الثلاثاء، 23 أبريل 2013

حيّ على الجهاد




             مناصرو «الثورة»: حيّ على الجهاد



عفيف دياب

 «اللهم لا شماته»... لسان حال الشارع في البقاعين الأوسط والغربي حول التطورات الميدانية في ريف القصير والقصف الذي يستهدف مدينة الهرمل وأخواتها. والشماتة هنا لا تنبع من فراغ بالتأكيد، فهي تراكم من الأحقاد المتبادلة بين مناصري «الثورة السورية» ومعارضيها. لا أحد في سهل البقاع اليوم يعبّر عن رأيه في الآخر من دون حقد.

 فيوم قصفت عرسال بصواريخ الطائرات السورية، كانت الضحكة عند مناصري النظام السوري رطلاً، ويوم تعرضت الهرمل وريفها في القصر وحوش السيد علي وسهلات الماء لصواريخ «الجيش الحر»، لم تسمع من العرسالي أو من أحد أبناء البقاع الغربي والاوسط سوى الشماتة.
لم يعد أبناء سهل البقاع في وئام يذكر. قسمت أزمة سوريا المقسم، وأصبحت لغة المذاهب والطوائف خبز الفقراء من أقاصي الهرمل وعرسال شمالاً حتى البقاعين الأوسط والغربي جنوباً. والكل مشارك في جريمة سفك الدماء. لم يعد ابن عرسال ذاك الفقير الذي يشبه فقير الهرمل أو زحلة أو بعلبك. وفقراء حوض العاصي في ريف القصير السورية، لا يستحقون اليوم فعل التضامن من عرسال أو برالياس ومجدل عنجر وجب جنين. فالاشتباك السوري_السوري جزء من يوميات البقاعي وتفاصيل عيشه، حتى لو كان فوق صفيح ساخن ملوث بالدم.
لم يعد حزب الله هذا الحزب المقاوم في أدبيات شارع عرسال والبقاعين الاوسط والغربي. فالحزب اليوم عند مناصري «الثورة السورية» في سهل البقاع ليس إلا شريكاً في سفك دماء أهل «مذهبهم» في سوريا، وخصوصاً في معركة استعادة الجيش السوري لمدينة القصير وريفها الجارية الآن. ففي عرسال ومشاريع القاع وبرالياس وسعدنايل ومجدل عنجر وقب الياس وجب جنين والقرعون والرفيد وكامد اللوز وامتداداتهم الاجتماعية والسياسية، لا مجال لمعالجة الإحباط والتخفيف من حدة النقمة، و«ذبح» أهل القصير السورية ليس إلا ذبحاً لهم بسكاكين حزب الله، كما يقول الشيخ أبو وليد من «تنسيقية» دعم الثورة السورية في عرسال. ولا يكتفي أبو وليد عند هذا الحد من «الاتهام»، فهو لم يعد يجد في عبد الرحيم مراد إلا خائناً لوطنه وأهله وطائفته و«روح خبرو». ولا يجد أبو وليد حرجاً في وصف الشيخ عبد الناصر جبري بـ«المنافق» و«راح مبارح باعنا لبشار الاسد»، معلناً أن عشرات من الشبان سيتوجهون الى القصير للدفاع عنها. موجّها سؤالاً الى حزب الله: «حين قصفت عرسال لماذا لم تدافع عنها أو تطلب من الجيش اللبناني أن يرد على القصف؟». ويختم: «لسنا ضعفاء، وإذا سقطت القصير فلن تسقط الثورة».
«لماذا يريدون قتلنا»؟ يسأل أكثر من عرسالي عن معارك القصير وريفها. ويقول أحد المناصرين للجيش السوري الحر، إنه حين استهدفت عرسال: «لم نسمع من حزب الله وجماعته كلمة واحدة. فلماذا تريد منا أن نتضامن معهم بعد قصف أبطالنا للهرمل؟». وما علاقتك أنت بما يجري في القصير؟ يجيب بحدة: «نحن نتضامن مع القصير ولم نشارك في القتال كما يفعل حزب الله اليوم». ولكن سقط أكثر من شاب عرسالي في مواجهات مع النظام السوري؟ يرد الناشط الاعلامي في «تنسيقية عرسال»: «نحن ضد الظلم»، وحزب الله يقف مع المظلوم في قرى ريف القصير: «هذه كذبة كبيرة. بالنسبة لنا لم يعد هناك نظام أسدي في سوريا. الشعب السوري يقاتل نظام حزب الله».
هذا المشهد العرسالي الصغير، صورته طبق الاصل في البقاعين الاوسط والغربي. فعلى الرغم من أن النقاش مع مجموعة من المناصرين لـ«الثورة السورية» يوحي بأن قراءاتهم لما يجري في سوريا والقصير وريفها على وجه الخصوص، سياسية وليست طائفية، فإن منبع أحاديثهم مذهبي بحت، حتى وإن كان يسارياً سابقاً فقد مخزونه الفكري الوطني تحت تأثيرات موجات التعصب الطائفي الأعمى. يرى أحمد عبدالله الفتاح أن «واجب الجهاد فرض عين علينا»، وأن التوجه الى معركة القصير وريفها «ليس إلا واجباً دينياً وأخلاقياً». ويضيف: «لقد ذهب خمسة من خيرة شبابنا للتصدي لمن يقتل أهلنا في الشام». ويكشف أنه كان سابقاً فاعلاً في هيئة دعم المقاومة الاسلامية «ولست نادماً، ولكن للأسف حزب الله ليس مقاوماً اليوم». ويجد الحقوقي جمال أن ما يجري في سوريا و«قتل أهلنا في القصير وجديدة الفضل، مؤامرة إيرانية ينفذها حزب الله»، معرباً عن اعتقاده أن حزب الله «بدأ يدفع فاتورة نهاية خدمته كحزب مقاوم و«هو يقتل أهلنا في سوريا». ويتابع: «القضية ليست سنية ــ شيعية»، موضحاً بالقول: «النظام السوري نحر الشيعة قبل السنّة، وعلى حزب الله أن يفهم أن انخراطه في الدم السوري لن ينقذ النظام من السقوط». ويختم جمال: «أصبح من حقنا أن نتوجه الى سوريا للقتال والدفاع عن أهلنا».


            

الأحد، 21 أبريل 2013

الشاورما





              صراع الشاورما اللبنانية ـ السورية





 عفيف دياب

مطاعم، مقاه، صالونات حلاقة وحتى وسائل نقل عام. نقل السوريون مهنهم إلى لبنان، وافتتحوها بالعشرات لا سيما في قرى البقاع حيث تقيم النسبة الأكبر منهم. الأسعار المتهاودة التي يتعاملون بها تثير شكوى التجار والمهنيين اللبنانيين في حين تبقى الدولة غائبة حتى عن إحصاء الأعداد..
****
أعداد اللاجئين السوريين على أرض لبنان في ازدياد مطّرد. إحصاءات غير رسمية (حتى الآن) تقول إن أكثر من مليون ونصف مليون سوري دخلوا لبنان من بوابات العبور الشرعية مع بلدهم. منهم ما لا يقلّ عن مليون مواطن هربوا قسراً من الموت والقتل، وعبروا رسمياً بصفة لاجئ، و500 ألف دخلوا لبنان مفضّلين عدم تصنيفهم كلاجئين، وأقل من نصفهم استخدموا مطار بيروت الدولي محطةَ سفر إلى بلاد عربية وأوربية.
وتقول الإحصاءات غير الرسمية إن أكثر من 300 ألف سوري لبنان دخلوا عبر منافذ غير شرعية هرباً من الاشتباكات العسكرية الدائرة في مدنهم وقراهم المتاخمة للحدود مع لبنان بقاعاً وشمالاً.
هذه الأرقام لم تدقق الحكومة اللبنانية فيها، أو تحسم الجدل بشأنها ومدى صحتها، ولا الهيئات الدولية المعنية التي بدأت تقطير تقديماتها الغذائية والطبية. هي مجرد إحصاءات أجهزة أمنية لم تنه تدقيقها بعد. فعلى مدى السنتين الماضيتين، أصيبت الأجهزة الأمنية اللبنانية بشبه عجز عن حصر الأعداد الفعلية للسوريين في لبنان، كلاجئين أو حتى يد عاملة موسمية. وتعرب الأجهزة الأمنية عن اعتقادها أن أكثر من مليون عامل سوري يجب إضافتهم إلى أعداد اليد العاملة السورية الموسمية أو التقليدية في لبنان، التي كانت تقدر سنوياً (قبل انفجار الأزمة السورية) بنحو 600 ألف عامل.
العقم اللبناني واضح في ترتيب أوضاع اللاجئين السوريين، وتوفير داتا واضحة لأعدادهم وانتشارهم، وتالياً دراسة مدى تأثيرهم الإيجابي أو السلبي على الاقتصاد الوطني، واقتصاديات القرى والبلدات التي تحتضنهم. ففي البقاع، حيث اللجوء السوري هو الأكبر نسبيا في لبنان (إحصاءات الهيئات الدولية في البقاع قاصرة عن إعطاء رقم واضح ونهائي) بدأت التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية بالظهور. فعلى سبيل المثال، بات 16% من سكان بلدة المرج من السوريين، وفي سعدنايل 20%، وفي عرسال 32%، وفي مجدل عنجر 17%، وفي برالياس 28%. هذه التركيبة الديموغرافية الجديدة في قرى وبلدات بقاعية، بدأ تتجه أيضاً نحو نمو اقتصادي سوري، مع ارتفاع أعداد المؤسسات التي أطلقوها بعد استشعارهم بأن أزمة بلادهم ستطول، فبدأت المطاعم السورية بالانتشار، وكذلك المؤسسات التجارية وباعة الخضر والفاكهة المتجولون، وصالونات الحلاقة، ومؤسسة حرفية صغيرة ومتوسطة، في القرى والبلدات التي لجأوا إليها قسراً، ما فتح باب المنافسة والمزاحمة بين السوريين، وبينهم وبين اللبنانيين الذين بدأوا أيضاً بتأسيس أعمال تجارية مشتركة مع سوريين متمولين، أو نجحوا في تهريب أموالهم ومعدات مؤسساتهم للاستثمار هنا.
وفي آخر إحصاءات مصلحة الصحة في البقاع، أن منطقة البقاع الأوسط شهدت خلال الأسابيع الماضية افتتاح 260 مطعماً سورياً، ولا سيما في سعدنايل وبرالياس وعلى طريق المصنع الدولية. فيما لم تنجز الإحصائية حول أعداد المطاعم السورية التي افتتحت في البقاع الغربي وراشيا، بينما تشهد منطقة بعلبك نمواً خجولاً في افتتاح مؤسسات سورية. ويكشف أحد العاملين في مصلحة «صحة» البقاع لـ«الأخبار» أن دوريات المصلحة على المطاعم السورية في سهل البقاع، تظهر أن التزامهم القوانين المرعية الإجراء أكثر دقة من تلك التي ينفذها اللبناني، مشيراً إلى أن التقارير التي أعدتها المصلحة لم تلحظ مخالفات لشروط الصحة العامة، ولا في النظافة.
هذا الإقبال السوري على افتتاح مؤسسات وتوفير فرص عمل لسوريين حصراً، بدأ يحدث تململاً في بعض بلدات البقاع. فالمنافسة على أشدّها بين المطاعم اللبنانية والسورية. وأسعار سندويشات الشاورما أصبحت رهن البورصة اليومية للمنافسة غير المشروعة بين الطرفين. ففي جولة ميدانية لمقارنة الأسعار والنوعية والخدمة بين المعطم السوري واللبناني في سهل البقاع الأوسط، يتبين أن الزبون اللبناني يفضل المطعم السوري بسبب السعر الأقل والخدمة الأفضل، وهذا ما فتح المنافسة على مصراعيها، وألزم أصحاب المطاعم اللبنانية بخفض أسعارهم لمواجهة المنافسة السورية. ويقول «الزبون» اللبناني أحمد بو علي إنه يفضل شراء سندويشات الشاورما من مطعم سوري؛ لأنها أرخص وأكثر كرماً. لكن أصحاب المطاعم اللبنانية وجدوا في المنافسة السورية لهم عملاً غير مشروع، ويطالب أحد أصحاب المطاعم في برالياس بإقفال المطاعم السورية فوراً، ويقول إن كل المطاعم السورية تستورد موادها من سوريا، لا من لبنان، والفارق بين الأسعار في البلدين يسمح للسوري بالبيع بسعر أقل.
الواقع التنافسي بين اللبناني والسوري في الطعام على أرض سهل البقاع، ينفيه صاحب مطعم سوري يجد في الهجمة اللبنانية عليهم أنها غير واقعية. ويقول أبو عمار إن مطعمه لا ينافس أي مطعم لبناني، وإن ما يقدّمه غير متوافر في المطاعم اللبنانية هنا، موضحاً أنه افتتح مطعماً في برالياس بعد دراسة أجراها وتبين له أن ما سيقدّمه من أطباق شامية غير متوافر في المطاعم اللبنانية، كالفتة وطبق الغمة المكون من قوائم الخروف وأمعائه المحشوة بالأرز واللحم الناعم والمطيبات. ويلفت أبو عمار إلى أن أغلبية المطاعم اللبنانية في البقاع من السوريين والإدارة فقط لبنانية، معرباً عن اعتقاده أن ارتفاع عدد سكان البقاع بسبب اللجوء السوري «يسمح بافتتاح مؤسسات. فكلما ازداد عدد السكان، تزداد الحاجة إلى افتتاح مطاعم».

الطرطيرة وصالونات الحلاقة
تغزو الأسماء السورية السوق التجارية في البقاع، مثل «بوابة دمشق» و«الشام»، إضافة إلى أسماء المسلسلات السورية. وتتراقص وسيلة النقل الصغيرة، المعروفة شعبياً في سوريا باسم الطرطيرة، على طرقات البقاع الداخلية، مع انتشار مئات عربات بيع الخضر والفاكهة على الطرق ومفارقها. وعدا المطاعم وعربات البيع، بدأت صالونات الحلاقة الرجالية والنسائية السورية بالانتشار. ففي بلدة المرج أكثر من 15 صالون حلاقة لسوريين، وفي سعدنايل أكثر من 5، وفي برالياس افتتح سوريون 6 صالونات حلاقة وبأسعار متهاودة (قص شعر وحلاقة ذقن بـ 3 آلاف ليرة لبنانية).