السبت، 2 فبراير 2013

عرسال





                                "الشبيحة"  يضربون في عرسال




 
عفيف دياب
لوّن دم الجيش اللبناني المسفوك بياض ثلوج عرسال. تحولت الارض القاحلة هناك الى جدول احمر. مجزرة الموت الغامض ادخلت عرسال من جديد في اتون التباس العلاقة بعد وئام لم يدم اشهراً. علاقة لا احد يعرف كم من دماء تحتاج حتى تستقر على ودّ وانسجام. لا احد في عرسال كان يريد هذه «المقتلة» للجيش اللبناني، ولم يكن الجيش في وارد إشهار بندقيته في وجه عرسالي واحد. ربما هو سوء فهم اصبح احجية اكثر تعقيداً بعد ما جرى، امس، على مقربة من سوريا المأزومة وجبهات نصرة اهلها ونظامها. أو ربما، هو نتيجة «طبيعية» لاستقالة الدولة اللبنانية من مهماتها، وتخليها ـــ منذ نشوئها ـــ عن تلك البلدة الواقعة عملياً في قلب الأحداث السورية. أو ربما هو التراكم المنطقي لإعلان جزء من عرسال، بقيادة رئيس بلديتها علي الحجيري، الالتحاق بالثورة السورية بكل أشكالها، والتمرد على سلطة الأجهزة الأمنية اللبنانية بحضور أركان من فريق 14 آذار في أيار الماضي. أو ربما... أو ربما... التحليلات كثيرة. لكن الواقع يبقى ان أرض عرسال شهدت امس معركة بين الجيش اللبناني وبعض أبناء البلدة، ذهب ضحيتها ضابط ورتيب ومطلوب.
ماذا جرى على ارض عرسال؟
لا احد يملك الجواب الشافي او الكافي لقول حقيقة الواقعة. لا اهالي البلدة الذين اذهلتهم صدمة الموت غير المحتسب، ولا الجيش اللبناني المصدوم من فعل اهله وناسه. ولكن يبقى السؤال المشروع: هل من طرف ثالث دخل على خط ازمة عرسال ــ الجيش اللبناني لإشعال نار الفتنة بين الطرفين؟ وهل من جهة داخلية او خارجية لها حساباتها التخريبية اوصلت عرسال والجيش اللبناني الى رفعهما المتاريس بعضاً ضد بعض؟
تكثر الاسئلة ولا اجوبة حاسمة تنهي مفاعيل ازمة بين طرفين لا يريدانها.
قبل موعد صلاة الجمعة بلحظات، غصت مساجد عرسال بالمصلين. انه يوم الصلاة والعطلة الرسمية. لم يكن احد في البلدة يحتسب ان يوم عطلتهم من حفر الارض وتحطيم الصخور، سيتحول الى يوم لحفر الموت. هول الصدمة مما جرى لم يسمح في الساعات الاولى للاشتباك مع الجيش اللبناني في قصّ حكاية الرصاص. تعددت الروايات، ولكل طرف روايته. للأهالي قصة، وللجيش اللبناني قصته، وما بينهما 3 قتلى و10 جرحى. يقول اهالي عرسال ان سيارة B.M.W واخرى من نوع تويوتا (فان مقفل) دخلتا البلدة لتوقيف المطلوب للقضاء اللبناني خالد احمد حميد، وان مسلحي السيارتين بادروا فوراً الى إطلاق الرصاص على حميد الذي قتل قبل وصوله الى المسجد لأداء صلاة يوم الجمعة. وتضيف رواية عدد من الاهالي ان المسلحين حملوا جثة حميد وتوجهوا نحو جرد عرسال، ما أثار الريبة والشك، واعتقد البعض ان المسلحين من الاستخبارات السورية اقدموا على خطف حميد المناصر للثورة السورية ويشارك في بعض اعمالها. ويتابع البعض من عرسال ان اتصالات اجريت بالجيش اللبناني الذي نفى وجود دورية له في عرسال، وان هذا النفي رسّخ قناعة عند العراسلة بأن طرفاً ثالثاً دخل على الخط ويريد العبث بأمن عرسال، فحصل الاصطدام مع دورية للجيش من طريق الخطأ.
هذه الرواية ينفيها الجيش اللبناني، ويؤكد ان دورية له تعرضت لهجوم مسلح إثر توقيفه المطلوب للقضاء اللبناني خالد حميد على ما تشير مصادر أمنية متابعة لـ«الأخبار». وقالت ان خالد احمد حميد المتهم بقضية اختطاف الأستونيين السبعة قبل نحو سنتين، كان محل ملاحقة امنية من مختلف الاجهزة اللبنانية. وبحسب المعلومات المتداولة بشأنه، فإن الرجل مرتبط بالمدعو حسين الحجيري، العقل اللبناني المدبر لعملية خطف الأستونيين، والمرتبط برجالات من تنظيم القاعدة في العراق. وحميد أيضاً، له صلة بما جرى في عرسال عندما حاول الجيش اللبناني توقيف المطلوب السوري حمزة القرقوز قبل 13 شهراً. حينذاك، تعرضت دورية استخبارات الجيش للحصار والتجريد من السلاح وتخريب آلياتها ومنعها من توقيف القرقوز. وتضيف المصادر الامنية أن حميد الذي يناصر الثورة السورية ويدعمها ميدانياً، وصل الى عرسال من سوريا قبل يومين، وان التحريات لحظت وجوده فوضعت خطة امنية لإلقاء القبض عليه. وتتابع هذه المصادر قائلة إنّ دورية استخبارات الجيش دخلت عرسال وحاولت توقيف المطلوب، ولكن اثناء فراره اصيب بطلق ناري، وغادرت الدورية بعد اعتقاله ولكنها ضلت طريقها، فطلبت المؤازرة من دورية مؤللة كانت جاهزة للتدخل في لحظة الطوارئ. وتوضح المصادر الامنية ان خط سير الدورية والخروج بالموقوف كانت محددة مسبقاً عبر طرق فرعية لاسباب امنية بحتة، مشيرة الى ان عشرات المسلحين طاردوا الدورية الاولى واصطدموا بالدورية الثانية، ما ادى الى وقوع اشتباك لاكثر من 20 دقيقة نجم عنه استشهاد نقيب ورتيب وجرح اكثر من 8 عناصر.
هذه الرواية شبه الرسمية عمّا جرى في عرسال وجردها، لم ترض العراسلة الذين يصرّ بعضهم على وجود طرف ثالث. ويؤكد أعضاء في بلدية عرسال لـ«الأخبار» أن الأهالي فور معرفتهم بما جرى، توجهوا الى مكان الاشتباك وعملوا على نقل جثتي شهيدي الجيش والجرحى الى مبنى البلدية وتقديم الإسعافات الاولية للجرحى ونقل الآليات الى باحة البلدية، مشيرين الى ان الظهور المسلح الذي سجل في البلدة كان ردّ فعل وليس موجهاً ضد الجيش اللبناني، وانه جاء مرافقاً لتشييع خالد حميد.
لكن ما قاله أعضاء البلدية يتناقض مع ما أعلنه رئيسها علي الحجيري، الذي قال في أكثر من إطلالة إعلامية امس إن مسلحين مجهولين اجبروا ناطور مبنى البلدية على فتح أبوابه حيث وضعوا جثتي شهيدي الجيش والجرحى. ورئيس البلدية الذي تحدّث أمس عن أن من أطلقوا النار على الدورية لم يكونوا على علم بأنها تابعة للجيش، سبق له أن تذرّع بالأمر ذاته قبل 13 شهراً، عندما جُرّد عناصر استخبارات الجيش من سلاحهم في البلدة، ومُنعوا من توقيف مطلوب. ورئيس البلدية هو ذاته الذي أعلن في أيار الماضي، في خطاب نقلته معظم وسائل الإعلام اللبنانية، أن أهالي البلدة سيتصدون بالسلاح لكل محاولة توقيف لأحدهم. وهو، بحسب تقارير الأجهزة الامنية، يوفّر الحماية لمجموعة تعمل على دعم المعارضة السورية المسلحة، يمكن تسميتها بسهولة «تنسيقية عرسال للثورة السورية». ورغم كل ما صرّح به أعضاء في المجلس البلدي أمس للإعلام بإيجابية تجاه الجيش، فإن اللافت أن القوة الأمنية التي دخلت عرسال لتسلم جثمانَي شهيدَي الجيش وجرحاه، كانت من فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي، لا من الجيش.
وليل أمس، تفاعل ما جرى في عرسال سلباً في منطقة البقاع، إذ قطع أهالي بلدة المريجات طريق ضهر البيدر ـــ شتورا احتجاجاً على استشهاد الضابط (ابن البلدة). وكذلك قُطعت طرقات قرب أبلح وبعلبك واللبوة، احتجاجاً على ما تعرض له الجيش في عرسال.
وكانت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني قد قالت في بيان لها انه «بعد ظهر اليوم (أمس)، وأثناء قيام دورية من الجيش في أطراف بلدة عرسال بملاحقة أحد المطلوبين للعدالة بتهمة القيام بعدة عمليات إرهابية، تعرضت لكمين مسلح، حيث دارت اشتباكات بين عناصر الدورية والمسلحين أدت إلى استشهاد ضابط برتبة نقيب ورتيب، وعن جرح عدد من العسكريين وتعرض بعض الآليات العسكرية لأضرار جسيمة، بالاضافة الى اصابة عدد من المسلحين». واضاف البيان أنه «على أثر ذلك، توجهت قوة كبيرة من الجيش الى المنطقة، وفرضت طوقاً أمنياً حولها، كما باشرت عمليات دهم واسعة بحثاً عن مطلقي النار». ودعت قيادة الجيش أهالي عرسال الى «التجاوب الكامل مع الاجراءات التي ستتخذها قوى الجيش تباعاً لتوقيف جميع مطلقي النار».

ليست هناك تعليقات: