إنه زمن "البلطجية"
|
||||||||||||
ماهر ابي نادر
عرفته في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي باسمه الحركي «سيمون». كان فتى يافعاً ذا شخصية هادئة وصوت خافت، لكن عينيه تضجان بحيوية متفجرة وتفضح عناداً في الموقف حيال القضايا التي يؤمن بها. في ذلك الزمان، كانت القضية الأساس لـ «سيمون» هي المقاومة. لم أعرف في حينه أنه ابن بلدة كفرشوبا الحدودية، ذلك أن السؤال عن الانتماء المناطقي لم يكن ذا قيمة في ذلك الزمن المقاوم. كانت سعدنايل مقراً أمامياً ينطلق منه المقاومون الشيوعيون لمطاردة العدو وعملائه داخل الجزء المحتل من منطقة البقاع الغربي. مرّت الأعوام وتلاشى دور الشيوعيين في المقاومة ومضى كل منهم في طريق البحث عن لقمة العيش. وشاءت الصدف أن التقي «سيمون» في أروقة إذاعة «صوت الشعب» في بيروت، حيث اختار أن يعمل مهندساً للصوت. هناك عرفت اسمه الحقيقي: عفيف دياب. لم يطل الوقت حتى قرر عفيف دياب خلع ثوب «سيمون» المقاوم بالبندقية ليتحوّل إلى ثوب المقاوم بالقلم، ويوقع باسم عفيف دياب بداية كمراسل لـ«صوت الشعب» في منطقة البقاعين الأوسط والغربي ومن ثم لعدد من الوكالات الأجنبية، وهو في موقعه هذا، لم يكن أقل إقداماً منه عندما كان مقاوماً بالبندقية، فلم تثنه غارة إسرائيلية عن مطاردته للحقيقة. في اليوم الأول للتحرير، أذكر كيف كانت فرحة عفيف عارمة. وعيناه كانتا تشعان فرحاً عندما جلسنا على «مصطبة» منزل أهله المتواضع في كفرشوبا، الذي كان مهجوراً طوال فترة الاحتلال، واحتفلنا معاً بفنجان قهوة على أمل أن يكون الاحتفال أغنى بعد أن يؤهل المنزل، ولكن أخذتنا الأحداث ولم نحتفل أبداً. أن تمتد إليك يد العمالة في وضح النهار، وفي قلب مدينة شتورة، التي أحببت، في وقت تنحر الخراف لعميل إسرائيل زياد الحمصي، ويستقبل بالطبل والزمر، هي ذروة السخرية يا «سيمون». أن يصبح المقاوم مطارداً على أيدي عملاء إسرائيل في قلب الوطن، الذي قالت حكومته الحالية في بيانها الوزاري إنها تؤكد تلازم دور الشعب والجيش والمقاومة في الدفاع عن الوطن، هي ذروة الكذب على الوطن والمقاومة. إلى السيد حسن نصرالله، ألا ترى يا سماحة السيد أن بقاءكم في حكومة النأي بالنفس بات مكلفاً جداً ليس لكم فحسب بل لكل الوطن؟ لقد قلتم في إحدى خطبكم إن العمالة للعدو ليست وجهة نظر، ولكن ها انتم اليوم تغضون الطرف عن التعامل معها بهذه الصفة، من يحمي المقاومين من عملاء إسرائيل طالما أن أيدي هؤلاء العملاء باتت تتجرأ على ضرب مقاوم في وضح النهار؟ أعرف أنك لن تجيب على سؤالي. ولكني أعرف أيضاً أنه سيحفر عميقاً في وجدانك، لما للمقاومين عندك من منزلة غالية، فأنا لن أنسى ما حييت كلمات قلتها لي في مكتبك في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل ساعات من استقبال جثمان نجلك المقاوم «هادي»، وطلبت مني عدم نشرها في ذلك الحين، والتزمت حينها. ولكني استميحك عذراً بأن أنشرها اليوم فقط لضرورة الموقف ولمرور الزمن على ذلك القول. قلت لي يومها: «لن أدع قادة العدو يتمتعون برؤية دمعتي»، هل ستسمح لقادة العدو أن يتمتعوا برؤية دموعنا، ونحن نذرفها على مقاومين يُعتدى عليهم على أيدي عملاء اسرائيل في ظل حكومة تتفيأ بعباءة المقاومة؟ إلى الرفيق خالد حدادة، في مثل هذا اليوم قبل ثلاثين عاماً، أطلق الشيوعيون المقاومة الوطنية عندما كانت المقاومة حينها فعل إرهاب وكان عملاء إسرائيل يقودون أجهزة الدولة الرسمية من أعلى قمة الهرم إلى أسفله. وحققوا إنجازات على طريق التحرير لا يمكن أن تلغيها إنجازات «المقاومة الإسلامية» التي أكملت الطريق. يومها قال الشيوعيون لكل الوطن: إلى السلاح دفاعاً عن الأرض والكرامة الوطنية. اليوم ومع الموجة المتصاعدة لإطلاق عملاء إسرائيل من السجون ووصف الفارين منهم إلى عمق الكيان بـ «بالمبعَدين» بدأ العملاء يتجرأون على مد اليد على المقاومين في وضح النهار، هل يتجرأ الشيوعيون بالدعوة مجدداً إلى السلاح، دفاعاً عن المقاومين وعقاباً للخونة والجواسيس؟ إلى الدكتور أمين وهبي، أمضينا عمرنا معاً في مواقع النضال، وأنت لم تكن في البلاد عندما كانت المقاومة الوطنية في أوجها، لكن ما أبعدك عن بلدتك لبايا هو أنك انطلقت في مهمة لا تقل نبلاً عن العمل المقاوم في ذلك الحين، إذ توجّهت إلى موسكو لتحصيل العلم لمساعدة أبناء الفقراء في البقاع الغربي عند عودتك. غير أن عائلتك الكريمة لم تبخل في دعم المقاومة ولم تبخل في بذل الدماء من أجلها، خاصة أن شقيقك «اسحق» أحد الشهداء الذين رووا تراب تلة برغز بدمائه في مواجهة بطولية مشهودة مع نخبة من جنود لواء «جولاني». فماذا تقول اليوم أيها «الرفيق» السابق في الاعتداء على الرفيق «سيمون» على أيدي عميل إسرائيلي، مع العلم ان ليس «سيمون» مَن أكد عمالته في مقالة صحافية بل تأكدت عمالته بالأدلة الدامغة، خاصة أن المعتدي وبلطجيته يتلطون بعباءة التيار السياسي الذي بتّ تنتمي إليه؟ |
مسكينة عرسال، البلدة البقاعية المنسية عند الحدود مع سوريا. لم يكن ينقص
العراسلة بعد الا زيارة الأمانة العامة لقوى 14 آذار حتى تكتمل يومياتهم
المرة والصعبة. صقور 14 آذار من الغرب ونسور سوريا من الشرق يحاصرون البلدة
التي لم تكن تنتظر من الأمانة العامة الا حمل «الأمانات» التي وعدت بها
منذ 2005، إذ لا همّ للعراسلة اليوم الا واحداً، وهو رفع مستوى الخدمات في
مدينتهم وتطوير بناها التحتية وغيرها من الأحلام الوردية. لا يخفي بعض
العراسلة أن زيارة التضامن كان يجب أن تكون معهم قبل أن تكون مع غيرهم، وإن
كانوا شركاء في الهم والأوجاع. فهم وحدهم في أعالي الجبال القاحلة، ولا
أحد في بيروت او باريس او الرياض ولا حتى في دمشق وطهران وموسكو وبكين،
يسمع أنين أوجاعهم كحال أقرانهم من النازحين السوريين الذين هربوا من فقرهم
وموتهم الى بلاد أفقر منهم يتشاركون مع أهلها الخبز المر وتقاسيم الوجوه
الواحدة.
لم يكن ينقص مآسي عرسال أمس، إلا زيارة الأمانة العامة لـ14 آذار وبعض نواب
مدينة زحلة والبقاع الأوسط والغربي، لرفع مستوى الحزن من جديد. فرح
العراسلة بوسائل الإعلام التي زارت بلدتهم مواكبة لرحلة «حج» فارس سعيد
ورفاقه، إذ اعتقدوا، للوهلة الأولى، أن قافلة الأمانة العامة ووسائل
الاعلام المرافقة جاءت لنقل أوجاعهم، أو أن فارس سعيد وايلي ماروني وجمال
الجراح وعاصم عراجي وانطوان سعد وطوني ابو خاطر وزياد القادري وشانت
جنجنيان وامين وهبي وإدي ابي اللمع، يحملون في سياراتهم الفخمة وجيباتهم
المصفحة وعود الشيخ سعد الحريري و«ثوار» 14 آذار ببناء مستشفى، او على
الأقل إعادة افتتاح مستوصف تيار المستقبل الذي أُقفل من دون مبررات مقنعة،
او مشروع شبكة صرف صحي ومياه شفة، او خرائط تعبيد وتوسعة طرقات، او ترميم
مدرسة رسمية وتأمين فرص عمل وتصريف منتجاتهم الزراعية.
فارس سعيد أكد أنه ورفاقه جاؤوا الى عرسال «لبنانيين من مختلف المناطق
والطوائف والأحزاب في إطار 14 آذار للتضامن مع أهلها، وزيارة عائلاتها
وزيارة العائلات السورية النازحة». أضاف: «جئنا لنقول من عرسال وعبرها، الى
من يهمه الأمر، إننا نطالب الحكومة بالاهتمام الفوري بأهالي عرسال
والبقاع، كما بوضع العائلات النازحة من سوريا من خلال تأمين الحاجات لها
عبر الهيئة العليا للإغاثة». وطالب وزارة الصحة بتحمل مسؤولية تأمين الجرحى
والمصابين في المستشفيات على نفقتها، ودعا الحكومة الى «التدخل الفوري
لوقف انتهاك سيادة لبنان من جيش النظام السوري بإرهاب اللبنانيين ومنعهم من
استثمار اراضيهم الزراعية». واكد أن قوى 14 آذار «تعدّ عرسال ووادي خالد
وجبل الشيخ والعريضة ومنطقة القاع، مناطق مستهدفة من جيش النظام السوري»،
آملاً من نواب 14 آذار «تأليف لجنة متابعة من اجل تأمين التواصل مع كل
المعنيين لدعم صمود هذه المناطق وغيرها التي تستقبل النازحين السوريين،
وتقدم إليهم المساعدات الإنسانية».
كلام سعيد لم يرقَ إلى حدّة كلام رئيس بلدية عرسال علي الحجيري، الذي دعا
«كل عرسالي» الى وضع بندقية حربية في سيارته للدفاع عن نفسه ضد موجات الخطف
في المنطقة و«يا قاتل يا مقتول»، مؤكداً «وقوف عرسال مع الثورة السورية»،
ومطالباً الدولة بحماية الحدود في منطقة عرسال. ودعا منسق تيار المستقبل في
عرسال الى «الانتصار لقوى 14 آذار للوصول الى السلطة».
وبعد انتهاء الاستقبال وإلقاء الكلمات «العنيفة»، دار نقاش بشأن عمليات
الخطف التي تحصل في منطقة عرسال وبعلبك والهرمل، إذ طالب البعض من وفد
الأمانة العامة بمعرفة مصير المواطن العرسالي خالد عز الدين الذي خطف في
منطقة النبي عثمان. وقالت معلومات لـ «الأخبار» إن خطف عز الدين «يعود
لأسباب مالية»، فيما أشارت معلومات غير مؤكدة إلى أن عز الدين يتعاون مع
مقاتلين سوريين يناوئون النظام السوري.
خطف عز الدين ليست الحادثة الوحيدة التي سجلت في شمال سهل البقاع، ففي داخل
الأراضي السورية المتاخمة للحدود مع لبنان أقدم لبنانيون على خطف 15
سورياً من آل رحيل، رداً على خطف مسلحين من العائلة الأخيرة لثلاثة من آل
جعفر الذين يقطنون داخل الأراضي السورية في مزرعة تعود ملكيتها إليهم. وقال
مصدر امني لبناني لـ «الأخبار» إن اتصالات سياسية وامنية أُجريت للإفراج
عن السوريين المخطوفين، موضحاً أن هذه الاتصالات لم تثمر نتائج تذكر
لاشتراط إتمام العملية بالإفراج عن المخطوفين من آل جعفر. وكشف المصدر أن
اتصالات أجريت مع الجانب السوري الرسمي و«ننتظر الرد لإتمام الصفقة». وأكد
المصدر الأمني أن السوريين المخطوفين «ليسوا داخل الاراضي اللبنانية، بل هم
في مكان يعدّ ضمن الأراضي السورية وهو خارج عن نطاق السيطرة الأمنية
السورية الرسمية».
في وجه ماروني
خلال عودته من عرسال اخترقت سيارة موكب النائب إيلي ماروني في زحلة قرب
بيت الكتائب، حيث شهر أحد ركّابها مسدسه الحربي بوجه المرافقين. وقال
ماروني لـ «الأخبار» إن الاختراق كان عرضياً، ولن ادّعي على سائق السيارة
حيث أصبح الملف بعهدة الأجهزة الأمنية الرسمية التي باشرت تحقيقاتها، وقد
أوقفت سائق السيارة المدعو ب. هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