الخميس، 27 ديسمبر 2012

حكايا الفواجع







حكايا كـ «الفواجع» عن «بابا عمرو» آخر في المخيم الدمشقي

  عفيف دياب:
يختلف اسم المخيّم من سنة الى أخرى... ولا يختلف طعم الموت. تقول الناشطة اللبنانية ايناس القادري في معرض تعليقها على ما يجري في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق: انها «مقتلة» شعبٍ وُلد من رحم «نكبات» العرب.
لم ترحم صواريخ طائرات «الميغ» سلمى وهي تحاول الهرب من قنّاص في شارع فلسطين داخل مخيم اليرموك في دمشق قبل ايام. وتحكي «ام سلمى« قصص الموت في يرموك الشام، وقصة وحيدتها. تحبس الحاجة الثمانينية دموعها وتروي بصوت متهدج «مقتل» ابنتها في مخيمٍ أصبح نكبتها الفلسطينية الجديدة.
لم تتعب ابنة مدينة صفد من النكبات والنكسات، ولا من «طعن» الخناجر. في العام 1948 هربت «ام سلمى» من صفد الى لبنان. وبعد مقتل زوجها في مخيم تل الزعتر قرب بيروت العام 1975 هربت مع وحيدتها الى مخيم اليرموك. هناك عاشت اجمل ايامها قبل ان تتلقى خبر استشهاد زوج ابنتها سلمى في مواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي في حصار بيروت 1982. خبرٌ أحزن الاسرة قبل ان تسمع خبر استشهاد وحيد سلمى في ما عُرف بحرب تصفية «الزمر العرفاتية» في مخيم صبرا في بيروت العام 1986 والتي كانت تخوضها حركة «امل» اللبنانية نيابة عن النظام السوري.
تعتصم «ام سلمى» اليوم بالصمت... أنهكتها حكايتها وحكايا فلسطين الباكية ابداً والحزينة دائماً. بالامس تركت سلمى جثة هامدة في مخيم اليرموك، وها هي اليوم لا تدري إن كانت ستعود الى «يرموكها»، ولكنها لم تقطع الامل بالعودة الى فلسطين.
اكثر من 10 ساعات امضتها أم سلمى حتى وصلت من دمشق الى الحدود اللبنانية. عند نقطة عبور المصنع في سهل البقاع اللبناني، عانت من ذوي القربى و«ولاد الحلال كتار... ساعدوني حتى وصلت الى مخيم الجليل (بعلبك)».
اكثر من 1200 عائلة فلسطينية وصلت الى سهل البقاع اللبناني هاربةً من الموت في المخيم الدمشقي. يحكي اللاجئون عن «يوم القيامة» في مخيمٍ نصفه مدمّر بالقصف المدفعي والصواريخ، ونيران الحرائق تلتهم نصفه الاخر.
وتقول السيدة ام خالد ع. الهاربة مع اولادها الاربعة انهم خرجوا تحت القصف و«انتقلنا من حارة الى حارة حتى وصلنا الى ساحة السبع بحرات في دمشق». وتضيف: «المخيم مدمر. لا أعرف اذا اشقائي احياء ام اموات». وتقول جارتها ام حسين خ. ان شارع فلسطين في المخيم دمر بالكامل و«يا محلا بابا عمرو». وتتابع انهم اجبروا على اخلاء مخيم اليرموك و«انتظرنا 7 ساعات امام مقر الهجرة والجوازات في دمشق حتى يُسمح لنا بالمغادرة الى لبنان». وتؤكد انها اضطرت الى دفع رشى مالية حتى تتمكّن من الخروج من دمشق الى البقاع اللبناني.
تحكي الفلسطينية ام خالد كيف نزحت من حي التضامن في دمشق الى داخل مخيم اليرموك قبل عدة اشهر و«هلق هربنا الى لبنان». وتضيف: «كل المخيم صار خرابا. لا ماء ولا كهرباء ولا مازوت للتدفئة. اللي صار معانا مؤامرة على الفلسطيني».
وتلفت ام خالد الى ان القصف استهدف كل حي شارع فلسطين ومسشفى الباسل وشارع لوبيا في مخيم اليرموك، موضحة ان القصف المدفعي العنيف «اضطرنا للمغادرة، وكانت اللجان الشعبية قد طلبت منا المغادرة».
«النكبة» الفلسطينية الجديدة على ارض دمشق هذه المرة، وضعت القوى واللجان الشعبية الفلسطينية والهيئات الدولية امام امتحان كبير في لبنان. ففي سهل البقاع وصل عدد الهاربين من الموت في مخيم اليرموك الدمشقي الى 1200 عائلة «هبطت» فجاة على أقرباء لاجئين في مخيم الجليل قرب مدينة بعلبك وفي مختلف قرى البقاع الاوسط.
ويقول عبدالله كامل من اللجان الشعبية الفلسطينية ان المعاناة الكبرى هي في توفير المأوى للنازحين من مخيم اليرموك، موضحاً لـ «الراي» ان اللاجئين الفلسطينيين في سهل البقاع اللبناني استطاعوا جمع مساعدات غذائية وملابس وأغطية للوافدين الجدد من اهلهم، لافتاً الى ان السلطات اللبنانية لم تحرك ساكناً، وان الهيئات الدولية ساهمت في شكل خجول في تأمين بعض الاحتياجات الضرورية.
في مخيم الجليل، تبرز معاناة الوافدين من مخيم اليرموك. فالمخيم الصغير لا يمكنه استيعاب اللاجئين الجدد. اكثر من 550 عائلة وصلت خلال 36 ساعة الى الجليل. ويقول امين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في البقاع خالد عثمان ان التحدي الاكبر هو ايواء هذا العدد المرشح للارتفاع، موضحاً ان لا منازل خالية او غرف متوافرة للايواء، مناشداً المجتمعين العربي والدولي مدّ يد المساعدة، وخصوصاً ان الواقع العسكري في دمشق سيؤدي الى تدفق المزيد من النازحين الفلسطينيين.

ليست هناك تعليقات: