الاثنين، 24 أكتوبر 2011

حزام امني سوري؟

 

 حزام أمني سوري تحت الرماد؟

 
 
عفيف دياب
يخرج كمال من بستان المشمش الممتد بين الحدود اللبنانية ـــــ السورية في منطقة مشاريع القاع اللبنانية ومشاريع جوسة السورية. يرمي السلام بكثير من الحذر والخجل. يبتعد قليلاً ويتحدث بواسطة جهازه اللاسلكي مع شخص يبدو أنه مكلف مهمة مراقبة للنقاط العسكرية السورية القريبة. إنه «الأخ» عصفور، أو الاسم الوهمي في شيفرة مجموعة لبنانية منتشرة على طول خط الحدود اللبنانية مع سوريا من جرود عرسال شرقاً، مروراً بمشاريع القاع، وصولاً إلى مزرعة الدورة وأطرافها، وامتداداً إلى مجموعة سورية داخل الأراضي السورية. انتظم لبنانيون وسوريون في عمل واحد هدفه التعاون المشترك «لإسقاط» نظام حزب البعث في سوريا. السوريون بأمسّ الحاجة إلى وسائل اتصال ونقل الجرحى ومعالجتهم. لبنانيون وجدوا في الأجهزة اللاسلكية وسيلة اتصال مميزة، رغم تعرضها أحياناً لتشويش سوري. وزعت مئات الأجهزة على لبنانيين وسوريين موثوقين جداً، يقطنون على الحدود مباشرة. مهمة المجموعة المشتركة محصورة فقط بمساعدة الجرحى وضمان عبور منشقين من الجيش السوري. لا يخفي بعض أعضاء المجموعة اللبنانية أن الجيش السوري يعرف ما يجري، لذا بدأ بتنفيذ غارات أمنية داخل الأراضي اللبنانية.
كمال، هذا الشاب اللبناني، ليس سوى فرد في مجموعة وجدت في توفير المساعدة لسوريين مهمة سياسية قبل أن تكون إنسانية. يقولها بصراحة ومن دون «لف ودوران». يحكي كثيراً عن النظام السوري. لا يجد له إيجابية واحدة. لذا، حماسته لم تسمح له بتنفيذ ما وعدنا به عبر قنوات الاتصال المتعددة، بلقاء مع ضباط يقول إنهم منشقون عن الجيش السوري ووصلوا إلى لبنان. كانت الاتصالات قد أفضت إلى تنظيم لقاء مع هؤلاء الضباط الجرحى. رفض المنشقون اللقاء في آخر لحظة لحسابات أمنية، مفضلين توقيتاً أكثر أمناً لهم ولمناصريهم اللبنانيين، كما أبلغنا «الثائر» كمال. فالحراك الأمني اللبناني وغارات الجيش السوري المفاجئة ليلاً أو نهاراً، لم يسمحا له بتنفيذ وعده أو التزام ما اتُّفق عليه.
ما يجري على الحدود اللبنانية ـــــ السورية في شمال البقاع وشرقه، لا يمكن وصفه إلا بحرب سرية تدور رحاها في مناطق وعرة وتحت جنح الظلام منذ أكثر من 3 أشهر. وهي في تصاعد مستمر كلما تصاعدت وتيرة الأعمال والأفعال العسكرية المتنوعة داخل سوريا. فالغارات العسكرية السورية خلال الأيام الماضية على مزارع وقرى مأهولة بسكان لبنانيين وسوريين وعرب رحّل في مناطق «مشاريع القاع»، وفي عمق جرود بلدة عرسال، لم تكن الوحيدة أو الأولى من نوعها. وسكان الحدود هناك يؤكدون في الحوارات معهم، أن العمليات الأمنية السريعة التي ينفذها الجيش السوري أكثر من أن تعد وتحصى، وهي بالتالي تبقى بعيدة عن الإعلام. يتحدث مواطنون لبنانيون وسوريون بكثير من القلق والخوف، فيما لا تجد الجهات الأمنية والعسكرية اللبنانية الرسمية أي أمر جديد أو طارئ في هذه العمليات. لا يخفي بعض الأمنيين أنه أحياناً يجري تنسيق بين الجانبين السوري واللبناني خلال تنفيذ غارة أمنية هنا أو هناك. ويكشف بعضهم لـ«الأخبار» أن الأجهزة الأمنية اللبنانية غير متفقة على سبل التعامل مع ما يجري في المناطق الحدودية الممتدة من عرسال إلى جرود عكار. وتوضح هذه الجهات أن أجهزة أمنية لبنانية تتغاضى عن عبور منشقين سوريين وجرحى، فيما جهاز آخر يعمل على توقيفهم وتسليمهم إلى الجانب السوري أو ردهم على أعقابهم. وتتابع هذه الجهات، كاشفة أن أكثر من 90 جريحاً سورياً، مدنياً وعسكرياً، دخلوا الأراضي اللبنانية عبر معابر غير شرعية إلى البقاع خلال الأيام الماضية، وأن هناك مجموعة من الأطباء والممرضين اللبنانيين تتولى مهمة تضميد جراح وإجراء بعض العمليات لهم. ويكشف الأمنيون أن لبنانيين حولوا منازلهم إلى غرف عمليات جراحية لسوريين فروا إلى لبنان تجنباً لاعتقالهم في حال نقلهم إلى مستشفيات ومستوصفات سورية. ويؤكدون أن ما يجري على الحدود اللبنانية ـــــ السورية بقاعاً وشمالاً، ليس أمراً بسيطاً، وأن سوريا تتابعه بدقة. لذلك، بدأت بتنفيذ عمليات أمنية محدودة وسريعة داخل الأراضي اللبنانية و«نحن نراقب ذلك عن كثب». ويرفض هؤلاء تأكيد ما يحكى عن قرار سوري بتنفيذ عملية أمنية واسعة النطاق داخل الأراضي اللبنانية المتاخمة لحدودهم، ويقولون إن «كل الاحتمالات واردة، ولكن لا نعتقد أن الجيش السوري قادر الآن». يضيفون أن الجيش السوري «قد ينفذ بين الحين والآخر مهمات محدودة وسريعة هدفها مطاردة منشقين أو مهربين».
«الحرب السرية» الدائرة على الحدود البقاعية مع سوريا توسعت لتتحول إلى دخول عسكري سوري بصورة علنية إلى الأراضي اللبنانية. وما جرى في مزرعة الدورة التي تفصلها ساقية مياه جارية عن سوريا وهي حدّ طبيعي للحدود الرسمية، ليست حادثة نادرة. فالدخول السوري إلى المزرعة وتفتيش أغلبية منازلها وقتل وجرح 3 مواطنين وتوقيف أحدهم ونقله إلى سوريا، كل هذا أحدث إرباكاً في صفوف الأهالي الذين يغادرون المزرعة ليلاً ويعودون إليها نهاراً تخوفاً من عملية إغارة مماثلة. ويقول خالد ش، الذي كان يحمل جهازاً لاسلكياً، إن الجيش السوري دخل المزرعة بحثاً عن مطلوبين ومهربين، وفتّش المنازل مع إطلاق رصاص كثيف عشوائياً، موضحاً أن الجيش اللبناني وصل إلى مدخل الدورة ولم يدخلها إلا بعد مغادرة الجيش السوري.
دخول الجيش السوري إلى مزرعة الدورة الحدودية في سهل القاع، سبقته وتبعته عمليات دخول إلى الأراضي اللبنانية وتفتيش منازل متناثرة متاخمة لمنطقة جوسة وخرايب جوسة السوريتين ومشاريعهما. كذلك، سجلت أعمال مماثلة داخل البساتين والكروم اللبنانية قرب النزارية والصالحية وحوش السيد علي. ويقول مواطنون لبنانيون إن الجيش السوري يدهم منازلهم ليلاً بحثاً عن سوريين وفق لوائح اسمية. ويقول أبو حسين العرسالي (اسم وهمي) إن الجانب السوري سلم الجيش اللبناني هذه اللوائح، مطالباً بتوقيفهم وتسليمهم فور إلقاء القبض عليهم. ولا يخفي «أبو حسين» أن هناك مجموعات لبنانية تعمل على تنظيم عمليات عبور لسوريين، وخصوصاً الجرحى، متابعاً أن هناك «خلية» تعمل على توفير المساعدة وفق إمكانات الشباب و«المسألة إنسانية وليست سياسية، ونقوم بها بعلم السلطات اللبنانية».

