الثلاثاء، 31 يناير 2012

" كلاشن" المقاوم منصور


قصة قصيرة




" كلاشن" المقاوم منصور
عفيف دياب
 .. في السادس عشر من شهر أيلول سنة 1982، صدر بيان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من بيروت المحاصرة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ، ودعا الجميع إلى حمل السلاح ومقاومة العدو الإسرائيلي.
تبلغ " منصور" الأوامر من قيادة الحزب الشيوعي اللبناني بضرورة عودته إلى قريته الجنوبية المحتلة في العرقوب، والالتحاق برفاقه هناك لتشكيل مجموعات مقاومة تضرب الاحتلال الإسرائيلي في مختلف مواقع انتشاره في منطقة حاصبيا ـ مرجعيون.
حمل منصور سلاحه الفردي، واستطاع الوصول إلى قريته بسهولة، مكث أسبوعاً كاملاً ، ثم باشر الاتصالات " بالرفاق " والتحضير لعملية نوعية ضد دورية إسرائيلية تعبر يومياً طريق حاصبيا ـ مرجعيون.
قاد مجموعته إلى المكان المحدد ومعه سلاحه الذي حمله من بيروت المحاصرة إلى الجنوب المحتل. نجحت العملية وسقط عدد من القتلى والجرحى من دورية الاحتلال ، وكانت العملية الأولى من نوعها في المنطقة ، ووصل صداها إلى القرى والبلدات.
رفض "منصور"  تغيير  "الكلاشن" على الرغم من وصول أسلحة من قيادة المقاومة لمجموعته، فهذا " الكلاشن" عزيز على حامله ، ورافقه طوال فترة مقاومة الاجتياح. " ما بعرف قوص بغير هالكلاشن" يقول "منصور ".
شارك "كلاشن منصور" في أكثر من 17 عملية مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي في منطقة مرجعيون ـ حاصبيـا، إضافةً إلى أنه كان الزميل الدائـم لحامله في أكثر من عملية  "زرع عبوات ضد الدوريات" ونصب صواريخ "107" .  فالرفيق منصور كان لا يستطيع التحرك أو التنقل من دون "الكلاشن"،  فكان دائماً في المخبأ السري في سيارته التي كان يتجول بها في طول المنطقة وعرضها، مستطلعاً ومنفذاً ومرافقاً للمقاومين .
استمر "منصور" على هذا المنوال حتى العام 1985 عندما شعر الاحتلال الإسرائيلي أن مجموعات المقاومة تأخذ من قرى العرقوب مراكز انطلاقتها ومخازن أسلحتها، فكثّف دورياته ونشر رجال مخابراته في القرى، في محاولة منه لكشف هذه المجموعات واعتقالها لوقف العمليات العسكرية ضد مواقعه ودورياته.
وبعد أن فشل في تحقيق أهدافه، نظم حملة إعتقالات عشوائية طالت أكثر من 250 شاباً وشابة من قرى العرقوب في سنة 1985، وشملت من عمر  17 سنة وحتى ألـ 65.
طال اعتقال "منصور" ونقل مكبلاً إلى ثكنة مرجعيون معصوب العينين. أربعة أشهر أمضاها بين التحقيق والضرب: ولم يعترف " نافياً كل التهم الموجهة إليه. فشل العدو بأساليبه النازية من انتزاع اعترافات "منصور". أفرج عنه وعاد إلى قريته، وقرر  توجيه ضربة مؤلمة للعدو. اتصل بقيادة "الجبهة" طالباً دعماً من مجموعة ترسل إليه لتنفيذ عملية على طريق مرجعيون ـ الخيام.
لبّت القيادة الطلب، فعملية ناجحة تؤكد للعدو أن حملة اعتقاله للشباب فاشلة ولن ينجح في وقف العمليات العسكرية ضد دورياته ومواقعه.
وصلت "المجموعة" إلى المكان المتفق عليه، والتقت "منصور" المنتظر بفارغ الصبر مع "الكلاشن" العزيز عليه. وانطلقت االمجموعة  سيراً على الاقدام ليلاً حتى وصلت إلى مشارف طريق الخيام ـ مرجعيون حيث كمنت بانتظار مرور الدورية، و" كلاشن" منصور ينتظر لإفراغ رصاصاته بعناصر الدورية.
أكثر من نصف ساعة ولم تمر الدورية ، مشاورات سريعة بين منصور وأفراد المجموعة، "الانتظار ساعة كاملة" وفي حال لم تمر الدورية الانسحاب إلى طريق حاصبيا ـ ابل السقي وضرب إحدى الدوريات الأخرى التي تخرج من مستعمرة ابل السقي باتجاه حاصبيا.
لم تمضِ ربع ساعة حتى بانت طليعة دورية الاحتلال من محلة "الدردارة"، ووصلت إلى مرمى نيران المجموعة، أعطى منصور " الأمر " وانهمر الرصاص وقذائف "ألار.بي.جي" خمسة قتلى و 4 جرحى للعدو حسب اعتراف إذاعته.
فقد العدو صوابه ، وأيقن أن حملة الاعتقالات كانت فاشلة. ولكنه نظم حملة أخرى طالت مرجعيون والخيام وقرى العرقوب وحاصبيا.
غادرت المجموعة إلى قواعدها ، وعاد " منصور " إلى منزله في العرقوب ، نام مرتاحاً وفرحاً.
وفي اليوم التالي ، شعر أن رجال مخابرات العدو يراقبونه، متسائلاً في نفسه "هل يريدون اعتقالي أم يريدون الكلاشن الذي قاومهم من بيروت إلى الجنوب ؟".
أجرى "منصور" اتصالاً بقيادة المقاومة، ووضعها في "الأجواء" وصدر القرار بضرورة مغادرته المنطقة فوراً، وتسليم ما بحوزته من أسلحة وذخائر إلى شخصٍ حددته القيادة له. أنجز الرفيق "منصور" المطلوب منه، ولكنه احتفظ لنفسه "بالكلاشن" العزيز عليه، وطمره في مكان محدد حتى يعود إليه في أي لحظة.
طال غياب "منصور" عن القرية، ولم يستطع زيارتها إلا يوم النصر والتحرير سنة 2000. وأول ما فعله التوجه إلى مكان "الكلاشن" وإخراجه إلى الشمس والحرية. وكانت المفاجأة: "الكلاشن" في وضع مهترئ جداً بسبب تسرب المياه إلى مكان "طمره"، ولكن هذا الأمر لم يمنع " منصور"  من حمله والتجول به في قريته بحرية كاملة بعد ان اسهم في عودته الى ارضه وبيته.
              

ليست هناك تعليقات: