الجمعة، 4 يناير 2013

قرية الطفيل





                    الطفيل: حصار الثلج والنار

 عفيف دياب



تبحث الطفيل، المعلّقة بين السماء والأرض، عن بصيص نور يشدّ بلادها إليها. القرية التي تشرق منها الشمس على بلاد مأزومة، لم تتعب من البحث عن سر ظلم ذوي القربى وسيوفهم القاتلة. الطفيل المنسية، شرقها السوري مزنّر بالنار وغربها اللبناني بثلوج تشدّ الخناق على بشر يعيشون من «قلة الموت»
***




 خلف الجبال المكلّلة بالثلوج، تنام قرية الطفيل اللبنانية بهدوء بعيداً عن صخب وطنها المأزوم. يحلم أهلها بخيط شمس يربطهم بوطنهم الأم لبنان. وطن نسي حكامه، أو تناسوا، أن هنالك خلف الجبال والأودية في أعالي السلسلة الشرقية بشراً يعيشون وحدهم من قلة الموت. القرية المنسية على ارتفاع 1720 متراً عن سطح البحر (أعلى موقع لبناني مأهول بالسكان)، أهلها نادمون لأنهم حملوا الهوية اللبنانية، ولأنّهم صدّقوا وعود دولتهم وخُدعوا بإصرار الأم الحنون فرنسا على ضمّهم إلى لبنان الكبير. نادمون لأن صدقهم لم يعطهم حقاً إنسانياً في بلاد يعرفون بفطرتهم الجميلة أنها منكوبة أباً عن جد، وأنها ليست أفضل حالاً من أحوال قريتهم.
رحلة الساعات العشر إلى قرية الطفيل على جرّار زراعي شقّ طريقه بصعوبة، تفرح أهالي القرية المحاصرين من لبنان بالثلوج المتراكمة والإهمال المدقع، ومن سوريا بالرصاص ونار الدبابات القاتلة. «تراكتور» أبو وائل عاد إلى قواعده سالماً غانماً، بعد رحلة مجنونة، محمّلاً بالخبز والحليب والسكر ومعلبات الطعام، ليفكّ بذلك حصاراً امتدّ لأسابيع. هذا الرجل الأربعيني قهر الثلوج، وأوصل إلى أهالي قريته المحاصرين، الطعام، بعد نفاد «المونة» من البيوت المأهولة وتلك التي هجرها أهلها قسراً وعلى عجل إلى الداخل اللبناني بعيداً عن حصار الثلج والنار. كان أهالي القرية ينتظرونه في الساحة بفارغ الصبر. عيونهم لم تتعب وهم يتطلعون نحو أودية الجبال التي تحجب عنهم رؤية بلادهم والاطمئنان على سلامة عودة أبو وائل.

أكثر من 700 نسمة في الطفيل يعيشون اليوم تحت وقع حصار قاتل من دون علم الحكومة اللبنانية وأجهزتها الرسمية. دورية واحدة للجيش اللبناني زارت البلدة نهاية الصيف الماضي للاطلاع على آثار القصف المدفعي الذي تعرّضت له من مرابض دبابات الجيش السوري في جبال عسال الورد. كانت الزيارة الرسمية الأولى والأخيرة منذ 3 سنوات. تقطعت الأوصال بأهالي الطفيل. فرغ دكان ابتسام أو سوبرماركت الضيعة من مختلف المواد الغذائية. الجيش السوري منع السكان من الدخول إلى سوريا، وبالتالي لم يعد ممكناً التبضّع والتزوّد بالمؤن وفق التقليد المتّبع منذ سنوات. أما التوجّه إلى الجانب اللبناني، فهو «ممنوع» منذ زمن، إذ لا طريق تؤدي إليه.
هنا، عاش الأهالي على مدى أربعة أشهر من دون كهرباء، نتيجة تضرّر الشبكة السورية التي تغذي البلدة بالتيار الكهربائي. يقول أبو وائل إن الأهالي نجحوا الأسبوع الماضي في إعادة إيصال التيار الكهربائي إلى قريتهم من سوريا بعدما جمعوا الأموال اللازمة لترميم الشبكة، لافتاً إلى أن هدوء المعارك العسكرية في المحيط السوري للطفيل سمح لهم بإعادة وصل ما انقطع من خطوط كهربائية وهاتفية تتزوّد بها الطفيل من الدولة السورية، وفق ما يقضي اتفاق مع الدولة اللبنانية. ولكن الطريف في الأمر أن إجراء مكالمة هاتفية من الطفيل اللبنانية إلى قرية بريتال، على سبيل المثال، يحتسب مخابرة دولية. يضحك الأهالي من هذا الواقع المرّ. ويقول معلم المدرسة الابتدائية التابعة لوزارة التربية اللبنانية إبراهيم دقو أن هذا الواقع المضحك _ المبكي الذي تعيشه الطفيل «حالة نادرة في العالم». يتابع ضاحكاً «أنا في لبنان ولبناني، وإذا بدّي إحكي مع أخي في بعلبك لازم أعمل مكالمة هاتفية دولية».
حصار النار
قرية الطفيل التي تنتظر منذ نصف قرن تنفيذ وعود وزراء الأشغال العامة بشق طريق تربطها بالوطن الأم، ومركز القضاء بعلبك، تنفسّت الصعداء الأسبوع الماضي بعد تراجع حدة المعارك والاشتباكات عند حدودها مع سوريا. فكتائب الفرقة الرابعة التابعة لـ«الجيش السوري» انسحبت من معظم قرى سهل القلمون وبلداته إلى محيط العاصمة دمشق. وأدّى هذا الانسحاب إلى رفع الحصار عن الطفيل وعن عشرات القرى والمزارع السورية المجاورة. يقول بعض الأهالي في الطفيل إن هذا الانسحاب العسكري سمح لهم بإعادة التواصل مع لبنان، موضحين أن الحواجز السورية ونقاط حرس الحدود كانت تمنع الآليات والجرارات الزراعية من العبور تحسّباً من أعمال تهريب محتملة، وقد طال هذا الإجراء سكان الطفيل الذين حوصروا على مدى أشهر. ويكشف الأهالي أن أكثر من منزل استهدف في الطفيل بقذائف دبابات سورية، كما أن تعليمات الجيش السوري إلى المواطنين السوريين المقيمين في القرى المجاورة لهم شملتهم أيضاً. فكانوا يلتزمون بإطفاء الإنارة ليلاً، وعدم التجوال بعد الساعة الثالثة عصراً، وخاصة في حارة بيت دقو المتاخمة مباشرة لأقرب موقع سوري.
يقول أبو عبد الإله «يا أخي قصف من هون... وثلج من هونيك، كيف بدنا نعيش». يضيف أنهم طوال فترة الحصار «كنا ناكل من المونة، بس هلق خلصت. لا لبنة ولا مكدوس ولا قاورما، ومبارح خلصنا الكشكات». ويردف الرجل الذي كان يستمتع بدفء الشمس في ساحة الطفيل مع أقرانه من الرجال، فيما الصبية يلعبون كرة قدم، بأنّهم كانوا يتقاسمون كيس الطحين في ما بينهم، وكانوا يدفعون ثمنه أضعافاً مضاعفة، «بس أهل الخير كتار حدنا بسوريا. كانوا يهربون الطحين إلنا». كلام أبو عبد الإله يعقّب عليه جاره السبعيني أبو محمد دقو، فيقول إن الوضع في الطفيل سيّئ جداً. «من كم يوم ما كان في رغيف خبز واحد بالضيعة. اليوم تحسّن الوضع. أبو وائل نزل إلى لبنان وأتى بالطحين والسكر والخبز»، موضحاً أنهم كانوا يعتمدون على جيرانهم السوريين في تهريب الخبز إليهم، «وهني ما عندن خبز وكانوا يجيبولنا تحت القصف الخبز تهريب». مشيراً إلى أن مساعدة «طحين» واحدة وصلتهم من دار الفتوى في البقاع بعد اتصالهم بأزهر البقاع في مجدل عنجر لمد يد العون إليهم، وأن أهالي بلدة بريتال أوصلوا إليهم الخبز قبل انقطاع الجرد بالثلوج.
… وحصار الثلج
هذا الحصار الطويل لقرية الطفيل نتيجة المعارك العسكرية في المحيط السوري، لم يكد ينتهي أو يفكّ حتى حلّ عليهم حصار جنرال الثلج الأبيض الذي تساقط بكثافة قاطعاً كلّ المعابر الجردية نحو لبنان، ووصل في بعض المطارح إلى ارتفاع مترين. يتحدث أبو محمد دقو عن حياة سوداوية عاشوها ولم يعرفوا طعم النوم فيها. يصف الوضع بـ«التعبان» في قريته، أما الحياة فهي «لم تعد تطاق». الرجل عاد منذ أيام إلى الرعي، بعدما عجز خلال الفترة الماضية عن التوجه مع قطيعه من الأغنام إلى الحقول، بسبب الحصار العسكري وتساقط الثلوج. يحكي بحزن عن اضطراره إلى قطع أشجار الكرز من كرمه من أجل التدفئة. يشرح بصوت مرتجف من البرد، أو الألم، «لقد انقطعنا من المازوت مثل إخواننا السوريين، ما لاقينا إلا نحطب الكرازات ونولع صوبيا الحطب. الله كريم». وتعقّب زوجته التي كانت تجمع حطب الكرز «عام أوّل راح موسم الكرز على الأرض... وهلق عم نقصّ الشجر». متابعة «الله كريم وما إلنا غيرو».
وهو الله الكريم الذي أرسل إليهم أبو وائل. نجح صاحب الجرار الزراعي في اقتحام الثلوج المتراكمة على مرتفعات الطفيل، وقطع كل المعابر الوعرة نحو لبنان، مخاطراً بحياته ليتوجه نحو «رأس الحرف» في أعالي الجرد المطل على الداخل اللبناني لإحضار مواد تموينية وربطات الخبز. عن هذه الرحلة يقول أبو وائل إنها استغرقت أربع ساعات بسبب تراكم الثلوج وطبقات الجليد، علماً بأن المسافة لا تتجاوز ستين كيلومتراً، «وصيفاً تستغرق منّا ساعة واحدة على التراكتور».
لكن جرّار أبو وائل، الذي فك الحصار عن الطفيل بعدما لاقاه من الداخل اللبناني مجموعة من شبان قريته وقرية بلدة بريتال بسيارات دفع رباعية محمّلين بمواد غذائية، لا يحلّ كلّ المشاكل. هو غير قادر مثلاً على نقل مريض إلى أقرب مستوصف لبناني. ويقول أبو وائل إن الأهالي يستعينون بطبيب سوري في قرية مجاورة في الحالات الطارئة، وإنه طوال فترة الحصار لم يصب أحد من القرية بمكروه، ولكنه أبدى تخوفه من عواصف ثلجية مقبلة أو تطورات عسكرية تدخلهم في حصار جديد. ويناشد أبو وائل «حكومتنا فعل أي شيء حتى تنجلي الغيمة السوداء والعودة الى متابعة حياتهم الطبيعية بعد استتباب الأوضاع في سوريا».
عسكر وحراميّة
مأساة قرية الطفيل اللبنانية لا تختلف عن مآسي جيرانهم السوريين. فمادة المازوت التي يعتمدون عليها للتدفئة في الشتاء والبرد القارس، لم تعد متوافرة في السوق السورية. وإذا ما توافرت، فعبر كميات محدودة وصلت تهريباً من لبنان أو بعد دفع رشى مالية لجنود يسرقون المازوت من دباباتهم وآلياتهم العسكرية ويبيعونها في السوق السوداء السورية. هذا الاحتيال على توفير مادة المازوت لم يقدر أهالي قرية الطفيل على سلوكه. يقول أحد المواطنين في القرية إن معظم القاطنين الصامدين في الطفيل أقدموا على قطع أشجارهم المثمرة من الكرز والمشمش والتفاح والإجاص. موضحاً أن هنالك أكثر من 400 ألف شجرة مثمرة في الطفيل «لكننا مضطرون إلى تحطيبها»، ومؤكداً أن لا وجود لمدفأة مازوت واحدة في الطفيل اليوم، «كل الضيعة تتدفى على الحطب... مضطرين».
حطب وتربية وطنية
الطفيل المحروسة من السماء والجرد الوعر وسيف الدولة اللبنانية الذي ينحرها مع شروق الشمس وغروبها، سيضطر تلامذتها إلى حمل أعواد الحطب إلى المدرسة الرسمية. وللأخيرة قصتها هذا العام. فهي لم تستطع «التقليع» مع بدء العام الدراسي بسبب سكن كادرها التعليمي اللبناني في قرى سورية مجاورة، لكنها ستنطلق مطلع الأسبوع المقبل، بعدما نجح المعلّمون في الوصول إلى القرية وفكّ الحصار العسكري عنها. يقول أحد المعلمين اللبنانيين، القاطن في عسال الورد السورية، إنه كان قبل الأحداث السورية يأتي يومياً إلى المدرسة، ولكن مع تطور المعارك العسكرية لم يستطع الوصول الى قريته الطفيل، مؤكداً أن العام الدراسي سينطلق «بس ما في مازوت للصوبيات». وفي هذه الحال «سيضطرون إلى استخدام مدافئ تعمل على الحطب، ويمكن نطلب من كل ولد يجيب معو عودة حطب». يقول ضاحكاً «عودة الحطب قبل كتاب التربية الوطنية»، مشيراً إلى وجود ستين تلميذاً (تعليم أساسي فقط) أبلغوا وجوب العودة الى المدرسة مع بداية الأسبوع المقبل.

حكاية طريق
منذ عام 1950 ينتظر أهالي قرية الطفيل أن تفي الحكومات المتعاقبة بوعودها، وتشق طريقاً تربطهم بوطنهم لبنان. عشرات وزراء الأشغال العامة وعدوا وقطعوا عهوداً على أنفسهم. لم يتحقق الوعد _ الحلم. وجدوا في سوريا متنفّساً لهم، إذ يتوجّه أبناء الطفيل إلى دمشق أولاً، ومنها إلى سهل البقاع وبقية الأراضي اللبنانية. وفي حال رغبوا في المخاطرة، يمكنهم الاستعانة بجرّار زراعي يعبر الجرد.
يقول الأهالي إن الطريق مرسومة منذ عام 1965، لكنها لم تنفذ بعد، وإن وزير الأشغال العامة في الحكومة الحالية غازي العريضي وعدهم بقرب التنفيذ. وعد سبقه إليه عشرات الوزراء والنواب وقادة البلاد. يؤكدون أن أصدق وزير للأشغال صادفهم هو الرئيس نجيب ميقاتي يوم زارهم صيف 2004 آتياً من دمشق ووعدهم بأنه لن يزورهم مرة ثانية إلا عبر طريق من لبنان مباشرة. صدق الرجل معهم ولم يزرهم بعد. نواب بعلبك - الهرمل، منذ 1992، يقدمون الوعود لأهالي الطفيل بشق طريق من دون تحديد مدة زمنية. وحده النائب عاصم قانصوه وعدهم بأنه سيرسل إليهم الجرافات خلال 15 يوماً... صارت 5 سنوات. قائد أمني قال لهم «شو في فوق. حدا بيقعد فوق. ارحلوا». أما أكثر ما أحزنهم فهو ما قاله لهم قائد حزب عروبي علماني «أنتم من المحسوبين على تيار المستقبل فاذهبوا إليه».

