الثلاثاء، 6 مارس 2012

حفاة وحوامل وأطفال



الفارّون إلى لبنان حفاة وحوامل وأطفال
وحكايات عن قصف يطول كل شيء



|  عفيف دياب |

  
لم تعد الحدود اللبنانية مع سورية مجرد جغرافيا «وعرة» بل تحولت «دفرسواراً» نازفاً يضج بالمآسي على غرار ما شهده الشريط الشرقي من تلك الحدود على مدى اليومين الماضيين، مع طفرة جديدة من «الفرار الجماعي» من «ملعب النار» في المقلب السوري الى المناطق اللبنانية المتاخمة عبر ممرات من الصقيع الذي يضاعف الاهوال التي تئن تحت وطأتها العائلات النازحة.
فالبلدات السورية المحاذية للحدود اللبنانية عند مشروع القاع في البقاع دخلت في عين الحملة العسكرية التي ينفذها الجيش السوري ضد معارضي نظام الرئيس بشار الاسد، الامر الذي ادى الى حالات نزوح هرباً من القصف العشوائي الذي يطاول انحاء مختلفة من محافظة حمص، «ومن دون مبرر عسكري»، بحسب ما قاله نازحون لـ «الراي» التي قصدت الاعالي لملاقاة «الحُفاة» الذين فروا بأرواحهم و... أطفالهم.
ففي اقل من 24 ساعة سجل اول من امس الاحد نزوح ما لا يقل عن 1500 مواطن سوري من بلدات القصير وجوسة والنزارية وربلة وغيرها، نحو منطقة مشاريع القاع الزراعية التي غصت بالنازحين الذين توزعوا بين البساتين والكروم في ظل طقس ماطر ومثلح وبرد قارس.
وقال نازحون من جوسة لـ «الراي» انهم اضطروا الى مغادرة منازلهم ركضاً وحفاة نحو الاراضي اللبنانية بعد سقوط قذائف دبابات على قريتهم. واضاف «أبو أحمد» (35 عاماً) انهم تعرضوا لقصف مدفعي عنيف قبل اقتحام الجيش السوري لعدد من المنازل المستهدفة بالقصف والاسلحة الرشاشة الثقيلة.
وروى الرجل، الذي غادر منزله مع زوجته واولادهما الخمسة، ان احد جيرانه اصيب برصاصة و«لا أعرف عنه اي شيء».
وقالت المواطنة ام علي (65 عاماً) انها هربت مع ابنائها واحفادها بعد تعرض منزلهم لرشقات نارية، راوية انهم عبروا في البساتين الموحلة والغارقة بمياه الامطار. واضافت: «لم نستطع ان نحضر ثيابنا، ونحن الان في المجهول وقد نبقى طويلاً في العراء».
الطفلة مريم (7 سنوات) قالت انها هربت ركضاً مع امها و«وقعتُ على الارض». واضافت وهي تبكي ان الرصاص اصاب منزلهم في جوسة و«خفتُ كثيراً فهربت مع امي».
وفي بستان مشمش حيث اتخذت عائلة سورية من جوسة مقر اقامة الى ان يتسنى لهم ايجاد مأوى، قال رب الاسرة ابو محمد (54 عاماً) انه اضطر الى النزوح بعد تعرض قريتهم للقصف من دبابات الجيش السوري المتموضعة شرق بلدتهم. واضاف وهو يهم لاشعال النيران في كمية حطب للتدفئة «أنتظر اقرباء لي من عرسال (بلدة لبنانية) حتى يأتون لنقلنا الى منزلهم». وكشف ان الجيش السوري «دخل الى منازل الحي الشرقي من جوسة وقام بتفتيشها واعتقال عدد من الاشخاص وثم بدأ القصف علينا فهربنا الى هنا».
وليس بعيداً من بستان المشمش كانت عائلة سورية تنتظر على جانب طريق ترابي حتى يسمح لها الجيش اللبناني بالعبور الى داخل الاراضي اللبنانية. وبعد اتصالات اجراها جنود الجيش مع قيادتهم سمح للعائلة التي تضم سيدة حامل في شهرها السادس بالعبور والدخول الى مسجد صغير في مشاريع القاع للاقامة ريثما يحضر طبيب صحة عامة للكشف عليها هي التي كانت تعاني من اوجاع جراء الركض في البساتين خلال اطلاق الرصاص على الاهالي في جوسة.
وكشف مصدر طبي لبناني لـ «الراي» انه تم ادخال 6 جرحى سوريين خلال الساعات الماضية من منطقتي القصير وجوسة، اضافة الى جرحى آخرين من مدينة حمص لم «يتمكن المسعفون من ايصالهم الى لبنان»، موضحاً ان حالات بعض الجرحى «حرجة»، ولافتاً الى وجود عدد كبير من الجرحى قرب الحدود من المقلب السوري و«لا يمكن لاحد نقلهم الى لبنان للمعالجة جراء اطلاق الرصاص من الجيش السوري».
وقال الطبيب اللبناني ان جريحاً واحداً توفي على الاقل متأثراً بجروحه قرب الحدود خلال الساعات الماضية. وطالب المجتمع الدولي بالتدخل والسماح لفرق الاسعاف بنقل الجرحى من داخل الاراضي السورية الى لبنان، كاشفاً ان نقل الجرحى يتم سيراً على الاقدام و«يقطعون مسافات طويلة ما يؤدي الى وفاة بعضهم، كما حصل اثر قصف الدبابات لاطراف جوسة».
قصف جوسة والقصير وبدء الحملة العسكرية السورية ضد القرى والبلدات السورية المتاخمة للبنان، واكبها الجيش اللبناني بعملية انتشار عسكرية واسعة على طول خط الحدود من مشاريع القاع شرقاً وحتى تخوم القصير غرباً.
وقال مصدر امني لـ «الراي» ان الانتشار العسكري جاء بعد معلومات امنية تحدثت عن احتمال بدء الجيش السوري عملية امنية ضد «الجيش السوري الحر» و«لذا رفعنا من اجراءاتنا المتخذة سابقاً، وعززنا مواقعنا وانتشارنا لمنع المسلحين من دخول الاراضي اللبنانية».
واضاف: «هذه الاجراءات لن تمنع المدنيين النازحين، بل ستسهل عبورهم».
واكد المصدر لـ «الراي» ان الجيش اللبناني «يتابع عن كثب تطورات الاوضاع العسكرية داخل الاراضي السورية المتاخمة للبنان»، موضحاً ان المعلومات الامنية «تتحدث عن قرب بدء حملة عسكرية سورية ضد الجيش الحر في القصير ونواحيها، ولذا اتخذنا اجراءات وقائية».
استعدادات لبنان العسكرية والامنية لاحتمالات قيام الجيش السوري بعملية عسكرية واسعة النطاق على تخوم حدوده، بدت واضحة خلال الجولة الميدانية التي قامت بها «الراي» في شمال سهل البقاع، حيث لوحظت التعزيزات العسكرية التي ادخلها الجيش اللبناني، وحواجز التفتيش والمراقبة والتدقيق في هويات ركاب السيارات. وتزامنت هذه الاجراءات الكبيرة مع اقفال الجانب السوري لمعبر الجوسة الرسمي نحو لبنان، ومنع العبور من والى البلدين.
وقال شهود عيان التقت بهم «الراي» في محلة مشاريع القاع ان الامن السوري منعهم من العبور رسمياً نحو لبنان مما اضطرهم الى العبور عبر مسالك غير شرعية. واضافوا ان الاجراءات الامنية السورية «قاسية وواسعة». وتابعوا ان الجيش السوري يصادر منهم اكياس الخبز والمواد الغذائية التي يأتون لاحضارها من لبنان لعائلاتهم
ــــــــــــــــــــــــــ
http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=333428&date=06032012


الخميس، 1 مارس 2012

استفتاء لا محل له من الإعراب





                                     استفتاء لا محل له من الإعراب

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
   ينفرد الاستفتاء على الدستور السوري بين الاستفتاءات المعروفة في العالم بأنه جرى في ظل حرب حقيقية يخوضها نظام ضد جزء حيوي من شعبه. لم يخطر في بال النظام ان يعلن هدنة ولو ليوم واحد ليمر التصويت بسلام. ولا سمحت آلته العسكرية لأهالي حمص وسائر «المواقع الحربية» في طول سوريا وعرضها، بدفن موتاهم بكرامة دون إطلاق النار على المشيّعين، ولا تمكن الهلال الاحمر او الصليب الاحمر الدولي من إخلاء الجرحى ونقل المعونات الغذائية والصحية للبلدات والاحياء والمدن والقرى والضواحي المحاصرة والمجوّعة.
كان يوم الاستفتاء يوم حرب «عاديا». تأكيدا على «عاديته»، سجل اليوم الذي تلاه ارتفاعا بات مألوفا في منسوب القتل حين يستغل النظام المناسبات «السياسية» ـ من مثل قبوله الوساطة العربية او موافقته على مجيء المراقبين العرب او بحث قضية سوريا في الامم المتحدة ـ لشن جولة دموية تصعيدية من جولات «الحسم» الذي لا يأتي. تأتي بدلا منه الكارثة اليومية.
تأكد واقع الحال هذا في تصريح للرئيس الاسد يوم الاستفتاء. قال «إنهم اقوياء في الإعلام ولكننا أقوى منهم على الارض». وهو لم يكن يتحدث طبعا عن قوات الاحتلال الاسرائيلي في الجولان. بل يكرر المعادلة الغرائبية إياها عن تغييب السوريين المتظاهرين والمعتصمين والمناضلين ضد نظامه منذ ما يقارب السنة، ومعهم ضحاياهم وجرحاهم ومعتقلوهم والمخطوفون والمختفون منهم، بتحويلهم الى كائنات تلفزيونية إفتراضية تخترعها الفضائيات الخليجية. والرد على «قوة» الإعلام الخليجي هو طبعا القوة المدرعة والمدفعية «على الارض» ... السورية.
لا ينفرد الاستفتاء السوري بالأسبقية المذكورة أعلاه فقط. تصعب إقامة الصلة بين التصويت على الدستور في يوم حرب عادي وبين خلاص السوريين من الحرب بأيامها ولياليها.
تراجعت نسبة الموافقين على الدستور. تراجعت عن المعهود في العهد الذهبي للدكتاتوريات السورية والعربية. وبغض النظر عن دقة الارقام، فالمؤكد ان من قصد مراكز الاقتراع وصوت بـ«نعم» لم يصوت لما يحتويه الدستور الجديد من «اصلاحات» بقدر ما صوّّت لما فيه من استمرارية. صوّت خوفا من مجهول. وصوّت اتقاء لقمع. وصوّت حفاظا على وظيفة او مصلحة. وصوّت خشية من الفوضى. وصوّت فزعا من اصوليات وسلفيات. صوّت نصف السوريين حفاظا على الوضع الراهن، اي على نظام سياسي قائم على السلطة شبه المطلقة لحاكم فرد قوي زيدت صلاحياته بدل ان تنقص. هذا ليس بالامر التفصيلي. تناقلت وسائل إعلام عربية نتائج استطلاعات للرأي تفيد ان النظام في دمشق لا يزال يحظى بتأييد ما يزيد عن نصف السكان. مع ان الاستطلاع المذكور اقتصر على عيّنة من ألف مواطن سوري فقط، فإن الامر يستحق التعليق. عندما يكون اقل من نصف سكان سوريا بقليل لا يعارضون النظام في استطلاعات الرأي، بل يعارضونه بكافة اشكال الاحتجاج على مدى سنة بأكملها، يطالبون بسقوط النظام برمته ومحاكمة المسؤولين عنه، وعندما يلجأ جنود وضباط في القوات المسلحة الى الانشقاق والرد على عنف النظام المسلّح بالعنف المسلح، بل يلجأ محتجون مدنيون سلميون الى حمل السلاح، عندما تكون النسبة الاقل من نصف السوريين ممن يعارض النظام على هذه الحال، أليس الاجدر رمي حسابات «الاكثرية البسيطة» الى المزبلة؟
مهما يكن، لم يكن هذا التصويت الاكثري على الدستور ذا صلة بـ«حل» ما، بقدر ما كان اقرب الى تظاهرة قوة إعلامية للنظام لم تبزّ قوة الاعلام الخليجي، وذلك باعتراف رئيس الدولة ذاته.
ما له صلة بـ«حل» هو دخول سوريا مرحلة جديدة من مراحل التعريب والتدويل تتنافس عليها مشاريع «الحلول».
عاد «الحل اليمني» جريا على «المبادرة الخليجية» الى الظهور بعدما اقترحه الرئيس التونسي الجديد، المنصف المرزوقي، في افتتاح «مؤتمر اصدقاء سوريا». يفيد إلقاء نظرة عليه قيد التطبيق «على الارض» في اليمن. قضت المبادرة بأن يغادر رئيس دولة اليمن بعد اعفائه، ومعاونيه، من اي محاسبة او مساءلة او عقاب، من ارتكابات وجرائم وهدر وفساد خلال سنة من حكمه. وما ان غادر علي عبدالله صالح، حتى عاد بعد زيارة قصيرة الى الولايات المتحدة، ليسلّم الرئاسة الى نائبه، وعضو قيادة حزبه، عبد الرب منصور هادي. ولا يزال علي عبدالله صالح زعيم اكبر حزب في البلاد يتقاسم مقاعد مجلس الوزراء مع معارضة رسمية، اقوى مكوناتها «التجمع اليمني للاصلاح»، الحزب الاسلامي القبلي الذي حكم البلاد الى جانب علي عبدالله صالح معظم سنّي ولايته. ولا يزال الرئيس السابق يتزعم اكثرية نواب مجلس الشعب ويسيطر ابناؤه وابناء اشقائه على الاجهزة الامنية ووحدات النخبة من الجيش وعلى قسم كبير من القوات المسلحة بما فيها سلاح الطيران. تنهض في وجه هذه «المبادرة الخليجية » - التي تجاهلت ابرز قضيتين في البلاد - الحراك الجنوبي والحركة الحوثية - معارضة شعبية يلعب الشباب الثائر في امتداد المناطق اليمنية دورا كبيرا فيها من دون ان يقتصر الامر عليهم. تدعو المعارضة الى منع علي عبدالله صالح من ممارسة العمل السياسي واقصاء اعوانه عن القيادة العسكرية بقدر ما ترفض العفو عنه.
تحمل المبادرة الخليجية كل بصمات السياسة الاميركية لاستيعاب الثورات الشعبية. وحتى لا تترك الادارة الاميركية مجالا للشك في اعتمادها الدائم على الجيوش قاعدة للسلطة السياسية في البلدان العربية، اكد السفير الاميركي ان بلاده تحبذ استمرار التعاون مع ابناء علي عبدالله صالح واقربائه في الجيش والامن. وأردف معلنا قرار حكومته تأهيل وتدريب القوات المسلحة اليمنية تعزيزا لدورها في الحرب على الارهاب.
من جهته، كاد النظام السوري ان يقنع الادارة الاميركية بأنه يخوض معركة ضد «الارهاب الدولي» على خطى المخلوع علي عبدالله صالح. او هكذا تبيّن من تصريح بدا غريبا للسيدة كلنتون اعلنت فيه أن «تنظيم القاعدة» صار جزءا من المعارضة. لكن الموقف الاميركي يدور مدار اشكاليات جيو استراتيجية عويصة. يتجاذبه اغراء اضعاف ايران عن طريق تغيير النظام السوري او فك ارتباطه بها وتنتابه في المقابل الهواجس عن البديل وعن القوة القادرة على ضبط الحدود الشمالية لاسرائيل و«المونة» على حزب الله في لبنان. فهذا تصريح لكلنتون يجبّ ذاك، إذ انتقلت الى تحريض الجيش ورجال الاعمال والاقليات على الانشقاق وعادت الى التلويح بتسليح المعارضة.
على ان مشكلة الدبلوماسية الاميركية ان «الحل» العربي الذي اتكلت عليه معرّبا ومدوّلا وقع فيه الانشقاق. فمشكلة تطبيق «الحل اليمني» في سوريا ان راعيه الاصلي لم يعد يرتضي به حلا لسوريا. ذلك هو فحوى الانشقاق السعودي الذي قضى عمليا على نتائج مؤتمر تونس والالتحاق القطري به. ليست حسابات النظامين متطابقة، ففي حين يغلّب الاول حسابات العداء لايران، عادة ما يقيس المبادرات حسبما تقدم له من فرص الزعامة للحلول او لعب دور الوسيط الاوحد او الرئيسي فيها.
بانتظار جلاء مصير هذه الانشقاقات، يبقي «الحل» الروسي. وآخر اخباره ان النظام الذي يرفض محاورة شعبه - الا بالرصاص والقذائف - كلّف الراعي الروسي استمزاج بعض قادة المعارضة السورية في امر تشكيل الوزارة العتيدة. ومعلوم ان لروسيا منذ شهور مبادرات في هذا الموضوع بل ولها مرشحوها للرئاسة والتوزير. وهذا لا يسمّى تدخلا في الشؤون الداخلية السورية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* السفير : 29\2\2012
fawwaz.traboulsi@gmail.com

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

فـي رثـاء البعـث



                            فـي رثـاء البعـث الـذي لـم يكـن «قــائــد الـدولــة والمجتمــع»

طلال سلمان*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 أما وقد أعلن النظــام    السوري، رسمياً، وعبر استفتاء شعبي على دســـتور جديد، انتهاء المرحلة التي استطالت أكثر مما ينبـــغي والتي كان عنوانها الحكم باســـم حزب البعث العربي الاشتراكي بوصفه «قائـــد الدولة والمجتمع»، فلا بد من كلمة رثاء لهذا الحزب ذي التاريخ العـــريق والذي دفن أمس، في دمشق، ومن دون مشيعين!
وأول ما ينبغي قوله إن هذا الحزب، الذي كانت ولادته «بشارة» بمرحلة جديدة في العمل السياسي العربي، يشيّع الآن وكأنه الأب الشرعي لعصر الدكتاتوريات الحزبية العربية، محملاً المسؤولية الكاملة عما أصاب سوريا، بذاتها، ومن ثم العراق (مروراً بدولة الوحدة) على امتداد خمسة عقود طويلة ومثقلة بالنكسات والهزائم، سياسياً وعسكرياً.
والحقيقة أن هذا الحزب لم يحكم سوريا ولا العراق يوماً كحزب، بعقيدته ومبادئه وطروحاته النظرية، وإن كان كثيرون قد حكموا أو تحكّموا باسمه بالمجتمع والدولة في أكثر من بلد عربي، مكتفين برفع شعاراته في الساحات والمكاتب والدواوين، لتمويه حقيقة السلطة القائمة بالأمر وإضفاء غلالة سياسية ـ فكرية على حكم الرجل الواحد الذي ستضفى عليه لاحقاً هالة من القداسة تجعله يسمو على البشر مندفعاً نحو الخلود إلى الأبد!
قبل سوريا ثم معها، كانت تجربة الحزب القائد في العراق، حيث اختصر صدام حسين الحزب ـ قائد الدولة والمجتمع ـ في شخصه، مندفعاً إلى سلسلة من التصفيات الواسعة «لرفاقه» بداية، ثم لخصومه أو منافسيه المفترضين، ولو كانوا أشقاء وأصهاراً ورفاق عمر وشركاء عقيدة... قبل أن يندفع إلى مسلسل من الحروب غير المبررة التي أدت إلى تدمير العراق ومعه الحزب الذي تحول إلى «حزب القائد»، ثم إلى سقوطه في أيدي الاحتلال الأميركي، بل وإلى تمزيق الروابط بين العرب في مختلف أقطارهم وتحويلهم إلى أعداء متواجهين تتحكّم بهم مجموعة من الأنظمة الدكتاتــورية محتكرة السلطة والثروة والسلاح بما ذهب بالأوطان والـــدول ووحدة الشعب في كل قطر من أقطارها.
.. هذا إذا ما تناسينا المآسي التي أغرقت العراقيين في دمائهم ومزقتهم طوائف ومذاهب وأعراقاً وعناصر، سوف يجيء الاحتلال الأميركي ليجدها جاهزة لاستكمال تدمير العراق عبر الصراع على السلطة جميعاً أو على بعضها في كانتونات طائفية وعنصرية.
ولقد عبّر كثير من المواطنين والمواطنات في سوريا عن رأيهم في الدستور الجديد بما يكشف حقيــقة موقفهــم الذي كبتوه طويلاً طويلاً، من الدستور الـــذي غدا الآن عتــيقاً، و«بائداً» وبات يمكن استــخدامه كمـشجب لتعـليق الخطــايا والأخطاء عليـه.
بل إن هؤلاء الذين أتيحت لهم الفرصة للكلام قالوا ببساطة، وبمعزل عن رأيهم في نصوص الدستور الجديد، إنهم سعيدون بعودة الحياة السياسية إلى البلاد، بعد تعطيل إجباري امتد دهراً... بل إن بعضهم قد اندفع إلى إعلان التحفظ على كثير من نصوص الدستور الجديد، مفترضاً أن العودة إلى السياسة تتيح استدراك النقص أو تعديل المرتجل والمرتبك واستكمال ما سقط سهواً وأسقط عمداً في وقت لاحق، وعبر إعادة النظر في الدستور الجديد عبر الحياة السياسية التي سـوف تستعيد الروح متحررة من «قائد الدولة والمجتمع» وسائر النصوص المكبلة للحريات.. بل واللاغية للسياسة.
قال المواطنون والمواطنات، وعبر أجهزة الإعلام الرسمية، أكثر مما تقوله المجموعات المعارضة من منافيها المرفهة، قريبها والبعيد، ووضعوا أصابعهم على الجرح: لا تعيش دولة من دون حياة سياسية، ولا يقبل شعب بأن يُقاد بالأمر إلى الأبد، ومن طرف رجل فرد قفز إلى السلطة، ذات ليل بانقلاب عسكري، أو من طرف أسرة مالكة استولت على الحكم (والبلاد) بالسيف، وفي ظل رضا المهيمن الأجنبي.
ومن حق المعارضات السورية الموزعة بين عواصم عدة لكل منها أغراضها ومطامعها، أن يتوجه إليها النظام بالشكر، إذ أنها وفرت له خدمات ممتازة بانقساماتها وتطرفها وشبهة ارتباطها تمويلاً ونهجاً سياسياً بجهات عربية ودول خارجية لم ينل منها العرب عموماً، وسوريا خصوصاً، إلا الأذى، عبر مساندة الأنظمة الدكتاتورية التي كانت ـ وما تزال ـ تعــمل في خدمتها ثم تحاضر على شعبها بالسيادة والحرية وحقوق الإنسان.
ولعل أخطر ما ارتكبته هذه المعارضات الجوالة بين العواصم، والمستجدة في العمل السياسي أو العائدة إليه بعد تاريخ مثقل بالخطايا والأخطاء، أنها قد أظهرت النظام وكأنه أحرص على الوحدة الوطنية منها... فهي تفتقد إلى الهوية السياسية الموحدة، ثم أنها حاولت ـ بقصد أو بلا وعي قاد إليه الغرض ـ تفسيخ الهوية الجامعة للشعب السوري، وحرّضت على الخروج على العروبة عبر التوجه إلى الأقليات (طوائف وعناصر) وكأنها قوميات أخرى، بما يتجاوز وحدة الوطن والشعب الذي يضم الأكثرية وسائر العناصر المكونة في بوتقته الجامعة.
إن الضرب على الوتر الطائفي في بلد يكاد يكون الأكثر تحصيناً ضد الطائفية والمذهبية والعنصرية والإقليمية، يتجاوز الخلاف أو حتى الصدام مع النظام القائم إلى تهديد وحدة الوطن وشعبه.
***
إلى أين سوريا من هنا؟!
يسود الاعتقاد بأن الاستفتاء الذي أجري على دستور تمت صياغته المرتجلة والحافلة بالمتناقضات، تحت ضغط الشارع، لن يبدل كثيراً في طبيعة النظام، ولكنه قد يشكل مخرجاً من الطريق المسدود الذي يأخذ إلى الحرب الأهلية.
إن طبيعة النظام محصنة ضد التغيير، ربما لأن أي توجه نحو التغيير قد يراه النظام مؤامرة لإسقاطه، فيرد عليها «بالإفراط في استخدام القوة».. ومن أين يدخل الأمل بالتغيير طالما أن «الحوار» يتم في شوارع المدن والقصبات، بالرصاص والقذائف والتفجيرات؟!
 متى يتوقف الرصاص: ذلك هو السؤال الذي لا يستطيع الدستور الجديد أن يجيب عليه، مع الوعي بأن أول ضحية محتملة للرصاص ـ ابتداءً من اليوم ـ هو الدستور الجديد.. لكي تستمر الدوامة الدموية التي تكاد سوريا تضيع في غياهبها المفتوحة على المجهول!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ناشر جريدة السفير اللبنانية 
27 \2\2012 

الاثنين، 20 فبراير 2012

حرية



حرية

 عندما إنغرزَ الحصى في جلدي.. كنت َمعي هناك؟
إنحدر وجهكَ ولفني.. لملم الجروح التي سالت وتعفّرت بالتراب،
وسال الدم ومادت الأرض من تحتي فإحتضنتني بكلتا يداك ثم فاض الدخان من جميع الجهات، وصهل وتماوج جسدينا تحت أزيز الرصاص وحملتنا نشوة الحرية إلى البعيد هنااااااااااك حيث يغيب الوعي والمنطق ويصبح الموت ليس أكثر من مجرد فكرة ..
فجأة هزّني صوتكَ الهادر :

" إرجعي عل البيت عل البيت"
فجأة إنتشر الدخان وبدت فلول الأمن وهي تزحف نحونا..
نهضت ووجهكَ يغشى الأفق يسحبني من بئر عميق ..

 نهضت وركضت..
ركضت مثل طفل صغير أحتمي بجبهتكَ الممتدة على أفقي..
كان المتظاهرون يعبرون أرتالاً أرتالاً وأنا أتكّئ على شامة في خدكَ
وأصرخ ملء فمي حرية حرية حرية..
ألم أقل لكَ يوماً أنكَ تحدني من كل جهاتي حتى ولو كنتَ هناك؟!


                                                                                       ( يسرى)


الجمعة، 17 فبراير 2012

عاشق الشام.. عاشق مرجعيون


وداعا انتوني شديد




  توفي  الزميل انتوني شديد خلال محاولته الخروج من منطقة ادلب نحو تركيا بعد ان انجز تحقيقا لصحيفة نيويورك تايمز عن الجيش السوري الحر. وكان انتوني قد دخل الى ادلب في سوريا قبل نحو اسبوع حيث كان من المقرر ان يلتقي زوجته ندى في انطاكيا ليمضيا اجازة عائلية في اسطنبول، وثم العودة الى بيروت والتفرغ لانجاز كتابه الثاني عن ثورات الربيع العربي. وكان انتوني قد حاز مرتين على جائزة بوليتزر الصحافية (2004 و20109 ) لتغطيته الحرب الاميركية على العراق والفوضى اللاحقة  وقد رشحته صحيفته نيويورك تايمز لنيل الجائزة على تغطيته للربيع العربي.
انتوني شديد اللبناني الاصل من بلدة مرجعيون في جنوب لبنان، انهى قبل اشهر ترميم منزل اجداده في البلدة على ان يقيم فيه دوريا . كما  اصدر كتابا تحدث فيه عن سيرته العائلية (بيت من حجر) اذ كان من المقرر ان يقيم حفل توقيعه في بيروت الشهر المقبل، وترجمته لاحقا الى اللغة العربية.
                                                                                                                          (قلم رصاص)


الخميس، 16 فبراير 2012

متضامنون مع سوريا



   مواطنون من الجنوب يتضامنون مع الثورة السورية

 



 أصدر مواطنون من جنوب لبنان بياناً موقّعاً من كتّاب وباحثين وأساتذة جامعيين ومحامين ومهندسين وفنانين وصحافيين وطلاب وناشطين يتضامنون فيه مع الثورة السورية جاء فيه:  » نحن مواطنون لبنانيون من الجنوب اللبناني، من مشارب سياسية وفكرية مختلفة، عانينا الاحتلال الاسرائيلي والتهجير والنفي والحروب على مدى عقود، وعانينا كذلك ظلم الفيتو الذي كانت تستخدمه أميركا في مجلس الأمن لحماية جرائم إسرائيل ضد أهلنا وأخوتنا وأطفالنا ».
وأكَّدوا استمرارهم « في الوقوف الى جانب الشعب السوري، وهو يُكمل السنة الأولى من عمر ثورته، ثورة الحرية والكرامة، وثورة إسقاط الاستبداد وطيّ صفحة حُكم الإرهاب والقمع القابض على سوريا منذ أكثر من أربعين عاماً ».
وتوجّهوا في بيانهم إلى « أهل مدينة حمص، الذين استقبلوا كما الكثير من أهل المدن السورية نازحين من بلداتنا ومدننا الجنوبية خلال حرب تموز وآب عام 2006، لنُحيّي صمودهم ولنقول إن انتصارهم المقبل هو انتصار لجميع الأحرار في سوريا وفلسطين ولبنان. فالمعركة في وجه الاستبداد وهمجيّته هي صنو المعركة في وجه الاحتلال وعدوانيّته، وهي السبيل الوحيد لتحرير سوريا ».

بيان إعلامي 16-02-2012

الأربعاء، 15 فبراير 2012

رقصة عاشقة



                
                   رقصة عاشقة
 
 من على شرفة قلبي النابض بكَ
أعشق الليل الذي بأنفاسكَ موشّى
وأسائل الشوق أن يحملني إليكَ
أنا المذبوحة بنصل المواعيد المؤجلة
والشهيدة على عتبة الإنتظار
وأنا بغيابكَ حزن الأنبياء والمطر
والمبللة أنا بكَ حد الغرق
الساكنة فيكَ حد الوجع
حد السكينة والحياة
..........
تعبت أصابعي وهي تناديك
ناديتكَ بملامحي.. أحبكَ
رجع الصدى وبُلّ الندى.. ولم أزل ثملة
من فرط ما إنهمر من ثغركَ
.................
وأنتظركَ عند تراقص عشقنا الندي كل مساء
تأتيني مكللاً بالحياة
وتعلنني لجمهور النجوم قصيدة قمرية
يا صوتكَ قصيدة الصوت
يا وجهكَ قصيدة النور
بغيابكَ لا يشبهني سوى إسمي وأنتَ تناديني
....................
وأتهادى بخفر على أهداب مداك
وأرتجف بضع قطرات من ندى عشقكَ
فتحوّلني إلى اَلهة ترفرف على فضاءاتكَ
سكرى بكَ
يا أنتَ القصيدة التي لا تنتهي وإن نام القمر
..........................
تسكب نبيذ بعادك النازف
على ضوء قمري فتضيء جهاتي الأربع شوقاً
فأحبكَ حد إعتناق وجهك
                                                                                                                      (يسرى)



الثلاثاء، 14 فبراير 2012

لكي تبقى فلسطين قبلتنا

من ابراهيم الامين 
الى عماد مغنية في ذكرى استشهاده


   لكي تبقى فلسطين قبلتنا 

 

إبراهيم الأمين
أحوالنا ليست بأفضل الأحوال. البلاد التي تركتَها ذات عشية، يغمرها الظلام ويغزوها المجانين من خارجٍ لا يزال مصراً على استعمارنا كل يوم. التخلف والكراهية والحياة القاسية لم تحل دون تحوّل المواجهة إلى عملية قتل مستمرة. ربما كان لك مرادك، ولم تعش لترى بلاد الشام في حالها اليوم. فجأة، حُوِّل احتجاج على فقر وقهر إلى فرصة للانقضاض على موقع رئيسي للمقاومة. أولئك الذين قررتَ عدم مقاتلتهم وحصر رصاصك بوجه العدو، صاروا ينوبون عنه في مهماته الدموية. صار للعرب سيف بلون علم إسرائيل، يقتل فينا باسم الحرية والعدالة والكرامة. وصارت للعرب ألسِنة ترفع صوت الفتنة فوق صوت الجهاد بوجه إسرائيل. وصارت للعرب أيدٍ تمتد إلى حيث لم تنجح إسرائيل في الوصول، وإلى حيث فشلت أميركا في الوصول.
كان ينقصك مشهد هروب الأميركيين من العراق. ربما كانت قد تسنت لك زيارة البلد الذي أحببته وأحببت فيه أمكنة وأُناساً. وبذلت ما استطعت في دعم مقاوميه ضد الاحتلال الأميركي. لكن المحتل الفاجر الهارب، لا يريد للمشهد الجميل أن يظهر مرة واحدة. ترك خلفه ألغام الحروب الطائفية والمذهبية، وترك خلفه ألغام الحروب البديلة. الناعمة منها حيث يقدر، والخشنة حيث يفيده رجاله الذين نزعوا في لحظة واحدة كل الأقنعة وجاهروا بعدائهم لكل ما له صلة بالمقاومة. وهم الذين يعملون ليل نهار، لشق صف المقاومة نفسه، وأيضاً، باسم الحرية والعدالة والكرامة.
حالنا ليس بأفضل حال، وجمهورك الممتد من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، يعيش حالة ارتباك. لا يميز فيها بين مقاومة يريد العالم لها الموت، وحرية تقتصر على الصراخ قهراً دونما تغيير.
حالنا هنا ليست أيضاً بأحسن الأحوال. جرّنا لبنان إلى وحوله السوداء الكريهة. صارت المقاومة جزءاً من سلطة لا تقوى على معالجة حفرة في طريق. وصارت المقاومة غطاءً لجيش من الفاسدين الذين يتوالدون بأسرع من الطفيليات. وصارت المقاومة، حاجزاً، يمنع تناول أولئك الذين عاشوا على دماء المقاومين، تآمراً أو احتيالاً.
حالنا ليس بأفضل حال، عندما حشرونا في زاوية الاختيار، بين سلطة لا مجال لتقويمها مع جيش زعران الطوائف، وبين شارع أنهكته الحروب والزعبرات اللبنانية. وعندها وقعنا في فخ الطائفيين الذين يريدون للبلد أن يكون على شاكلتهم، لا إصلاح فيه ولا مكان آمناً للحياة.
حالنا ليست بأفضل حال، وحزبك الذي كبر مرات ومرات بعد انتصار تموز، يعاني ركوداً تنظيمياً. ليس معروفاً سبب عدم التجديد فيه. وليس معروفاً سبب انصراف البعض منه، أو من محيطه، أو من مريديه إلى لعبة الدنيا النتنة. فضرب الفساد بعضاً منه، وخرج من بيتنا عملاء لألد الأعداء في الكون.
حالنا ليست بأفضل حال، ونحن نحسب خطوات من هنا ومن هناك، لكي لا نغضب طائفياً هنا، أو لنتجنب مواجهة سارق أو مجرم هناك. أو نسير في الطريق كمن يسير في حقل ألغام الدنيا، ولا يحصل أن ينجو دائماً من فخاخها. فنصاب هنا أو نتعثر هناك، في مقابل مثابرة من أعداء يتلقون الخسائر، لكنهم يستمرون في معاندة التاريخ، وفي السير نحو المزيد من الجنون.
لكن، ثمة أمل كبير، بيد مجموعة من رفاقك الذين ما غادروا الساحة. وما التهوا عن قضيتنا الأساس، ولم يستفزهم ضعف بعض النفوس. هؤلاء الذين ما زالوا يتخذون من الليل رداءهم، يزيدون فيه من قوتهم وبأسهم، ويعدّون العدة ليوم آتٍ، هو اليوم الذي يريد فيه العدو أن يجرب حظه مرة جديدة، وحده أو بمساعدة الكون كله، وحتى بمساعدة أبناء جلدتنا، من أجل انتقام يراد لدويّه أن يصيب كل من يفكر بقول لا لأميركا أو لإسرائيل.
هؤلاء هم الرفاق والإخوة والأبناء الذين يحفظون وصيتك، بأن تبقى فلسطين قبلة الأحرار في كل العالم.
حاج عماد، ليس لدينا ما يعيننا على قهرنا، سوى صبرنا. أبطالنا هم شهداؤنا، أما أحياؤنا، فلهم غدهم الذي لا نعرفه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاخبار ـ العدد ١٦٣٤ الثلاثاء ١٤ شباط ٢٠١٢
http://al-akhbar.com/node/35082

