السبت، 4 يونيو 2011

همس الانبياء

همس الانبياء


أخطو باتجاهكَ
 وأحتار من أين أجتاحكَ
من عمق روحي..
***
الى عمق روحي؟
***
لا اريد فقط في العمق،
على السطح والشرفات والزوايا
أريد أن أحدكَ من كل الجهات!
***
حين تدخلين الى عمق روحي..
تصبحين كل زوايا عمري!
***
أشتاق وجهكَ الملون بحنطة الرب
***
أشتاق وجهكِ الملون بسر الرب..
***
وشفتيكَ المبللتين أبداً بنبيذ العشق.
****
ورائحة جسدكِ المبلل بعرق عمري..
***
لم أعد أكتفي برائحة الشوق .. وهي تأتي من صوتكَ!
***
خذي رائحة جسدي من قميصي المبلل بعطر وجهكِ..
***
كل الطرقات تأخذني اليكَ.. كل الصور صورتكَ.
***
كل صوري.. انتِ.
***
لم أعد أكتفي بصوتكض ولا كلماتكَ وهي تمسح
ندى حنيني من على مقعدكَ في حديقة القلب..
كل صباح أبكي عندما يتعثر وجهكَ،
 وهو يغادر حلمي بغصن حنين..
 سقط من بين دموعي وهي تناديكَ.
***
حديقة القلب مقعدكِ وندى حنينكِ دمعة خدي.
نداؤكِ يطلع مني..ووجهكِ مرآة وجهي.. ودموعكِ حنين شجرة.
****
يخطر لي أحياناً أن أمحي صوتكَ من داخلي
حرفاً حرفاً.. نقطة نقطة
لم أعد أحتمل صداكَ
أين أنتَ يا انا؟
أين ذهبت بكَ آفاق الغياب؟
كلما حل شتاء غيابك أهرب..
 إلى حضن الغيوم فنسقط بالبكاء.
كل مساء أتعمد بدموع غيابكَ
كم أنت بعيد،وكم هذا الشوق لا يتعب؟!
***
حضن غيومكِ سجادة صلاتي.. ودموعكِ مياه عطشي.  
اطوف بكِ فوق تفاصيل جسدي..
اتعبد وجهكِ..
 اشم رائحة شرق لونكِ
ولونكِ ؟
 مفتاح باب اقلامي
ورقة بيضاء ..انتِ حبرها!!
***
بكل إنتظارات اليأس
المنساب بين طقوس التكرار
 ما زلت أنتظركَ..
بقبضة تعتصر الإنتظار
حتى آخر نبيذ الحلم. .أنتظرككَ.
***
انتظركِ على باب عمري..
 تتسللين كنسمة جنة تلون صحراء رملي
 تعبت من الانتظار..
 مفتاح بابكِ معلق في بابي..
 انتظركِ كي تمشي فوق عتبة عمري.
   
                                                                                                                           (عيناك فهرس يفسر فراغي)
                                                                                                                           a&y

الأربعاء، 1 يونيو 2011

صوت دمشقي: اريد حريتي

صوت دمشقي: اريد حريتي

 عفيف دياب
 قالت شروق احمر كل شيء على الهاتف. انكسر حاجز الخوف عندها.. قالت ان الصمت لم يعد لغتها. حكت  شروق خلافا لعادة الحوار الهاتفي  اليومي "الحذر" معها. "الرفيقة" الدمشقية ابنة الشام اباً عن جد لم تعد تستوعب ما يجري في بلادها. فجرت غضبها بصوتٍ عال على هاتف كان يخضع حكما للتنصت الامني. كانت اكثر جرأة مني حين قالت  بثقة :"اكتب انت ورجل الامن الذي يتنصت.. لم اعد خائفة من السجن .. لقد تعبت من الصمت"!
   رفضت  شروق احمر التزام الحذر في الحوار الهاتفي :" اكتب كل كلمة ولا تخف علّي.. لن اخاف بعد اليوم. لقد اصبح القتل سيد ساحات وميادين سوريا .. لم يعد الخوف ممكنا هنا.  فقط حلوا عنا انتم في لبنان واخرسوا قليلا، وقل لقناة (...) في بيروت  ان تعود الى رشدها السياسي،  وان لا تكون بوقاً مزيفاً للحقيقة. قل لجماعة 8 و14 آذار انهم لا يعرفون حقيقة الدم المسفوك هنا. لقد تعبنا منكم ومن اعلامكم السيء والكاذب اكثر مما تعبنا من زخات رصاص  الامن وبعض الجيش ضد الابرياء والفقراء".
  لم تترك شروق مجالا للحوار الهاتفي الهاديء والاكتفاء بكلام عام. فهي منذ "عمر" لم تحكِ اوجاعها "السياسية" واوجاع بلادها. كان اتصالي الهاتفي بها، امس، للاطمئنان فقط عنها وعن دمشق التي نحب رغم طول الغياب عن شوارعها وحاراتها القديمة. قالت انها لا تصدق ان مؤامرة تحاك ضد بلادها :" انتو سخيفين بلبنان، مؤامرة شو.. صدقتوا انو في مؤامرة؟ تعوا شوفوا الناس كيف عم تموت بالشوارع!. خلي (...) و(...) يجوا يشوفوا ويسمعوا. حلوا عنا بقا. خليهن يسكتوا جماعة الفاسدين عندكن.. مش ناقصنا ابواق تزايد علينا بالعروبة والوطنية والقومية وحب فلسطين والمقاومة. هم لا يحبون سوريا اكثر مني. قل لهم ان يسكتوا ويحلوا عنا".
    صوت شروق احمر من دمشق، كان   مختلفا عن بقية الايام. كان تعباً جداً وكأنها لم تنم منذ زمن طويل، او ان البكاء كان رفيقها منذ ان ولدت. قالت: "اكتب ما اقوله لك ": نحن في سوريا مع الحرية والكرامة. نرفض الذل. لم نعد نخاف من الاعتقال. لقد زرت كل فروع الامن. لن اصمت بعد اليوم. اكتب انا شروق احمر : اريد الحرية، واريد تحرير  رفاقي من الاعتقال وتحرير الجولان. اريد نظاماً مقاوماً لا ممانعاً. اريد ديموقراطية وخبزاً وكتاباً. اريد ان احكي بلا خوف. اريد ان ازور بيروت ساعة احب. اريد ان امشي بلا خوف في شوارع الشام. اريد خطيبي الان. اريد الوفاء لابي الذي استشهد في حرب تشرين ضد العدو الاسرائيلي. اريد فلسطين.. كل فلسطين". وتابعت "اكتب ايضا :انا مواطنة سورية ـ عربية  اسمي شروق احمر .. ارفض السلام العادل والشامل مع اسرائيل. انني ضد الهيمنة الاميركية وسرقة ثرواتنا. وانني ضد الاصوليين في النظام وخارجه. اكتب الان انني اريد حريتي.. واريد ان ازور حمص ودرعا".
  صبت شروق احمر جام غضبها على  "ازلام" اليسار واليمين والوسط في سوريا، وعلى 8 و14 آذار في  لبنان. لم تستطع "ضبط" انفعالاتها المتأتية من حال دمشق واخواتها، ومن ارتفاع معدل القتل اليومي :"عم يتصيدوا الناس متل العصافير". لم تستوعب مدربة الاطفال المعوقين   ان ما يجري في بلادها من تحرك شعبي يطالب بالحدود الدنيا من الحرية يستحق كل هذا القتل :" ما كنت اعرف انو الموت رخيص هالقد بسوريا. كنت مفكري انو القمع متل ما كان يصير معي.. روح على التحقيق كم يوم.. وكفين على الماشي وارجع على البيت.. كان اللي يصير معي دلال قدام اللي عم بصير اليوم" تقول "الدمشقية" باكية وتتابع "انتم جبناء في لبنان. نحن هنا اكثر حرية منكم. ندفع ثمنها دما.. المشوار على درعا صار حقو دم. انتو ما بتعرفوا هالشي ابدا. اكتب ما اقول والا سأقفل الخط".
  لم تستطع شروق ان تصل الى درعا منذ يومين للاطمئنان على رفاق فقدت الاتصال بهم قبل اسبوع، وعدلت عن التوجه الى حمص للاطمئنان على خطيبها الذي لا احد في منزل اهله يجيب على رنين الهاتف وجواله خارج التغطية وتعتقد انه في الاعتقال. وقالت انها  لم تتعب من التجوال  في شوراع دمشق بحثا عن رفيقتها منى التي اختفت فجأة خلال توجهها من كفرسوسة الى حي المزرعة، ولا تعرف شيئا عن ابن عمتها الذي رفض تنفيذ اوامر الضابط باطلاق الرصاص على متظاهرين في بانياس، ولا عن جارها طبيب الاطفال الذي غادر منزله  الى عيادته ولم يعد و:"بعدكن بتقولوا مؤامرة.. كل اللي بعرفن ما بعرف وينن. انتم في لبنان شاطرين بالحكي فقط .. قل لشبيحة الأقلام والاعلام ان يخرسوا".



