الجمعة، 18 يناير 2013

اصابع شرهة





           أصابع شرهة 

ثمّة أصابع لا يراها أحد
بذات الخفّة
توسوس لأقراط القبلات
تبعثر الشوق والعتاب وألأرق
مثل سلة فاكهة
بذات الخفّة
تحشو الوسائد والشراشف الغافية
طيورا من غيم حين يمطر وعرق
ثمّ تفرّ..

فهل عرفتها؟!
                               (بثينة الزغلامي)

الأربعاء، 16 يناير 2013

ابيض حلو




                     أبيض حلو 


« أرسم على شبّاكي
حقلا يتبعك
بنهار يشرق جيّدا
أناملك نواقيس خفيفة
تفضح شهقتي وأنفاسك
مثل ثلج ناعس
يعلو سابحا فوق وجيب مكتوم
نتعمّد أن نذيب بياضه
في شتاء عالق بممرّات الموت
بحرائق أكثر
وحزن أقلّ!!

                                                  (بثينة الزغلامي)

الثلاثاء، 15 يناير 2013

شهوة النار





                شهوة النار 


لا تفكّر في المساء
أنا سأختار من الألوان
ما أظنّه شبيها بشهوة النّار
وأنت ستحتال على الأشكال
لا بأس بحبّة جوز جدّ فاضحة
مثل أربعة شفاه رعناء »

                                        (بثينة الزغلامي)
 

الخميس، 10 يناير 2013

مع الجيش الحر



               

 

                ضغط العمليات ألزم النظام على إعادة التموضع 

60 كيلومتراً مع لبنان أصبحت تحت إشراف الثوار وأنصارهم من المدنيين

سهل رنكوس
سهل رنكوس
| عفيف دياب |

حقّق «الجيش السوري الحر» إنجازات عسكرية مهمة على مسافة لا تقل عن 60 كيلومتراً مع الحدود اللبنانية وبعمق حوالي 25 كيلومتراً في المناطق التابعة لريف دمشق الغربي.
وكشفت مصادر عسكرية في الجيش الحر لـ «الراي» ان «كتائب متنوّعة من الفرقة الرابعة التابعة للجيش النظامي انسحبت تحت وطأة هجمات «الحرّ» من عشرات المواقع القتالية ومن نقاط حدودية مع لبنان».
واوضح المصدر العسكري الذي جالت معه «الراي» في عدد من المواقع التي اخليت وأصبحت تحت سيطرة فصائل من «الجيش الحر» ان «الجيش النظامي لم يعد قادراً على تأمين وحماية قواته المنتشرة في مناطق مختلفة من بلاد القلمون السورية»، كاشفاً ان «العمليات النوعية للجيش الحر في محيط ريف دمشق، ألزمت قوات النظام على إعادة التموضع وسحب قوات قتالية من مواقع انتشارها على الحدود مع لبنان».
واكد المصدر ان «طرق الامداد التابعة للجيش النظامي سيطر عليها الجيش الحر، وان اكثر من 60 كيلومتراً مع لبنان اصبحت تحت اشراف مجموعات من الثوار وأنصارهم من المدنيين، وان عشرات المعابر في الجبال والاودية المتّصلة مع لبنان هي اليوم تحت عهدة الجيش الحر».
إنجازات الجيش الحر شملت السيطرة على اكثر من 14 حاجزاً عسكرياً للجيش النظامي تمتدّ من يبرود شمالاً الى رنكوس ومزارعها جنوباً مروراً بعسال الورد وأطرافها وعشرات المزارع والقرى الاخرى اضافة الى تحقيق تقدم عسكري في منطقة النبك حيث سيطر الجيش الحر على عدد من مواقع الجيش النظامي.
وكشفت مصادر عسكرية في الجيش الحر لـ «الراي» ان «جميع الطرق في منطقة القلمون اصبحت تحت عهدة الجيش الحر، وان الجيش النظامي لم يعد قادراً على استعادة ما خسره من مواقع»، مؤكدة ان «ضغط الجيش الحر وحصاره لمواقع عائدة للجيش النظامي ألزمت الاخير بالانسحاب من جرد تل فيتا وحلبون المتاخم للبنان والمتصل مباشرة بسهل رنكوس».
واوضحت مصادر «الحر» ان «عديد وعتاد لواء كامل من الفرقة الرابعة تم سحبه، وان غنائم عسكرية كثيرة استطاع «الحر» السيطرة عليها، معدِّدةً اهم الحواجز التي تمت السيطرة عليها وابرزها حواجز الصهريج والبهتون والــقــاقية والقوز وجب مرهج والمنطار والجوزة والقنجة وقرنة وسبنا وموقع عريض عسال الورد»، ولافتة الى انه «تمت السيطرة ايضاً على مرابض مدفعية متوسطة، كما غنم الجيش الحر دبابات وعربات قتالية وآليات عسكرية اخرى».
ولكن لماذا انسحب الجيش النظامي من منطقة حدودية مع لبنان تعتبر استراتيجية؟ يقول مصدر عسكري في الجيش السوري الحر لـ «الراي» ان «ضغط عمليات «الحر» ألزمت النظام على اعادة التموضع، وان معركة دمشق الفاصلة قد بدأت»، مؤكداً ان «الجيش الحر لم يدخل القرى والمزارع «المحررة» انما ترك الامر للجان الشعبية التي تتولى التنظيم ومتابعة الشؤون اليومية للاهالي».
وكشف المصدر ان «الجيش النظامي بدأ بتنظيم خط دفاعي جديد يشكل حماية للريف الشمالي ـ الغربي لدمشق، وانه باشر جمع قواته للتقليل من الخسائر والحدّ من التوسع العسكري له بعد ان مني بعجز كبير في تأمين الامدادات لوحداته التي تقطعت اوصالها كنتيجة طبيعية لهجمات الجيش الحر».
وتحدّث المصدر نفسه عن ان قوات النظام السوري بدأت بتعزيز تواجدها في جعبدين وتلال معلولا واكوبر وتوانة وسهل صيدنايا ومنين والتل ومعربة، مشيراً الى ان «هذه التعزيزات التي تشمل بناء خط دفاعي جديد عن شمال ـ غرب دمشق وريفها، يهدف الى الاستعداد للمعركة المقبلة على دمشق»، وكاشفاً ان الجيش الحر «عزز وجوده في ريف دمشق الجنوبي والشرقي».
سيطرة «الجيش الحر» على اكثر من 60 كيلومتراً كخط حدودي مع لبنان في جانبه السوري، سمح للمواطنين السوريين بهامش واسع من الحركة وتفقُّد ممتلكاتهم وتبادُل الزيارات بين القرى بعد طول منعٍ وحصار.
وتحدث أكثر من مواطن عن بدء عودة الحياة الى طبيعتها بعد حصار شديد تعرّضوا له من جيش النظام الذي كان يمنع التجوال والحركة ويستهدف القرى بالقصف المدفعي او بالرشاشات والاقتحامات.
ففي عسال الورد اخذت الحركة تعود الى طبيعتها، وهكذا الحال في رنكوس وحوش عرب وجبة الصرخة ورأس معرة وغيرها من القرى والمزارع. فيما باشرت اللجان الاهلية باعادة ترميم شبكات خطوط التيار الكهربائي وترميم الطرق وبدأ عمل مخابز الافران ومحطات وقود يؤمن لها الجيش الحر ما أمكن من بنزين ومازوت.
هذه التطورات العسكرية القريبة من حدود لبنان الشرقية، ستسمح للجيش الحر بتعزيز وجوده والعمل على تحرير مساحات من المــناطــق الحـــدوديـــة مـع لبنان.
وقد كشفت مصادر عسكرية في «الجيش الحر» ان الظروف المناخية والطقس البارد سيسمحان للحر بالتقدم اكثر نحو مواقع جديدة للنظام تُعتبر محاصرة والامدادات لا تصلها، وان عجز جيش النظام عن دعم قواته سيرفع من حالات الانشقاق «حيث سجلت مئات حالات الفرار من مواقع عسكرية استراتيجية والتحاق الفارين بالجيش الحر ومجموعات الثوار».
واعربت هذه المصادر عن اعتقادها ان الجيش الحر على وشك السيطرة على اكثر من 20 كيلومتراً اخرى مع لبنان تابعة لمحافظتيْ ريف دمشق وحمص في الجانب السوري من سلسلة جبال لبنان الشرقية.
وبإزاء هذه الانجازات العسكرية، وفتْح الجيش الحر كوّة كبرى مع حدود لبنان، وُضعت القوى الامنية اللبنانية في حال جهوزية ومتابعة دقيقة لما يجري على الجانب السوري من الحدود.
وقالت مصادر امنية لبنانية لـ «الراي» ان سيطرة الجيش السوري الحر على اكثر من 60 كيلومتراً من مناطق حدودية مع لبنان، سيؤدي الى رفع جهوزيتنا لمراقبة الحدود، رغم ان الثلوج والطقس العاصف سيؤديان الى الحد من العمليات العسكرية السورية.
واوضحت هذه المصادر ان القوات العسكرية اللبنانية عزّزت من مراقبتها للحدود، كاشفة ان عمليات التهريب تراجعت الى حدود الصفر، مؤكدة ان عمليات تهريب الاسلحة الى سورية من لبنان تراجعت بنسبة 90 في المئة، وان السوق السورية لم تعد بحاجة الى سلاح فردي بعد تزايد السيطرة من المسلحين السوريين على مخازن تابعة للجيش السوري (النظامي).
وقالت هذه المصادر ان تهريب الاسلحة الثقيلة من لبنان أمر غير وارد نظراً لعدم توافره في السوق المحلية، معربة عن اعتقادها ان سيطرة الجيش الحر على خط حدودي واسع مع لبنان لا يمكن ان يؤدي الى تغيير المعادلة من الجانب اللبناني، لافتة الى ان «اهتمامات الجيش الحر منصبّة الان نحو الداخل السوري وليس نحو لبنان»، ولذا ترى هذه المصادر الامنية اللبنانية ان لا تغييرات طارئة على الحدود مع لبنان من الجانب السوري.






حاجز تفتيش في رنكوس
حاجز تفتيش في رنكوس
موقع لحرس الحدود
موقع لحرس الحدود
في عسال الورد
في عسال الورد
موقع سابق قرب الطفيل
موقع سابق قرب الطفيل
 موقع آخر لحرس الحدود
موقع آخر لحرس الحدود
 

الأحد، 6 يناير 2013

ما بعد اللقاء الاول



             " ما بعد اللقاء الأول"


تجتاحني رائحة البخور, وكأنها عدة الكهنوت السرية
وأنا أتذكر ياسمين سهرتنا..

كيف نسيت عيناي هناك معلّقة بين الجدران؟
كيف تركت دفئي يجالس أقمشة المقاعد والاشياء المنثورة في تلك الردهة؟
وكيف تجرّأت على ملامسة زواياي دون ان احترق؟

رقصت في عينيك بعدما لبستها, ولبست لون سكينتها الوردي
وطرت ارفرف فوق اماكني....اماكنك...!!

 تربعت على عرشي , وقلت لك...انا هنا إصعد وخذ قيلولة الزمن القادم
فهناك حيث يطير الحمام ...يحطّ الحمام
قد حلّ بيَ التعب

على راحات كفيَّ كنت ترقص دونما اهتمام
 ترشرش بقايا العطر فوق رخام أيامي وتلقي
يا سيد الارض, كم نحتاج من الوقت كي ننتهي ,
و يجتاحنا السلام؟

                                                                                       (ميسون حمزة)

الجمعة، 4 يناير 2013

قرية الطفيل





                    الطفيل: حصار الثلج والنار

 عفيف دياب



تبحث الطفيل، المعلّقة بين السماء والأرض، عن بصيص نور يشدّ بلادها إليها. القرية التي تشرق منها الشمس على بلاد مأزومة، لم تتعب من البحث عن سر ظلم ذوي القربى وسيوفهم القاتلة. الطفيل المنسية، شرقها السوري مزنّر بالنار وغربها اللبناني بثلوج تشدّ الخناق على بشر يعيشون من «قلة الموت»
***




 خلف الجبال المكلّلة بالثلوج، تنام قرية الطفيل اللبنانية بهدوء بعيداً عن صخب وطنها المأزوم. يحلم أهلها بخيط شمس يربطهم بوطنهم الأم لبنان. وطن نسي حكامه، أو تناسوا، أن هنالك خلف الجبال والأودية في أعالي السلسلة الشرقية بشراً يعيشون وحدهم من قلة الموت. القرية المنسية على ارتفاع 1720 متراً عن سطح البحر (أعلى موقع لبناني مأهول بالسكان)، أهلها نادمون لأنهم حملوا الهوية اللبنانية، ولأنّهم صدّقوا وعود دولتهم وخُدعوا بإصرار الأم الحنون فرنسا على ضمّهم إلى لبنان الكبير. نادمون لأن صدقهم لم يعطهم حقاً إنسانياً في بلاد يعرفون بفطرتهم الجميلة أنها منكوبة أباً عن جد، وأنها ليست أفضل حالاً من أحوال قريتهم.
رحلة الساعات العشر إلى قرية الطفيل على جرّار زراعي شقّ طريقه بصعوبة، تفرح أهالي القرية المحاصرين من لبنان بالثلوج المتراكمة والإهمال المدقع، ومن سوريا بالرصاص ونار الدبابات القاتلة. «تراكتور» أبو وائل عاد إلى قواعده سالماً غانماً، بعد رحلة مجنونة، محمّلاً بالخبز والحليب والسكر ومعلبات الطعام، ليفكّ بذلك حصاراً امتدّ لأسابيع. هذا الرجل الأربعيني قهر الثلوج، وأوصل إلى أهالي قريته المحاصرين، الطعام، بعد نفاد «المونة» من البيوت المأهولة وتلك التي هجرها أهلها قسراً وعلى عجل إلى الداخل اللبناني بعيداً عن حصار الثلج والنار. كان أهالي القرية ينتظرونه في الساحة بفارغ الصبر. عيونهم لم تتعب وهم يتطلعون نحو أودية الجبال التي تحجب عنهم رؤية بلادهم والاطمئنان على سلامة عودة أبو وائل.

أكثر من 700 نسمة في الطفيل يعيشون اليوم تحت وقع حصار قاتل من دون علم الحكومة اللبنانية وأجهزتها الرسمية. دورية واحدة للجيش اللبناني زارت البلدة نهاية الصيف الماضي للاطلاع على آثار القصف المدفعي الذي تعرّضت له من مرابض دبابات الجيش السوري في جبال عسال الورد. كانت الزيارة الرسمية الأولى والأخيرة منذ 3 سنوات. تقطعت الأوصال بأهالي الطفيل. فرغ دكان ابتسام أو سوبرماركت الضيعة من مختلف المواد الغذائية. الجيش السوري منع السكان من الدخول إلى سوريا، وبالتالي لم يعد ممكناً التبضّع والتزوّد بالمؤن وفق التقليد المتّبع منذ سنوات. أما التوجّه إلى الجانب اللبناني، فهو «ممنوع» منذ زمن، إذ لا طريق تؤدي إليه.
هنا، عاش الأهالي على مدى أربعة أشهر من دون كهرباء، نتيجة تضرّر الشبكة السورية التي تغذي البلدة بالتيار الكهربائي. يقول أبو وائل إن الأهالي نجحوا الأسبوع الماضي في إعادة إيصال التيار الكهربائي إلى قريتهم من سوريا بعدما جمعوا الأموال اللازمة لترميم الشبكة، لافتاً إلى أن هدوء المعارك العسكرية في المحيط السوري للطفيل سمح لهم بإعادة وصل ما انقطع من خطوط كهربائية وهاتفية تتزوّد بها الطفيل من الدولة السورية، وفق ما يقضي اتفاق مع الدولة اللبنانية. ولكن الطريف في الأمر أن إجراء مكالمة هاتفية من الطفيل اللبنانية إلى قرية بريتال، على سبيل المثال، يحتسب مخابرة دولية. يضحك الأهالي من هذا الواقع المرّ. ويقول معلم المدرسة الابتدائية التابعة لوزارة التربية اللبنانية إبراهيم دقو أن هذا الواقع المضحك _ المبكي الذي تعيشه الطفيل «حالة نادرة في العالم». يتابع ضاحكاً «أنا في لبنان ولبناني، وإذا بدّي إحكي مع أخي في بعلبك لازم أعمل مكالمة هاتفية دولية».
حصار النار
قرية الطفيل التي تنتظر منذ نصف قرن تنفيذ وعود وزراء الأشغال العامة بشق طريق تربطها بالوطن الأم، ومركز القضاء بعلبك، تنفسّت الصعداء الأسبوع الماضي بعد تراجع حدة المعارك والاشتباكات عند حدودها مع سوريا. فكتائب الفرقة الرابعة التابعة لـ«الجيش السوري» انسحبت من معظم قرى سهل القلمون وبلداته إلى محيط العاصمة دمشق. وأدّى هذا الانسحاب إلى رفع الحصار عن الطفيل وعن عشرات القرى والمزارع السورية المجاورة. يقول بعض الأهالي في الطفيل إن هذا الانسحاب العسكري سمح لهم بإعادة التواصل مع لبنان، موضحين أن الحواجز السورية ونقاط حرس الحدود كانت تمنع الآليات والجرارات الزراعية من العبور تحسّباً من أعمال تهريب محتملة، وقد طال هذا الإجراء سكان الطفيل الذين حوصروا على مدى أشهر. ويكشف الأهالي أن أكثر من منزل استهدف في الطفيل بقذائف دبابات سورية، كما أن تعليمات الجيش السوري إلى المواطنين السوريين المقيمين في القرى المجاورة لهم شملتهم أيضاً. فكانوا يلتزمون بإطفاء الإنارة ليلاً، وعدم التجوال بعد الساعة الثالثة عصراً، وخاصة في حارة بيت دقو المتاخمة مباشرة لأقرب موقع سوري.
يقول أبو عبد الإله «يا أخي قصف من هون... وثلج من هونيك، كيف بدنا نعيش». يضيف أنهم طوال فترة الحصار «كنا ناكل من المونة، بس هلق خلصت. لا لبنة ولا مكدوس ولا قاورما، ومبارح خلصنا الكشكات». ويردف الرجل الذي كان يستمتع بدفء الشمس في ساحة الطفيل مع أقرانه من الرجال، فيما الصبية يلعبون كرة قدم، بأنّهم كانوا يتقاسمون كيس الطحين في ما بينهم، وكانوا يدفعون ثمنه أضعافاً مضاعفة، «بس أهل الخير كتار حدنا بسوريا. كانوا يهربون الطحين إلنا». كلام أبو عبد الإله يعقّب عليه جاره السبعيني أبو محمد دقو، فيقول إن الوضع في الطفيل سيّئ جداً. «من كم يوم ما كان في رغيف خبز واحد بالضيعة. اليوم تحسّن الوضع. أبو وائل نزل إلى لبنان وأتى بالطحين والسكر والخبز»، موضحاً أنهم كانوا يعتمدون على جيرانهم السوريين في تهريب الخبز إليهم، «وهني ما عندن خبز وكانوا يجيبولنا تحت القصف الخبز تهريب». مشيراً إلى أن مساعدة «طحين» واحدة وصلتهم من دار الفتوى في البقاع بعد اتصالهم بأزهر البقاع في مجدل عنجر لمد يد العون إليهم، وأن أهالي بلدة بريتال أوصلوا إليهم الخبز قبل انقطاع الجرد بالثلوج.
… وحصار الثلج
هذا الحصار الطويل لقرية الطفيل نتيجة المعارك العسكرية في المحيط السوري، لم يكد ينتهي أو يفكّ حتى حلّ عليهم حصار جنرال الثلج الأبيض الذي تساقط بكثافة قاطعاً كلّ المعابر الجردية نحو لبنان، ووصل في بعض المطارح إلى ارتفاع مترين. يتحدث أبو محمد دقو عن حياة سوداوية عاشوها ولم يعرفوا طعم النوم فيها. يصف الوضع بـ«التعبان» في قريته، أما الحياة فهي «لم تعد تطاق». الرجل عاد منذ أيام إلى الرعي، بعدما عجز خلال الفترة الماضية عن التوجه مع قطيعه من الأغنام إلى الحقول، بسبب الحصار العسكري وتساقط الثلوج. يحكي بحزن عن اضطراره إلى قطع أشجار الكرز من كرمه من أجل التدفئة. يشرح بصوت مرتجف من البرد، أو الألم، «لقد انقطعنا من المازوت مثل إخواننا السوريين، ما لاقينا إلا نحطب الكرازات ونولع صوبيا الحطب. الله كريم». وتعقّب زوجته التي كانت تجمع حطب الكرز «عام أوّل راح موسم الكرز على الأرض... وهلق عم نقصّ الشجر». متابعة «الله كريم وما إلنا غيرو».
وهو الله الكريم الذي أرسل إليهم أبو وائل. نجح صاحب الجرار الزراعي في اقتحام الثلوج المتراكمة على مرتفعات الطفيل، وقطع كل المعابر الوعرة نحو لبنان، مخاطراً بحياته ليتوجه نحو «رأس الحرف» في أعالي الجرد المطل على الداخل اللبناني لإحضار مواد تموينية وربطات الخبز. عن هذه الرحلة يقول أبو وائل إنها استغرقت أربع ساعات بسبب تراكم الثلوج وطبقات الجليد، علماً بأن المسافة لا تتجاوز ستين كيلومتراً، «وصيفاً تستغرق منّا ساعة واحدة على التراكتور».
لكن جرّار أبو وائل، الذي فك الحصار عن الطفيل بعدما لاقاه من الداخل اللبناني مجموعة من شبان قريته وقرية بلدة بريتال بسيارات دفع رباعية محمّلين بمواد غذائية، لا يحلّ كلّ المشاكل. هو غير قادر مثلاً على نقل مريض إلى أقرب مستوصف لبناني. ويقول أبو وائل إن الأهالي يستعينون بطبيب سوري في قرية مجاورة في الحالات الطارئة، وإنه طوال فترة الحصار لم يصب أحد من القرية بمكروه، ولكنه أبدى تخوفه من عواصف ثلجية مقبلة أو تطورات عسكرية تدخلهم في حصار جديد. ويناشد أبو وائل «حكومتنا فعل أي شيء حتى تنجلي الغيمة السوداء والعودة الى متابعة حياتهم الطبيعية بعد استتباب الأوضاع في سوريا».
عسكر وحراميّة
مأساة قرية الطفيل اللبنانية لا تختلف عن مآسي جيرانهم السوريين. فمادة المازوت التي يعتمدون عليها للتدفئة في الشتاء والبرد القارس، لم تعد متوافرة في السوق السورية. وإذا ما توافرت، فعبر كميات محدودة وصلت تهريباً من لبنان أو بعد دفع رشى مالية لجنود يسرقون المازوت من دباباتهم وآلياتهم العسكرية ويبيعونها في السوق السوداء السورية. هذا الاحتيال على توفير مادة المازوت لم يقدر أهالي قرية الطفيل على سلوكه. يقول أحد المواطنين في القرية إن معظم القاطنين الصامدين في الطفيل أقدموا على قطع أشجارهم المثمرة من الكرز والمشمش والتفاح والإجاص. موضحاً أن هنالك أكثر من 400 ألف شجرة مثمرة في الطفيل «لكننا مضطرون إلى تحطيبها»، ومؤكداً أن لا وجود لمدفأة مازوت واحدة في الطفيل اليوم، «كل الضيعة تتدفى على الحطب... مضطرين».
حطب وتربية وطنية
الطفيل المحروسة من السماء والجرد الوعر وسيف الدولة اللبنانية الذي ينحرها مع شروق الشمس وغروبها، سيضطر تلامذتها إلى حمل أعواد الحطب إلى المدرسة الرسمية. وللأخيرة قصتها هذا العام. فهي لم تستطع «التقليع» مع بدء العام الدراسي بسبب سكن كادرها التعليمي اللبناني في قرى سورية مجاورة، لكنها ستنطلق مطلع الأسبوع المقبل، بعدما نجح المعلّمون في الوصول إلى القرية وفكّ الحصار العسكري عنها. يقول أحد المعلمين اللبنانيين، القاطن في عسال الورد السورية، إنه كان قبل الأحداث السورية يأتي يومياً إلى المدرسة، ولكن مع تطور المعارك العسكرية لم يستطع الوصول الى قريته الطفيل، مؤكداً أن العام الدراسي سينطلق «بس ما في مازوت للصوبيات». وفي هذه الحال «سيضطرون إلى استخدام مدافئ تعمل على الحطب، ويمكن نطلب من كل ولد يجيب معو عودة حطب». يقول ضاحكاً «عودة الحطب قبل كتاب التربية الوطنية»، مشيراً إلى وجود ستين تلميذاً (تعليم أساسي فقط) أبلغوا وجوب العودة الى المدرسة مع بداية الأسبوع المقبل.

حكاية طريق
منذ عام 1950 ينتظر أهالي قرية الطفيل أن تفي الحكومات المتعاقبة بوعودها، وتشق طريقاً تربطهم بوطنهم لبنان. عشرات وزراء الأشغال العامة وعدوا وقطعوا عهوداً على أنفسهم. لم يتحقق الوعد _ الحلم. وجدوا في سوريا متنفّساً لهم، إذ يتوجّه أبناء الطفيل إلى دمشق أولاً، ومنها إلى سهل البقاع وبقية الأراضي اللبنانية. وفي حال رغبوا في المخاطرة، يمكنهم الاستعانة بجرّار زراعي يعبر الجرد.
يقول الأهالي إن الطريق مرسومة منذ عام 1965، لكنها لم تنفذ بعد، وإن وزير الأشغال العامة في الحكومة الحالية غازي العريضي وعدهم بقرب التنفيذ. وعد سبقه إليه عشرات الوزراء والنواب وقادة البلاد. يؤكدون أن أصدق وزير للأشغال صادفهم هو الرئيس نجيب ميقاتي يوم زارهم صيف 2004 آتياً من دمشق ووعدهم بأنه لن يزورهم مرة ثانية إلا عبر طريق من لبنان مباشرة. صدق الرجل معهم ولم يزرهم بعد. نواب بعلبك - الهرمل، منذ 1992، يقدمون الوعود لأهالي الطفيل بشق طريق من دون تحديد مدة زمنية. وحده النائب عاصم قانصوه وعدهم بأنه سيرسل إليهم الجرافات خلال 15 يوماً... صارت 5 سنوات. قائد أمني قال لهم «شو في فوق. حدا بيقعد فوق. ارحلوا». أما أكثر ما أحزنهم فهو ما قاله لهم قائد حزب عروبي علماني «أنتم من المحسوبين على تيار المستقبل فاذهبوا إليه».