الاثنين، 13 فبراير 2012

من قصص الثورة السورية


من قصص الثورة السورية (1)


 
     رواها: عروة  من درعا
    كتبتها: شروق احمر ـ دمشق 
 
   أضاءت السماء واشتعل الشرر بالعتمة الداكنة. ومن النافذة الضيقة تسربت رائحة الرماد إلى رئتيه الضيقتين. ولأول مرة كانت روحه خارج جسده. يستشعرها تتسرب من المسامات الضيقة الآخذة بالإتساع. تماوجت الأخيلة في رأسه وكأن الأشياء من حوله كانت ترقص. رقصت الجدران والأبواب والأضلع الرقيقة التي كانت تسند بقايا جسده. وفي خدر النعاس اللذيذ المرسوم على السرير الدافئ نهض وعيه كاملاً يحمل رؤية عميقة ارتدت من أكثر الأماكن غرابة في ذاكرته. لم تكن ذاكرة. كانت خليطاً معقداً من المشاعر التي اختزنت في جميع أنحاء جسده منذ اللحظة الأولى التي لامست أصابع أمه جسده الصغير قبل 25 سنة. حينها ابتسمت تحت وابل حبات العرق المتساقطة من فوق جبهتها بعد عراك طويل مع المخاض المؤلم. وأحنت بأصابعها المرتعشة على بشرته البيضاء الرقيقة التي اشتعل الدم من تحتها كأنها مجرة جديدة تتفجر في أنحاء الكون.
 *
 استشعرت تلك الغلالة الرقيقة التي صعدت من روحه خلف الشاشة المستطيلة. كانت تتسرب من ملايين البلورات الزجاجية المتماوجة بآلاف الألوان والأشعة. وسكنت روحها تلك المشاعر التي أعيت جسدها وأردتها صريعة هذيان مستمر استمر طوال الساعات المقبلة. وهدت الدموع جفنيها المتورمين. لقد استشعرت روحه الرقيقة تولد في حنايا جسدها المرتعش. لم تكن نشرة الأخبار قد انتهت عندما نهضت لتتقيئ العالم بأسره بكل قذارته.
 *
  لم يستطع أن يحدد المسافة بالظبط، لكن أرقاً ما أصابه. لقد كانت البندقية التي بين يديه تشتعل وتنصهر تحت دفق من الصور المتسارعة. لم تكن حمى. إنه شيء ما مختلف يعيشه الآن. لقد سقطت السماء على أضلعه منذ اللحظة الأولى التي أشعلت فيها القذائف المباني المترامية على مد ناظريه. لقد كان لهيبها يحرق كل أزقة اللعب المفروشة بشتى أنواع الضحكات العابثة والخبث الجميل. كانت تستعر وتتلظى وتوقفت بالظبط عند صورة صالح الذي قطعت القذيفة كل أطرافه وتركت صدره الهزيل وبقايا ملامح وجهه الناعمة. لقد شعر بأنفاسه الأخيرة تتبخر وتطفئ أخر ذكرى له عن طفولة بعيدة. 
*
  أمواج متلاطمة كانت تتسارع وتعبر تلك المحيطات الواسعة. وكان ثمة رماد رقيق قادم من أقسى الشرق. تسلل في عتمة المساء إلى الشقة السابعة في إحدى ضواحي لندن. وبعثت تلك الرائحة في نومها أحلام بعيدة. كان ذلك منذ أكثر من 25 سنة. حينها كانت تجاهد لأن تبقى حية. لقد أرادته بكامل كيانها. لقد كان هو الذكرى الوحيدة المتبقية من زوجها الذي توفي إثر الأحداث الدامية التي وقعت في مدينة حماة. حينها كانت في شهرها التاسع. وقبل أولى الإنفجارات التي هزت أطراف المدينة كان سعد قد وضع يديه على بطنها المتكور وداعبه بحنو وقال لها. سأسميه صالح. وابتسم لها وخرج ولم تره من وقتها. ثلاثة أيام استمر مسيرها المتواصل بعد أن اغتصبها أربعة جنود. لم تدر كيف وصلت إلى بيت أهلها في حمص. وطوال الطريق كانت تدق في رأسها فكرة واحدة. صالح سيعيش. كبر صالح وسافرت به إلى لندن لتهرب من تلك الذكريات الأليمة التي أورثت في قلبها ندوب كبيرة. ولطالما رأته عنيد كوالده ولم تستطع أن تلجم جموحه. ومنذ اندلاع الثورة أراد العودة إلى سورية. قال لها حينها. أريد أن أعود يا أمي ثمة ولادة جديدة تحدث هناك. أريد أن أكون بين أهلي في صناعة المستقبل.
*
 نهضت من نومها كالممسوسة وأدارت التلفاز على إحدى المحطات العالمية. كانت تلك الدقائق القليلة التي لزمتها لتستوعب ما تشاهد تقارب دهراً كاملاً. حينها كانت صور لقذائف متوالية تنهال على المدينة. وعلى الشريط الأحمر في الأسفل كتب قصف عنيف لأحياء مدينة حمص.   كان وجهه مستلقياً على ذراعه اليمنى. وبالرغم من أن جسده قد هرم وترك الزمن أقسى الأثار على عظامه الهشة إلا أنه استطاع الزحف تحت الأنقاض وينتشل تلك اليد التي كانت تمسك بورقة تكاد تحترق. لم يعرف كيف رفع تلك الأكوام من الطوب عن وجهه. لم يكن قد تشوه بعد. كانت ملامحه كاملة. وثمة بعض الندوب الصغيرة على وجهه. لكن جسده كان قد تمزق بالكامل. استطاع حمله. لقد شعر بوهج روحه يدفئ أطرافه المتكلسة ويدفعها لعبور كل تلك المسافة للوصول إلى المشفى الميداني. انه يعرف هذا الوجه. وفي زحمة الصور والمشاعر نقب جيداً عن تلك الابتسامة اللطيفة المرتسمة على شفتيه. حينها بللت الدموع وجنتيه. وسالت على الشعيرات البيضاء المنسابة على الغضون المتجعدة. طوال الأيام الماضية كان يراه في الصفوف الأمامية للمظاهرات. الجميع يعرف أنه عاد من إحدى الدول البعيدة ليشارك في الثورة. وأينما ذهب كان يراه يقوم بعمل ما. تارة يصور وتارة أخرى يساعد في التحظير لمظاهرة. أو يناقش بحماس شديد الشكل الذي سيكون عليه البلد بعد ساعة النصر. الذكرة الوحيدة التي كان يحملها عن هذا الشاب في صغره. والدته التي عادت من جحيم الأحداث الدامية في مدينة حماة والتي كانت تلاحقه بخوفها أينما كان يقفز في الأزقة. 
*
  ضمه إلى صدره كأنه أحد أولاده الأربعة المتوارين في أنحاء المدينة بسبب الاعتقالات المستمرة وبكى كل تلك القسوة الغريبة التي يستطيع أن يحملها الإنسان في داخله ليستطيع أن يصنع كل ذلك الدمار ويقتل هذا الوجه الجميل.
 كانت البندقية ما تزال بيده عندما خرج من المشفى الميداني، وكان الرماد ينتشر في كل الأحياء والتكبير يعلو المآذن. سار بسكينة لم يعهدها من قبل. طوال تلك الأيام كان يتجنب الإشتباكات الميدانية. لم يرد أن يطلق رصاصة واحدة ومنذ اللحظة الأولى التي وجد نفسه قد أمسك البندقية كان يبتهل إلى الله بان يصحوا ويتوقف كل هذا القتل. لكن الله لم يستجب إلى تلك اللحظة. انزوى خلف إحدى الجدران المتهالكة. ومد بندقيته حيث استقرت بثبات بمحاذات الجدار وأرخى يده على الزناد، فاختلط صوت الرصاص بصوت الإنفجارات والتكبير والبكاء والعويل وكأن جنوناً ما قد حل بذلك الجزء من العالم..
                                                                                                                                        (قلم رصاص)

