من صارَ إلهي..

    وسلامٌ عليَّ يومَ نفختُ فيه ليكون
    ليس في القلبِ صلواتٌ إلا لكَ
    أخشع بكَ قياماً وسجودا..
    ......
    سُوَرُ عشقكِ بلسمة البسملة
    وسجودكِ راحة عُمر
    وصلاتكِ؟
    سلامٌ عليكِ يومَ وُلِدَ نبيّكِ
    ويومَ تشبّهنَ بكِ نسوة الأرض..
    في قلبكِ صلاة الأنبياء وخمر عشقهم
    وصهيل فجركِ؟
    ملائكةٌ تنزل اَياتٍ في كتاب
    يا إمرأة الغسق..
    هاتي كأسكِ لأرتوي من عطشي إليكِ!
    ......
    وتنسجُ لي من نغماتِ روحكَ
    سريراً من ولع عشقٍ مطرّز بالحنين
    هذا العمرُ لكَ ..

    أنتَ من كتبتَه بشفاهكَ وفرحكَ وصمتكَ المهيب
    فأشعلتَ جنوني.
    حين تعشقني يتكوّن الكلام
    عيناكَ قبلتي وبكَ يبدأ الزمان..
    أضيء لكَ كنيسة القلبِ
    وأتلو صلاتي في محراب عينيكْ
    وأستمطرُ نبيذَ شفاهكَ.

                                                                                                                                                      ع\ي

السبت، 10 سبتمبر 2011

أب .. إلى حدّ البكاء

أب .. إلى حدّ البكاء

 

فرج بيرقدار

ـــ

لا أدري إن كنت أباً فاشلاً أم ناجحاً؟

في الحقيقة لم تتح لي ظروفي، أن أدخل هذا الامتحان إلى آخره.. فحين وُلِدتْ  ابنتي تخفَّيت، وقبل أن تكمل الرابعة اعتقلتُ، ومضت السنوات الخمس الأولى من اعتقالي بدون أية أخبار أو زيارات، ومع ذلك.. أشعر أنني أب إلى حد البكاء.

في سنوات التخفي، كنت أراها بين حين وآخر.. أخاطبها باسمها، وتخاطبني بأحد أسمائي، التي تتبدل حسب الضرورات.

علَّمتها أن لا تناديني “بابا” أمام أحد، وكانت تلتزم بذلك تماماً، إلا في حالات الاحتجاج على شئ ما، كأن ترفض أمها الاستجابة لكامل رغبتها “الكازوزية” مثلاً، عندها تدير أسطوانة التهديد بشكل فحيح متصاعد:

بابا.. بابا.. بابا

ثم لا تتوقَّف، ما لم تتحقق رغبتها، أو تأخذ وعداً قاطعاً بتحقيقها.

بعد اعتقال أمها لم أرها إلا مرتين. أكثر ما كنت أخشاه، وهي معي، أن يحدث لي طارئ أمني، يضطرني إلى الهرب وتركها وحيدة، وهي لا تعرف غير الأسماء الحركية لأبيها، وليس بإمكانها حتى أن تلفظ اسمها بشكل سليم..

ألا يمكن عندها، أن تضيع إلى الأبد؟

كان معها حقيبة، لا أدري من اشتراها لها، وبدا لي أنها حريصة على حقيبتها أكثر من أي شيء آخر.
فتحتُ الحقيبة، ووضعتُ بداخلها ورقة صغيرة، كتبتُ عليها اسمها الكامل، وعنوان أهلي بخط واضح، ثم أوصيتها أن لا تتلف هذه الورقة.

في ذلك النهار كان لدي بعض الانشغالات، التي لا تسمح ببقائها معي، فتركتها مع إحدى الصديقات، على أن تحضرها أو ترسلها إليَّ مع أي شخص على موعد مسائي اتفقنا عليه.

في المساء عادت الصغيرة، ولكن.. لا ورقة ولا حقيبة!
أين الحقيبة يا شطُّورة؟
سألتها، فضربت بكفيها وهي تقول: بحّْ.

تلك كانت آخر ذكرى لي معها قبل اعتقالي.

كانت تسألني عن أمها باستمرار..

صوتها نصف “مبحوح”، ونظرتها أقرب ما تكون إلى الاستجداء.

هكذا.. عند حد معين، يعجز الحلق عن حبس كل ما وراءه من دموع، وهذه الصغيرة توشك أن تفضحني.

في بداية الاعتقال شعرت كما لو اني هربتُ من أسئلتها، لكن ما إن انتهى التحقيق، حتى بدأت أسئلتها عن أمها وعني، تدق أبواب الزنازين.

ما الذي يمكنني فعله بكل هذا العجز يا ابنتي؟!

فجأة.. لمعت في ذهني الفكرة، ثم ما لبثت أن احتلت كل شيء:

عدم اعتقال الصغيرة جريمة.. وهي تفوق في بشاعتها ولا إنسانيتها جريمة اعتقالي نفسها.

إذن عليَّ أن أفكر بطريقة ما، تضمن اعتقالها لتكون مع أمها، أو حتى معي.

سأفترض أنها ولدت في المعتقل، ومن الطبيعي في هذه الحال، أن تكون مع أمها.

قد يبدو لكم هذا الخاطر أقرب إلى الهذيان، وربما يعتبره بعضكم ضرباً من الجنون.

ولكن.. ها هي “دينا”. وُلِدتْ في السجن وتعيش فيه. لم يعترض أحد على وجودها مع أمها.

تظنون أن “دينا” حالة استثنائية؟ طيب قبل “دينا”.. ألم تولد “ماريا” في السجن أيضاً؟ ومع ذلك بقيت مع أمها. فلماذا تنكرون ذلك على ابنتي؟!

بصراحة..لم يكن يهمني ماذا ستقولون عني.

المشكلة هي في إقناع الأجهزة الأمنية بالموافقة على اعتقال طفلة، لا تتقن الكلام بعد.

صحيح أن جميع الاعتقالات السياسية غير إنسانية، ولا شيء يبرِّرها على الإطلاق.. ولكن هذا الاعتقال مبرَّر بصورة ما، أو على الأقل ضروري وطبيعي ضمن منطق الأمر الواقع ، لذلك فكَّرتُ أن أرفع نداء إلى أعلى مسؤول في السلطة، أحمِّله فيه مسؤولية عدم اعتقال ابنتي. لا يمكن له، مهما كان عديم الرحمة، أن يتبرَّأ من هذه المشكلة “الإنسانية”، وبالتالي يجب أن يوعز إلى أجهزته بضرورة حلها.

لكن ما الطريقة لإرسال هذا النداء، وما الضمانة لوصوله إليه شخصيَّاً؟

فيما بعد.. كانت سنوات الجمر التدمرية، تنخل رماداً كثيفاً من النسيان.. إلى أن وصلتنا مجموعة كبيرة من الصور.

جميع الصور عرفها أصحابها، باستثناء صورة واحدة، دارت على الرفاق واحداً واحداً، وظلت مجهولة.

كنت أنوي أن لا أرى الصور، حتى يشبع منها أصحابها، ولكن أحدهم ناداني بإلحاح، لعل فراستي تتعرَّف على أحد ربما يخصُّني.

تأمَّلتُ الصورة بإحساسٍ شبه حيادي في البداية:

فتاة صغيرة ترتدي فستاناً شفافاً زهري اللون، تحته كنزة صفراء لم يستطع الفستان حجبها عند “القبَّة”، فبدت قديمة متهدِّلة وذات لون حائل. أما الوجه.. فكان أشبه بوردة في طريقها إلى الذبول.

تناقض حاد إلى درجة المرارة بين الوجه والثوب.

قلت:

لا أعرف هذا الوجه، ولا أعتقد أن وضع أهلي، يتيح لهم أن يرسلوا لي شيئاً، أو يجدوا سبيلاً إليَّ.

سألني أحدهم متردداً:

ألا يمكن أن تكون هذه الفتاة ابنتك سومر؟!

وأضاف آخر:

أنا أجزم أنها هي.

بالطبع حضرتْ  سومر في ذهني، وأنا أتأمل الصورة، ولكنها حضرت بملامحها، التي طالما صارعت النسيان للاحتفاظ بها على الحالة التي رأيتها فيها آخر مرَّة.

قلت لنفسي، يصعب أن تكون سومر، كبرت إلى هذا الحد. غير أن إصرار الرفيق الآخر على أنها ابنتي، جعلني أعيد التدقيق في تفاصيل الصورة.

لا أعرف كيف شعرت أنها سومر فعلاً.

لم أكن متأكداً تماماً، ولهذا أحسست بمزيج من الخجل والحزن والألم والخيبة، وأنا أقول:

نعم.. إنها ابنتي على الأرجح.

بعد أيام أو ربما ساعات أو دقائق، كان يقيني تاماً ونهائياً، بأنها لا يمكن أن تكون إلا هي.

كانت عيناها تبتسمان وتغيمان، وكأنهما تقولان:

أنا ابنتك .. أنا سومر.

فجأة صرختُ، وربما رحت أقفز:

يا شباب.. إنها سومر، سومر، سومر..

فيما بعد انبجس في داخلي سؤال بعيد، أخذ يستنصلني ضلعاً بعد آخر:

هل ستعرفني ابنتي حين تراني؟

هل سيستيقظ شيء ما في داخلها؟

أم سيقولون لها: هذا الرجل هو أبوك، وعليك أن تقتنعي بذلك!

ظلَّ السؤال يتأكَّلني، حتى انفتحت زيارتي.

بصعوبة استطاع الرفاق تأمين الثياب الأقل سوءاً والأكثر ملاءمة لمقاسي ونزلت.

تفحَّصتُ أهلي واحداً واحداً.. لم أكن قادراً على التركيز في شيء معين، لكني حين لمحت تلك الفتاة الصغيرة، تختلس النظر إليَّ، وهي نصف متوارية خلف أمي، قدَّرت أنها يجب أن تكون سومر.

حاولت أن أكون متماسكاً، وأنا أتقدم منها، وأحملها مثلما كنت أفعل قبل سنوات، ثم سألتها:

هل تعرفين من أنا؟

ابتسمت وأغمضت عينيها علامة الإيجاب.

قلت:

هل عرفتني لأنك تذكرتني، أم لأن جدتك أخبرتك أنك آتية لزيارتي؟

قالت:

لا.. عرفتك مثلما كنت أعرفك من قبل.

انشقِّي إذن أيتها السموات

انشقِّي وأعطيني خبراً يقيناً.

في الزيارة الثانية رجوت أمي، أن تخبرني بالضبط، إن كانت سومر، عرفتني فعلاً، فقالت:

عرفتك وبس؟! عينك تشوفها كيف تتغمَّى حين يسألها الآخرون عنك، وتجيبهم متباهية:

بابا رائع.. لقد عرفته فوراً.. لم يتغير فيه شيء.. فقط هو الآن أحلى.

لم تمض بضعة شهور، حتى أصبحت الزيارة وحدةَ القياس، التي أقيس بها أزمنة النور والظلمة.. الضعف والقوَّة.. الوحشة والأمان..السجن والحرية.

كانت الصغيرة، تملؤني حتى في صمتها.

أول مرة خرجتْ فيها عن طبيعتها، التي يختلط فيها الخجل بالتهذيب، سألتني:

بابا.. هل صحيح أنك شاعر؟

قلت لها:

تقريباً.

قالت:

لماذا إذن لا تكتب لي قصيدة؟

قلت:

كتبت لك أكثر من قصيدة، وستقرئينها عندما تكبرين.

قالت:

لا أريد عندما أكبر.. أكتب لي الآن.

لاحقاً كتبت لها قصيدة، لونتها بالعديد من الذكريات والإشارات، التي يمكن أن تعني لها شيئاً.

في الزيارة التالية، اندفعت نحوي وأخذتني عناقاً، ثم همست في أذني كلمتين:

بابا حفظتُها.

لم أفهم في تلك اللحظة ما المقصود.. لكني بعد قليل، تذكرت القصيدة فقلت:

إذا أعجبتك وحفظتها حقاً، أنشديها لي.

شهقت وهي تمسح الغرفة بنظرة متوجسة، ثم عادت ترمقني بعينين، تطفحان عتاباً وتأنيباً على كشف سر القصيدة المهرَّبة واستهتاري الأمني إلى هذه الدرجة!

يا سبحان الطغيان.. حتى هذه الطفلة!

خلال أكثر من عامين لم تنقطع سومر عن زيارتي سوى هذه المرة، فهل أكتب الآن عنها، أو أستجر ذكرياتي معها، لأعوض عن غيابها؟

لم أكن أعرف أن غيابها باهظ إلى هذه اللاحدود. كأنه ليس ثمة غير الفراغ.. وأنا كأي سجين، لا أبدو قابلاً للاطمئنان.

يبدو لي أن اللغة فراغ.. والصمت فراغ.. الحقيقة والوهم وما بينهما.. وحتى هذا السجن بكل ما فيه من جدران وأبواب ودهاليز.

أحس كما لو اني أطفو فوق زمن ضائع، تسوقه الهواجس خارج نفسه.

أصبح عمرها الآن أحد عشر عاماً، ولم يُتَح لي أن أدخل امتحان الأبوة إلى آخره.قلت لكم إني تخفَّيت حين ولِدتْ  ابنتي، واعتقلتُ قبل أن تكمل الرابعة، ومضت السنوات الخمس الأولى من اعتقالي بدون أية أخبار أو زيارات.. لكن رغم كل ذلك، وربما بسببه أيضاً، أشعر أنني أب إلى حد البكاء.

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

قطرة عشقٍ



قطرة عشقٍ
همس: أحبكِ
همست: أحبك كموج البحر
همس: إنتظرتكِ على شاطيء
همست: أنا رملكَ
همس: وأنا مطركِ
همست: يا ندايَ وكل بللي
همس: أحبّكِ كمدى السماء
همست: أتعجّب كيف تتحول سمائي بين يديكَ
إلى قطرة عشقٍ تروي الكون..
يا أنتَ؟
التيمم بكلماتكَ يحيي ويميت فكيفَ الوضوء بمائكَ
......
همس: نسي الله نبي الشعراء في قصيدتنا!
همست: بوجودنا لملم الله أسراره واَياته..لأننا نضاهيه قدسيةً!
همس: نحن يا حبيبتي من نلملم أوراق عشقنا..
وننزلها اَياتٍ مقدسات للعاشقين والعاشقات.
همست:أحبّ كيف أجعلكَ تمطر على مساحاتي
أحبُّ كيف تحدد لي طريقي إليكَ..
وأعشقُ كيف ألقاك من طرقاتٍ مختلفة..ونلتقي.
همس: أحبّكِ روحاً تنطقُ همساً..
ولمسة حنين..
حين تقولينَ أحبّكَ ..
أشعرُ روحي تنبضُ رغبةً.. وجسدي يرتعشُ سمواً
.......
همس: ككمشةِ ترابٍ إلهيّ أنتِ
كخيطٍ من ثوب عيسى..
وحدكِ تمشين بين الأنبياء
يسترقون النظرَ .. ولا تكترثين.
وحدكِ تمشينَ بين أسطر الآيات
سورة النساء أنتِ.. فاتحة أبواب السماء.
همست: رفقاً بي حبيبي لا تهمس هكذا
أخاف أني لن أحدّثَ سواك.
......
همس: إتركِ النبي يعشقك..
إتركيهِ يطوف حول وجهكِ ليسرقَ قبلة.
همست: يا أيها الأول.. يا أيها الآخر
سرقتَ العمر وتستأذنني بسرقة تفاصيلهُ؟
.....
همس: أنتِ جنّة الله العاشقة لربّ يجدل من شَعركِ سنبلةً..
ومن بياضِ روحكِ قصيدة.
همست: يا مكان السر من روحي
أنا التي كلّما مررتَ بي تناثرت سنابلي
وباتت لا تعّد ولا تحصى.
....
همس: لقد جِئتي وحياً..
إلهاً.. رسولاً
كتاباً مقدّساً
تمشينَ بينَ اَياتِه
وجهكِ فاتحته..
وروحكِ النساء .. كل النساء.

....
لم تهمس.. ويمّمَت وجهها نحوه لتتوضّأ!
......
همس: اكتبيني على مساحاتكِ
همست: أكتبكَ حبيبي ..من النهد إلى اللحد
......
همس: لم أكن أعرفُ يوم رسمتُ وجهكِ على طرقاتي
أنّه سيكون قبلتي.
ولم أعرفُ يوم إنحنيتُ لأحضنكِ
أنّ السجود لكِ سيصبحُ وصية إله

....
لم تستطع أن تهمسَ له.. 

وتلاشت روحها ببهاءاته
......
همست: غفا رأسي على صدركَ فهوى بالغياب..
همس: أصحو على صدركِ فيجيء الإله .
                                                                ع \ ي

الأحد، 28 أغسطس 2011

قصيدة مرتبكة

قصيدة مرتبكة
زمرة من كتب ممدّدة
كامرأة على فراش محموم
تطاردُ لهاث البحّار
آتياً من صوب العدم!

كتبٌ تستلقي على ظهرها
بخبث أنثويّ مقصود
و أخرى تتأوّه
ببراعة غانية عطشى
تخاف ليلة شحّ عنيد
يربك رغبة.. يطفئ حمم!

و كتبٌ أخرى
لا تشبه الدّمى
تتثاءب كملاك منهك
أعياه شوق الخطيئة
رائحة التفاح الأحمر
إغراء جنيّة في ثوب مثير
لكنه يقاوم الخطيئة
بصلاة رتيبة
تصيّره ليثا
يهدّئ الشهوات بالزئير!

و كتبٌ خجلى
كعينيّ لحظة التقينا
لحظة اختفينا
في لحظ العيون
في دفء السكون
يومها ..أتذكُر؟ إنهمر المطر!
مطر..مطر..
صاحَ اهربوا
تسكعوا في الشوارع
كالجياع
تعرّوا كزهر اللوز
سأكسيكم ..بالمطر
يومها ..أتذكُر؟ ..سقط المطر

و كتبٌ ثكلى ..
كشفتيّ ..
ساعة افترقنا
فانشقّت الدروب
و زحف الضباب
خلف السحاب
يتبع الهباء
ينشد العدم!
و كتب ثكلى
كشفتيّ
ساعة افترقنا
فاعتصم الحمام
في رحم السلام
عبثا
لا صوت للحمام
كلّ الصوت للقدر
كلّ الجور للقدر
أهطل يا مطر
يا أغنية الجياع
تلوح في الأفق شريدة
أهطل يا مطر
شاركني المصيبة
كآبتي في أرض غريبة
وطنا كان بحّاري
على صدره غفوت
فانشقّ الجماد
من لحده الصخري
و قام الرماد
خاصر الجمرات
و صهيل خيول دوى
و شهقة أخيرة
تعلن البداية
عاصفة و خيل و صهيل
ومطر ..مطر ..
أتذكر ؟..يومها سقط المطر

و كتبٌ رمادية كوجعي
قديم جديد وجعي
امتداد للعصور
جسر للعبور
صراع أزمنة
أنين لا يبور!
رماديّ اللون يا وجعي
و رؤيتي ضعيفة..
حواسي تتآكل
مذ رحل البحّار
يجمع المحار
في مرايا الماء!

زمرة من كتب ممدّدة
مبعثرة كالرياح الهاربات
أتعثر بها في ليلي
تملء غرفتي السوداء
فأهرب منّي إليها
و أعود جريحة
مصلوبة
على خشبة الكلمة
فكلّ الكلمات أنت
و كلّ القصص أنت
و كلّ الروايات أسطورتنا
رحماك أيّها الأدب!
دانا تقي))