حزام أمني سوري تحت الرماد؟
يخرج كمال من بستان المشمش الممتد بين الحدود اللبنانية ـــــ السورية في منطقة مشاريع القاع اللبنانية ومشاريع جوسة السورية. يرمي السلام بكثير من الحذر والخجل. يبتعد قليلاً ويتحدث بواسطة جهازه اللاسلكي مع شخص يبدو أنه مكلف مهمة مراقبة للنقاط العسكرية السورية القريبة. إنه «الأخ» عصفور، أو الاسم الوهمي في شيفرة مجموعة لبنانية منتشرة على طول خط الحدود اللبنانية مع سوريا من جرود عرسال شرقاً، مروراً بمشاريع القاع، وصولاً إلى مزرعة الدورة وأطرافها، وامتداداً إلى مجموعة سورية داخل الأراضي السورية. انتظم لبنانيون وسوريون في عمل واحد هدفه التعاون المشترك «لإسقاط» نظام حزب البعث في سوريا. السوريون بأمسّ الحاجة إلى وسائل اتصال ونقل الجرحى ومعالجتهم. لبنانيون وجدوا في الأجهزة اللاسلكية وسيلة اتصال مميزة، رغم تعرضها أحياناً لتشويش سوري. وزعت مئات الأجهزة على لبنانيين وسوريين موثوقين جداً، يقطنون على الحدود مباشرة. مهمة المجموعة المشتركة محصورة فقط بمساعدة الجرحى وضمان عبور منشقين من الجيش السوري. لا يخفي بعض أعضاء المجموعة اللبنانية أن الجيش السوري يعرف ما يجري، لذا بدأ بتنفيذ غارات أمنية داخل الأراضي اللبنانية.
كمال، هذا الشاب اللبناني، ليس سوى فرد في مجموعة وجدت في توفير المساعدة لسوريين مهمة سياسية قبل أن تكون إنسانية. يقولها بصراحة ومن دون «لف ودوران». يحكي كثيراً عن النظام السوري. لا يجد له إيجابية واحدة. لذا، حماسته لم تسمح له بتنفيذ ما وعدنا به عبر قنوات الاتصال المتعددة، بلقاء مع ضباط يقول إنهم منشقون عن الجيش السوري ووصلوا إلى لبنان. كانت الاتصالات قد أفضت إلى تنظيم لقاء مع هؤلاء الضباط الجرحى. رفض المنشقون اللقاء في آخر لحظة لحسابات أمنية، مفضلين توقيتاً أكثر أمناً لهم ولمناصريهم اللبنانيين، كما أبلغنا «الثائر» كمال. فالحراك الأمني اللبناني وغارات الجيش السوري المفاجئة ليلاً أو نهاراً، لم يسمحا له بتنفيذ وعده أو التزام ما اتُّفق عليه.
ما يجري على الحدود اللبنانية ـــــ السورية في شمال البقاع وشرقه، لا يمكن وصفه إلا بحرب سرية تدور رحاها في مناطق وعرة وتحت جنح الظلام منذ أكثر من 3 أشهر. وهي في تصاعد مستمر كلما تصاعدت وتيرة الأعمال والأفعال العسكرية المتنوعة داخل سوريا. فالغارات العسكرية السورية خلال الأيام الماضية على مزارع وقرى مأهولة بسكان لبنانيين وسوريين وعرب رحّل في مناطق «مشاريع القاع»، وفي عمق جرود بلدة عرسال، لم تكن الوحيدة أو الأولى من نوعها. وسكان الحدود هناك يؤكدون في الحوارات معهم، أن العمليات الأمنية السريعة التي ينفذها الجيش السوري أكثر من أن تعد وتحصى، وهي بالتالي تبقى بعيدة عن الإعلام. يتحدث مواطنون لبنانيون وسوريون بكثير من القلق والخوف، فيما لا تجد الجهات الأمنية والعسكرية اللبنانية الرسمية أي أمر جديد أو طارئ في هذه العمليات. لا يخفي بعض الأمنيين أنه أحياناً يجري تنسيق بين الجانبين السوري واللبناني خلال تنفيذ غارة أمنية هنا أو هناك. ويكشف بعضهم لـ«الأخبار» أن الأجهزة الأمنية اللبنانية غير متفقة على سبل التعامل مع ما يجري في المناطق الحدودية الممتدة من عرسال إلى جرود عكار. وتوضح هذه الجهات أن أجهزة أمنية لبنانية تتغاضى عن عبور منشقين سوريين وجرحى، فيما جهاز آخر يعمل على توقيفهم وتسليمهم إلى الجانب السوري أو ردهم على أعقابهم. وتتابع هذه الجهات، كاشفة أن أكثر من 90 جريحاً سورياً، مدنياً وعسكرياً، دخلوا الأراضي اللبنانية عبر معابر غير شرعية إلى البقاع خلال الأيام الماضية، وأن هناك مجموعة من الأطباء والممرضين اللبنانيين تتولى مهمة تضميد جراح وإجراء بعض العمليات لهم. ويكشف الأمنيون أن لبنانيين حولوا منازلهم إلى غرف عمليات جراحية لسوريين فروا إلى لبنان تجنباً لاعتقالهم في حال نقلهم إلى مستشفيات ومستوصفات سورية. ويؤكدون أن ما يجري على الحدود اللبنانية ـــــ السورية بقاعاً وشمالاً، ليس أمراً بسيطاً، وأن سوريا تتابعه بدقة. لذلك، بدأت بتنفيذ عمليات أمنية محدودة وسريعة داخل الأراضي اللبنانية و«نحن نراقب ذلك عن كثب». ويرفض هؤلاء تأكيد ما يحكى عن قرار سوري بتنفيذ عملية أمنية واسعة النطاق داخل الأراضي اللبنانية المتاخمة لحدودهم، ويقولون إن «كل الاحتمالات واردة، ولكن لا نعتقد أن الجيش السوري قادر الآن». يضيفون أن الجيش السوري «قد ينفذ بين الحين والآخر مهمات محدودة وسريعة هدفها مطاردة منشقين أو مهربين».
«الحرب السرية» الدائرة على الحدود البقاعية مع سوريا توسعت لتتحول إلى دخول عسكري سوري بصورة علنية إلى الأراضي اللبنانية. وما جرى في مزرعة الدورة التي تفصلها ساقية مياه جارية عن سوريا وهي حدّ طبيعي للحدود الرسمية، ليست حادثة نادرة. فالدخول السوري إلى المزرعة وتفتيش أغلبية منازلها وقتل وجرح 3 مواطنين وتوقيف أحدهم ونقله إلى سوريا، كل هذا أحدث إرباكاً في صفوف الأهالي الذين يغادرون المزرعة ليلاً ويعودون إليها نهاراً تخوفاً من عملية إغارة مماثلة. ويقول خالد ش، الذي كان يحمل جهازاً لاسلكياً، إن الجيش السوري دخل المزرعة بحثاً عن مطلوبين ومهربين، وفتّش المنازل مع إطلاق رصاص كثيف عشوائياً، موضحاً أن الجيش اللبناني وصل إلى مدخل الدورة ولم يدخلها إلا بعد مغادرة الجيش السوري.
دخول الجيش السوري إلى مزرعة الدورة الحدودية في سهل القاع، سبقته وتبعته عمليات دخول إلى الأراضي اللبنانية وتفتيش منازل متناثرة متاخمة لمنطقة جوسة وخرايب جوسة السوريتين ومشاريعهما. كذلك، سجلت أعمال مماثلة داخل البساتين والكروم اللبنانية قرب النزارية والصالحية وحوش السيد علي. ويقول مواطنون لبنانيون إن الجيش السوري يدهم منازلهم ليلاً بحثاً عن سوريين وفق لوائح اسمية. ويقول أبو حسين العرسالي (اسم وهمي) إن الجانب السوري سلم الجيش اللبناني هذه اللوائح، مطالباً بتوقيفهم وتسليمهم فور إلقاء القبض عليهم. ولا يخفي «أبو حسين» أن هناك مجموعات لبنانية تعمل على تنظيم عمليات عبور لسوريين، وخصوصاً الجرحى، متابعاً أن هناك «خلية» تعمل على توفير المساعدة وفق إمكانات الشباب و«المسألة إنسانية وليست سياسية، ونقوم بها بعلم السلطات اللبنانية».
كمال، هذا الشاب اللبناني، ليس سوى فرد في مجموعة وجدت في توفير المساعدة لسوريين مهمة سياسية قبل أن تكون إنسانية. يقولها بصراحة ومن دون «لف ودوران». يحكي كثيراً عن النظام السوري. لا يجد له إيجابية واحدة. لذا، حماسته لم تسمح له بتنفيذ ما وعدنا به عبر قنوات الاتصال المتعددة، بلقاء مع ضباط يقول إنهم منشقون عن الجيش السوري ووصلوا إلى لبنان. كانت الاتصالات قد أفضت إلى تنظيم لقاء مع هؤلاء الضباط الجرحى. رفض المنشقون اللقاء في آخر لحظة لحسابات أمنية، مفضلين توقيتاً أكثر أمناً لهم ولمناصريهم اللبنانيين، كما أبلغنا «الثائر» كمال. فالحراك الأمني اللبناني وغارات الجيش السوري المفاجئة ليلاً أو نهاراً، لم يسمحا له بتنفيذ وعده أو التزام ما اتُّفق عليه.
ما يجري على الحدود اللبنانية ـــــ السورية في شمال البقاع وشرقه، لا يمكن وصفه إلا بحرب سرية تدور رحاها في مناطق وعرة وتحت جنح الظلام منذ أكثر من 3 أشهر. وهي في تصاعد مستمر كلما تصاعدت وتيرة الأعمال والأفعال العسكرية المتنوعة داخل سوريا. فالغارات العسكرية السورية خلال الأيام الماضية على مزارع وقرى مأهولة بسكان لبنانيين وسوريين وعرب رحّل في مناطق «مشاريع القاع»، وفي عمق جرود بلدة عرسال، لم تكن الوحيدة أو الأولى من نوعها. وسكان الحدود هناك يؤكدون في الحوارات معهم، أن العمليات الأمنية السريعة التي ينفذها الجيش السوري أكثر من أن تعد وتحصى، وهي بالتالي تبقى بعيدة عن الإعلام. يتحدث مواطنون لبنانيون وسوريون بكثير من القلق والخوف، فيما لا تجد الجهات الأمنية والعسكرية اللبنانية الرسمية أي أمر جديد أو طارئ في هذه العمليات. لا يخفي بعض الأمنيين أنه أحياناً يجري تنسيق بين الجانبين السوري واللبناني خلال تنفيذ غارة أمنية هنا أو هناك. ويكشف بعضهم لـ«الأخبار» أن الأجهزة الأمنية اللبنانية غير متفقة على سبل التعامل مع ما يجري في المناطق الحدودية الممتدة من عرسال إلى جرود عكار. وتوضح هذه الجهات أن أجهزة أمنية لبنانية تتغاضى عن عبور منشقين سوريين وجرحى، فيما جهاز آخر يعمل على توقيفهم وتسليمهم إلى الجانب السوري أو ردهم على أعقابهم. وتتابع هذه الجهات، كاشفة أن أكثر من 90 جريحاً سورياً، مدنياً وعسكرياً، دخلوا الأراضي اللبنانية عبر معابر غير شرعية إلى البقاع خلال الأيام الماضية، وأن هناك مجموعة من الأطباء والممرضين اللبنانيين تتولى مهمة تضميد جراح وإجراء بعض العمليات لهم. ويكشف الأمنيون أن لبنانيين حولوا منازلهم إلى غرف عمليات جراحية لسوريين فروا إلى لبنان تجنباً لاعتقالهم في حال نقلهم إلى مستشفيات ومستوصفات سورية. ويؤكدون أن ما يجري على الحدود اللبنانية ـــــ السورية بقاعاً وشمالاً، ليس أمراً بسيطاً، وأن سوريا تتابعه بدقة. لذلك، بدأت بتنفيذ عمليات أمنية محدودة وسريعة داخل الأراضي اللبنانية و«نحن نراقب ذلك عن كثب». ويرفض هؤلاء تأكيد ما يحكى عن قرار سوري بتنفيذ عملية أمنية واسعة النطاق داخل الأراضي اللبنانية المتاخمة لحدودهم، ويقولون إن «كل الاحتمالات واردة، ولكن لا نعتقد أن الجيش السوري قادر الآن». يضيفون أن الجيش السوري «قد ينفذ بين الحين والآخر مهمات محدودة وسريعة هدفها مطاردة منشقين أو مهربين».
«الحرب السرية» الدائرة على الحدود البقاعية مع سوريا توسعت لتتحول إلى دخول عسكري سوري بصورة علنية إلى الأراضي اللبنانية. وما جرى في مزرعة الدورة التي تفصلها ساقية مياه جارية عن سوريا وهي حدّ طبيعي للحدود الرسمية، ليست حادثة نادرة. فالدخول السوري إلى المزرعة وتفتيش أغلبية منازلها وقتل وجرح 3 مواطنين وتوقيف أحدهم ونقله إلى سوريا، كل هذا أحدث إرباكاً في صفوف الأهالي الذين يغادرون المزرعة ليلاً ويعودون إليها نهاراً تخوفاً من عملية إغارة مماثلة. ويقول خالد ش، الذي كان يحمل جهازاً لاسلكياً، إن الجيش السوري دخل المزرعة بحثاً عن مطلوبين ومهربين، وفتّش المنازل مع إطلاق رصاص كثيف عشوائياً، موضحاً أن الجيش اللبناني وصل إلى مدخل الدورة ولم يدخلها إلا بعد مغادرة الجيش السوري.
دخول الجيش السوري إلى مزرعة الدورة الحدودية في سهل القاع، سبقته وتبعته عمليات دخول إلى الأراضي اللبنانية وتفتيش منازل متناثرة متاخمة لمنطقة جوسة وخرايب جوسة السوريتين ومشاريعهما. كذلك، سجلت أعمال مماثلة داخل البساتين والكروم اللبنانية قرب النزارية والصالحية وحوش السيد علي. ويقول مواطنون لبنانيون إن الجيش السوري يدهم منازلهم ليلاً بحثاً عن سوريين وفق لوائح اسمية. ويقول أبو حسين العرسالي (اسم وهمي) إن الجانب السوري سلم الجيش اللبناني هذه اللوائح، مطالباً بتوقيفهم وتسليمهم فور إلقاء القبض عليهم. ولا يخفي «أبو حسين» أن هناك مجموعات لبنانية تعمل على تنظيم عمليات عبور لسوريين، وخصوصاً الجرحى، متابعاً أن هناك «خلية» تعمل على توفير المساعدة وفق إمكانات الشباب و«المسألة إنسانية وليست سياسية، ونقوم بها بعلم السلطات اللبنانية».