شذرات



        شذرات
 وحين أقول سأنساك يسقط المطر..

  فهل رأيت غيما تيّمه البشر ؟

 بقيت كنبيذ غسلته العتمة..
 فأدمن المسافة بين الكرمة وفائض الكأس !
 ينحني اللّيل ليجمعها ثمّ يذوب في النّهار مجدّدا..
حروف إسمك تتحرّش بأصابعي  كلّما عانقت بياض الورقة!
كأنّي لمّا تلامس حلمي أغدو قطعة ليل تأبى الإنتهاء..
كيف لمزاج الأرض أن يتغيّر فتشرب بدل الدّماء ماء ؟
 خْيّل إليك أنّك قتلتني..  وأنا  من زرعك في رحم المجاز !
 كم هي عدوّ مستتر هذه الحوّاس  لو خالفني فيك بعضها
لأعلن الباقي عليها الجهاد !
                                                                        بثينة الزغلامي ـ تونس
  * (هايكو)
    

الخميس، 9 فبراير 2012

عشــــــــــــــــــــــــــــــــــق يتجــــــــــــــــــدّد





     عشــــــــــــــــــــــــــــــــــق يتجــــــــــــــــــدّد

وكــــــــــــأن بي كــــــــــــــــــائن ينــــــــــــــــزلـــــــــــــــق
إلــــــــــــى دياجيــــــــــــر الظلمــــــة،
ليـــــــــــــرزح تحــــــــــــت مقصلــــــــــــة الصعـــــــاب
تخبــــــــــــــــــو روحـــــــــي ..                
وإذ بغمـــــــــامة بيضـــــــــــاء تنتشلنــــــي
تســــــرقني من تُــــــــرّهات نفســـــي
فأحلّــــــــــق
أحلّــــق مُنصـتة لحفيف الايــــام
وخرير الاحلام..
وألـــــجُ
إلـــــى فردوس خيالاتــــــي ...
يسبقنــــــي عطـــــر كلماتــــــك
لترتســـــــــــــــم لمســــــــــاتك قصيدة عشق تتجـــدّد ...

                                                        ( إخلاص الشاب)

الأربعاء، 8 فبراير 2012

بيان 100 مثقف فلسطيني:




                       بيان 100 مثقف فلسطيني:

                  ليس باسمنا.. ليس باسم فلسطين ترتكب الجرائم أيها القتلة!

 

 ,, بيان فلسطيني جماعي
      للانتساب إلى رابطة الكتاب السوريين والتضامن مع الشعب السوري,,

 يشرفنا نحن الكتاب الفلسطينيين الموقعين على هذا البيان أن نتقدم بطلب انضمام جماعي إلى رابطة الكتاب السوريين التي أعلن عن تأسيسها مؤخراً، من قبل كتاب ومثقفي سوريا الأحرار، أولئك الذين يقفون في صفوف شعبهم وهو يصعد سلم حريته الذي لطخته يد الطاغية بالدم، إن تأسيس رابطة الكتاب السوريين يشكل رافعة أساسية في ثورة سوريا ويضع المثقف الحقيقي في موقعه الى جانب شعبه كشريك فاعل في بناء سوريا الجديدة والخلاص من استبداد حكم العائلة نحو نظام مدني تعددي ديمقراطي قائم على حق المواطنة، يفتح المجال امام حرية التعبير والإبداع ويحرم النظام من تزييف إرادة المثقف السوري الحر عبر أطر فارغة وخاوية استولت على مقدرات الثقافة وصادرت دوره وزيفت إرادته، وكانت دائما أداة بيد الطاغية وأجهزته.
إن سوريا بحاجة اليوم، اكثر من أي وقت مضى، الى هذا الصوت الناضج الصاعد من قلبها، الذي يعزز وحدتها الوطنية ويجعل من تعددية مجتمعها ومكوناته الغنية سببا للقوة وإثراء المضمون وقاعدة للبناء الديمقراطي.
لقد سمعنا، مؤخرا، ممثل النظام السوري في مجلس الأمن يستعمل القضية الفلسطينية ومسيرتها المؤلمة والمشرفة للتغطية على جرائمه المروعة في سوريا. نقول للنظام السوري وممثليه: ليس باسمنا، ليس باسم فلسطين ترتكب الجرائم في سوريا الحبيبة، أيها القتلة. لا تجعلوا من قضيتنا العادلة قناعا لجرائمكم اللانسانية بحق إخوتنا السوريين. إن الشعب السوري هو من تبنى القضية الفلسطينية تاريخيا وقدم لأجلها الشهداء، وليس سياسات نظامكم التي نحتفظ منها بذكريات مؤلمة، ولن ننسى أدوارها في مجازر تل الزعتر في 1976، والعدوان الرهيب على مخيم نهر البارد بطرابلس في 1983، وحصار المخيمات في بيروت 1985، وغيرها من أعمال تسببت مرارا بضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية. لا تستعملوا اسم فلسطين فهي لم تعد ورقتكم الرابحة.
إن سوريا موحدة وحرة وديمقراطية هي ما تحتاجه فلسطين، وهي سوريا التي تولد اليوم من رحم ثورة دامية فجرها شعب عظيم. نحن واثقون من أن اسم فلسطين سيظل في القلب من هذا الشعب الشجاع الثائر ونخبته المثقفة.

الموقعون والمنتسبون 
مريد البرغوثي (شاعر وكاتب)، طاهر رياض (شاعر)، غسان زقطان (شاعر) زهير أَبو شايب (شاعر)،  عزمي بشارة (مفكر)، محمود الريماوي (قاص وروائي)، معن البياري (قاص وصحافي)، يوسف أَبو لوز (شاعر)،  نجوان درويش (شاعر)، ربعي المدهون (روائي)، عادل بشتاوي (كاتب روائي وباحث)، انطوان شلحت (كاتب وناقد)، فخري صالح (ناقد)، حسين، شاويش (كاتب)، حزامة حبايب (قاصة وروائية)، نصر جميل شعث (  شاعر)، أحمد أبو مطر (ناقد أكاديمي وباحث وناشط)، محمد خليل (قاص)، يوسف عبد العزيز (شاعر)، (شاعر)، موسى برهومة (كاتب)، عيسى الشعيبي (كاتب)، موسى حوامدة (شاعر)، نائل بلعاوي (شاعر)، خليل قنديل (قاص)، غازي الذيبة (شاعر)، وسام جبران (شاعر وموسيقي)، عمرشبانة (شاعر)، قصي اللبدي (شاعر)، علي العامري (شاعر)، جهاد هديب (شاعر)، زياد خداش (قاص وكاتب)، ناصر رباح (.شاعر)، باسم النبريص (شاعر وكاتب)، راجي بطحيش (كاتب)، شاهر خضره (شاعر)، رائد وحش (شاعر)، أسماء عزايزة (شاعرة.)، محمود ابو هشهش (شاعر)، خضر محجز(روائي وشاعر وباحث وناقد أكاديمي)، باسل أَبو حمدة (كاتب)، إِيراهيم جابر إِبراهيم (قاص)، عبد الله أَبو بكر (شاعر). أُسامة الرنتيسي (كاتب)، عصام السعدي (شاعر)،  خالد جمعه (شاعر)، نعيم الخطيب (كاتب)، أكرم ابو سمره (شاعر)، حنين جمعه (شاعرة)، أحمد يعقوب ( شاعر)، طارق العربي (شاعر)، يوسف الديك (شاعر وروائي)، مهند صلاحات (كاتب ومخرج)، محمد مشارقة (شاعر)، توفيق العيسى (كاتب وصحفي)، باسمة تكروري (كاتبة)، نجوى شمعون (شاعرة )، محمد السالمي (شاعر)، هاني السالمي (روائي)، بلال سلامة (شاعر)، اسامة ابو عواد ( كاتب)، جبر شعت ( شاعر)، يوسف القدرة) شاعر)، نسمة العكلوك (كاتبة)، عثمان حسين ( شاعر)، رزق البياري (شاعر)، ياسر الوقاد (شاعر)، صبحي حمدان ) كاتب)، عماد  محسن (كاتب)، ليلي فيوليت ( شاعرة)، تيسير محيسن (قاص وناقد وناشط سياسي)، فايز السرساوي (فنان تشكيلي وشاعر)، رجب أبو سرية (قاص وكاتب مقال سياسي)، فؤاد حمادة (ناقد أكاديمي وباحث وناشط سياسي)، مي نايف (ناقدة أكاديمية وباحثة وناشطة جندر)، يسري الغول (قاص وناقد)، حسين أبو النجا (قاص وباحث أكاديمي)، ناصر عليوة (ر وائي وناقد)، عبد الكريم عليان (كاتب وباحث تربوي)، ولاء تمراز (باحث وكاتب سياسي)، عمر شعبان (كاتب وباحث)، حسن مي (كاتب وناقد أكاديمي)، معن سمارة (شاعر وصحفي)، محمد حسونة (أكاديمي وناقد)، عون أبو صفية (روائي)، عاطف حمادة (شاعر وناقد أكاديمي)، غياث المدهون (شاعر)، رجاء غانم (شاعرة)، طارق الكرمي ( شاعر)، أحمد الأشقر، ( شاعر)، علي أبو خطاب (شاعر وكاتب)، دنيا الأمل اسماعيل (شاعرة)، اسراء كلش (كاتبة قصصية)، موسى أبو كرش (شاعر وقاص.)، عبد الفتاح شحادة (شاعر وروائي)، ياسر أبو جلالة (شاعر وفنان تشكيلي)، خليل حسونة، (شاعر وروائي)، مهيب البرغوثي (شاعر)، عبد الناصر عامر( شاعر وفنان تشكيلي(، نضال الحمارنة (كاتبة)، أشرف عمرو (كاتب وإعلامي)، أسماء ناصر أبو عياش (كاتبة وصحفية)، مايا أبو الحيات (كاتبة)، زينات أبو شاويش (كاتبة)، سوزان سلامة (شاعرة). 

الثلاثاء، 7 فبراير 2012

غفوة الروح





 غفوة الروح

يا لسطركَ كيف يحيي ويميت،
يا لنقطتكَ كيف مسحت غبار العشق،
مباحُ هو الشوق على رصيف التعب،
يا لسطركَ كيف إحتضنني حين مال الحنين على الحنين
يا لنقطتكَ .. بللت أوجاع المسافة بمطر حضوركَ،
يا وجع السؤال على شفاهي كيف بلسمته نقطتكَ..
هرب الرسول من الإله حين بللت أقدامه كلماتكَ العاشقة.
(2)
رحل الحنين إلى الحنين
سرق المساء النجوم ونام،
يا لسطركَ كيف مسح وجه إشتياقي بنداه
إستفاقت الحياة من الحياة..
وأفاقت من غفوتها الروح حين عانقها الجواب
تُحبني....
أه من المدى:
كأنك رسمت على معصمك الأفق
وسافرت بي إلى أرض المطر.
                                                                                        (يسرى)