جبل الشيخ: | |||||
جبل الشيخ، جبل حرمون، بعل حرمون، شنير، جبل الثلج، الجبل المقدس، اسماء اطلقت على ما سماه العرب لاحقا بـ”جبل الشيخ” او “الجبل الشيخ”. جبل يشرف على لبنان وسوريا وفلسطين والاردن، يستطيع زائر قمته العالية (2814 م) ان يرى اماكن واسعة من سوريا ولا سيما دمشق وسهول حوران وبادية الشام والجولان وقسما من الحدود الشمالية الاردنية والفلسطينية وتحديدا جبال الجليل والخليل وسهل الحولة وبحيرة طبرية، ويستطيع متسلق الجبل ان يرى من على قمته كل جنوب لبنان وسهل البقاع وسلسلة جبال لبنان الغربية. الجبل الصامد منذ العصر الجوراسي الاوسط، يشتهر بقممه العالية والشاهقة، وابرزها قمة قصر شبيب التي تعلو عن سطح البحر قرابة الثلاثة آلاف متر (يقول عنصر من قوات الطوارئ الدولية هناك ان الارتفاع يتجاوز الثلاثة الاف متر بنحو 15 مترا، ولكن المعلومات الرسمية تعطي رقم 2814 م.) فكان لهذا محط اطماع الامبراطوريات والممالك الغابرة وكان محطة تعبد لبعض المعتقدات الدينية. الجبل لا تعرف قممه العالية من فصول السنة سوى فصلي الشتاء والربيع واروع ما يمكن لمتسلق “الشيخ” ان يشاهده من قمة الجبل “شروق الشمس” التي تخرج من اسفل معلنة بدء يوم جديد، حاضنة دمشق التي يراها الزائر وكأنها تخرج الشمس من بين بيوتها. من سهل جنعم، شمال بلدة شبعا، وحتى قمة قصر شبيب، سبع ساعات من السير على الاقدام وقافلة المتسلقين الاحد عشر (من الجنوب والبقاع وبيروت) لم يستطيعوا اللحاق بقافلة “البغال” التي سبقتهم بأمتعتهم، فهي تحفظ عورة مسالك جبل الشيخ، وهي ايضا خبرت دروبه جيدا يوم كان ل”التهريب” عزه وتحولت اليوم الى حاملة أمتعة هواة ومحبي الوصول الى قمة “الشيخ”. في الطريق الى قمة قصر شبيب تلتقي بالدوريات المؤللة ل”الاندوف” وبدوريات راجلة للجنود الدوليين يمارسون رياضة المشي تحت اشعة شمس حرموا منها بعد حصار طويل فرضته الثلوج عليهم.. وخلال المسير الطويل، تكون مياه الثلوج الذائبة نهارا (المتجمدة ليلا) خير معين للتزود بالمياه التي تحافظ على برودتها رغم اشتداد الحرارة، وكأنك كلما صعدت نحو الاعلى تلامس الشمس مباشرة. بعد سير مضن على الاقدام، وصلت القافلة الى نقطة التجمع واقيم “المخيم” في حفرة صغيرة تلفها الصخور والثلوج، وحسب الدليل “انها افضل نقطة للتخييم والنوم واتقاء الرياح العاتية من الجهات الاربع رغم وجود “جبل” ثلجي يتجاوز ارتفاعه العشرة امتار.. وزيارة قصر شبيب لن تتم الا بعد الاستراحة ونصب الخيم واعداد طعام الغذاء. المتحف الحربي جبل الشيخ، الذي كان في يوم من الايام، غنيا بالغابات الكثيفة من السنديان والبلوط والملول والقيقب واللبان والزعرور والخوخ البري والبطم، يصعب على زائره ان يجد ولو “عودة” حطب واحدة، وعلى المتسلق حمل “اكياس” من الفحم لاشعالها واستخدامها للتدفئة والشواء. فالارض هناك غنية اليوم بما خلفته الحروب بين جيش الاحتلال الاسرائيلي والجيش العربي السوري ولا سيما في حربي 1967 و1973، فكيفما درت في جبل الشيخ يقع نظرك على معدات حربية خلفها العدو الاسرائيلي خلال محاولاته احتلال القمم العالية هناك، وتشير المخلفات كم كانت المعارك شرسة ولا سيما خلال حرب تشرين. ويقول احد جنود “الاندوف” عندما سألناه عن هذه المخلفات ان “القوات الاسرائيلية كانت تتمركز في المنطقة وتقيم لها تجمعات عسكرية وان الجيش السوري استطاع السيطرة عليها بعد ان استهدفها بمئات الغارات الجوية والقصف الصاروخي وعمليات الانزال”. بقايا صواريخ “الغراد” المنفجرة والتي لا تعد ولا تحصى يخالها المرء انها نبتت هناك، فخلف كل صخرة وحجر تعثر على بقايا صاروخ او قذيفة مدفعية اضافة الى عشرات الحفر التي احدثتها صواريخ الطائرات.. وملايين الشظايا التي صنع منها احد جنود “الاندوف” صليبا تركه معلقا كذكرى فوق اعلى قمة في جبل الشيخ واكثر ما يلفت نظر الزائر ل”المتحف” الحربي في جبل الشيخ ما تركه العدو الاسرائيلي من اثار لمروحياته المدمرة خلال حرب تشرين 1973 واثار مواقعه المدمرة التي احتلها في حرب 1967 والاسلاك الشائكة التي حولها بعض الرعاة الى “زرائب”. المواقع العسكرية الاسرائيلية في تلال جبل الشيخ ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، ترتبط مباشرة بطرقات معبدة ببعض المواقع الاخرى في الجولان العربي السوري المحتل، وابرزها مواقع ومراكز الرصد والتجسس، وهي تشكل العمود الفقري للاحتلال ولها اكثر من طريق معبدة وترابية وتظهر بوضوح اجهزة الرصد والتجسس والتنصت. فبعد ان سيطر الاحتلال على قمم ومرتفعات جبل الشيخ باشر بإنشاء شبكة من الطرق لربط مواقعه بعضها بالبعض الآخر. وتمتد هذه الشبكة من معسكر النخيلة عند الطرف الجنوبي الغربي لمزارع شبعا (300 م. فوق سطح البحر) مرورا بكافة المواقع داخل المزارع وتلال كفرشوبا وصولا الى قمم جبل الشيخ المشرفة على الجولان والجنوب اللبناني (ألفي متر وما فوق عن سطح البحر). وتبين خارطة مواقع الاحتلال الاسرائيلي هناك، ان قوات العدو قد قسمتها الى 3 محاور، جنوبي ووسطي وشمالي، ويبدو ان المحور الوسطي هو الاهم حيث تنتشر المواقع والمراصد ومحطات الانذار على شكل مثلث نقطته الاساسية في قمة الزلقا وتمتد اضلاعه الى نشبة المقبلة والفوار ومعاصر الدود مع نقاط عسكرية متفرقة تبدو وكأنها مخافر حماية ونقاط تموين للمواقع الاساسية. وهذا المحور الذي تتوزع مواقعه على ارتفاعات ما بين 1800 و2200 م. فوق سطح البحر يعتبر اكثر اتساعا وعرضا، كون جبل الشيخ تتفرع منه قمم عدة ويتسع تدريجيا نحو الجنوب والغرب (المزارع) مما سمح للاحتلال باستخدامها في اقامة مواقعه. رعاة الماشية لا يقتصر التواجد في جبل الشيخ على قوات الاحتلال الاسرائيلي وقوات الاندوف.. فهناك ايضا رعاة الماشية الذين يعتبرون قمم واودية الجبل افضل مراع خصبة لقطعانهم من الماعز، كيف لا والربيع قد بدأ في هذه الايام في المنطقة بعد موسم زاخر بالثلوج. ويقول الراعي حسين مصطفى هاشم من بلدة شبعا انه يرعى الماشية في القمم العالية في جبل الشيخ منذ 12 سنة. فرعاة الماشية يبدأون بالتوجه الى جبل الشيخ اعتبارا من بدايات شهر تموز ولا يغادرون المنطقة قبل نهاية شهر ايلول من كل عام. ويعزو هاشم الاسباب الى ان فصل الربيع في اعالي جبل الشيخ يزخر بالنبات والمياه جراء ذوبان الثلوج: “الربيع بيبلش هون بنص تموز وبيظل لاول تشرين وحسب التلج”.. اكثر من 3 فرق تقوم برعي الماشية يتمركز افرادها ويسرحون بقطعانهم في اعالي قمم جبل الشيخ وهم حفروا اقنية لتحويل مياه الثلوج الذائبة نحو برك صغيرة لسقي قطعانهم.. ويتراوح عدد اعضاء الفرقة ما بين ثلاثة رعيان وستة يتولون امر اكثر من 1400 راس من الماعز بقيادة كل من حسين هاشم وقاسم دعكور وحسين يوسف صعب ويساعدهم افراد من اسرهم في نقل الحليب فجر كل يوم الى بلدة شبعا. ويؤكد هاشم ان تصريف انتاجهم من الحليب جيد جدا “اهل البلد كل يوم بينطروا حليبات عنزاتنا”. التهريب حياة جبل الشيخ تحفل بمغامرات رجال التهريب. فالجبل، وككل منطقة حدودية بين دولتين او اكثر، تحول الى بوابة شاقة لممارسة اعمال التهريب بين لبنان وسوريا، على مدى عقود طويلة من الزمن. فالتهريب ليس وليد الساعة بل هو امتداد متوارث. وجبل الشيخ لوعورة مسالكه وانتشار عشرات القرى على سفوحه، الشرقية والغربية، كان المنطقة الافضل لممارسة عمليات التهريب بين لبنان وسوريا وبالعكس. كما انه كان بوابة لعمليات تهريب الى الاردن من لبنان عبر الاراضي السورية وبالعكس ايضا. فمن شبعا وعين عطا والكفير وميمس وراشيا وغيرها من القرى الحدودية كانت تنطلق قوافل المهربين تحت جنح الظلام لتلتقي مع “زميلات” لها من قرى بيت جن وريمي وعرنه والقلعة وبقاع سم والحضر وقرى اخرى في الجانب السوري. المهربون الذين كانوا ينشطون على طرقات جبل الشيخ، في رحلات متواصلة، اندثروا اليوم بعد ان اصبحت الاسعار متقاربة جدا بين البلدين، واصبحت جميع المواد متوافرة في اسواق البلدين.. مما اصاب اعمال التهريب بكساد كبير. ويقول احد “المتقاعدين”: “خلصت ايام التهريب.. ولم يعد لها قيمة اليوم”! رفعت اعمال التهريب من اسعار البغال التي كانت تسلك معابر جبل الشيخ. فالبغل الذي يتراوح عمره ما بين 5 و10 سنوات كانت اسعاره مرتفعة جدا مقارنة ببغال اكبر سنا، والبغل ذو البنية القوية وصل سعره، ايام عز التهريب (منذ اقل من 10 سنوات) الى اكثر من الفي دولار.. ووصل سعر البغل الذي يستطيع نقل الحمولة الى المنطقة المحددة دون مرافقة صاحبه الى اكثر من 10 الاف دولار اميركي.. بينما اليوم: “احسن بغل ما بيستاهل مليون ليرة”.. يقول احد المهربين الذي توارث المهنة ابا عن جد. قصر شبيب هنا قصر شبيب.. المعبد الذي يعود الى الكنعانيين الذين اتخذوا جبل الشيخ إلها لهم وسموه “بعل حرمون” واقاموا على اعلى قممه هياكل ومعابد لا تزال اثارها بادية للعيان ومنها الجدار العائد لاحداها وطوله قرابة العشرة امتار ويعرف اليوم باسم “قصر شبيب” وقد عمدت قوات الاحتلال الاسرائيلي الى تدمير اجزاء منه في حرب 1967. ويقول رعاة الماشية هناك ان قوات الاحتلال جرفت القصر ونقلت بعض حجارته الى فلسطين المحتلة، كما جرفت معبدا اخر مكملا له يقع شرقي القصر الذي تحول اليوم الى موقع لقوات المراقبة الدولية “الاندوف” التي منعت الدخول الى القصر وسمحت بالتقاط الصور من بعيد لانه “لا يحق لكم الدخول الى الاراضي السورية”. وتنتشر حول القصر او المعبد مغاور وبقايا حجارة قصر آخر يدعى “قصر عنتر” وهو في الجانب اللبناني من جبل الشيخ ايضا دمرته آلة الحرب الاسرائيلية في حرب ال67. "الأندوف" تنتشر في قمم جبل الشيخ قوات دولية مهمتها مراقبة وقف اطلاق النار بين الجيش الاسرائيلي والجيش العربي السوري بعد حرب تشرين، وهذه القوات التي تعرف ب”الاندوف” تتوزع على مراكز ترتبط بطرقات ترابية خلفها العدو الاسرائيلي بعد هزيمته في تشرين 1973 وتنتشر في مناطق عدة من جبل الشيخ، وأبرز هذه المراكز المقام على أنقاض قصر شبيب على ارتفاع 2814 م. والذي دمره العدو الاسرائيلي ويشرف على الاراضي السورية وأجزاء واسعة من الجولان المحرر والمحتل، ويطلق على الموقع “الفندق الدولي” او “فندق حرمون” وهو مشيّد بأحدث التقنيات وتعلوه أبراج للمراقبة والصحون اللاقطة والمناظير الكبيرة وأجهزة اتصالات عبر الاقمار الاصطناعية وشبكة انترنت.. اضافة الى مستودعات لمواد التدفئة والمواد الغذائية ومولدات كهربائية تعمل على مدار الساعة، والموقع يرتبط مباشرة بالاراضي السورية من خلال طرقات ترابية بينما يرتبط بطريق ترابي آخر يصل الى مزارع شبعا المحتلة. يخدم في “فندق” الاندوف في قصر شبيب 7 ضباط من الجنسية النمساوية، تلقوا تعليمات مشددة بعدم السماح للزوار بدخول الموقع والتجوال داخل بقايا قصر شبيب.. وهم يخدمون سنة كاملة قبل ان يعودوا الى بلادهم براتب شهري يفوق مبلغ ألفي دولار اميركي. ومهمة عناصر الموقع هي مراقبة ما يجري في محيطه بقطر كيلومترين فقط، أما اعمال الدوريات المؤللة التي تجول على قمم جبل الشيخ ومزارع شبعا فهي من مهمات مواقع اخرى.
|
يزحف الخائفون على أطفالهم من حمص وريفها إلى بلاد شقيقة على مرمى حجر من حاراتهم وقراهم وحقولهم. التحفوا حفنة بارود، وشال لهب، وآثار دم من الوطن، واتجهوا من «حمصهم» جنوباً نحو قرى وبلدات لبنانية تبدأ من مشاريع القاع الزراعية إلى أعالي جرد عرسال وأخواتها، المزارع القريبة والبعيدة. هنا، حيث بقايا غرف وبيوت تهزّها الرياح وتغرقها الأمطار، لكنها عند فقراء الحزن تبقى اكثر أمناً من رصاص مجهول ـــــ معلوم.
يصرّ أبو جمال على حمل طفليه وزوجة لم ير دموعها منذ أن تشاركا مصارعة الحياة، كما يؤكد. يحكي الشاب الحرفي الكثير من القصص عن حمص المدينة والمحافظة في ظلّ الأوضاع الحالية: «ساء الوضع كثيراً، ولم نعد نقدر على البقاء دون طعام وكهرباء ومازوت». إلا أن السبب المباشر لاتخاذ قرار مغادرة المدينة هو الوضع الأمني، كما يقول أبو جمال «لقد ألزمنا بالهروب إلى البقاع، ولا أخفي عليك أنني ترددت كثيراً قبل اتخاذ قرار النزوح». لكن وجود طفلين كان أمراً كافياً لحسم الأمر. يقول: «تركت الغالي والنفيس في حمص من أجل طفليّ، حتى لا يكونا عرضة للموت جوعاً أو صقيعاً، فالأمور الأمنية أصبحت معقدة، والمدينة تحوّلت إلى خطوط تماس نتيجة المواجهات بين جيش النظام والجيش الحرّ».
أكثر من 65 عائلة نازحة من حمص ومنطقتها منتشرة اليوم في عرسال وجردها القاسي، وفي قرى مجاورة هي امتداد لعرسال التي استنفرت لاستقبال المزيد من النازحين، ولو في ظروف غير مناسبة. ففي غرفة من أربعة أمتار، أقام أبو جمال، النازح حديثاً من حمص، مع قريبه أبو علي وأولاده السبعة الذين هربوا من المدينة إثر توتر الوضع الأمني. يقول الأخير إنه غادر مدينته قبل شهرين «وقد أمّن لي أهالي عرسال هذه الغرفة، كما ساعدوني وعائلتي بالمواد الغذائية والثياب والحطب للتدفئة». ويبدو شاكراً لهذه المساعدة، وخصوصاً أنه اكتشف «أن أهالي عرسال فقراء مثلنا يحتاجون إلى من يمد لهم يد المساعدة». يتابع بصوت متهدّج متذكراً اليوم الذي غادر فيه حمص: «يوم خرجنا انتظرت 24 ساعة حتى يتوقف إطلاق الرصاص. استغللت لحظة هدوء وغادرت مع زوجتي وأولادنا، وحين أصبحنا في مكان آمن خارج حمص اتصلت بصديق أمّن لي خروجي إلى الحدود اللبنانية في منطقة القاع، ومن هناك توجهت إلى عرسال، بعدما علمت أن الأهالي يستقبلون النازحين ويؤمنون لهم منازل وطعاماً».
وبالفعل، فإن أهالي عرسال انتظموا في ورشة عمل محلية لتأمين مختلف متطلبات النازحين من سوريا، الذين بدأوا بالتوافد إليها منذ عدة أشهر. توزّع الأهالي مجموعات، لكلّ منها مهمة محددة. واحدة لتأمين منازل لإقامة النازحين، وأخرى لتوفير المواد الغذائية والألبسة والفرش والأغطية، وثالثة، وهي الأهم والأكثر دقة في عملها، مجموعة الطبابة وعلاج الجرحى من النازحين السوريين، وتوفير الأدوية اللازمة. ويقول متابعون لعمل هذه اللجان، إن أهالي عرسال يوفرون متطلبات النازحين من تبرّعات يجمعونها من بعضهم البعض. ويكشف أحد مخاتير البلدة أنهم أجروا اتصالات بمؤسسات رسمية لبنانية وأخرى دولية لتأمين بعض احتياجات النازحين «لكن للأسف لم يردّ أحد علينا، لذا نجمع تبرّعات محلية لتوفير ما يلزم للمهجرين من سوريا». ويوضح المختار أن «السلطات اللبنانية لم تكلّف نفسها عناء السؤال عن هؤلاء، أو حتى كيف يعيشون». ويسأل ساخراً: «ألسنا في وحدة مسار ومصير وشعب واحد في دولتين؟»، لافتاً إلى أنه اتصل «بمؤسسة دولية لتوفير مساعدات ما للنازحين، لكن علمت منهم أن الدولة لا تسمح لهم بالعمل».
هذا التقاعس الرسمي اللبناني عن متابعة شؤون النازحين السوريين إلى لبنان، وعلى الأقل في منطقة البقاع الشمالي، يتحدث عنه أيضاً منسّق «تيار المستقبل» في المنطقة بكر الحجيري، الذي يتابع توجيهات تياره بوحوب تقديم المساعدة الإنسانية إلى السوريين المهجّرين. يقول الحجيري «الحكومة اللبنانية لم تسأل عن هؤلاء النازحين قسراً، لذا فإن التوجيهات العامة في التيار هي مساعدة هؤلاء». ويوضح أن سجل الإحصاءات لدى منسقية تياره في البقاع الشمالي تتحدث عن أكثر من 68 عائلة سورية وصلت إلى المنطقة من حمص وإدلب وكناكر. ويكشف أن تياره أصدر أمراً بوجوب متابعة شؤون الجرحى الذين يصلون إلى المنطقة من سوريا.
معالجة الجرحى السوريين في لبنان هي الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى اللجان التي تتابع الأمر على تخوم الحدود في البقاع الشمالي. يقول طبيب جرّاح التقته «الأخبار» خلال معالجته جريحاً سورياً مصاباً بطلق ناري في ساقه اليسرى، كان قد وصل للتو من منطقة حمص، إنه يعالج الجرحى في المنطقة وفق حالاتهم ونوعية إصاباتهم، موضحاً أن «الحالات الحرجة تنقل فوراً إلى طرابلس وعكار، لتوافر مستشفيات تستقبلهم، خلافاً لمستشفيات في البقاع ترفض هذا الأمر».
ويقدّم الطبيب شرحاً مرعباً ومأساوياً عن كيفية وصول الجرحى، إذ يقول إن الجريح السوري ينقل على دراجة نارية عبر مسالك ومعابر وعرة تجنباً للألغام وشرطة الحدود السورية (الهجانة). ويصف أن عمليات النقل تجري وفق المشهد الآتي: «يقود الدراجة سائقها، وخلفه آخر بركوب معاكس حاملاً الشخص المصاب!». ويتابع «هناك عشرات من المصابين لم تكتب لهم النجاة بسبب تعذّر وصولهم الى لبنان للعلاج، إما عادوا أدراجهم، وإما ماتوا على الحدود متأثرين بجراحهم»، كاشفاً أن الألغام السورية التي زرعت في اكثر من منطقة حدودية «تعوق عمليات إنقاذ المصابين بالرصاص ونقلهم الى لبنان».
كذلك يقدّم الطبيب لائحة بأسماء الجرحى والأمكنة التي تعرّضوا فيها لإطلاق الرصاص داخل سوريا، وموقع الإصابة في الجسم. وتفيد اللائحة التي اطلعت عليها «الأخبار» أن الطبيب وفريق المساعدين معه من ممرضين وصيدلاني، عالجوا 21 جريحاً في اقل من شهرين، وأن معظم المصابين تعرضوا لإطلاق رصاص حي، وأماكن إصاباتهم هي في: العين والصدر والأقدام والبطن والأعضاء التناسلية والرأس وأعلى الظهر، وإصابة واحدة في الفم وأخرى في الرقبة.
****
يروي مهجرو حمص الكثير من الحكايات عن مدينتهم.لا يخفون وجود حرب شوارع بين جيش النظام والجيش الحر. ويقول ابو جمال:" لم نكن نريد اسقاط ، بل فقط كنا نريد محاسبة المحافظالفاسد ». يتابع «شاركت في تظاهرات ضد المحافظ، وحين تعرضنا للرصاص صرنا نطالب بإسقاط النظام »، مؤكداً أنهم «شعب واحد مع الجيش ولسنا ضده" وحدة الشعب والجيش بؤكد عليه السبعينية أم محمد، التي تتخذ من منطقة مشاريع القاع مقر إاقامة مؤقت. السيدة الصلبة رفضت بداية مغادرة مدينتها و «جابوني بالقوة لهون ». تقول إنها كانت عائدة إلى المنزل حاملة فطائر لأولاد ابنها
الذين كانوا بلا طعام على مدى يومين «كان هناك جندي يراقبني وانا امشي وحيدة في الشارع، فتقدمتمنه وقلت له هل تريد ان تأكل؟ . وتضيف «رفض الجندي بداية، قائلاً لي إنه أكل منذ قليل ». تضيف «أصررت عليه أن يأخذ فطيرة فوافق بعدما قلت له أنا مثل أمك ». وتتابع أم محمد «حين أخذ مني العسكري الفطيرة صار يبكي وقال لي: انا واحد منكم». وتختم «الجيش من أبنائنا، ولا يمكن أن نطلق عليه الرصاص".
الذين كانوا بلا طعام على مدى يومين «كان هناك جندي يراقبني وانا امشي وحيدة في الشارع، فتقدمتمنه وقلت له هل تريد ان تأكل؟ . وتضيف «رفض الجندي بداية، قائلاً لي إنه أكل منذ قليل ». تضيف «أصررت عليه أن يأخذ فطيرة فوافق بعدما قلت له أنا مثل أمك ». وتتابع أم محمد «حين أخذ مني العسكري الفطيرة صار يبكي وقال لي: انا واحد منكم». وتختم «الجيش من أبنائنا، ولا يمكن أن نطلق عليه الرصاص".