الخميس، 27 ديسمبر 2012

حكايا الفواجع







حكايا كـ «الفواجع» عن «بابا عمرو» آخر في المخيم الدمشقي

  عفيف دياب:
يختلف اسم المخيّم من سنة الى أخرى... ولا يختلف طعم الموت. تقول الناشطة اللبنانية ايناس القادري في معرض تعليقها على ما يجري في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق: انها «مقتلة» شعبٍ وُلد من رحم «نكبات» العرب.
لم ترحم صواريخ طائرات «الميغ» سلمى وهي تحاول الهرب من قنّاص في شارع فلسطين داخل مخيم اليرموك في دمشق قبل ايام. وتحكي «ام سلمى« قصص الموت في يرموك الشام، وقصة وحيدتها. تحبس الحاجة الثمانينية دموعها وتروي بصوت متهدج «مقتل» ابنتها في مخيمٍ أصبح نكبتها الفلسطينية الجديدة.
لم تتعب ابنة مدينة صفد من النكبات والنكسات، ولا من «طعن» الخناجر. في العام 1948 هربت «ام سلمى» من صفد الى لبنان. وبعد مقتل زوجها في مخيم تل الزعتر قرب بيروت العام 1975 هربت مع وحيدتها الى مخيم اليرموك. هناك عاشت اجمل ايامها قبل ان تتلقى خبر استشهاد زوج ابنتها سلمى في مواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي في حصار بيروت 1982. خبرٌ أحزن الاسرة قبل ان تسمع خبر استشهاد وحيد سلمى في ما عُرف بحرب تصفية «الزمر العرفاتية» في مخيم صبرا في بيروت العام 1986 والتي كانت تخوضها حركة «امل» اللبنانية نيابة عن النظام السوري.
تعتصم «ام سلمى» اليوم بالصمت... أنهكتها حكايتها وحكايا فلسطين الباكية ابداً والحزينة دائماً. بالامس تركت سلمى جثة هامدة في مخيم اليرموك، وها هي اليوم لا تدري إن كانت ستعود الى «يرموكها»، ولكنها لم تقطع الامل بالعودة الى فلسطين.
اكثر من 10 ساعات امضتها أم سلمى حتى وصلت من دمشق الى الحدود اللبنانية. عند نقطة عبور المصنع في سهل البقاع اللبناني، عانت من ذوي القربى و«ولاد الحلال كتار... ساعدوني حتى وصلت الى مخيم الجليل (بعلبك)».
اكثر من 1200 عائلة فلسطينية وصلت الى سهل البقاع اللبناني هاربةً من الموت في المخيم الدمشقي. يحكي اللاجئون عن «يوم القيامة» في مخيمٍ نصفه مدمّر بالقصف المدفعي والصواريخ، ونيران الحرائق تلتهم نصفه الاخر.
وتقول السيدة ام خالد ع. الهاربة مع اولادها الاربعة انهم خرجوا تحت القصف و«انتقلنا من حارة الى حارة حتى وصلنا الى ساحة السبع بحرات في دمشق». وتضيف: «المخيم مدمر. لا أعرف اذا اشقائي احياء ام اموات». وتقول جارتها ام حسين خ. ان شارع فلسطين في المخيم دمر بالكامل و«يا محلا بابا عمرو». وتتابع انهم اجبروا على اخلاء مخيم اليرموك و«انتظرنا 7 ساعات امام مقر الهجرة والجوازات في دمشق حتى يُسمح لنا بالمغادرة الى لبنان». وتؤكد انها اضطرت الى دفع رشى مالية حتى تتمكّن من الخروج من دمشق الى البقاع اللبناني.
تحكي الفلسطينية ام خالد كيف نزحت من حي التضامن في دمشق الى داخل مخيم اليرموك قبل عدة اشهر و«هلق هربنا الى لبنان». وتضيف: «كل المخيم صار خرابا. لا ماء ولا كهرباء ولا مازوت للتدفئة. اللي صار معانا مؤامرة على الفلسطيني».
وتلفت ام خالد الى ان القصف استهدف كل حي شارع فلسطين ومسشفى الباسل وشارع لوبيا في مخيم اليرموك، موضحة ان القصف المدفعي العنيف «اضطرنا للمغادرة، وكانت اللجان الشعبية قد طلبت منا المغادرة».
«النكبة» الفلسطينية الجديدة على ارض دمشق هذه المرة، وضعت القوى واللجان الشعبية الفلسطينية والهيئات الدولية امام امتحان كبير في لبنان. ففي سهل البقاع وصل عدد الهاربين من الموت في مخيم اليرموك الدمشقي الى 1200 عائلة «هبطت» فجاة على أقرباء لاجئين في مخيم الجليل قرب مدينة بعلبك وفي مختلف قرى البقاع الاوسط.
ويقول عبدالله كامل من اللجان الشعبية الفلسطينية ان المعاناة الكبرى هي في توفير المأوى للنازحين من مخيم اليرموك، موضحاً لـ «الراي» ان اللاجئين الفلسطينيين في سهل البقاع اللبناني استطاعوا جمع مساعدات غذائية وملابس وأغطية للوافدين الجدد من اهلهم، لافتاً الى ان السلطات اللبنانية لم تحرك ساكناً، وان الهيئات الدولية ساهمت في شكل خجول في تأمين بعض الاحتياجات الضرورية.
في مخيم الجليل، تبرز معاناة الوافدين من مخيم اليرموك. فالمخيم الصغير لا يمكنه استيعاب اللاجئين الجدد. اكثر من 550 عائلة وصلت خلال 36 ساعة الى الجليل. ويقول امين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في البقاع خالد عثمان ان التحدي الاكبر هو ايواء هذا العدد المرشح للارتفاع، موضحاً ان لا منازل خالية او غرف متوافرة للايواء، مناشداً المجتمعين العربي والدولي مدّ يد المساعدة، وخصوصاً ان الواقع العسكري في دمشق سيؤدي الى تدفق المزيد من النازحين الفلسطينيين.

الأحد، 23 ديسمبر 2012

لاجئو الموت القارس





لاجئو الموت القارس: المازوت (ليس) كفاف خيمتنا

 عفيف دياب

«أفتت» المنظمات الدولية بأن طقس عرسال بارد أكثر من جاراتها
في البلاد اللبنانية الوعرة، المحروسة بالأبيض النقي خلف الجبال والأودية عند ابواب سوريا ودمها المسفوك، يحلّق الموت القارس فوق رؤوس الهاربين من لعنة رصاص القاتل. يبحثون عن لهب مدفأة ومازوت دبابة و«عودة» حطب. لاجئو سوريا في قرى الجبال المزنرة بالثلوج يصنعون دفء يومياتهم بما تيسر من «نفط العرب» وبونات «ذل» الامم المتحدة
****
قصص كثيرة نسجت في الشهور الماضية بين بلدة عرسال وضيوفها الآتين من بلاد «الموت» السورية. البرد ليس إلا إحدى الحكايا التي تروى خلف موقدة صامتة، يبحث أصحابها عن لهب، في جرد كان قبل قرون خمسة غابات تسرح فيها الأسود. أمعنت الفؤوس قطعاً لقتل البرد وطرد الوحوش المفترسة من دون أن تنجح في التغلّب عليه. «الوحش الأبيض» الزاحف اليوم نحو عرسال من جردها الشرقي، قطع أوصال الشعب الواحد على جانبي الحدود الوهمية.
لم تعد أم أيهم الهاربة من آلة الموت الأحمر في مدينة حمص تجد «عودة» حطب في جرد محاصر بنار دبابة ساهمت في دفع ثمنها، و«جبل» أبيض هبط من السماء رافضاً انتظار لهب مدفأة الأم الثكلى لتحمي اولادها الاربعة من صقيع «جنرالات» الأرض والسماء.
حكايات أم أيهم مع البرد في عرسال تشبه حكايات العراسلة. إنهما وجهان لبرد واحد وبلاد واحدة في رسالة الفقر الخالدة. تقص أم ايهم وجع حمص وفقدانها لمعيل انقطعت اخباره منذ سنة. تنتظر «بون» المازوت من «الأمم المتحدة» لتشتري به طعاماً. فبضع ليرات من «بون» نفط العرب الممنوح لأم أيهم بعد ذلّ، تهضمه الأمعاء الخاوية خبزاً وحليباً وعدساً وكشكاً.
أكثر من 10 آلاف نسمة سورية تعيش اليوم في عرسال عند ضفافها الجردية. وينتشر حوالى 6 آلاف في مشاريع القاع، حيث نصبوا خيامهم بين البساتين والكروم مشكلين سلسلة بشرية واحدة من الجوع والقهر تمتد من حمص وريفها إلى حلب وتعبها ودمشق وريفها المنكوب. يتحدث العراسلة بألم عن أحوال أقرانهم السوريين، وعن مادة المازوت التي أصبحت كالذهب اليوم. لم يعد العراسلة يجدون في المازوت السوري معيناً لهم على قتل البرد القارس. لقد ولى زمن التهريب والأسعار البخسة. «انقلبت المعادلة» يقول عبدو فليطي الذي «نصب» مدفأة على الحطب في مطبخ بيته غير المنجز: «كنا نعتمد على المازوت السوري الرخيص لتخزين ما نحتاجه في فصل الشتاء. أما اليوم فبات المهربون ينقلون المازوت من لبنان الى سوريا، إن وجد». موضحاً أن «الصهاريج اللبنانية لم تعد قادرة على اجتياز جرد عرسال إلى الداخل السوري بسبب تراكم الثلوج».
برد الشتاء القارس في عرسال ومشاريع القاع، أدخل اللاجئين السوريين في أتون «سمسرات» الهيئات الدولية المانحة والمكلفة بمتابعة قضيتهم الإنسانية. فـ«بونات» المازوت الممنوحة للعائلات اللاجئة لا تكفي مدة شهر للتدفئة، إذ خصّص لكل أسرة (مهما بلغ عدد أفرادها) بونات مازوت بقيمة 100 دولار في الشهر الواحد. ويقول السوري اللاجئ من القصير إلى عرسال أبو خالد ز. أنه يحتاج إلى إشعال أكثر من مدفأة في المنزل القاطن فيه لمواجهة البرد القارس. موضحاً أنه لا يمكن حشر أفراد أسرته التسعة في غرفة واحدة. كما أن البرد القارس في عرسال «يلزمنا باشعال المدفأة على مدار الساعة» وإن كان يشعل «الصوبيا» ليلاً لمدة لا تتجاوز الساعتين فقط.
حظوظ اللاجئين السوريين في عرسال تبقى أفضل من أقرانهم الذين لجأوا إلى مشاريع القاع او إلى البقاعين الأوسط والغربي. فالهيئات الدولية والعربية المانحة، درست الوضع المناخي و«وجدت طقس عرسال بارداً جداً مقارنة بمناطق بقاعية أخرى». يقول أحد الناشطين في أعمال الاغاثة وتقديم المساعدات للاجئين، إن منظمته وفرت كميات من المازوت وبطانيات وفرشاً وملابس صوفية، وإنهم أخذوا في الاعتبار مناخ عرسال لذلك «رفعنا منحة المازوت إلى ما تعادل قيمته مئة دولار في الشهر». هذا الإجراء لم يطل لاجئين في مناطق بقاعية أخرى. فقد خصصت بونات «عربية» للاجئين في البقاع الغربي بما يعادل ليترات مازوت بقيمة خسمة آلاف ليرة لبنانية فقط في اليوم الواحد. فيما لا يجد المقيمون في مشاريع القاع طرقاً لـ«صرف» بوناتهم الورقية مازوتاً، لعدم قدرتهم على التوجه إلى محطات وقود محددة لهم تقع خارج منطقة مشاريع القاع، حيث لا يمنع اللاجئ من اجتياز نقطة العبور اللبنانية الرسمية لعدم حيازته اوراقا رسمية تؤكد خروجه بشكل شرعي من سوريا.
يقول السوري النازح من قريته المتاخمة للحدود اللبنانية جوسية بعد تدمير منزله، إنه لا يقدر على الخروج من مشاريع القاع حيث نصب خيمة له ولأولاده الاربعة، لإحضار المازوت من جديدة الفاكهة. موضحا أن حصته الشهرية من المازوت لا تتجاوز 100 ليتر (حوالى 5 تنكات)، وعليه أن يجتاز مسافة 20 كلم لإحضار الكمية «لكني لا أستطيع المغادرة لأني لا أملك بطاقة عبور رسمي». ويلفت إلى أن معظم اللاجئين في مشاريع القاع اجتازوا الحدود عبر مسالك ومعابر غير شرعية نتيجة الهرب من القصف أو تدمير منازلهم المتاخمة للحدود مع لبنان. ويكشف الضابط المنشق (برتبة نقيب) من الجيش السوري، أبو الوليد، الذي يقيم في المخيم مع زوجته وأولادهما الثلاثة أن «أخوة السلاح» يوفرون له يومياً صفيحة مازوت من دبابتهم المرابطة على الحدود مع لبنان قرب مشاريع القاع. ويوضح أن رفاقه غير المنشقين يتصلون به ويخبرونه أين وضعوا له تنكة المازوت، فيذهب ليلاً لإحضارها ويتقاسمها مع جيرانه في المخيم.
في مشاريع القاع أقام لاجئون سوريون مخيماً داخل بستان مشمش بعد حصولهم على خيم من هيئة دولية مانحة لا تزورهم إلا ما ندر، حيث يقطن في مخيم «الشوادر» أكثر من 7 عائلات من مدينة حمص (47 فرداً). ابتدع هؤلاء حلاً لمواجهة البرد القارس والزاحف من الجرود العرسالية العالية. ويقول الحاج أبو جمال (74 عاماً) إنهم نصبوا خيمة كبيرة ووضعوا بداخلها مدفأة يشعلونها نهاراً من بقايا حطب بساتين الأشجار المثمرة «ليلاً يعود كل واحد منا الى خيمته الأساسية ملتحفاً البطانيات بدل إشعال مدفأة مازوت». كاشفاً أنهم يضطرون إلى بيع بونات المازوت إلى أصحاب المحطات أو تجار المازوت لعدم قدرتهم على صرف الكمية المخصصة لكل عائلة من جهة، ولأن احتياجاتهم المعيشية والغذائية ألزمتهم استبدال بونات المازوت بأموال لشراء الطعام وملابس الشتاء والأدوية».
كذلك قطن بعض اللاجئين السوريين في عرسال وأخواتها، جرد البلدة المشاغبة منذ أن وجدت، داخل غرف زراعية في بساتين الكرز والمشمش (يراوح ارتفاع الجرد عن سطح البحر ما بين 1400 و1700م. وأعلى موقع عرسالي يصل الى الفي متر). يقول أبو مهران (46 عاما)، السوري النازح من بلدة النبك في ريف دمشق، إن صديقه العرسالي منحه غرفة في الجرد للاقامة فيها «وعندما بدأ الثلج نزلت الأولاد على عرسال». وأكدّ أن معظم اللاجئين المقيمن في الجرد العالي «نزحوا» إلى داخل عرسال أو إلى مشاريع القاع مع بدء تساقط الثلوج. أما حصته من المازوت، فيتقاسمها مع جاره العرسالي كرد جميل على منحه غرفة للسكن داخل البلدة و«مو بس المازوت، كمان مناكل كشك سوا».

تهريب المازوت... بالدبابات؟
«أفل» مجد تهريب المازوت بين لبنان وسوريا. هذا ما يشعر به سكان القرى اللبنانية الحدودية. فبعدما كان مازوت سوريا بديلاً رخيصاً عن المازوت اللبناني المرتفع السعر، جعلته الأحداث في سوريا مادة «أغلى من الذهب». يقول أحد المهرّبين اللبنانيين إن أكثر من 20 صهريجاً كانت تعبر الجرود في عرسال محمّلة بالمازوت السوري، أما اليوم فقد أصبح التهريب معكوساً. إذ يهرّب المازوت اللبناني إلى الداخل السوري بأسعار خيالية، ولكن الثلوج المتراكمة قطعت معابر التهريب. حتى «بونات» المازوت الدولية الممنوحة للاجئين تباع بأغلبيتها إلى مهربين يدخلونها الى سوريا.
هذا التهريب العكسي اليوم، صورته غير مكتملة. فقد كشف مهرّبون أنهم يشترون مازوتاً سورياً من ضباط في الجيش السوري يرابطون بدباباتهم وآلياتهم العسكرية على الحدود. ويقول إن هؤلاء الضباط يتقدّمون بدباباتهم نحو خط الحدود مباشرة حيث يجري تفريغ كميات من خزانات الدبابات في صهاريج صغيرة تمهيداص لإعادة بيعها للداخل السوري.
ــــــــــــــــــــــــــــ

الاخبار ـ العدد ١٨٩٠ الاثنين ٢٤ كانون الأول ٢٠١٢

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

نازحو اليرموك





       نازحون من اليرموك: «تركنا كل إشي وهربنا»



عشرات الحافلات التي تقلّ النازحين الفلسطينيين عبرت الحدود 

 كأنّ قدر الفلسطيني أن «يترك كل إشي» ويهرب. أن يهرب من القتل والغدر، مرّة من أرضه فلسطين، ومرّات في النبطية وتل الزعتر وصبرا، واليوم في اليرموك. يحمل صرّته ومفتاح بيته، ويتأبط زوجته وأطفاله، ويهرب من الموت. قضيتهم كانت دوماً قميص عثمان، كل من أراد أن يدّعي الحق أمسك بها. وعند اقتتال الإخوة، نالوا نصيبهم من القتل. اليوم يهجرون من اليرموك من جديد، يروون حكايات عن مخيم بات «مدينة أشباح» بعد نزوح أهله، وعن قصف مجنون لطائرات وصواريخ، وعن حسرة وألم مما يجري في سوريا، ومما ينتظرهم من تهجير. معاناتهم لا تنتهي مع دخولهم الى لبنان، فهنا أيضاً دولة قررت «النأي بنفسها» حتى عن المساعدة الإنسانية
عفيف دياب, أسامة القادري
البقاع | لم تنم الحاجة أم محمود ملء جفنيها مذ غادرت أرض قريتها، الصفصاف، في الجليل الفلسطيني قبل 6 عقود من الزمن. زمن، لم تذق فيه أم محمود س. (74 عاماً) الا طعم حمل «صرّة» ثياب النزوح من فلسطين، الذي ورثته أباً عن جد، وأورثته مرّ التعب الى أولاد وأحفاد يجولون اليوم في أصقاع الأرض بحثاً عن مذاق طيب لا صواريخ طائرات فيه، ولا سكاكين «مالحة» تُمعن قتلاً في مخيمات أم محمود من النبطية الى تل الزعتر وصبرا وصولاً الى اليرموك في دمشق.
في حافلة الهروب من «مقتلة» اليرموك، روت أم محمود قصة «فلسطينها» في طبعتها الجديدة. غادرت المخيم قهراً وقسراً ووجعاً. صبت جام غضبها على «أمة العرب» من المحيط الى الخليج: «شو بدي خبرك يما... تركنا كل إشي وهربنا». منذ 3 أيام وأم محمود خارج «يرموكها». نامت على قارعة طريق قرب ساحة السبع بحرات في دمشق، قبل أن تصعد حافلة مع جيرانها الى حدود لبنان، فمخيم عين الحلوة في صيدا: «راح انزل عند بنتي بالمخيم». خرجت مع جارتها منى سيراً على الأقدام تحت وابل من القصف المدفعي «قصفوا المخيم بالطائرات... وقالوا لنا أن نغادر. وأنا ما عندي الا بنتي هون بعين الحلوة. وين بدي روح بالشام؟».
أكثر من ألف فلسطيني من مخيم اليرموك في دمشق، وصلوا أمس، الى الحدود اللبنانية، في محلة المصنع. منهم من استقل حافلات وسيارات أجرة ومنهم من وصل سيراً على الأقدام. يروون حكايات وحكايات عن المخيم، وعن القتل والقصف والرصاص وصراعات الإخوة وحروب الشوارع والأزقة. يعتب الحاج أبو علي ج. (69 عاماً) على كل من استهدف المخيم من داخله وخارجه «ما عرفنا كيف طلعنا». ويتابع «آخر إشي كنت افكر فيه أنو ارجع على عين الحلوة بعد هالعمر». ويردف «أصيب منزلي بقذيفة هاون، والله نجانا».
أبو علي، الذي وصل الى المصنع اللبناني ظهر أمس، مع أحفاده السبعة وأمهاتهم الثلاث، يقص علينا، وعلى من تجمهر من سوريين هاربين، قصة اليرموك «يمكن ما يظل مخيم. لأنو كل الناس طلبوا منها تفل». ويقول إن الجيش السوري الحر سيطر بالكامل على المخيم «وانضم اليه عناصر من القيادة العامة والجبهة الديموقراطية والجبهة الشعبية». ويتابع أنه «غادر المخيم قبل يومين الى حي المزة، الى أن وصل (أمس) الى المصنع، فمخيم الجليل في بعلبك».
من بقي اذاً في مخيم اليرموك في دمشق؟ يقول الشاب طه إن نحو 70 في المئة من السكان غادروا الى وسط دمشق، والأغلبية منهم ينوون التوجه الى لبنان، مشيراً الى أنّ المخيم تعرض صباح أمس لقصف عنيف من راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة. وأضاف أن الدمار «لا يوصف، وهناك جثث في الشوارع لمقاتلين ومدنيين»، موضحاً أن «الجيش النظامي السوري يتمركز عند مداخل المخيم»، وأن اللجان الشعبيه فيه تلقت أوامر بإبلاغ السكان بمغادرة منازلهم ما بين الخامسة والتاسعة صباحاً (أمس وأول من أمس).
وليد هـ. (45 عاماً)، الذي غادر مخيم اليرموك مع زوجته وأولادهما الأربعة، يقول إن المياه والكهرباء مقطوعة عن المخيم منذ 4 أيام، لافتاً الى أن أغلبية السكان الفلسطينيين غادروا المخيم أو نزحوا الى أحياء أكثر أمناً في داخله. ويوضح وليد، الناشط في تنظيم فلسطيني داخل اليرموك، أن الجيش السوري النظامي أرسل اليهم قراراً بوجوب الابتعاد عن مسرح العمليات العسكرية أو الخروج من المخيم تمهيداً لـ«طرد المسلحين الغرباء منه».
وعند دخولهم الى نقطة المصنع الحدودية عانى النازحون إشكاليات إدارية منعتهم من الدخول الى لبنان، واضطر بعضهم الى المبيت أمام كافيتيريا الأمن العام اللبناني، الى أن أتت موافقة المدير العام للأمن بدخولهم، قبل أن يتوزعوا عند أقاربهم في المخيمات الفلسطينية في الجليل في بعلبك، وفي برج البراجنة في بيروت، وعين الحلوة في صيدا.
«رحلة التيه للعائلات الفلسطينية لم تتوقف عند مخيم اليرموك في دمشق. منذ 40 عاماً، تنقلت هذه العائلات في عمليات تهجير قسرية من مخيمي البرج في بيروت، وتل الزعتر. واليوم تعود الى ذاكرة الفلسطينيين، معاناة التهجير يشهد عليها جيل جديد ما كان بحسبانه أن يوماً سيأتي ويتهجرون منه من دمشق، الى لبنان»، يقول أنور الذي قضى ليلته برفقة عائلته المؤلفة من طفلتين وصبيين، إضافة الى زوجته، أمام مبنى كافيتيريا الأمن العام.
ويقول أنور إن السبب كان يتعلق في كون أوراق أطفاله الثبوتية ناقصة، «مع أنني حصلت على اذن موافقة مغادرة لي ولزوجتي من ادارة الهجرة والجوازات السورية، وعلى أساسه سمحوا لي بالخروج من سوريا»، فكان خياره المبيت في البرد القارس عوضاً أن يعود أدراجه خوفاً من الموت المتنقل في جميع المناطق السورية. يتابع وهو يوضب أغراضه في احدى السيارات المتجهة الى برج البراجنة «انتظرنا من الساعة السابعة مساءً حتى العاشرة صباحاً والحمد لله أتت الموافقة».
لم تنقطع دمعة ربى، ابنة العشرين ربيعاً، وهي تتحدث عن الخوف الذي يسيطر على المواطنين، تقول «الوضع أسوأ من اللي بتشوفوه بالتلفزيون، الخوف ملاحقنا من زاوية لزاوية». تروي كيف بدا المشهد الأخير للمخيم، بعدما تلقت، كما غيرها، عبر رسائل نصية على الهواتف الجوالة، وجوب ترك المخيم أول من أمس. من الساعة الخامسة فجراً حتى التاسعة صباحاً «أصبح المخيم متل مدينة أشباح. دمار وغبار، وصوت مدافع ورصاص». وتسرد حكايتها كيف انتقلت مع باقي أفراد أسرتها من المخيم الى منطقة السبع بحرات، ليتمكنوا من الحصول على موافقة مغادرة الى لبنان، باعتبار أن لديها أقارب لوالدتها في «الجنوب ولاد خالتي بمخيم عين الحلوة».
ومع تدفق النازحين الفلسطينيين برزت مشاكل متعددة لم تكن في حسبان الوافدين في مثل هذه الظروف الامنية والإنسانية السيئة، حيث إن السلطات اللبنانية لم تتخذ قرارات استثنائية لإزالة العراقيل أمام إدخال هذه العائلات في ظل واقع انساني يفرض نفسه يوماً بعد يوم.
لم يكن بحسبان جهاد وزوجته وأطفالهما الثلاثة، الآتين الى أقارب لهم في مخيم الجليل، أن تكون إحدى العراقيل ثمن دخوله الى لبنان، بحيث تقدر التأشيرة بـ25 ألف ليرة عن كل شخص، فكل ما يملكه من أموال، دفعها لسيارات الأجرة التي نقلته من مكان الى مكان داخل سوريا، الى أن نجح في الوصول الى كاراج السومرية، ما اضطره للانتظار ريثما يأتي قريبه من صيدا الى المصنع كي يدفع له 50 ألف ليرة ثمن تأشيرتين له ولزوجته. يقول «هين الانتظار ثلاث ساعات جنب اللي شفناه من الساعة الخامسة فجراً حتى الثالثة عصراً» ساعة وصوله الى نقطة المصنع الحدودية. حال أم طالب السبعينية، ليس أفضل، فهي تنتظر إنجاز معاملة دخولها مع أبنائها الى لبنان، الى مخيم عين الحلوة في صيدا، عند درج مبنى الأمن العام، تقول باكيةً «الله كاتب علينا النزوح، وان نُبقي مفاتيح ديارنا كي تذكرنا بالأيام الصعبة، الله يهدي البال ويرجع كل الناس على ديارهم».
اما أحمد العلي الذي عاد أدراجه هو وزوجته وأولادهما الأربعة، لأنه لم يتسن له الحصول على اذن مغادرة من ادارة الهجرة والجوازات في منطقة السبع بحرات، فيقول «رحت السبع بحرات، ومبنى الهجرة والجوازات مزدحم بالناس، يعني اذا وصل دوري انا وحظي يمكن يعطوني اذن ويمكن لأ، فما اتوقعت أن الأمن العام اللبناني يرجعنا في مثل هذا الظرف الاستثنائي».
كما برزت مشكلة أخرى تتعلق بالنازحين الذين يحملون جواز سفر فلسطينياً صادراً عن السلطة الفلسطينية، ويؤكد محسن أنه كان قد حصل على إذن مغادرة قبل اسبوع لكن «الأمن رجعنا لأننا نحمل جواز السلطة الفلسطينية، ومعي اذن مغادرة من سوريا، ايش السبب ما بعرف».
وفيما توزع بعض النازحين على أقارب لهم في لبنان، ملأ البعض الآخر ساحات البلدات في مجدل عنجر وبرالياس وتعلبايا وسعدنايل على أمل ايجاد مكان يؤويهم، بعدما أصبح إيجاد شقة أو سكن من سابع المستحيلات في تلك القرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عربيات
العدد ١٨٨٦ الاربعاء ١٩ كانون الأول ٢٠١٢

الأحد، 16 ديسمبر 2012

النازحون السوريون






                              «الحاجة أم الاختراع»... كرتون وبقايا أخشاب وزيوت مستهلكة للسيارات للتدفئة

         النازحون السوريون ... هربوا من «النار» فهل «يفترسهم» الصقيع؟


بيروت - من عفيف دياب |

.. في مزرعة كانت سابقاً مخصصة لتربية الأبقار وتحولت غرفاً لايواء النازحين السوريين الى سهل البقاع اللبناني، تخوض «ام خالد» معركة وقف تسرُّب مياه الامطار الى الغرفة التي خُصصت لها ولافراد عائلتها المؤلفة من زوج مريض و4 اولاد كانوا يرتجفون من البرد القارس الذي بدأ يضرب البقاع.
لم تعتد ام خالد على هكذا «حياة» قاسية يوم كانت في مدينتها حلب قبل ان تنجو من قذائف المدفعية وغارات المقاتلات الحربية. تحكي بحزن قصة حياة لم يُكتب فيها يوم هادئ منذ ان غادرت بلادها قسراً الى لبنان. في هذه الحكاية تجد في «حربها» مع فصل الشتاء «معركة مصير» لها ولاولادها وزوجها المريض العاجز عن العمل بعدما خضع لاكثر من عملية في القلب.
قلب ام خالد الذي استوعب قسوة قتل النظام السوري ليومياتهم الجميلة في حلب، لم يستوعب بعد قسوة المؤسسات الانسانية وهيئات الاغاثة اللبنانية والعربية والدولية التي تقف عاجزة عن تأمين الحد الادنى من متطلبات حياة آمنة في غرفة صغيرة تشبه «قبراً» كما تحب السيدة الحلبية وصفها.
اكثر ما يقلق ام خالد وأولادها اقتراب موسم تساقط الثلوج والحاجة الى «مقاومته» بالتدفئة. وتقول السيدة التي لن «تنهزم» ان المدفأة التي تتوسط الغرفة ليست الا شكلاً هندسياً «قد يُشعرنا وجودها بالدفء»، وتضيف «لقد أشفقتْ عائلة لبنانية علينا ومنحتنا هذه المدفأة ولكن من اين سنحصل على المازوت لتشغيلها؟».
وتشكّل معاناة هذه السيدة عيّنة مما تواجهه آلاف العائلات والأسر السورية اللاجئة الى سهل البقاع اللبناني والتي تقف اليوم عاجزة امام زحف البرد وهطول الامطار وتدني درجات الحرارة.
يتدبّر السوريون اللاجئون توفير المأكل والمشرب، ولكنهم الآن يقفون عاجزين امام توفير التدفئة المطلوبة خصوصاً شراء مادة المازوت التي يصل سعر الصفيحة منها الى 18 دولاراً اميركياً وهي لا تكفي ليومين لمواجهة البرد القارس. وتقول جهات متابعة في هيئات اغاثة دولية تعمل في منطقة البقاع ان توفير المازوت للعائلات الهاربة من سورية «غير ملحوظ في برنامجنا حتى الان، ولا يمكن لنا توفير المساعدة في هذا الامر».
وتكشف هذه الجهات لـ «الراي» ان قراراً لم يصدر بعد من المؤسسات الدولية الرسمية لتوفير المازوت للعائلات السورية اللاجئة الى لبنان، عازية الامر الى ان الامكانات المالية محدودة.
تقاعس هيئات الاغاثة عن توفير «التدفئة» للسوريين اللاجئين، لا يقف عند هذا الحد، بل يصل الى تخبط تعيشه هذه الهيئات والمؤسسات التي لم تنجز بعد عمليات احصاء أعداد اللاجئين في سهل البقاع. وتوضح اعمال هذه المؤسسات والهيئات ان مكاتبها في البقاع ليست سوى ادارية تتعاطى مع اللاجئين السوريين بفوقية وصولاً الى ابداء التذمر من اصرار اللاجئين على الاسراع في وضع حد لفوضى الاغاثة وتوفير المساعدات ولا سيما مع بدء فصل الشتاء.
ويكشف رؤساء بلديات قرى لبنانية التقتهم «الراي» في اكثر من منطقة بقاعية ان قدرات بلدياتهم لا تسمح لهم بتوفير مادة المازوت للعائلات اللاجئة القاطنة في قراهم. ويقول رئيس بلدية في سهل البقاع الاوسط انه ألزم اهالي بلدته بان يؤمّن كل شخص منهم عدة ليترات من المازوت لعائلات سورية لاجئة. واذ يوضح «نستطيع الزام الاهالي لمرة واحدة، واكثر من ذلك لا يستطيعون»، يشير الى ان «المؤسسات الدولية وهيئات الاغاثة لم تعط آذاناً صاغية لنا حين بدأنا بمناشدتهم الاستعداد لتوفير مادة المازوت للسوريين اللاجئين». ويضيف: «ان البرد القارس سيصيب اللاجئين بأمراض متنوعة ونحن نقف عاجزين. واتصالاتنا مع الهيئات الرسمية اللبنانية لم تعط نتائج حتى الان لتوفير المازوت».
معاناة العائلات السورية في سهل البقاع مع بدء فصل الشتاء، لا حدود لها. ففي بلدة المرج يقطن السوري محمد وزوجته وطفليْهما بعدما هربوا من منطقة تلكلخ قبل عدة اشهر.
فَقَدَ محمد شقيقه نتيجة قصف منزله، وانقطع التواصل مع والدته المجهولة المصير في تلكلخ. يرفض ان يذهب الى مركز اغاثة دولية لتسجيل اسمه، ولكنه لم يرفض «منحه» مدفأة من جار لبناني لا يختلف في فقره عن حال محمد.
ويقول اللاجئ من تلكلخ انه سيكتفي بـ «منظر الصوبيا» في وسط الغرفة ولن يقوم بإشعالها، موضحاً انه يمضي جل وقته ملتحفاً اغطية ويتابع مجريات التطورات العسكرية على ارض بلاده. ويضيف: «حالتنا صعبة جداً ولكن لن استعطي من احد لمنحي المازوت. هيئات الاغاثة تتفرج علينا وتريد اذلالنا وهذا ما لن أقبل به».
ويكشف الرجل الاربعيني ان عائلة سورية قريبة له «عادت الى تلكلخ ورفضت ان تبقى هنا منتظرة الموت من البرد. وانا سألحق بهم قريباً».
لا احصاءات دقيقة اليوم في سهل البقاع لأعداد العائلات السورية اللاجئة الى المنطقة، ولا لتلك التي عادت الى سورية لمواجهة الموت بدل «المذلة» هنا نتيجة تقاعس المؤسسات الدولية والانسانية.
وتشهد قرى البقاع يومياً تدفق المزيد من العائلات الهاربة من القصف والغارات الجوية، وعودة البعض جراء القهر. ففي بلدة سعدنايل اليوم اكثر من 1200 عائلة سورية لا توجد منازل لاستيعابهم حيث في البيت الواحد اكثر من عائلة تحتاج الى المازوت. نسوة وأطفالاً ورجالاً عادوا الى ارض المعركة. وهكذا الحال في بلدة عرسال حيث يوجد اكثر من 1600 عائلة تعيش بلا تدفئة، فيما الاحصاءات الاهلية المحلية تتحدث عن وجود اكثر من 100 ألف سوري لاجئ فقط في منطقة البقاع اكثر من نصفهم لم يسجَّلوا في جداول الهيئات الانسانية ومؤسسات الاغاثة ولم تلحظهم الحكومة اللبنانية التي لا تعطي أرقاماً دقيقة عن اعداد اللاجئين السوريين.
ويكشف متابعون في سهل البقاع ان غالبية العائلات السورية اللاجئة هي من النسوة والاطفال، وبالتالي فان امكان قيام احد افرادها بالعمل لتوفير الاموال لشراء المازوت محدود جداً. وتقول سيدة لاجئة من داريا في ريف دمشق وتتخذ مع اولادها السبعة مقراً للاقامة في محل تجاري سابق حوّله صاحبه الى 3 غرف للسكن، انها تجمع الكرتون يومياً لاشعاله في المدفأة مع بقايا أخشاب كان يمنحها اياها صاحب منشرة بالتساوي مع جيرانها في المحل التجاري. وتقول أم عبدالله ان «صاحب المنشرة لم يعد يستطيع تقديم ما يلزم للتدفئة فاضطررت لجمع الكرتون»، مشيرة الى «اننا مع بدء ساعات المساء الاولى «ننزل» جميعاً تحت الاغطية ونختبئ من البرد القارس».
ما توفره أم عبدالله لاولادها من كرتون للتدفئة، نجح الحاج احمد خ. من حمص في التفوق عليها فيه. فالرجل السبعيني القاطن في غرفة في سهل قب الياس استطاع جمع كميات من زيوت السيارات المستعملة يستخدمها في اشعال المدفأة. ويقول الحاج الذي يعيش مع أحفاده الستة ان هذا الحل الذي توصّل اليه «سيقضي علينا لاننا نتنشق روائح سامة». ويختم ضاحكاً: «اذا ما متنا من القصف راح نموت من الزيت المحروق».







الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

المستقبل وسكاف

 

 

المستقبل لسكاف: «تعا ولا تجي»



الترحيب «المستقبلي» لا يعني أن التيار بات جاهزاًً للتحالف مع «ابن سكاف» (أرشيف ـ هيثم الموسوي)
 
عفيف دياب
يبدي مسؤولون في تيار المستقبل ارتياحهم إلى زيارة رئيس الكتلة الشعبية في زحلة الياس سكاف للعاصمة السعودية. يرى التيار الأزرق في «حج» الزعيم الزحلي إلى الرياض «خطوة إيجابية»، رافضين الغوص في تفاصيل الزيارة، وآملين أن تليها زيارة ثانية يحكى عنها في كواليس التيار.
ويكشف مسؤولون في التيار الأزرق، في أول تعليق لهم على الزيارة، أن المحادثات «كانت جيدة وأعادت وصل ما انقطع نسبياً».
الترحيب المستقبلي المتأخر بالزيارة، يبرره بعض من في التيار بـ«تأخر تلقينا تفاصيل المحادثات». ويوضح هؤلاء أن سكاف عرض وجهة نظره «عموماً من دون الغوص في تفاصيل أسباب سوء الفهم» الناتج من «اصطفافه» مع فريق الثامن من آذار من 2005، ما «أدى إلى إحداث قطيعة بين الفريقين نتمنى أن تكون قد انتهت»، موضحاً أن سكاف ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل «لم يبحثا في الانتخابات النيابية اللبنانية قطعاً». وأكّد المصدر نفسه أن هذا الملف «لم يكن في جدول أعمال الزيارة أساساً»، التي «هدفت فقط إلى توضيح سكاف موقفه السياسي وأسباب اصطفافه مع فريق ضد آخر»، كاشفاً أن زعيم الكتلة الشعبية «طلب دعماً سعودياً لجهوده الهادفة إلى تحقيق استقلاليته السياسية واتخاذه موقعاً وسطياً، وسمع رداً وحيداً: إن شاء الله خيراً».
هذا الترحيب «المستقبلي» لا يعني أن التيار بات جاهزاًً للتحالف مع «ابن سكاف» في الانتخابات النيابية المقبلة في زحلة والبقاع الأوسط. ويرى أحد مسؤولي التيار أن من المبكر الحديث عن تحالف انتخابي، مشيراً إلى أن التواصل بين الطرفين «لا يزال خجولاً ومحدوداً ولم يصل إلى مستوى الصف الأول»، ولافتاً في الوقت نفسه إلى أن هناك تواصلاً على مستوى القواعد الشعبية والقادة المحليين في زحلة والبقاع الأوسط «بصورة غير رسمية». ويضيف: «لم تحصل لقاءات على مستوى عالٍ بيننا وبين سكاف منذ 2005»، مرحّباً بعقد لقاءات كهذه «حين يجد سكاف نفسه مستعداً لها أو يريدها». ويؤكّد المسؤول في المستقبل «أننا لم نقفل أبوابنا في وجه سكاف حتى في عزّ الخلاف بيننا، ولكنه هو من ابتعد، لا نحن»، مؤكداً أن أكثر من إشارة أُرسلت إلى رئيس الكتلة الشعبية لفتح قنوات اتصال وبدء نسج علاقة، و«لكنه لم يتجاوب مع إشاراتنا وبقيت العلاقة باردة رغم أننا وقفنا على الحياد في انتخابات بلدية زحلة (2010) ولم نتدخل فيها». ويشدّد على أن ما يحكى عن تحالف انتخابي «ليس صادراً عنا أو حتى عن سكاف، بل هو كلام الشارع لا أكثر ولا أقل»، مؤكّداً أن التحالف مع الزعيم الزحلي «يأتي من ضمن عقد سياسي ــــ انتخابي مع كل فريق 14 آذار، وليس مع طرف دون آخر».
يأتي هذا الكلام المستقبلي رداً على ما تردّد أخيراً عن إمكانية تحالف المستقبل ــــ سكاف على حساب القوات اللبنانية وحزب الكتائب في زحلة والبقاع الأوسط؛ إذ يؤكد المسؤول في المستقبل أن تحالف التيار مع القوات والكتائب «ثابت أساسي في الانتخابات المقبلة»، مشيراً إلى أنه «حين يعلن سكاف رغبته في الانضمام إلى هذا التحالف يمكن عندها الدخول في التفاصيل»، رافضاً الخوض في شروط تحالف كهذا. وأوضح أن لرئيس الكتلة الشعبية «حيثية لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، ولكنه لم يحسم خياره السياسي بعد، وهو حتى الآن يُعَدّ في جبهة الثامن من آذار، وإن كان يتحدث عن قراره المستقل». وأعرب عن اعتقاده بأن سكاف «غير قادر على فك تحالفه مع حزب الله بغض النظر عن علاقته السيئة مع التيار الوطني الحر والنائب نقولا فتوش»، مشيراً إلى أن «لأصدقائنا في القوات اللبنانية قراءة مفادها أن سكاف أقرب إلى القبول مجدداً بالتحالف مع حزب الله وعون وفتوش وحركة أمل من التحالف معنا». ويستدلّ على ذلك بـ«التواصل شبه اليومي» بينه وبين حزب الله الذي يخصّص له «موازنة مالية شهرية». ويضيف أن سكاف «وضع الحزب في صورة زيارته للسعودية، وقد دعمه الحزب وشدد على أهمية القيام بها». ويضيف المسؤول المستقبلي أن وارث الزعامة السكافية في زحلة «وضع شروطاً على تحالفه مع عون وفتوش، وحزب الله يعمل على تقريب وجهات النظر وتوحيد الجهود، وقد حقق تقدماً»، معرباً عن اعتقاده أن إمكانية عودة سكاف إلى تحالفه الانتخابي السابق «أقرب من إقدامه على تشكيل لائحة مستقلة أو التحالف معنا».
شرط تيار المستقبل للتحالف مع سكاف «واضح وصريح»: «الانضمام إلى صفوفنا والابتعاد فعلياً عن حزب الله». هذا الشرط، غير المعلن حتى الآن رسمياً، سيسمعه سكاف إذا ما حصل لقاء رسمي مع تيار المستقبل تعمل أكثر من جهة على تنظيمه. ويوضح متابعون أن «وسطاء يعملون على ترتيب لقاء رسمي بين الجانبين في بيروت»، وإذا ما نجحت هذه المساعي فإنها «قد تتوج بلقاء بين سكاف والرئيس سعد الحريري في الرياض أو باريس».

الجمعة، 30 نوفمبر 2012

اليسار الديموقراطي








          «اليسار الديموقراطي»: 

                           نحن أمّ الصبي 

 عفيف دياب

  أين «اليسار الديموقراطي» اليوم؟ الحركة التي انطلقت بزخم قوي سنة 2004 طارحة نفسها نموذجاً جديداً لليسار اللبناني، سرعان ما دخلت في جمود تنظيمي أسهم في تراجع حضورها بعد استفحال الخلافات الداخلية حول موقعها ودورها، وتحوّلها من حركة سياسية كان يعوّل عليها لأداء دور في استنهاض اليسار، الى حركة تحتاج اليوم الى من ينفخ الروح فيها لتستعيد نشاطها السياسي والتنظيمي والفكري.
حركة اليسار التي شهدت، منذ تأسيسها، انشقاقات وانسحابات، يجد من بقي فيها مبررات لتراجع حضورها السياسي والشعبي. يؤكد امين سرها وليد فخر الدين ان الحركة بدأت بـ «حوار داخلي يمهد لإعادة إطلاقها بزخم وطني»، موضحاً أنها مرّت في مرحلتين: «الاولى تأسيسية أخذت زخماً في شارع اليسار، وطرحت نموذجاً وطنياً وقدّمت شهيدها الكبير سمير قصير على محراب الوطن». أما الثانية، فأسهمت في تراجعها بسبب «الاغتيالات التي تعرضت لها قيادات ١٤ آذار، وبالتالي فان هذا الأمر انعكس سلباً على الحركة، التي لم تستطع العمل بفعالية شعبية على امتداد خريطة الوطن، مما أدى الى انكماش جمهورها».
لا ينفي فخر الدين وجود «انكماش» تنظيمي داخل الحركة، ولهذا قرّرت في مؤتمرها الأخير «ضخ دماء شابة في القيادة للعمل على إعادة لمّ الصفوف، وبلورة برنامج عمل يناسب المرحلة، ويكون قادراً على إعادة تجميع التيار اليساري العلماني ضمن الإطار الوطني العام، تحت شعارات ١٤ آذار (الحرية والسيادة والاستقلال) ومشروع بناء الدولة». يؤكد فخر الدين ان اليسار الديموقراطي «أُسست لضرورة وجود تيار يساري علماني لبناني عابر للطوائف»، لكن هذا التوجه العام لا موقع للحزب الشيوعي اللبناني ضمنه، الحركة «على نقيض مع الحزب الشيوعي حول رؤية أي لبنان نريد». فالحزب، وفق أمين سرّ الحركة، «جزء من المحور الإيراني السوري، بينما نحن جزء من الرأي العام السيادي والاستقلالي»، كما يشير الى ان هناك خلافاً كبيراً حول موضوع اسقاط النظام السوري، فـ «نحن مؤيدون للثورة السورية، وندعم الثوار سياسياً، ومع اسقاط ذلك النظام الديكتاتوري». مؤكداًَ في الوقت نفسه «أننا على علاقة جيدة مع حركة إنقاذ الحزب الشيوعي المعارضة لقيادة الحزب».
حركة اليسار الديموقراطي لا ترى في الحزب الشيوعي رافعة لليسار في لبنان، فالحزب الذي ولدت من رحمه «يتخبط»، و«ابتعد نهائياً عن الهم الوطني اللبناني»، و«تحوّل الى تابع لقوى الأمر الواقع السوري، وهو منخرط بالكامل في مشاريع الممانعة ويقع تحت سيطرة حزب الله وسوريا». ويلفت فخر الدين الى ان النائب السابق إلياس عطا الله، الرئيس الحالي للحركة، «كان عضواً قيادياً في الحزب الشيوعي، وكان يتقدم الخط المواجه لسوريا في القيادة، والرافض لهيمنتها على الحزب والمقاومة الوطنية اللبنانية».
الكلام عن عطا الله في حركة اليسار الديموقراطي يفتح الباب على مدى هيمنته على الحركة وتأثيره المعنوي عليها، يقول فخر الدين إن عطا الله «قاتل إسرائيل وسوريا»، وهو «مؤسس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وفي قلب المعركة اليوم مع النظام السوري»، موضحا أن «الجميل» في عطا الله «واقعيته، فهو تنحى من موقع أمانة السر للحركة طواعية وفتح الباب أمام جيل الشباب ليتبوّأ مراكز قيادية فيها»، مؤكداً ان النائب السابق «يحرص على استكمال الحوار مع المقاطعين للحركة وعلى توسيع قاعدة اليسار الديموقراطي».
حركة اليسار الديموقراطي، التي شهدت ابتعاد ابرز مؤسسيها، الياس خوري ونديم عبد الصمد وزياد ماجد وغيرهم، عن واجهة المشهد السياسي والتنظيمي للحركة، تجدّد تأكيدها انها مكوّن مؤسس لحركة 14 آذار، وتعتبر نفسها «ام الصبي»، كما يقول فخر الدين الناشط اليوم في عقد حلقات حوار داخلي مع رفاقه المغادرين او المعتكفين، لاعادة الحركة الى زخمها، واخذ موقعها «الصحيح». يؤكد ان «همّ» حركته اليوم، عدا الداخلي ــــ التنظيمي، هو «عدم انحراف 14 آذار عن التوجه الاستقلالي وبناء الدولة»، موضحاً «أننا في الامانة العامة لـ14 آذار نؤدي دور المشاغب ونرفع الصوت حين نشعر بأن دور قوى 14 آذار السياسي يتراجع عن الثوابت، ونعمل على اطلاق دينامية تبقي ١٤ آذار في قلب الحدث، وتحافظ على انجازات الرأي العام الـ١٤ آذاري وتخرجه من التناقضات التي يمكن أن تؤثر في أدائها وتبعدها عن جمهورها». ويشدّد على ان «14 آذار وجدان وحس شعبي قبل أن تكون أحزابا وشخصيات لا يمكن اختزالها أو تجاوزها». لكنكم لا تتمايزون عن الموقف العام لـ14 آذار؟ يرفض وليد فخر الدين هذا «الاتهام او التبعية»، مذكّراً بأن حركته «عارضت» الاتفاق الرباعي وانتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب و«عارضنا اتفاق الدوحة ومفاعيله، ورفضنا صيغة الـ (س ــــ س)، وبالتالي بقيت الحركة محافظة على موقعها المتمايز والمستقل».

منير بركات







            منير بركات (أبو الثوار):

              لسنا يساراً درزياً أو جنبلاطياً


عفيف دياب
تغلب قائد «الحركة اليسارية اللبنانية» منير بركات (ابو الثوار) على المرض الذي كاد يفتك به قبل سنوات. المتمرد «صاحب الارواح السبعة» الذي طرد من الحزب الشيوعي عام 2005، يتهمه شيوعيو لبنان بأنه «صنيعة» النائب وليد جنبلاط لاثارة البلبلة داخل الحزب وتقسيمه مجموعات. ولأن «اكرام الميت دفنه»، كانت لدى جنبلاط وبعض الشيوعيين داخل الحزب وخارجه نظرية تتحدث عن «موت الحزب» ووجوب تقاسمه حصصاً وفق الالوان المذهبية، فكانت مجموعة منير بركات من حصة النائب الاشتراكي ومجموعة اليسار الديموقراطي من حصة تيار المستقبل، الى مجموعات خرجت من الحزب والتقت مع التيار الوطني الحر وحزب الله وصولا الى نيل النظام السوري حصته من الحزب أيضاً. هذه النظرية يرفضها بركات جملة وتفصيلاً، ويتهم قادة في الحزب بـ «فبركتها» لتشويه حركته الاعتراضية او حركة رفاق آخرين انشقوا عن الحزب «نتيجة فشل محاولات التطوير الديموقراطي داخل الحزب، وهيمنة المتشددين عليه وخطفه الى مواقع سياسية وتحالفات طائفية لا تعبّر عن موقف الشيوعيين اللبنانيين، كحال تحالفه اليوم مع حزب الله والنظام السوري».
في مدينة عاليه، حيث يقطن بركات ويتخذ من منزله مقراً رئيسياً لحركته و«أبيع ارضاً ورثتها عن اهلي لاعيش»، يرفض اتهامه بأنه «صنيعة جنبلاطية»، ويقول: «لست منير بركات جنبلاط كما اتهمني الرفيق زياد الرحباني على اذاعة صوت الشعب». ويضيف: «انفصلنا عن الحزب لاسباب منها التنظيمي والفكري والسياسي، وحركتنا الاعتراضية داخل الحزب تعود الى ما قبل 2005»، لافتاً الى ان خلافه مع الحزب الذي انتسب اليه «شبلاً مقاتلاً في الجنوب» سنة 1969 يعود الى قناعته بأن «التغيير من داخل الحزب أصبح مستحيلاً». يرفض بركات بشدّة أن تكون «انتفاضته» قد جاءت بدعم وتحريض من جنبلاط لتصفية حساباته مع الحزب الشيوعي، مؤكّداً ان علاقته بالزعيم الدرزي «تعود الى ايام الطفولة في المختارة». ويشدّد على ان جنبلاط «اكثر حرصاً مني»، مؤكّداً ان «مشاكل الحزب الداخلية من مسؤولية الحزب أولاً وأخيراً».
«قصر نظر» 14 آذار في القراءة السياسية، يسمح لمنير بركات بانتقادها بشدة، ولا سيما أن قوى هذا التجمع «خانت مبادئ ثورة الارز واضاعت فرصا كثيرة على لبنان». ويقول: «رفضنا ان نكون في الامانة العامة لقوى 14 آذار، وهم يعتبرون الرفيق الياس عطا الله ممثلا لليسار ولا يريدون الاعتراف بغيره». يؤكد بركات ان بين حركته اليسارية و14 آذار «نقاطاً خلافية ابرزها التراجع عن مشروع بناء الدولة»، ويقول: «لا وجود اليوم لـ14 آذار الا بالعودة الى مشروع بناء الدولة»، نافيا ان يكون انتقاده نابعا من عدم تلقي حركته دعما ماليا من تيار المستقبل. واعتبر ان موقف جنبلاط من اغتيال اللواء وسام الحسن «كان عاقلا اكثر من موقف تيار المستقبل وبقية مكونات 14 آذار»، مشيراً الى أن «14 آذار ادارت معركتها بطريقة خاطئة. وحده جنبلاط ادارها على نحو صحيح. فسدّد سياسياً على رأس المتهم بالاغتيال (النظام السوري) وهادن الاطراف الداخلية (حزب الله) منظماً الخلاف معه». ويلفت الى ان 14 آذار «تريد فتح معركة على كافة المحاور وتهديد السلم الاهلي، بينما الرفيق وليد (جنبلاط) يريد حماية البلد ويرفض الحروب الداخلية المجانية».
«ابو الثوار» يؤكد ان حركته «اقوى مما يعتقد البعض، وهي منتشرة في كل لبنان وتضم المئات من مختلف الطوائف والمذاهب»، موضحاً ان «الثقل» يتركز في جبل لبنان الجنوبي، من دون أن يعني ذلك أن حركته درزية، لافتاً الى أن البيئة السياسية التي تعيش فيها «تتميز بطيف سياسي وطائفي متنوع»، لكن «بحكم وجودنا في جبل لبنان الجنوبي فان انتشارنا اكبر في الوسط الدرزي والسني والمسيحي».

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

آية الشتاء





                         آية الشتاء



الشتاء آية لا يُتقن تجويدها إلّاكَ

تعالَ .. يحلو  بكَ الشتاء
***
 سبَحت بشفاهكَ أرجائي منتشية

.. وكبّرت!
                                                    (يسرى)



الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

رغبة الملائكة



               رغبة الملائكة



 سهواً سقطت بين موجكَ..
عمداً أقطف العنب من شفتيك..
ترسم بشفتيكَ خط الأفق لحظة غياب
فترقص عليه ملائكة الرغبة.. ذات جنون ومدى
وأصابع الشهوة تجمع الموج
ويموج على جسدها البحر عارياً
يرتل صلاة تشبه قبلاتك
***
آخر الهاجس أنتَ..وأول المستحيل
آخر بقعة في خارطة رحلتي
وأول تيه لحقائبي بين تمرد الأنواء والمطر
وأنتَ أول الشعر عند صهيل التلاقي.
(يسرى)