مفاوضة الجهات الرسمية مع الخاطفين دفعتهم إلى التمادي
سهل البقاع اللبناني ...
«يُنتج» عصابات «الخطف المنظّم»
| بيروت ـ من عفيف دياب |
اكثر من عملية خطف «منظمة» لمواطنين لبنانيين وسوريين سجلت خلال سنة وحدة في سهل البقاع، انتهت جميعها «على خير» بعد دفع ذوو المخطوفين مبالغ مالية لإطلاق سراح أبنائهم.
هذه «الظاهرة» التي بدأت تقض مضاجع اللبنانيين والسوريين على حد سواء، وقفت الاجهزة الامنية عاجزة عن وضع حد لها وإلقاء القبض على مرتكبي أعمال اصبحت تهدد الامن الاجتماعي المحلي، ولا سيما ان غالبية المخطوفين من لون طائفي معين، والخاطفون من لون آخر.
وقد استدعى هذا «التسيُّب» تدخل جهات رسمية وحزبية وإبلاغ الجهات الامنية بوجوب حسم الجدال حول «فورة» الخطف التي كادت ان تؤدي الى مواجهة مذهبية في منطقة بعلبك اثر خطف عصابة لفتى هدّد والده وافراد عائلته بتنفيذ حملة «قتل» لكل من يمتّ الى الخاطفين المفترضين او المتهَمين على مختلف درجات القرابة.
وفي معلومات خاصة لـ «الراي» ان الاجهزة الامنية اللبنانية انجزت «داتا» معلوماتها وتحرياتها حول هوية افراد العصابة، او العصابات، التي قامت باعمال خطف منظمة على مدى 4 اشهر في سهل البقاع وطاولت رجال اعمال لبنانيين وسوريين اضافة الى اطفال وفتيان من الجنسيتين المذكورتين.
ويتهم مصدر امني جهات رسمية لبنانية بالوقوف وراء «منع القوى الامنية من تنفيذ مهماتها»، موضحاً ان جهات رسمية «فاوضت الخاطفين اكثر من مرة لاطلاق سراح مخطوفين، وهذه المفاوضات ساهمت في تمادي هؤلاء بافعالهم».
ويكشف المصدر ان اولى عمليات الخطف تعرض لها رجل الاعمال السوري محمد ايمن عمار ومساعده نور قدورة يوم 26 /8/ 2011 على طريق دمشق ـ بيروت الدولية في وسط سهل البقاع و«قد اجريت اتصالات من جهات رسمية امنية بالخاطفين افضت الى انهاء عملية الخطف الابتزازي بسلام بعد دفع فدية مالية للخاطفين»، لافتاً الى ان الخاطفين «طلبوا فدية 5 ملايين يورو، ولكن لا نعرف كم هو المبلغ الذي دفع لاطلاق سراحه».
ويضيف المصدر الامني ان عملية الخطف الثانية جرت في جنوب بعلبك وطاولت رجل الاعمال اللبناني احمد زيدان قرب مصنعه في ديسمبر الماضي، حيث اقتيد الى جهة مجهولة و«قد تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري شخصياً وعمل على اطلاق سراح زيدان واستقباله في مقر اقامته في عين التينة ببيروت، ولم تعرف الاجهزة الامنية كيف أُطلق سراحه وما المبلغ المالي الذي دُفع مقابل ذلك».
ويؤكد المصدر انه حين وجد الخاطفون «جهات رسمية تفاوضهم لاطلاق سراح هذا او ذاك، تمادوا في فعلتهم وأصبحوا اكثر تنظيماً وجرأة على تنفيذ عمليات الخطف، اذ اقدموا اوائل السنة الحالية على خطف رجل الاعمال السوري محمد الجابي على طريق المصنع ـ شتورة «واطلقوا سراحه بعد دفع فدية مالية قدرت بمليون ليرة سورية وقطع ذهبية»، لافتاً الى ان «عمليات الخطف الابتزازي تواصلت حيث خطف في 11 فبراير الماضي 3 اشقاء سوريين على طريق شتورة ـ الحدود السورية خلال توجههم الى دمشق وهم هشام وعماد واسامة عبد الرؤوف، والموظف لديهم خالد عبد السلام حمادة، وفي اليوم التالي اطلق سراح اسامة لإحضار فدية بقيمة مليونيْ دولار لتحرير شقيقيه والموظف وبعد اسبوع افرج عنهما ولم نعرف اذا كانوا قد دفعوا الفدية ام لا».
خطف الأخوة الثلاثة واطلاق سراحهم دون معرفة القوى الامنية، استُتبع بعملية خطف اخرى في 28 فبراير الماضي، حيث اقتحم مسلحون منزل رجل اعمال سوري قرب مدينة زحلة وخطفوا الفتى براء محمد عز الدين وشقيقه علي، وقد طلب الخاطفون فدية مالية قدرها 3 ملايين دولار لتنتهي العملية بطريقة غامضة ويفرج عن الفتيين بعد 24 ساعة دون تسجيل عملية توقيف واحدة لاي من الخاطفين من الاجهزة الامنية اللبنانية.
وهذا الامر الذي طاول سوريين تطوّر ليشمل اولاد رجل اعمال لبنانيين. فقرب مدينة بعلبك خطف في 29 فبراير الماضي الفتى زياد ابو اسبر (16 عاماً)، وطالب الخاطفون والده بفدية مالية تقدر بمئة وخمسين الف دولار ليطلقوا سراحه بعد 4 ايام ويتوجه الوالد خالد قاسم أبو إسبر بالشكر إلى قيادات وعناصر القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام، لمبادرتها إلى السعي لمعرفة مكان احتجاز زياد والعمل الحثيث للإفراج عنه. كما شكر القوى السياسية والدينية والاجتماعية والإدارية والنواب ورؤساء البلديات والمخاتير والعشائر والعائلات ولجان الإصلاح و«كل من تضامن مع العائلة في محنتها، وكل من تكبد العناء للبحث عن زياد أو للتوصل إلى أي معلومة تفيد بتحريره من خاطفيه».
ويقول المصدر الامني لـ «الراي» ان اعمال الخطف هذه «سلطت الضوء على عمل لم يكن من تصرفات اعمال العصابات المنظمة التي اقتصر عملها على السرقة وسلب السيارات مقابل فدية، وتطور الامر الى خطف اشخاص بهدف الابتزاز المالي، الامر الذي ألزمنا بوضع خطة عمل امني لمواجهة هذه الظاهرة التي لم يعد مسموحا التمادي بها»، كاشفاً ان «كل المعلومات اصبحت متوافرة وان القاء القبض على المتهَمين اصبح قاب قوسين او ادنى».
اعمال الخطف بهدف الابتزاز المالي، توقفت عندها جهات سياسية فاعلة على ارض سهل البقاع. وقالت في دردشة مع «الراي» ان هذه الافعال الجرمية المنظمة «تستفيد من تربة خصبة وفرت لها النمو وتطوير افعالها»، متسائلة «كيف يمكن لعصابات ان تخطف على مدى سنة اكثر من شخص دون توقيف واحدة من افرادها؟». واضافت «يبدو ان هناك تقصيراً امنياً ناجماً عن تقصير سياسي، او حماية سياسية لهذه العصابات». واردفت ان عمليات خطف رجال اعمال سوريين «ليس صدفة. فلو خطف واحد لقلنا ان في الامر صدفة، ولكن ان تتكرر مع اكثر من رجل اعمال، فهذا مؤشر الى وجود روابط قد تكون ممتدة الى ما يجري في سورية».
وتكشف هذه الجهات ان ظاهرة خطف رجال اعمال سوريين «وصلت الى سورية، حيث تسجل عمليات خطف منظمة لرجال اعمال، إما حاولوا تهريب اموالهم الى خارج سورية، او انهم يصنَّفون ضمن خانة المعارضين للنظام». وتوضح هذه الجهات ان رجال الاعمال السوريين الذين خطفوا في سهل البقاع «لهم مصالح اقتصادية هنا، وربما عملية خطفهم كانت رسالة لكل رجل اعمال يحاول تعويض خسائره بعمل تجاري ما في لبنان».
«أول السبحة» خطف بولندييْن ثم الأستونيين السبعة
ظاهرة الخطف في البقاع مقابل مبالغ مالية، بدأت مع خطف 7 استونيين في مارس 2011، حيث انتهت العملية بعد 97 يوماً «لاسباب سياسية» بقيت مجهولة، بدفع نحو 3 ملايين يورو للخاطفين عقب مفاوضات استمرت عدة اشهر.
وهذه العملية التي لا تزال تفاصيلها غامضة، انتهت بقتل عدد من الخاطفين والادعاء على 11 متهماً موقوفاً او فاراً. وكان قد سبقها بعام عملية خطف سائحين بولنديين قرب الهرمل سرعان ما اطلق سراحهما بعد نجاح القوى الامنية بقتل احد الخاطفين، والقضية حتى الان غامضة التفاصيل. وكانت عمليات الخطف في لبنان قد راجت خلال فترة ثمانينات القرن الماضي لاهداف سياسية اثناء الحرب الاهلية، ومنذ العام 1990 تعتبر عمليات الخطف في لبنان نادرة الحصول الى ان عادت الى البروز أخيراً وإن لخلفيات أخرى.
« خطْف إرادي» لتحصيل فدية
في غمرة «رواج» الخطف الابتزازي في البقاع، برزت عملية «وهمية» للفتى ع.م حاول «مبتكروها» الاستفادة من فدية مالية، الا ان «المخطوف إرادياً» كشف الأمر. وقد اوضح بيان صدر عن شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي تفاصيل هذه القضية اذ اعلن انه «نتيجة الاستقصاءات والتحريات، تبيّن أن الفتى القاصر ع. م. (مواليد 1994)، الذي قال لذويه إنه خطف في عين بورضاي البقاعية، هو من دبّر عملية خطفه بالتنسيق مع خاطفيه».
واعترف الفتى، وفق البيان، بأن هدف الخطف المزعوم كان لتحصيل فدية مالية من ذويه، يتقاسمها مع «خاطفيه»، وقيمتها مئة ألف دولار. لكن «الفتى أعاد حساباته، بعدما تم التفاوض مع ذويه، وتراجع عن اتفاقه، ثم عاد إلى منزل ذويه، دون علم أحد من الخاطفين».
وفور وصوله، ادّعى أمام مخفر درك بعلبك بأنه خطفه أشخاص مجهولون، قائلاً إنهم أطلقوا سراحه بعد يوم واحد في سهل عدوس - بعلبك. لكن بعد اعترافه بحقيقة الأمر، استدرجت القوى الأمنية كلا من شريكيه ح. ج. (مواليد 1985)، وع. ع. (مواليد 1983)، واعترفا بقيامهما بتدبير عملية الخطف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=336307&date=18032012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق