الأحد، 10 يونيو 2012

انتاج العمالة وحمايتها






نظام إنتاج العمالة.. وحمايتهاSample Image

د. خالد حدادة

(تحية إلى المقاوم عفيف دياب)  

لقد كانت سوريا على الدوام، وفي لحظات تماسكها كدولة، ضامناً مكلفاً من الأطراف الاقليمية والدولية لإبقاء حالة من السلم الأهلي، مضبوطة على إيقاع النظام السوري السائد. وحين يكون التوافق الاقليمي - الدولي غائباً، تتحول النظرة الى سوريا والعلاقة معها الى عامل من عوامل الحرب الأهلية المستمرة في لبنان وتدخل معها دول إقليمية أخرى، من السعودية الى إيران الى الكيان الصهيوني، عوامل مؤثرة في «التوازن الطائفي» اللبناني.
وتكفي الإشارة الى مثلين، الأول في نهاية السبعينيات وخلال الحرب الأهلية، حين تناوبت القوى السياسية - الطائفية في لبنان على نسج العلاقة مع سوريا كأساس في التوازن الداخلي للحرب الأهلية وذلك عبر مسار ما قبل اتفاقية كامب ديفيد وما بعدها. والثاني، خلال مرحلة التوافق الاقليمي - الدولي ضد صدام حسين، والذي أنتج اتفاق الطائف المجير في تطبيقه للنظام السوري.
أما اليوم، فإن لبنان يعيش مرحلة الذروة في ميدان علاقته بسوريا. إجماع على الوصاية من قوى البرجوازية على مختلف استقطاباتها الطائفية وخلاف على طبيعة الوصي، فيندلع الصدام المسلح بخلفية الانحياز، للطرف السوري المعارض أو «الثائر» (مسكين تشي غيفارا) أو للنظام السوري المتمسك بقواعد عمله حتى النهاية.
ويمتد الاصطفاف اللبناني ليتوغل في عمق الانقسام الاقليمي - الدولي، من امتداد حتى تركيا والسعودية والولايات المتحدة (وإسرائيل) الى طرف يمتد من دمشق الى ايران وروسيا والصين.
وفي هذا الإطار، يتحول لبنان مجدداً الى ساحة، وهو في تاريخه الحديث وعلى الأقل منذ انحياز كميل شمعون الى «حلف بغداد»، لم يكن إلا ساحة تشبه كل شيء إلا الوطن...
والسؤال الأهم والمكرر: هل بإمكان هذا النظام وفي ظل الطبيعة الطائفية للدولة أن يكون إلا ساحة... الجواب واضح منذ ما قبل الاستقلال في العام 1943. إن الأساس الطائفي للدولة في لبنان، لا يمكنه تحويل مشروع الوطن، الى وطن وهو سيكون دائماً أداة الاستقطاب الاقليمي لـ«الطوائف»، وسيكون السلم الأهلي فيه غير ممكن لانعدام التوازن في ظل هذا النظام.
فالطبيعة الملازمة لهذا النظام لا تؤمن له الاستقرار إلا في إطار شرطين متلازمين: الأول، وجود طائفة مهيمنة (المارونية السياسية كمثال حتى نهاية الخمسينيات وبوهن حتى نهاية الستينيات) والثاني، توافق إقليمي ـ دولي على هذه الهيمنة وهو ما توافر في الفترة الاولى وأعيد تجديده في ظروف أخرى في أواخر الخمسينيات. ولكن ما هو مؤكد اليوم، أن تحقيق هذين الشرطين، أو أحدهما أصبح صعباً الى حد الاستحالة في الظروف الداخلية والاقليمية، ولذلك فإن محاولات البرجوازية اللبنانية المتكررة منذ ذلك الحين فشلت كلها في إعادة تركيب توازن جديد، يجدد سيطرتها على البلد ومقدراته، عبر ترميم «الدولة الطائفية» المنهارة، ووصل الأمر اليوم، الى ذروة جديدة تتجاوز بعثرة «أسس الدولة»، الى حد تهديد وجود الوطن وإلغاء مشروعه.
[[[[
هذا الكلام ليس انفعالاً، ولكنه تحذير أطلقناه منذ الانتداب الفرنسي ونضال الوطنيين والتقدميين اللبنانيين حينها، وخاصة نضال «حزب الشعب» ضد مشاريع الانتداب الفرنسي وتحديداً مشروع الوظيفة التي حددها هذا الانتداب، «للدولة الطائفية» انسجاماً مع تقسيم المنطقة وخلق الكيان الصهيوني بالتوافق مع الاستعمار البريطاني.
وليس أكثر تعبيراً عما يجري، التحذير- المشروع، الذي حمله الشهيد الكبير فرج الله الحلو والذي عبر عنه «المؤتمر الوطني اللبناني» وما تضمنته رسالته حول مطالب الهيئات الشعبية والسياسية اللبنانية الوطنية والنقابية والاجتماعية والمركزة على ضرورة بناء الدولة الديموقراطية الوطنية كأساس لإنجاح مشروع الوطن وحماية مصالح الشعب اللبناني...
ولكن الانتداب وكل من ورثه من قوى إقليمية آثروا الوظيفة التي ترتكز على «دولة طائفية»، لتأمين مصالح هذه الدول، وليس مصلحة الشعب اللبناني، وليس غريباً في هذا الإطار، أن يبقى الشعار المعتمد هو ان قوة لبنان والمقصود حكماً هو قوة النظام، هو في ضعف دولته. وهذا الضعف هو تجاه التدخلات الخارجية بأشكالها كافة، بما فيها خاصة تجاه العدو الاسرائيلي... وقوته الداخلية بالمجمل تجاه الشعب ومصالحه وحقوقه والقوة المفرطة في حروب اهلية مستمرة دفاعاًً عن توافق مصلحة البرجوازية مع مجريات الصراع الاقليمي وتناقضاته...
إنه مشروع التفتيت المستمر للمنطقة وإن تعددت أشكاله والذي اعتمده الاستعمار منذ سايكس بيكو الى مشروع سايكس - بيكو الجديد بقيادة الولايات المتحدة... وليس أفضل من مناخ «الساحة اللبنانية» للمساعدة في إطار هذا المشروع.
[[[[
في السياق نفسه، لم تعد الخيانة الوطنية جرماً في ظل هذا النظام، فالجرم لمن يتمايز عن مصلحة الجماعة الطائفية وعن رأي زعيمها، فهو «الخائن»، أما من يرتكب فعل العمالة للخارج، لكل الخارج، فهو ليس خائناً وليس مجرماً.
الجديد اليوم، ليس احتضان الدولة بمكوناتها المختلفة للعملاء، فهم في المواقع المتقدمة للنظام ووصلوا الى أعلى الرتب فيه.
الجديد هو مستوى الوقاحة، فالخونة أبطال، ما لم يسيئوا الى «طوائفهم» أو «زعاماتهم». يُسقبلون ويُرفعون على الراحات وينثر عليهم الأرز والورد... ويقمع ويُدان كل من بقي لديه من كرامة وطنية، كما جرى مع المقاوم الاعلامي عفيف دياب، من قبل بلطجية الخائن المخفضة عقوبته زياد الحمصي وهم في الوقت عينه بلطجية القوى المذهبية التي تحتضنهم...
السؤال الطبيعي هنا، الذي يجب ان يطرحه كل المقاومين والوطنيين: هل كان رهانهم في مرحلة سابقة على إمكان بناء الدولة ومؤسساتها بأن تأخذ بعد «الطائف» جانب المقاومة رهاناً صحيحاً؟ ها هو الجيش يتعرض للتدمير المنهجي من داخل بنى الدولة الطائفية ذاتها، والقضاء يقوم بعملية تدمير داخلي متناغمة مع التدمير العام لمشروع الوطن، وربما كان أحد دوافع قرار القضاء بخفض أحكام العميلين فايز كرم وزياد الحمصي، هو إمكان تسلق للمواقع القضائية العليا في إطار توازن سياسي - طائفي، تقتضيه بنية النظام نفسه(...).
إن ما يجري اليوم هو عملية تطبيع تدريجي مع العدو الصهيوني، والتطبيع ليس قراراً مباشراً. القرار القضائي تطبيع، والتبعية الاقتصادية تطبيع، والارتهان للمشروع الاميركي تطبيع. واسمحوا لي بصراحة أكبر، بالقول إن وجود وزراء المقاومة على طاولة واحدة مع نقولا فتوش، هو شكل من أشكال التطبيع.
السؤال الكبير هنا: هل على المقاومين والأسرى وأهالي الشهداء والجرحى أن يواجهوا الأمر، بطريقة اخرى، لقد واجهوا اسرائيل وعملاءها... أما اليوم، فالنظام نفسه هو في موقع إنتاج العمالة والخيانة وحمايتها؟
نعم إن العمل المقاوم للنظام الطائفي نفسه كان وهو الآن بإلحاح أكبر هو المكمل الطبيعي لمقاومة الاحتلال وعملائه... نتمنى ألا يدفع المقاومون لممارسته بأشكال لم يعتمدوها حتى الآن... ولكن سكوتهم لن يكون طويلاً وإلا أصبحوا شركاء في الصمت.
[[[[
في الختام، لا نطلب شيئاً جديداً، اذا قلنا إن الحل يكمن في استعادة روح «المؤتمر الوطني اللبناني» الذي أشرنا اليه، وفي الدعوة الى مؤتمر وطني تأسيسي منتخب، لصياغة دستور الوطن العلماني الديموقراطي... وعبثاً التفتيش عن السلم الأهلي خارج تغيير نظام الحرب الأهلية المستدامة.

([)
الأمين العام لـ«الحزب الشيوعي اللبناني» 
افتتاحية النداء 188/ بالتزامن مع جريدة السفير (9 حزيران 2012)

الأربعاء، 6 يونيو 2012

سيمون





             عن المقاوم سيمون (عفيف دياب(

ابراهيم الأمين
 جميعنا نعرف عفيف دياب إعلامياً نشطاً، يواكب الأحداث من خلال عمله في «الأخبار»، وقبلها ومعها في «النداء» و«صوت الشعب»، وعلى الهامش مع وكالات ومحطات، ومع عشرات الإعلاميين. وعفيف هذا، لم يتخلّ عن قناعات تشكلت في وعيه بالحفر، لا بالصدفة، ولم يعثر عليها في صندوقة على باب منزله أو على قارعة طريق. ابن العرقوب، يعرف لبنان أكثر من غيره. يعرف الناس والمناطق ويدرك الحساسيات. ويعرف كيف يحفظ التوازن في عقله وفي قلبه، فلا تأخذه عاطفة ولا تطيحه عاصفة.
لكنّ قليلين، ربما، يعرفون عفيف، باسمه الآخر. سيمون، الشاب العشريني الذي كان يتفقد الطرقات الموصلة بيروت بالبقاع والجنوب وكل منطقة دخلها الاحتلال. كان من الفتية الأوائل الذين حملوا السلاح. هناك، حيث تعرّف على الأرض حجراً حجراً، وتعرّف على الناس فلاحاً فلاحاً، وتعرّف على الجدران وعلى كل الزرع الذي يقي شمساً قاسية، أو عيناً مؤذية.
ربما قليلون يعرفون أن المقاوم عفيف، الذي أتيح له، ما لم يتح لجيل أو أكثر، أن يحمل السلاح في المكان الصح، وأن يطلق النار في المكان الصح، وأن يهمس في أذن الطلقة فلا تخطئ ما يجب أن تصيبه، حيث العدو المباشر، وحيث الذين يتعاونون معه.
عفيف، أو سيمون، يعرف العدو ويعرف عملاءه منذ أن دخل العدو أرضنا. لم ينس يوماً وجوه مقاومين انتقلوا معه أو نقلهم الى حيث رسموا حرية غالبية أبناء هذا البلد. هو لم ينس يوماً أصوات رفاق له غادروا الى معتقل أو الى حفرة أبدية. وهو لم ينس يوماً ملامح الناس تحت الاحتلال، ولا الوجوه يوم التحرير قبل 12 عاماً. كان يومها عفيف واحداً من الذين يستحقون الشكر، باسم كل شريف في هذا الوطن وجواره. ومع ذلك، قصد قريته في قلب العرقوب، وقصد كل المحيط من حولها. وجال وصال، وأعاد استذكار كل شيء. وعندما خرج أنور ياسين من الاعتقال عاد وتفقد معه المكان نفسه، والطريق نفسه. وظل قلبه يرتجف حباً في لحظة يختفي فيها الإنسان تحت إبط رفيقه، ويذهبان بعيداً، حيث لا صوت غير صوت الأمهات يناجين الله أن يحفظ الأبناء ويعيدهم سالمين. عفيف لم يهرب يوم تلبدت الغيوم في السماء. لم تغلبه كل أصوات الطائفية والمذهبية والمناطقية. كان صبوراً أكثر من الآلاف الذين فروا من تعبهم. بقي قريباً من الناس الذين أحبهم، وناضل ولا يزال من أجلهم. ولم يضعف يوماً أمام كل ما هو حقيقي وواضح. ظلت إسرائيل العدو الذي لا يغير صورته حدث أو طارئ. وظل يعرف كيف يميز بين احترامه وحبه وتعاطفه ـــ وربما أكثر ـــ لمقاومين استمروا في مقارعة العدو، وبين رأيه في قوى وأحزاب وتيارات تنشط في قلب المقاومة.
لا يحتاج عفيف الى من يشرح له حقيقة ما يجري من حولنا اليوم. من سوريا التي يعرف قهر أهلها عن قرب، كما يشعر برائحة قوى الموت التي تحوم حولها. هو يقرأ جيداً الانقسام السياسي في لبنان. لا شيء أجبره في لحظة على ارتداء معطف طائفي أو مذهبي لأجل مراعاة أهل أو أصدقاء أو زملاء أو أحبة. ولا هو اضطر في أي لحظة الى التنازل عن حساسية يسارية عالية تجاه قضايا الناس. لكنه ظل يحتفظ، طوال الوقت، بذلك الخيط الذي يعيده في برهة الى العرقوب، وإلى جنوب العرقوب، الى مزارع شبعا التي تعرف عليها عفيف أرضاً لبنانية قبل أن تعلنها الدولة كذلك، وقبل أن تثبتها المقاومة الإسلامية حقاً أبدياً لنا. ما كان عفيف ليتردد لحظة في القيام بما يجب عليه القيام به في مواجهة العدو وعملائه.
ولأنه كذلك، لم يكن عفيف محايداً في مواجهة قضية العملاء، من أولئك الذين عَذبوا وقَتلوا ومن ثم خرجوا إلينا وكأن لا شيء قد حصل، الى المستجدين حقارة فأدانهم القضاء اللبناني بأحكام سياسية على شكل هذه البلاد التافهة، مروراً بكل الذين لا يزالون يتمتعون بحمايات أهل الطوائف والمذاهب والمال الحرام.
بعد التحرير الكبير عام ألفين، لم يحمل عفيف السلاح ولم يمض للانتقام من عملاء يعرف وجوههم واحداً واحداً، وأسماءهم وأين يبيتون وكيف يتنقلون، وله في رقابهم ألف حساب.
ليس عفيف دياب من يصمت على حقيقة المقاومة. ولأنه كذلك، ما كان ليصمت إزاء حالة زياد الحمصي. لكن الفاجعة في بلاد الجنون أن يتعرض عفيف لمحاكمة واعتداء، لأنه رفض المزيد من المحاباة والمزيد من الكذب والمزيد من التآمر على هذا البلد.
لكن عفيف، كما نحن، لم يكن ليتصور أن يأتي يوم يصبح فيه الصراخ بوجه عميل هو الحرام بعينه. ولم يكن، ولم نكن، نتصور أن يأتي يوم تصبح فيه الكتابة رفضاً لتبرئة عميل هي الجريمة بعينها. ولم يكن، ولم نكن، نتصور أن مخفراً لشرطة لبنانية رسمية يرفض فتح تحقيق، ويبلغ النائب العام أن زميلنا المعتدى عليه لم يحضر إليه، ثم يخرج وزير العدل محتجاً على انتقادنا واحتجاجنا على تلكؤ الدرك.
يبدو أننا بتنا في الموقع الذي لا يحتمل المساومة. ومن الآن فصاعداً، علينا الاستعداد لكي نأخذ حقنا بأيدينا.
أما الذين اعتدوا على عفيف، فما عليهم سوى تحسّس العار كل لحظة، والتذكر أن شيئاً في هذه الدنيا لن يحميهم من العقاب الذي يستحقون!

انه زمن البلطجية




إنه زمن "البلطجية"



 




ماهر ابي نادر
عرفته في منتصف  الثمانينيات من القرن الماضي باسمه الحركي «سيمون». كان فتى يافعاً ذا شخصية هادئة وصوت خافت، لكن عينيه تضجان بحيوية متفجرة وتفضح عناداً في الموقف حيال القضايا التي يؤمن بها. في ذلك الزمان، كانت القضية الأساس لـ «سيمون» هي المقاومة. لم أعرف في حينه أنه ابن بلدة كفرشوبا الحدودية، ذلك أن السؤال عن الانتماء المناطقي لم يكن ذا قيمة في ذلك الزمن المقاوم. كانت سعدنايل مقراً أمامياً ينطلق منه المقاومون الشيوعيون لمطاردة العدو وعملائه داخل الجزء المحتل من منطقة البقاع الغربي. مرّت الأعوام وتلاشى دور الشيوعيين في المقاومة ومضى كل منهم في طريق البحث عن لقمة العيش. وشاءت الصدف أن التقي «سيمون» في أروقة إذاعة «صوت الشعب» في بيروت، حيث اختار أن يعمل مهندساً للصوت. هناك عرفت اسمه الحقيقي: عفيف دياب.
لم يطل الوقت حتى قرر عفيف دياب خلع ثوب «سيمون» المقاوم بالبندقية ليتحوّل إلى ثوب المقاوم بالقلم، ويوقع باسم عفيف دياب بداية كمراسل لـ«صوت الشعب» في منطقة البقاعين الأوسط والغربي ومن ثم لعدد من الوكالات الأجنبية، وهو في موقعه هذا، لم يكن أقل إقداماً منه عندما كان مقاوماً بالبندقية، فلم تثنه غارة إسرائيلية عن مطاردته للحقيقة.
في اليوم الأول للتحرير، أذكر كيف كانت فرحة عفيف عارمة. وعيناه كانتا تشعان فرحاً عندما جلسنا على «مصطبة» منزل أهله المتواضع في كفرشوبا، الذي كان مهجوراً طوال فترة الاحتلال، واحتفلنا معاً بفنجان قهوة على أمل أن يكون الاحتفال أغنى بعد أن يؤهل المنزل، ولكن أخذتنا الأحداث ولم نحتفل أبداً. أن تمتد إليك يد العمالة في وضح النهار، وفي قلب مدينة شتورة، التي أحببت، في وقت تنحر الخراف لعميل إسرائيل زياد الحمصي، ويستقبل بالطبل والزمر، هي ذروة السخرية يا «سيمون». أن يصبح المقاوم مطارداً على أيدي عملاء إسرائيل في قلب الوطن، الذي قالت حكومته الحالية في بيانها الوزاري إنها تؤكد تلازم دور الشعب والجيش والمقاومة في الدفاع عن الوطن، هي ذروة الكذب على الوطن والمقاومة.
إلى السيد حسن نصرالله،
ألا ترى يا سماحة السيد أن بقاءكم في حكومة النأي بالنفس بات مكلفاً جداً ليس لكم فحسب بل لكل الوطن؟ لقد قلتم في إحدى خطبكم إن العمالة للعدو ليست وجهة نظر، ولكن ها انتم اليوم تغضون الطرف عن التعامل معها بهذه الصفة، من يحمي المقاومين من عملاء إسرائيل طالما أن أيدي هؤلاء العملاء باتت تتجرأ على ضرب مقاوم في وضح النهار؟ أعرف أنك لن تجيب على سؤالي. ولكني أعرف أيضاً أنه سيحفر عميقاً في وجدانك، لما للمقاومين عندك من منزلة غالية، فأنا لن أنسى ما حييت كلمات قلتها لي في مكتبك في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل ساعات من استقبال جثمان نجلك المقاوم «هادي»، وطلبت مني عدم نشرها في ذلك الحين، والتزمت حينها. ولكني استميحك عذراً بأن أنشرها اليوم فقط لضرورة الموقف ولمرور الزمن على ذلك القول. قلت لي يومها: «لن أدع قادة العدو يتمتعون برؤية دمعتي»، هل ستسمح لقادة العدو أن يتمتعوا برؤية دموعنا، ونحن نذرفها على مقاومين يُعتدى عليهم على أيدي عملاء اسرائيل في ظل حكومة تتفيأ بعباءة المقاومة؟
إلى الرفيق خالد حدادة،
في مثل هذا اليوم قبل ثلاثين عاماً، أطلق الشيوعيون المقاومة الوطنية عندما كانت المقاومة حينها فعل إرهاب وكان عملاء إسرائيل يقودون أجهزة الدولة الرسمية من أعلى قمة الهرم إلى أسفله. وحققوا إنجازات على طريق التحرير لا يمكن أن تلغيها إنجازات «المقاومة الإسلامية» التي أكملت الطريق. يومها قال الشيوعيون لكل الوطن: إلى السلاح دفاعاً عن الأرض والكرامة الوطنية. اليوم ومع الموجة المتصاعدة لإطلاق عملاء إسرائيل من السجون ووصف الفارين منهم إلى عمق الكيان بـ «بالمبعَدين» بدأ العملاء يتجرأون على مد اليد على المقاومين في وضح النهار، هل يتجرأ الشيوعيون بالدعوة مجدداً إلى السلاح، دفاعاً عن المقاومين وعقاباً للخونة والجواسيس؟
إلى الدكتور أمين وهبي،
أمضينا عمرنا معاً في مواقع النضال، وأنت لم تكن في البلاد عندما كانت المقاومة الوطنية في أوجها، لكن ما أبعدك عن بلدتك لبايا هو أنك انطلقت في مهمة لا تقل نبلاً عن العمل المقاوم في ذلك الحين، إذ توجّهت إلى موسكو لتحصيل العلم لمساعدة أبناء الفقراء في البقاع الغربي عند عودتك. غير أن عائلتك الكريمة لم تبخل في دعم المقاومة ولم تبخل في بذل الدماء من أجلها، خاصة أن شقيقك «اسحق» أحد الشهداء الذين رووا تراب تلة برغز بدمائه في مواجهة بطولية مشهودة مع نخبة من جنود لواء «جولاني». فماذا تقول اليوم أيها «الرفيق» السابق في الاعتداء على الرفيق «سيمون» على أيدي عميل إسرائيلي، مع العلم ان ليس «سيمون» مَن أكد عمالته في مقالة صحافية بل تأكدت عمالته بالأدلة الدامغة، خاصة أن المعتدي وبلطجيته يتلطون بعباءة التيار السياسي الذي بتّ تنتمي إليه؟

الخميس، 31 مايو 2012

الى الشهيد يزن..







                                 يزن .. لك المجد ولنا الدموع

 (إلى يزن الشهيد الذي أخذ معه كل المجد والنصر)

عندما تقترب السماء من ظلكَ الغافي على وطني أدرك أن لا عيد يعبق خمراً .. إلا إذا صليت بإسمكَ وكأن همسكَ الـ" يرتل" إسمي إنشودة مطر وهيل  مد لي  يد السماء ما قبل المطر.. وما قبل ولادة الغيمة:
 لتشرب الحوريات ظل كأسكَ
هو الأنتَ على فم الوقت..
وهي الأنا  لغة  تتجلى  فوق  حسدكَ
وأسبقكَ إلى الصيف الذي يسكنكَ
في دهشة الماء..
وأحرس تفاحي الـ "يتعرى" من إحمراركَ
لأجمعك ضوءاً .. ضوءاً
وإنني بعضكَ الينسج على خمركَ..
رغبة صلاة

(يسرى)

الجمعة، 25 مايو 2012

جلم



     
                                          حلم          

              (ع) 

كيف لي أن أتجنّب العشق وأنت لا تكف ّعن جمالك ؟

            (ف)


مزاجي طيّب اليوم
لن أغار عليك من قريتك التّي يكثر فيها
الزّبيب والتّين
فعلى كتفي حيث يدك التّي إتّكأت طويلا
نبتت دالية !!


             (ي)


ما زلت تلك الغجريّة التّي تخطف من السّماء
نجمة بإسمك
فتومض حين تدخل أنت أحلامي
وأهمس لك: لا ترحل عن تراب الغجر
فطيني مجبول بمائك
وهذه أنفاسك فاكهة
والحبّ رئتيك

           (ف)


لي ما أعشقه
فيروزيّات الصّباح
والصّحف التّي تهرشها أنت عمدا
وتحيك الشدة فوق الحروف
وقهوتي التّي تتسلّل إليها كقطع السكّر
كلّما نظرت إلى عروق يديك تنبض بي
تصبح أجمل أكثر فأكثر !!


                                                    (بثينة الزغلامي ـ تونس)

الجمعة، 18 مايو 2012

متعة الريح




 متعة الريح

يا لمسائك  كم هو شهيّ !!
مثل نيران تنقدح من قهقهات غجريّ أرعن
يداعب قلبي فتستفيق تلك الأنثى التّي نسيت أن تكبر
وتعبّئ ثغرها بسكريّ النجّوم والضّحكات
وتستدين متعة الرّيح وهي تراقص ظفائرها وتنّورتها التّي لا تلين
فينقدح تحت خطوها الطّريق !

        
        ( بثينة الزغلامي ـ تونس )