عرسال وسوريا

 

الحدود المشتركة ووجـع العلاقة مع دمشق

 
عفيف دياب
لم تتعب عرسال بعد من إبريق زيت حدودها مع سوريا. أقراصها في كل الأعراس السياسية، لبنانية كانت أو سورية، وحتى أممية. يدوّن فتيان وشبان متحمسون شعاراتهم على جدران البلدة الفقيرة والمنسية في واد صغير مزنر بصخور موحشة. ولعرسال حكايات حدودها، وقصص لا يتعب «العراسلة» من سرد تفاصيلها المفرحة والمحزنة. فتسلل الدبابات السورية من تحصيناتها في أعالي الجرد الفاصل بين البلدين إلى داخل أراضي عرسال، لم يكن الأول، وحكماً لن يكون الأخير. ولكل «عرسالي» رواية خاصة مع سوريا، تبدأ من الأفراح والأتراح ولا تنتهي بالضرورة عند «وحدة» حال مواجهة قساوة الطبيعة.
هذه الـ«سوريا» التي لعرسال شراكة معها بأكثر من 50 كليومتراً من الحدود الوعرة و«التبادل» الاقتصادي والاجتماعي، لم تفهم يوماً عرسال وإشكالية قدر موقعها الجغرافي. وهي أيضاً عرسال التي لم «تهضم» يوماً حكاية سوريا البعث في زمن الوصاية المباشرة على لبنان، ويوم أفل هذا النجم الذي لم يظهر للبلدة منذ أن أصبح خلف الحدود الوعرة إلا وجهه القاسي. إنها حكاية «سوء الفهم» بين طرفين أسهمت الدولة اللبنانية في تغذيته منذ الاستقلال. وإنها عرسال التي لها لغة خاصة مع سوريا. وإنها سوريا التي لم تعرف بعد سر وجود هذه الكتلة البشرية الحزينة على حدودها الغربية. فما بين أبناء قاره وعسال الورد والبريج ودير عطية ورأس المعرة والمشرفة وغيرها من البلدات السورية، وعرسال وحدة حال ورغيف خبز من معجن واحد.
لا يخفي «العراسلة» أن حادثة تسلل الدبابات السورية إلى أراضيهم والعبث بمحتويات بعض المنازل، وإطلاق النار على مزارعين و صيادين وتدمير خزانات مازوت مهرب من سوريا، ليست الأولى من نوعها، أو أنها حادثة لم تحصل سابقاً. إنها أمر طبيعي ـــــ تقليدي درج عليه الجيش السوري أو فرق الهجانة (شرطة الحدود السورية) كما يقول عبد العزيز الفليطي الذي يقدم قراءة سياسية شاملة لواقع بلدته، ماضياً وحاضراً. و«إن كان التسلل طبيعياً في الأمس، فهو الآن يأخذ موقعاً سياسياً يقدم البعض له تفسيرات متنوعة، ويسقطه على مزاجه السياسي». يضيف: «عرسال ليست جزيرة معزولة عن محيطها، ولكل فرد فيها اليوم تحليله الخاص لما يجري في سوريا، والعبور السوري نحو أراضي البلدة ليس جديداً».
كلام الفليطي مبني على حوادث سابقة لم تشهد إثارة إعلامية وسياسية كما حصل في التسلل الأخيرة، ويجد الفليطي في إثارة الأمر «تضخيماً لحسابات سياسية محلية، ولا يمكن أحداً وضعه في نصابه الصحيح إلا الدولة التي عليها قول كلمة الفصل».
أما بشأن عملية تسلل الدبابات السورية نحو 7 كيلومترات داخل أراضي بلدة عرسال، فللمصادر الأمنية اللبنانية روايتها. تقول هذه المصادر لـ«الأخبار» إن الجهات السورية أبلغتها إثر وقوع عمليتي التسلل والقتل، أنها كانت تطارد «عصابات مسلحة» تهرّب السلاح إلى الداخل السوري. وتوضح هذه المصادر أن الرواية أبلغت رسمياً إلى مراجع لبنانية رسمية عليا، رافضة التحدث عن أسباب «امتناع» الجيش اللبناني عن إصدار بيان رسمي، كما جرت العادة، يشرح فيه ملابسات ما جرى في جرود عرسال، ولا سيما أن الجيش كان قد أصدر أكثر من بيان عن قمعه عمليات تهريب في دير العشاير وغيرها من المناطق الحدودية مع سوريا. وتؤكد المصادر أن الأجهزة الأمنية المعنية في الدولة اللبنانية تملك تفاصيل ما جرى في أعالي جرود عرسال، و«هي تملك معلومات موثقة عن عمليات تهريب أسلحة نحو الداخل السوري جرت عبر معابر غير شرعية في الشمال والبقاع». هذه الرواية السورية التي تتبناها السلطات الأمنية اللبنانية، يرفضها أهالي عرسال جملة وتفصيلاً. ويقول مختار البلدة محمد الحجيري إن القوات السورية تخرق الحدود يومياً، نافياً بشدة ما يحكى عن تهريب «عراسلة» أسلحة إلى سوريا و«أتحدى من يثبت ذلك. عرسال لا تملك السلاح، وكلنا يعلم في لبنان أين تقع مخازن الأسلحة ومن يهربها أو يبيعها للسوريين». يضيف: «أعتقد جازماً أن سوريا تعرف جيداً، وبالأسماء، من يهرب السلاح إلى أراضيها من لبنان، وكلنا يعلم أن عرسال لا تملك السلاح، وليس بمقدور أي مواطن عرسالي العمل في هذه المهنة». ولا يخفي المختار الحجيري أن «الدخل القومي» لعرسال يرتكز على السوق السورية، «لذا، لا مصلحة لنا في إثارة القلاقل مع جارتنا الكبرى، أو تدمير العلاقة بيننا. فنحن نعتاش اقتصادياً من سوريا، ولا أخفي أن الركود الاقتصادي في البلدة اليوم تجاوز الـ35 في المئة منذ بدء الثورة الشعبية السورية على النظام هناك».
تصرّف فردي
لا يخفي رئيس البلدية علي الحجيري وجود مضايقات متعمدة يقوم بها الجيش السوري منذ أن انتشر على الحدود إثر بدء التحرك الشعبي في الداخل السوري. ويوضح الحجيري أن علاقة بلدته مع الجوار السوري «عادية في الأيام العادية، ومتوترة في الأيام المتوترة». لا يجد رئيس البلدية حرجاً في القول إن ما جرى في جرود بلدته «قد يكون تصرفاً فردياً من ضابط سوري، وليس قراراً سياسياً أو أمنياً على أعلى المستويات»، مؤكداً أن عرسال لا تريد مواجهة سوريا و«عندنا علاقات اقتصادية واجتماعية واحدة، ولكن الحادثة الأخيرة عكّرت المزاج العام هنا».

السبت، 22 أكتوبر 2011

الوان الرمان

الوان الرمان
إنّي أغار من اللّيل إذا ناداك..
من نومك أغار ...
وأنت تتأنّقين للسّرير ....
تلثمين الوسائد و تعانقينها...
فتحترق أنفاسك فيها... فترتعد الخيام
إنّي أغار..أغار...
من شروق الشّمس فيك... من هديل الحمام
من ربيع يهديك وروده..
ومن شتاء يهديك الغمام..
فلا ثلجي يلمسك و لا ريحي ترحل بشعرك..
صعب أن أنام و موج البحر يأبى الصّيام..
و أنت تنثرين حدائقك بالرّمل و تغرقين الشّطآن..
ما أروعك و أنت تلوّنين الياسمين بالذّهب..
و تمزجين التّين بالعنب...
ما أروعك و أنت تتسلّقين الثريّا...
فتمتزج عندي الشّهوة بالغضب...
أهواك... و إنّي حطام.. حطام..
تركبين الموج و أنت نصف عارية..
فيسكر و يهيج... يلاعبك و يأبى القيام...
قولي متى ينتهي موسم يركع الرّجال فيه للحيتان...
فتّشت في دفاتري عنك..فلم أجدك...
فقولي أين المقام...
أفي قصور ملوك الرّوم أم وراء القضبان،
فالنّساء عندنا لا يتعرّين حتّى في الحمّام...
فهل يخجلن من بعضهنّ أم من أزواج هم لهنّ أقران..
أحبّ أن أرى كرز شفتيك و ألوان الرمّان..
أن تنبت السّنابل في شعرك ...
فأحصده ثمّ أزرعه على أكتافي..فيرتع السمّان...
أن أركع لنهديك وهما يرقصان لأنغام العيدان...
أن يستيقظ فيك الحبّ ..فتعايدين الحياة والأنغام..
غرت من كلّ هذا و نسيت أنّك لبست السّواد
و طليت وجهك بالأحزان...

                                        (رحاب السّوسي ـ تونس)

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

.. وأنا العاشقة


      

        .. وأنا العاشقة
لا أملكُ إلا إرتعاش اللون في سمائكَ..
أنتَ الغافي على كف الشمس ..
يا عصفور العمر.. أهديتكَ قبلة قمح
فأهديتني سماؤكَ وحصاد خريفك
شجرة العمر أنت..
وكالقُبل المورقة أتمدد على غصن إنتظاركَ
........
لكَ الليل من قبل ومن بعد
أشدّكَ على صدري وأناجيكَ : أحبّكَ ولا ظل إلا ظلّكَ
وأنتَ واهب الحياة ..إذا ما أنبّتَّ فيني أضحيتُ مهداً
وأنتَ كل البدايات وأنا العاشقة التي تحبو على أطراف شوقي إليك
وأنتَ  من كَحَلّ  الغياب بعطره
وأنا الثملةُ بينكَ..الغائبةُ فيكَ ليالٍ وبعض قُبَل
........
ذات تعبّدٍ بملامحكَ إكتشفتُ أنّكَ الوحي في سفر القصائد
ذات دربٍ تعثّر القلب بملامحك فإنكسر ظل الوجع
وتلوّنت روحي إخضراراً بين يديك
ضمني أكثر ..أريد أن أملأ مدايَ حقول
.........
أمدّ كف الحنين إليك وأحيطكَ حبّاً
وأتلمّس ملامحكَ بين عناقيد الليل
وأهمسكَ صوتاً من محاجر الصمت
وأتوقُ لي وأحبّني ..حين أراني نبضاً يسري في ملامحكَ
يا إشتهاء الروح ورعشة القلب 
يا إنتشاء الحرف بنبيذ القلم
ضمني إليكَ..يا أيها التتقدّسُ شفاهكَ بيني
ضمني إليكَ..فكلّما أمْطَرْتَ فيني أصبحت روحي جناح
أيُّ أُفقٍ أنتَ....رَجُلٌ يختصر المدى في مداه..
يا أنتَ سأموت منهكةٌ بنداك.
                                             (يسرى)



عدسة ـ إخلاص

     غروب الشمس ـ بحر بيروت 

(عدسة إخلاس الشاب)


الاثنين، 17 أكتوبر 2011

عطش الزهور


                           عطش الزهور
لم أعد أدري...
أتشرقُ الشمسُ من خلفِ الغيوم المثقلةِ بأنين الليلِ كلَ صباح..
أم أنها ترافقني يوماً تلو الآخر ولا تغيب ؟؟
أتروي قطراتُ الندى عطش الزهور المُلتهب ..
أم أنها مجردُ ملامحَ خطوطٍ على أوراقها، لظلالِ ألوانٍ لا تُرَ
ى ؟!
أهي الحربُ الضروسُ تبدأ دائماً حينَما أغمضُ عينيّ..
أم هي النفس تتخبط شوقا لرؤياك ؟؟
لا أدري .. إنه الزمن ..  حتماً هو الزمن
قد توّقف بهزيمةٍ كبرى، أمامَ انتصارِ صمتك ..
                                                                     (سها)

كن رؤوفا




                                 كـــــــــــــــــن رؤوفــــــــــــــــــــــا

                   كــــــــــــــــــن رؤوفــــــــــــــا أيهـــــــــا اليـــــــــــراع
                   يـــــــــــا من الى أعمـــــــقِ الاعمــــــــــاق تنـــــــــدسُّ
                   تستشــــــــــــعِرُ أحــــــاسيسي
                   وتنقِــــــــل مشــــــــــــاعري
                   تنثــــــــــــرها حروفــــا على بيــــــــاض الـــــــــورق
                   كــــــــــــــــن رحــــــــــــوماً
                   فــــــــــــــــــلا تــــــــــــدع مشـــــــــــاعري تسيــــــــلُ
                   حِبـــــــــــــراً يَشـــــــــــــــــي بكلِ ما يَختلِــــــج بـــداخلي
                   مــــــــــــن عـــــــــواطف ....
                                       ***** 
                   أجــــــــــــدُنــــــــــي عاريــــــةً أمـــــــــام نفســــــــــي
                   واقفــــــــــــــةً أمـــــــــــــام مـــــــــــرآة حالــــــــــــي
                   شـــــــــــفّافـــــــةً ....تَصفــــــــــعُ الكلمـــــــــــــــــــات
                   خجلــــــــــــــي ....
                   فــــــــــــــي خضّــــــــــــــــم المشـــــــــــــــــــاعر
                   تُعـــــــــــــــــايشنــــــــي ...وجعـــــــــــــــــــــــــي
                   ألمــــــــــــــي ....فـــــــــــرحـــــــــي....
                   تسطـــــــّرُه .....كلمـــــــــــــــــــــــات ...

                                                                                  (إخلاص الشاب)

الأحد، 16 أكتوبر 2011

انتظــــــــــــــــــــــــار


                             انتظــــــــــــــــــــــــار

         وقَفـــــــــــــــــــت  أمـــــــــــــــام دُميتهــــــــــــا المحطّمـــــــــــة

              دمـــــــــــــــــوع تسيـــــــــــــــــلُ على صفحـــــــــاتِ الوجدان

              بصمــــــــــــــــــــت ....

              عنــــــــــــــــــــد تلك المحطّـــــــــــة وقفــــــــــــــت تنتظــــــــــر

              مُـــــــــــــــوقِنــــــــــــةُ انــــــــه لن يـأتــــــــــــي وتنتظـــــــــــر

              بصمــــــــــــــــت ....

              قـــــــــــــد أضـــــــــــــاعَت بوصلتهـــــــــــــــا الزّمنيــــــــــــــة

              ومـــــــــــــا زالـــــــــــــت تنتظــــــــــــر

              بصمــــــــــــــت ...
                                                
              إلـــــــــــى تلــــــــــــــك البقعــــــــــــــــة من الــــــلاوجــــــود

              حلّقـــــــــــــــــت ....صمــــــــــــــتٌ يصـــمُّ الآذان ....

              وتحلّــــــــــــــــــق .... تُــــــــــــــراقصــــــــــــــه ...

              تُــــــــــــــراقصُ  ذاتهــــــــــــا ....

              تتيـــــــــــــــــه في حنــــــــــايا الـــــذات ...وتـــدور

              بصمـــــــــــــــــت ....

              وتـــــــــــــــــروح في اغفــــــــــــــاءة ...تـــــــــــروح

              تحـــــــــــــــاكي ثورتهــــــــــــــا ...

              تتمــــــــــــــــايل ....تشــــــــــــــــدو ....ترقــــــــــــص

              بصمــــــــــــــــــت ...
                                                                          (اخلاص الشاب)

الخميس، 13 أكتوبر 2011

رعشة صلاة




            رعشة صلاة

موجات حبّكِ تتمايل  كسمراء تزرع القمح وتحصد العشق
تحتضن موجات حبي مثل سنبلةِ قمحٍ تحتضن الحياة
***********
أنام في حضنكِ ..أتنشّق هواء روحكِ كإله يعشق ملائكته
ملكوت حبّكِ كتبَ رسالة الله : قل عشقكَ وادخل جنتي.
***********
أحبّكِ كموجة بحرٍ .. مدها وجزرها يسرقان وجدي
أبكي..أفرح ..أصمت ولا أجد سراً لعشقكِ
انتِ منديل ميدان الحرب..
 ساحات الأرض تغطي وجهي في مشهد صلاتكِ
تقرأ فاتحتي ..تفتح خزانة أسراري
تأخذ كل قصائدي .. وتقفُ عند أعباب صحرائي
ونتلاشى..
**********
أقفُ عند أعتاب روحكِ وأغطي وجهي بوجهكِ
مفاتيح قلبي قلادةٌ على صدركِ تتراقص..
رنينها صدى عشاق الأرض..
تعرفين وقتي من خيوط شمسكِ
وأعرف وقتكِ من دقات قلبي.
**********
تسألينني الوجود وهو سرّكِ؟!
وجودكِ يرسم تراب قلبي نهراً..
ترتجفُ ينابيعه حين تهمسينني
وحقول قمحكِ صبايا كوثر حواء.
                                                                        (عفيف)

الاثنين، 19 سبتمبر 2011

وأحبّكَ


         وأحبّكَ

 بين أحضان حضوركَ أتمدّد
وأُأَنّثٌ كلماتي وأنثرها عليكَ
قبلة قبلة؟
......
بأناملِ حنينكَ ولهب شوقي ..
أُعيد رَسْمَ روحي
وبرموش لهفتكَ..
أرسم حدود حقولي
أنثرُ قلبي بين يديكَ وأطوف طوافَ الشوق
على شرفات غيمكَ..
فتزهر الفصول في كفيّكَ ..ربيعاً
وعلى شفاهكَ ينتصبُ الريحان
......
على إمتدادِ روحكَ المكّلِلَةٌ تفاصيلي..يبزغ الفجر
ويتحول إسمكَ إلى غدير أبجديةٍ لا تنتهي
أنتَ أنا..
وحروفي ثمانٍ وعشرون همسة.. بحضوركَ
ويومَ غزلتكَ من عشقي بيتاً لأحلامي..
سكنتُ الجنة
.....

أتناثرُ على مدى كفيكَ.. منهكةٌ روحي حدَّ الوصول إليكَ
كلّما هممتُ بمغادرتكَ .. تعثّرتُ بحبكَ
يتلوكَ قلبي كتراتيل يمامكَ المنتفض من بين كلماتكَ
يا مدارات المدى.. كم أعشقُ تلكَ النزهة
التي تأخذني بها إلى شفتيكَ
كلّما ناديتني
......
وأجلس على حافّة القمر..أنتظركَ
وأعدّ على أصابع الريح كم أحبّكَ
كلّما أحسستكَ أسابق الصمت
وأخترق ضباب المستحيل
وأفتح دائرة الزمن.. وأعانقكَ
......
لكَ وحدكَ..
أمضي الليل أطرّز شالات وصالٍ من ياسمين
يا عيناكَ تختصران كحل المدائن الجميلة
يا فرسَ الندى من أينَ تسرق الصهيل ؟؟ 
.......
أحبّك وحدي..
وأُجدّل ليلكَ وحدي
وأقبّلكَ قبلتين واحدة لي
والأُخرى لي وحدي
أنتَ البداية والنهاية
خاتمة القصيدة..
وإكتمال الفرح
وأنا بوحكَ ..
عندما تسامرت الأسرار
.......
ما أروعَ وجودكَ 
لا يكفُّ عن إيجادي.

                                                   (يسرى)

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

سورة صلاة




  •        سورة صلاة     



    لا تتركي يمامة صلاتي في كعبة أولاد الكفر!
    أهواكِ بلا سجود ..وليل الصحراء
    أرتشف من فناجين قهوتكِ..

    روحكِ
    أمشي خلفّ إسراء النبي..
    أسرقُ لكِ القدس و بلاد الشام!
    .....
    إتلو عليَّ سورٌ من عشقكَ
    سلامٌ على من صارَ إلهي..

    وسلامٌ عليَّ يومَ نفختُ فيه ليكون
    ليس في القلبِ صلواتٌ إلا لكَ
    أخشع بكَ قياماً وسجودا..
    ......
    سُوَرُ عشقكِ بلسمة البسملة
    وسجودكِ راحة عُمر
    وصلاتكِ؟
    سلامٌ عليكِ يومَ وُلِدَ نبيّكِ
    ويومَ تشبّهنَ بكِ نسوة الأرض..
    في قلبكِ صلاة الأنبياء وخمر عشقهم
    وصهيل فجركِ؟
    ملائكةٌ تنزل اَياتٍ في كتاب
    يا إمرأة الغسق..
    هاتي كأسكِ لأرتوي من عطشي إليكِ!
    ......
    وتنسجُ لي من نغماتِ روحكَ
    سريراً من ولع عشقٍ مطرّز بالحنين
    هذا العمرُ لكَ ..

    أنتَ من كتبتَه بشفاهكَ وفرحكَ وصمتكَ المهيب
    فأشعلتَ جنوني.
    حين تعشقني يتكوّن الكلام
    عيناكَ قبلتي وبكَ يبدأ الزمان..
    أضيء لكَ كنيسة القلبِ
    وأتلو صلاتي في محراب عينيكْ
    وأستمطرُ نبيذَ شفاهكَ.

                                                                                                                                                      ع\ي

السبت، 10 سبتمبر 2011

أب .. إلى حدّ البكاء

أب .. إلى حدّ البكاء

 

فرج بيرقدار

ـــ

لا أدري إن كنت أباً فاشلاً أم ناجحاً؟

في الحقيقة لم تتح لي ظروفي، أن أدخل هذا الامتحان إلى آخره.. فحين وُلِدتْ  ابنتي تخفَّيت، وقبل أن تكمل الرابعة اعتقلتُ، ومضت السنوات الخمس الأولى من اعتقالي بدون أية أخبار أو زيارات، ومع ذلك.. أشعر أنني أب إلى حد البكاء.

في سنوات التخفي، كنت أراها بين حين وآخر.. أخاطبها باسمها، وتخاطبني بأحد أسمائي، التي تتبدل حسب الضرورات.

علَّمتها أن لا تناديني “بابا” أمام أحد، وكانت تلتزم بذلك تماماً، إلا في حالات الاحتجاج على شئ ما، كأن ترفض أمها الاستجابة لكامل رغبتها “الكازوزية” مثلاً، عندها تدير أسطوانة التهديد بشكل فحيح متصاعد:

بابا.. بابا.. بابا

ثم لا تتوقَّف، ما لم تتحقق رغبتها، أو تأخذ وعداً قاطعاً بتحقيقها.

بعد اعتقال أمها لم أرها إلا مرتين. أكثر ما كنت أخشاه، وهي معي، أن يحدث لي طارئ أمني، يضطرني إلى الهرب وتركها وحيدة، وهي لا تعرف غير الأسماء الحركية لأبيها، وليس بإمكانها حتى أن تلفظ اسمها بشكل سليم..

ألا يمكن عندها، أن تضيع إلى الأبد؟

كان معها حقيبة، لا أدري من اشتراها لها، وبدا لي أنها حريصة على حقيبتها أكثر من أي شيء آخر.
فتحتُ الحقيبة، ووضعتُ بداخلها ورقة صغيرة، كتبتُ عليها اسمها الكامل، وعنوان أهلي بخط واضح، ثم أوصيتها أن لا تتلف هذه الورقة.

في ذلك النهار كان لدي بعض الانشغالات، التي لا تسمح ببقائها معي، فتركتها مع إحدى الصديقات، على أن تحضرها أو ترسلها إليَّ مع أي شخص على موعد مسائي اتفقنا عليه.

في المساء عادت الصغيرة، ولكن.. لا ورقة ولا حقيبة!
أين الحقيبة يا شطُّورة؟
سألتها، فضربت بكفيها وهي تقول: بحّْ.

تلك كانت آخر ذكرى لي معها قبل اعتقالي.

كانت تسألني عن أمها باستمرار..

صوتها نصف “مبحوح”، ونظرتها أقرب ما تكون إلى الاستجداء.

هكذا.. عند حد معين، يعجز الحلق عن حبس كل ما وراءه من دموع، وهذه الصغيرة توشك أن تفضحني.

في بداية الاعتقال شعرت كما لو اني هربتُ من أسئلتها، لكن ما إن انتهى التحقيق، حتى بدأت أسئلتها عن أمها وعني، تدق أبواب الزنازين.

ما الذي يمكنني فعله بكل هذا العجز يا ابنتي؟!

فجأة.. لمعت في ذهني الفكرة، ثم ما لبثت أن احتلت كل شيء:

عدم اعتقال الصغيرة جريمة.. وهي تفوق في بشاعتها ولا إنسانيتها جريمة اعتقالي نفسها.

إذن عليَّ أن أفكر بطريقة ما، تضمن اعتقالها لتكون مع أمها، أو حتى معي.

سأفترض أنها ولدت في المعتقل، ومن الطبيعي في هذه الحال، أن تكون مع أمها.

قد يبدو لكم هذا الخاطر أقرب إلى الهذيان، وربما يعتبره بعضكم ضرباً من الجنون.

ولكن.. ها هي “دينا”. وُلِدتْ في السجن وتعيش فيه. لم يعترض أحد على وجودها مع أمها.

تظنون أن “دينا” حالة استثنائية؟ طيب قبل “دينا”.. ألم تولد “ماريا” في السجن أيضاً؟ ومع ذلك بقيت مع أمها. فلماذا تنكرون ذلك على ابنتي؟!

بصراحة..لم يكن يهمني ماذا ستقولون عني.

المشكلة هي في إقناع الأجهزة الأمنية بالموافقة على اعتقال طفلة، لا تتقن الكلام بعد.

صحيح أن جميع الاعتقالات السياسية غير إنسانية، ولا شيء يبرِّرها على الإطلاق.. ولكن هذا الاعتقال مبرَّر بصورة ما، أو على الأقل ضروري وطبيعي ضمن منطق الأمر الواقع ، لذلك فكَّرتُ أن أرفع نداء إلى أعلى مسؤول في السلطة، أحمِّله فيه مسؤولية عدم اعتقال ابنتي. لا يمكن له، مهما كان عديم الرحمة، أن يتبرَّأ من هذه المشكلة “الإنسانية”، وبالتالي يجب أن يوعز إلى أجهزته بضرورة حلها.

لكن ما الطريقة لإرسال هذا النداء، وما الضمانة لوصوله إليه شخصيَّاً؟

فيما بعد.. كانت سنوات الجمر التدمرية، تنخل رماداً كثيفاً من النسيان.. إلى أن وصلتنا مجموعة كبيرة من الصور.

جميع الصور عرفها أصحابها، باستثناء صورة واحدة، دارت على الرفاق واحداً واحداً، وظلت مجهولة.

كنت أنوي أن لا أرى الصور، حتى يشبع منها أصحابها، ولكن أحدهم ناداني بإلحاح، لعل فراستي تتعرَّف على أحد ربما يخصُّني.

تأمَّلتُ الصورة بإحساسٍ شبه حيادي في البداية:

فتاة صغيرة ترتدي فستاناً شفافاً زهري اللون، تحته كنزة صفراء لم يستطع الفستان حجبها عند “القبَّة”، فبدت قديمة متهدِّلة وذات لون حائل. أما الوجه.. فكان أشبه بوردة في طريقها إلى الذبول.

تناقض حاد إلى درجة المرارة بين الوجه والثوب.

قلت:

لا أعرف هذا الوجه، ولا أعتقد أن وضع أهلي، يتيح لهم أن يرسلوا لي شيئاً، أو يجدوا سبيلاً إليَّ.

سألني أحدهم متردداً:

ألا يمكن أن تكون هذه الفتاة ابنتك سومر؟!

وأضاف آخر:

أنا أجزم أنها هي.

بالطبع حضرتْ  سومر في ذهني، وأنا أتأمل الصورة، ولكنها حضرت بملامحها، التي طالما صارعت النسيان للاحتفاظ بها على الحالة التي رأيتها فيها آخر مرَّة.

قلت لنفسي، يصعب أن تكون سومر، كبرت إلى هذا الحد. غير أن إصرار الرفيق الآخر على أنها ابنتي، جعلني أعيد التدقيق في تفاصيل الصورة.

لا أعرف كيف شعرت أنها سومر فعلاً.

لم أكن متأكداً تماماً، ولهذا أحسست بمزيج من الخجل والحزن والألم والخيبة، وأنا أقول:

نعم.. إنها ابنتي على الأرجح.

بعد أيام أو ربما ساعات أو دقائق، كان يقيني تاماً ونهائياً، بأنها لا يمكن أن تكون إلا هي.

كانت عيناها تبتسمان وتغيمان، وكأنهما تقولان:

أنا ابنتك .. أنا سومر.

فجأة صرختُ، وربما رحت أقفز:

يا شباب.. إنها سومر، سومر، سومر..

فيما بعد انبجس في داخلي سؤال بعيد، أخذ يستنصلني ضلعاً بعد آخر:

هل ستعرفني ابنتي حين تراني؟

هل سيستيقظ شيء ما في داخلها؟

أم سيقولون لها: هذا الرجل هو أبوك، وعليك أن تقتنعي بذلك!

ظلَّ السؤال يتأكَّلني، حتى انفتحت زيارتي.

بصعوبة استطاع الرفاق تأمين الثياب الأقل سوءاً والأكثر ملاءمة لمقاسي ونزلت.

تفحَّصتُ أهلي واحداً واحداً.. لم أكن قادراً على التركيز في شيء معين، لكني حين لمحت تلك الفتاة الصغيرة، تختلس النظر إليَّ، وهي نصف متوارية خلف أمي، قدَّرت أنها يجب أن تكون سومر.

حاولت أن أكون متماسكاً، وأنا أتقدم منها، وأحملها مثلما كنت أفعل قبل سنوات، ثم سألتها:

هل تعرفين من أنا؟

ابتسمت وأغمضت عينيها علامة الإيجاب.

قلت:

هل عرفتني لأنك تذكرتني، أم لأن جدتك أخبرتك أنك آتية لزيارتي؟

قالت:

لا.. عرفتك مثلما كنت أعرفك من قبل.

انشقِّي إذن أيتها السموات

انشقِّي وأعطيني خبراً يقيناً.

في الزيارة الثانية رجوت أمي، أن تخبرني بالضبط، إن كانت سومر، عرفتني فعلاً، فقالت:

عرفتك وبس؟! عينك تشوفها كيف تتغمَّى حين يسألها الآخرون عنك، وتجيبهم متباهية:

بابا رائع.. لقد عرفته فوراً.. لم يتغير فيه شيء.. فقط هو الآن أحلى.

لم تمض بضعة شهور، حتى أصبحت الزيارة وحدةَ القياس، التي أقيس بها أزمنة النور والظلمة.. الضعف والقوَّة.. الوحشة والأمان..السجن والحرية.

كانت الصغيرة، تملؤني حتى في صمتها.

أول مرة خرجتْ فيها عن طبيعتها، التي يختلط فيها الخجل بالتهذيب، سألتني:

بابا.. هل صحيح أنك شاعر؟

قلت لها:

تقريباً.

قالت:

لماذا إذن لا تكتب لي قصيدة؟

قلت:

كتبت لك أكثر من قصيدة، وستقرئينها عندما تكبرين.

قالت:

لا أريد عندما أكبر.. أكتب لي الآن.

لاحقاً كتبت لها قصيدة، لونتها بالعديد من الذكريات والإشارات، التي يمكن أن تعني لها شيئاً.

في الزيارة التالية، اندفعت نحوي وأخذتني عناقاً، ثم همست في أذني كلمتين:

بابا حفظتُها.

لم أفهم في تلك اللحظة ما المقصود.. لكني بعد قليل، تذكرت القصيدة فقلت:

إذا أعجبتك وحفظتها حقاً، أنشديها لي.

شهقت وهي تمسح الغرفة بنظرة متوجسة، ثم عادت ترمقني بعينين، تطفحان عتاباً وتأنيباً على كشف سر القصيدة المهرَّبة واستهتاري الأمني إلى هذه الدرجة!

يا سبحان الطغيان.. حتى هذه الطفلة!

خلال أكثر من عامين لم تنقطع سومر عن زيارتي سوى هذه المرة، فهل أكتب الآن عنها، أو أستجر ذكرياتي معها، لأعوض عن غيابها؟

لم أكن أعرف أن غيابها باهظ إلى هذه اللاحدود. كأنه ليس ثمة غير الفراغ.. وأنا كأي سجين، لا أبدو قابلاً للاطمئنان.

يبدو لي أن اللغة فراغ.. والصمت فراغ.. الحقيقة والوهم وما بينهما.. وحتى هذا السجن بكل ما فيه من جدران وأبواب ودهاليز.

أحس كما لو اني أطفو فوق زمن ضائع، تسوقه الهواجس خارج نفسه.

أصبح عمرها الآن أحد عشر عاماً، ولم يُتَح لي أن أدخل امتحان الأبوة إلى آخره.قلت لكم إني تخفَّيت حين ولِدتْ  ابنتي، واعتقلتُ قبل أن تكمل الرابعة، ومضت السنوات الخمس الأولى من اعتقالي بدون أية أخبار أو زيارات.. لكن رغم كل ذلك، وربما بسببه أيضاً، أشعر أنني أب إلى حد البكاء.