الأحد، 29 مايو 2011

قادم يا شام



قادمٌ يا شام
قادم يا شام
بسيفي شوقاً لسوق النحاسين
مشغول بذهب
يطرق على تعب السنين
***
قادمٌ يا شام
برائحة عطر الياسمين
ممزوج بعصير ليمون
مطعم بزهر النارنج بباحة منزلنا القديم
،،،
قادمٌ يا شام
كنهر بردى
يغمرني بالدهشة
هادراً لملاقاة جبل قاسيون
***
قادمٌ يا شام
بعبائتي شوقاً لمسجدك الأموي
عابقٌ برائحة حجارتك المعتقة
بعطر صلاح الدين
***
قادمٌ يا شام
لأرتشف قهوتي ممزوجة بنكهة من سوق الهال
على أنغام كلمات فيروز تحاصرني شوقاً لملاقتك
***
قادمٌ يا شام
على صهوة جواد ألملم أشلاء حزنك
لأمر به على سوق العطارين
وأحوله لعطر يتناثر
ليزكم انوف الجلادين
،،،
قادمٌ يا شام
لأحصد بنمجلي قمح حورانك
بسنابله المتمايلة حزنا أثقلها
فانحنت تقبل ترابها
***
قادمٌ يا شام
بشوق يغمرني بهاء غوطتك
المظلل بشجر اللوز والجوز
وحفيف اوراق الصفصاف
يهمس في أذني ببزوغ خيوط الفجر من جديد.
                              (جنى عائد)

الثلاثاء، 24 مايو 2011

سوريا و"حسن الرشاش"

                        سوريا و«حسن الرشاش»

عفيف دياب
 صباح السبت من كل أسبوع، يلتقي جان ومحمد وجوزف في ما يطلقون عليه «ديوان السبت» في المقهى المفضّل لديهم في مدينة شتورة. «الشباب» أصدقاء منذ أكثر من 3 عقود، يختزنون الكثير من الأسرار والخبريات السياسية والاجتماعية. المهن المختلفة التي عمل بها هؤلاء ردحاً من الزمن جمعتهم صدفة إلى أن أصبحوا واحداً كما يطلق عليهم في البقاع. بنوا شبكة مشتركة وواسعة من العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية تبدأ من بيروت، مروراً بدمشق وتنتهي في القاهرة وعواصم عربية أخرى.
لم يتعب الأصدقاء من السياسة والتباساتها، فهي شغلهم الشاغل رغم عدم انخراط أيّ منهم في حزب أو تنظيم سياسي لبناني، وهم يعرفون خبايا كل الأحزاب اللبنانية وأسرارها، ويضحكون أحياناً كثيرة على «الغباء المدقع» كما يسمّيه محمد، وعلى بعض قادة أحزاب لبنان. يبدأ ديوان الأصدقاء الثلاثة عند العاشرة صباحاً ويجب أن ينتهي عند الواحدة. جان ملتزم مع أسرته التي تجتمع حول مائدة واحدة في القرية، ومحمد ملزم كل سبت بأن يتناول طعام الغداء مع والدته في البقاع الغربي، وزيارة جوزف الأسبوعية إلى زحلة مقدسة ولا بد منها. ينطلق حوار الثلاثة بداية من آخر كتاب قرأه أحدهم.
يُجمع هؤلاء في ديوان سبتهم الماضي على أهمية قراءة رواية الكاتب المصري يوسف زيدان «عزازيل». ينتهي النقد الإيجابي للرواية وينطلق الحوار السياسي حول آخر أخبار الشام. يؤكد الشباب أن ما يجري في سوريا بدأ ينعكس على الوضع اللبناني سلباً. ويصرّون على أهمية ابتعاد بعض اللبنانيين عن التدخل في الشأن السوري ومنع إرسال السلاح إلى هناك، ويجمعون على أنّ ما يجري في الشام بعضه مؤامرة، وبعضه الآخر مطالب شعبية محقّة اعترف بها الرئيس بشار الأسد، يقول محمد ويوافقه جان وجوزف الرأي.
التوافق بين الثلاثة دخل على خطه ضيف طارئ على الديوان. يصف الضيف علاقة سوريا بلبنان بأنها تشبه قصة «حسن الرشاش». يروي إبراهيم القصة ويقول إنه في سنة 1958 ذهب شاب من قريته الى سوريا مندوباً من حزب النجادة للاستحصال على سلاح للثورة. عاد بعد يومين ومعه 4 بنادق، أرسل 3 منها إلى بيروت واحتفظ بواحدة للدفاع عن القرية. وبعد مدة، شهدت ساحة الضيعة عرساً، فأحضر حسن الرشاش (نوع كرابين ـــــ فرنسي الصنع) لإطلاق الرصاص ابتهاجاً، وحين كان يوجّه البندقية إلى الأعلى ليطلق الرصاص كانت «تروكب»، وحين يوجّهها الى الأسفل كانت تنطلق منها الرصاصة فوراً، فأطلقنا عليه اسم حسن الرشاش. ويختم: «السلاح الذي يهرّب الى سوريا يشبه بارودة حسن الرشاش... فلا تصدّقوا الخبرية، إنه سلاح بلا رصاص»!

الأحد، 22 مايو 2011

لا حق لاحد في الغباء ـ ميشيل كيلو


لا حـق لأحـد فـي الغبـاء!

ميشيل كيلو
لا عيب في أن يغلط المرء، إلا إذا كانت غلطه يخرب بيت غيره. يحق لكل مخلوق أن يتبنى آراء خاطئة وأن يعبر عنها و»يناضل» من أحل تعميمها وإقناع الآخرين بها، ويحق لكل مخلوق رفض ما يقوله غيره والرد عليه بالطريقة التي تعبر عن مستواه العقلي أو النفسي - في حال كان بلا مستوى عقلي -، خاصة إن كان من ترفض آراؤه أو قراراته يؤمن بحق الآخرين في أن يكونوا على صواب، وحقه هو في أن يكون على خطأ، وفي أن يصحح خطأه. من حق أي كان التعامل مع الآخرين وكأنه لا يعرفهم، رغم أنه ربما يكون قد أمضى فترة مهمة من حياته في حوار معهم أو في صحبتهم. أخيراً، يحق لأي كان توزيع شهادات الوطنية ذات اليمين وذات الشمال، وتقديم النصح لمن يشاء من دون حساب. نحن، كتاب وكتبة هذا الزمن نطرح قراءتنا للواقع في سوق الآراء والأفكار والمواقف المتناقضة المتضاربة، ويعلم بعضنا أن ما يقوله هو مجرد اجتهادات تستند إلى فرضيات غالبا ما تكون ناقصة أو أحادية الجانب، وأن أقواله وآراءه ليست منزلة أو معصومة، وأن من الطبيعي أن تلاقي القبول أو الرفض، لأن هذه كانت حال البشر في كل زمان ومكان.لكنه لا حق لأحد في الغباء، خاصة إن كان من العاملين في الشأن العام. أقول هذا لأصوات متفرقة تعالت من أماكن بعيدة استنكرت لقائي مع شخصية رسمية سورية وتخوّفت منه، حتى أن أحدهم خشي أن أؤكل يوم أكل الثور الأبيض، وذكرني بأن ما فعلته في الماضي لم يحمني من السجن، ونسي أنني لو لم أفعله وأنا بكامل قواي العقلية لما أوصلني إلى السجن أي شيء! ما علينا، يستمد موضوع هذه المقالة أهميته من تباين مواقف الناس حول ما يدور في بلادنا: سوريا، التي نحبها جميعاً ونريد أن تخرج من أزمتها الراهنة إلى ما فيه حرية وحقوق شعبها، وسلامها وأمنها واستمرارها كدولة هي ركن المشرق العربي، إن أصابها ـ لا سمح الله ـ مكروه، كان في ذلك نهايتها ونهايته، خاصة بعد مأساتي فلسطين والعراق .سأستعرض في عجالة أحد محددات موقفي من أزمة سوريا الحالية، بدءاً بأشد تظاهراتها عمقاً: أعني إنكار طابعها كأزمة والتعامل معها كمؤامرة، مع ما يترتب على ذلك من مشكلات تزيدها، كأزمة، تعقيداً وتجعلها عصية أكثر فأكثر على الحل، بالنظر إلى أنها تدفع بعض مكونات الوضع وعناصره وقواه إلى الهامشية، وبعضها الآخر إلى مواقف تصعيد متقابلة تفاقم طابعها والأحوال العامة، وتضفي عليهما عنفاً لا يني يتعاظم، مع أن المطلوب حل الأزمة، بروية يُمليها وعي الواقع على حقيقته، كأزمة، ورؤية منفتحة على الإقرار بما قد يكون هناك من أخطاء والاعتراف بأن للآخر حقوقاً يجب أن تلبى.لا حاجة إلى القول: إن التعامل مع أزمة يختلف اختلافاً جذرياً عن التعامل مع مؤامرة. الأزمة مشكلة أو جملة مشكلات لم تحل. وهي تفقد صفتها كأزمة بمجرد أن توجد لها حلول تتفق مع طبيعتها، التي قد تضم عوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية... الخ، فإن أحجم المعنيون عن حلّها بوسائل تزيل أسبابها، تحوّلت إلى أزمة مستعصية وانعكست أكثر فأكثر على الحياة العامة في جملتها، خاصة إن كانت مركبة واكتسبت بعداً اجتماعياً يدفع الناس إلى المطالبة بإزالتها، عبر إصلاحات تتخطّى مظاهرها الخارجية إلى الأبنية العامة العميقة التي أنتجتها، إن كانت من طبيعة شاملة. في هذه الحالة، تغدو الأزمة عاملاً كاشفاً يفصح عن طبيعة الأمر القائم وأهلية القائمين عليه، ونوعية تفكيرهم وخياراتهم وارتباطاتهم، ينجم عنها تغيير يخرج الواقع من مأزق لا خلاص منه في إطار الوضع الذي أنجبه وبمفرداته، ويأخذه إلى بديل هو بداية تكوينية جديدة بالنسبة إلى سائر أطرافه. بقول آخر: ثمة في كل أزمة سياسات ومصالح ومجموعات اجتماعية وقوى سياسية وخيارات وثقافة وتوافق واختلاف وبدائل، فهي كالمرض تمتحن صحة الجسم السياسي والمجتمعي، وتبين قدرتهما على التفاعل، ونوع التفاعل، مع ما ينشأ فيهما من مشكلات، إن أهملا حلها انقلبت إلى أزمة، وإن استمرت أدت إلى انعكاسات تطاول مجمل البنيان المادي والروحي للبلد، والإجماع الوطني وعلاقات الحقل السياسي، ورؤى وخيارات مكوناته، وأنتجت تناقضات متفجرة الطابع، خاصة أن وقع خلاف بين أهل الحل والعقد حول سبل التصدي لها، تحول إلى صراع داخلهم قد يبدأ محدوداً لكنه يتسع ويتفاقم باستمرارها، إلى أن يصير جزءاً منها يسهم في شل قدرة من يتصدون لها وفي إضعاف مسعاهم، خاصة إن نشأ توازن بين القوى المتصارعة يمنع أو يصعّب الخروج منها، أو إذا دخلت قوى خارجية على خط الصراع، وشرعت تمسك بالمفاتيح التي تمكّنها من إدارته لمصلحتها. نحن اليوم ـ للأسف - على مشارف وضع كهذا، فالأزمة لا تحلّ بالوسائل التي تستخدم للتخلص منها، وهي تدخل أكثر فأكثر في طور احتدام واحتجاز داخلي، وتنفتح أكثر فأكثر على تدخلات خارجية ستبدّل طابعها، وتزيدها تعقيداً، وتضعف أطرافها. ليست الأزمة العامة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية... الخ، التي تواجه مجتمعاً أو نظاماً ما ولا يمكن أن تكون مؤامرة، ما دامت الأزمة التي تنجم عن مؤامرة من طبيعة أمنية/ سياسية، وبما أنها تكون محدودة وتتجه ضد أو تقتصر على قوى تعمل غالباً في الصعيد السياسي، وتنصبّ على جوانب من علاقات مكوّناته، وتستخدم في حلها وسائل سرية غالباً، وتذهب دوماً نحو العنف وكثيراً ما تنهض عليه، بحيث لا يعقل أن ينخرط مئات آلاف أو ملايين المواطنين في أي وطن، من المطالبين علانية بحقوق تنتمي إلى الحقل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو إلى هذه الحقول مجتمعة، في مؤامرة، أو يكون لحراكها طابع المؤامرة: الذي يتسم بطابع فئوي/ أقلوي وسري، ويكون غير دستوري وشرعي. من هنا، لا تقهر المؤامرة بالوسائل التي تحلّ الأزمات، ولا تنتمي إلى الحاضنة التي تنتسب الأزمة إليها، وإذا كانت الأزمات تستغلّ من قبل من يريدون الانخراط في مؤامرات، فإنها تبقى مختلفة عن الأخيرة، في طابعها ومداها وحواملها وسبل معالجتها، فالأزمة، متى صارت عامة بصورة خاصة، لا تعالج بالقوة، لأن موضوعاتها ليست أمنية أصلاً، رغم أنها تترك انعكاسات واضحة على صعيد الوحدة الوطنية والنظام العام، بينما تعالج المؤامرة بواسطة الأمن وسياساته.ثمة علامات تشير إلى أن النظام في سوريا لا يرى ما يحدث كمؤامرة، وإن قال إعلامه وتصريحات بعض مسؤوليه ذلك. لو كان يعتبره مؤامرة، لما قال بالحوار الوطني ووعد بإجرائه، علماً بأن الحل الأمني يعني، بالمقابل، أنه يتعامل معها، بما هي أزمة، من خلال وسائل لا تصلح للتخلص منها. هنا يكمن جزء مهم من المشكلة التي نواجهها جميعاً: مشكلة الإقرار الضمني بوجود أزمة يتم إنكارها علناً والتعامل معها بصفتها هذه، ومعالجتها كمؤامرة وبوسائل مكافحة المؤامرات، التي لن تنجح في حلها، لكونها تستهدفها حيث لا توجد، مع ما يترتب على ذلك من تفاقم في الأزمة خاصة، وفي الأوضاع العامة إجمالاً، ومن تخلق بيئة للتآمر ولقرينه: العنف، ليس النجاح في كبتها وحتى التخلص منها كافياً بأي حال للتخلص من الأزمة، التي ستستمر في التفاقم نتيجة الامتناع عن التصدي لها بصورة مباشرة وصريحة، حيث هي قائمة ومنذ فترة طويلة: في السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة... الخ، كما في علاقات هذه الحقول بعضها ببعض، وعلاقات السلطة بالدولة والمجتمع والعكس... الخ.لا بد من معالجة الوضع السوري الراهن باعتباره نتاج أزمة لا تحل بالقوة، ولا بد من حل سياسي لها يتم في حاضنة عامة تجمع الأطراف الراغبة في حلها والقادرة عليه من سلطة ومعارضة، على أن يكون للمواطن العادي، المطالب بحلها، أي بحصته من الحرية والثروة، دور فاعل فيه، يبدل موقعه من الحياة العامة، ويتيح له الانتقال من هوامشها الخارجية إلى مركزها، ضمن علاقة جديدة بينه وبين السلطة والدولة، تنهض على أسس متوافق عليها يتم بلوغها حوارياً وسلمياً: من دون عنف أو إكراه وخارج أي فكر أو فعل تمليهما موازين قوى تفرض العنف والإكراه. هذا الحل يجب أن يتم في إطار وحدة الجماعة الوطنية السورية، وسلامة وأمن مكوناتها جميعها، ولا مفر من أن يكون نتاج تسوية تاريخية حاملها الرئيس المجتمع المطالب بالتغيير وتعبيراته السياسية، على أن يكون المتمتع الرئيس بثمارها وعوائدها، من دون أن يعني ذلك الانخراط في صراعات نهائية، ووقوع انقلابات لا يعرف أحد نتائجها، في بلاد صار من الواضح أنها تعاني من نقاط ضعف ترتبت على طول وتشعّب أزمتها، بعد أن نحّت نخبها السائدة السياسة عن علاقاتها مع مجتمعها، وأحلت محلها قدراً غير سياسي من العنف، كأنها لا تريد العقد الاجتماعي ولا تقبل أية صورة من صوره، ولا تعلم أن المواطن يتخلى للدولة عن حقه في العنف مقابل منحه الحق في الأمن، في جل مشكلاته بالسياسة وليس بالعنف، وأن احتكارها للعنف يعني امتناعها عن استخدامه، وإخراجه نهائياً من الشأن العام، وعدم اللجوء إليه خلال الأزمات، وحتى عند التصدي للمؤامرات، التي لا بد أن تفشلها السياسة ووسائلها: بصورة استباقية دوماً، فإن حدث ووقعت بالعنف في حدود دنيا ومدروسة تطاول المتآمرين أنفسهم، بينما يستمر بقية المواطنين في التنعم بالسلام والأمن، وممارسة أدوارهم العادية في أجواء من الطمأنينة والحرية.لا يحق لأي سوري التعامل بغباء مع وطنه، وإلا ضاع وأسهم في ضياعه. ولا يحق لأحد أن يخرجنا من الوضع الحالي إلى وضع أسوأ منه، حبا بشعارات براقة أو مغرية، أكان ذلك بالأصالة عن نفسه أم تقليدا لحالات عربية ودولية عرفتها بلدان أخرى، لا يضمن نجاحها هناك نجاحها في تحقيق الهدف ذاته هنا، كما لا يضمن بقاء سوريا على حالها الراهن، وطنيا ومجتمعيا. لذلك، لا بد من حل سياسي يتصدي بكل جدية للأزمة القائمة، وهي مزمنة وصعبة ومن نتاج السياسات والخيارات الرسمية، لننتقل سلميا وتوافقيا وفي إطار آمن يلبي حاجة جميع السوريين إلى نظام حريات يحفظ مكونات الحقل السياسي السوري، وإن أعاد النظر في أوزانها وأدوارها، ويضع بلادنا أمام تاريخ جديد هو لنا جميعا، نطوي معه ما نعانيه اليوم، وعانينا منه خلال تاريخنا الحديث كله، من ظلم وتهميش، نرى فيه الأمل الذي بقي لنا، وإسهامنا الوطني والقومي والإنساني في نهوض عربي نعيش بداياته، ولا بد أن يكون لنا فيه دور يليق بنا كمواطنين عرب أحرار يعرفون كيف يعالجون مشكلاتهم، ويحافظون على سلامة وقوة وحرية دولتهم ومجتمعهم.

                                                                        (السفير  : 21\5\2011 )