معرفتي فيك
صالح ملحم
لم يك لينسى تلك اللحظات التي يستفزها متعمداً
فيصفها بالفتاة البرجوازية ، كان أمر مخجل ومحرجاً لها ، أما هو الذي يعي ذلك
جيداً كان يهدف في لقاءاتهما إلى استفزازها بتلك الكلمات لا لشيء فقط ليدفع الحوار
بينها إلى لحظة الانفجار بأسرع الطرق ثم يلي ذلك لحظة من الهدوء يتخللها فجأة
صوتها تغني " معرفتي فيك " ثم تبدأ بالرقص على ايقاعات موسيقى لزياد
رحباني ...... تلك كانت أجمل اللحظات التي لا ينساها في عام 1984
في المرفأ
إلتقاها لأول مرة ، صورة الفتاة العشرينية الغنية ابنة صاحب العمل التي ترتدي
الميني جيب و الممتلئة بالعطور ، المغرورة إلى حد الغباء ،الجميلة لدرجة
الدهشة ، التي أوقف عمله ليتأملها وهي تعبر من جانبه دون ان تلتفت له، تلك الصورة لم تغادر
أحلامه منذ صيف 80
يدق باب
منزلهما بقوة ، فقد استطاع أن يحصل على شريط الرحباني الجديد " هدوء نسبي
" ، وقد وعدها ان يستمعا إليه ، وهي لغاية الآن لا تفتح .....
" بلا ولاشي
.......... بحبك
ولا في بهل الحب مصاري
ولا ممكن في ليرات
ولا ممكن في
أراضي
ولافيه
مجوهرات
"
كان يرافق الشريط مغنياً والابتسامة
تملأ وجهه وهوينظر إليها ، انتصر له زياد بهذه الأغنية ...........
كان ذلك في عام 1987
في 16 أيلول
من كل عام يحتفلان معاً في ذكرى اطلاق جبهة المقاومة الوطنية وفق طقس بوهيمي
، يستمعان لأحدث أشرطة زياد ثم يتناولان العشاء مع النبيذ لتبدأ بعده بالرقص ،
حتى في تلك الأعوام القليلة التي تلت الاجتياح كانت تّصر على الرقص ، منفردة ً
ترقص وتبكي وتغني ، تتذكر جورج وكمال وعمر وكل الرفاق الذين رحلوا تباعاً ، إلا أن
هذا العام 1990 ليس كسابقه فهو لم يتناول العشاء معها ولم يحتس النبيذ ولم يستطع
حتى استفزازها بكلماته عن منشأها البرجوازي ، فقد ودعها فجراً وهي متجهة لسفح جبل
الشيخ بمهمة كلفت بها
...
لم تستطع ان
تتحمل مشهد احتراق بيروت ، أو أن توافق على وجود جندي اسرائيلي في حيها خلال
اجتياح 82، أو أن تشاهد عبر التلفاز أطفال مخيم شاتيلا يذبحون . هي التي استهزأت
منذ بضعة أشهر بكل من يقتل نفسه في سبيل فكرة أو عقيده أو أرض وضحكت منه هو
تحديداً و اتهمته بأنه ساذج وأن أفكاره الغريبة المنشأ حول الحرية ورأس المال
المتوحش والاشتراكية وغيرها مضحكة، فكان أن تركت ذكريات الطفولة و منزلها الفخم
و تركت أفكارها عن حب الحياة ، ومضت إليه .....
اليوم يرتبط
16 ايلول بذكرى رحيلها ، لم ترجع في ذاك اليوم ، كل عام يحمل شمعة
ويمشي وبجانبه بعض رفاقه ، هؤلان الرجال والنسوة الخمسينيون يجوبون شوارع بيروت
،فلكل منهم فقده .... عندما يصل إلى قبرها يجلس ، لا يبكيها ، لكنه يغني لها كما
كانت تحب دوماً اغنية " معرفتي فيك " .... إنه عام 2010
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
دمشق في 18 – 9 – 2010
*ملاحظة
هذه القصة مهداة إلى ذكرى الشهداء جورج
نصر الله و كمال الحجيري و عمر المحمد ... وإلى الاستاذ عفيف دياب لمقالته
المنشورة في جريدة الأخبار عدد الجمعة ١٧ أيلول ٢٠١٠
http://www.al-akhbar.com/ar/node/206639