أقلام وأسماء اربكت الرئيس السابق

 

     تونس ـ من بثينة الزغلامي 
   ذكرت كتب  التاريخ ان ما يفعله الغزاة حين يدخلون مدينة  ما حرق  مكتباتها والتنكيل بمثقفيها وان كان الكتاب الممنوع رمزا للحرية المقموعة ولم تشذ الدكتاتوريات عن هذه القاعدة حيث ان تونس شهدت عهودا من قمع الكتاب ومصادرته ولم تفلح سابقا  دعوات المنظمات الحقوقية  واصوات المثقفين سواء  داخل البلاد او خارجها  في الدفع بعملية المنع نحو التحرر لان تكبيل العقول مؤشر لقيود اكبر وقد طال المنع جميع اصناف  الكتب وان نجحت بعض المدونات في ازاحة جدار الحجب عنها وعن مؤلفيها الا ان ما شاهده المواطن التونسي على واجهات المكتبات حاليا يدل على ان تونس قطعت مع العهد السابق.
كتاب «صديقنا بن علي  وجه  المعجزة  التونسية الحقيقي» لـ «بو» وجون توكوا يحتوي  معلومات عن الرئيس المخلوع تتعلق بطفولته ومستواه الاجتماعي  حتىّ اعتبر الكتاب شخصيا للغاية حسب الإعلاميين خارج تونس وهو ما انعكس على سلوك بن علي الذي استبد بالحكم. ويلاحق  الكاتبان مسيرة الرئيس التونسي السابق  منذ ان كان في صلب الدولة حتى عين على رأسها كما لا يتجاهلان  الاجراءات التي تمتع بها التونسيون في اوائل حكمه فقد سمياه ربيع الديمقراطية  في تونس لما إتسم   به من انصات للاصوات المعارضة  ومحاولة  لاعطاء مساحة للإعلام الحر بعيدا عن الرقابة الصارمة   التي عرف بها اثناء  حكمه كما شملت الإصلاحات التي قام بها واعتبرت مؤشرات هامة  لارساء دولة القانون والحفاظ على الحقوق المدنية للاشخاص الغاء محكمة امن الدولة وألغي التعذيب رسميا كما تأسس احد فروع منظمة  العفو الدولية بتونس وغيرها من  الإجراءات التي جعلت شخصيات  وطنية وحقوقية واسماء بارزة  تؤيد بن علي لكن حسب الكاتبين «جون بيار توكوا»  و«تيكولا بو»  فإن ربيع تونس لم يستمر طويلا إذ سرعان ما ألقي القبض على  بعض اسماء المعارضة بينما تعرض جلهم لمضايقات واحكام جزائية مما اضطرهم للهروب والنشاط خارج البلاد كما تقلص عدد الصحف المعارضة وعصفت رياح القمع بالاصوات الفاضحة  للرئيس  المخلوع بينما تدنى مستوى الإعلام  حيث صارت اخبار الرئيس وعائلته تتصدر الوسائل  الاعلامية الرسمية.
كتاب «ديكتاتورية جدّ لذيذة»  لتوفيق بن بريك يفضح الكتاب القمع المسلط على الشعب التونسي في عهد الرئيس السابق كما يسلط الضوء على مختلف مظاهر  الفقر التي ترزح تحتها الطبقات الضعيفة من المجتمع ويسلط الضوء على عدم المساواة  بين الجهات من حيث البنية التحتية واستفحال جيوب الخصاصة والمهن الهامشية التي يمارسها هؤلاء  الذين يعيشون في الظل بينما تنجز المشاريع في مناطق متخمة  باستثمارات تعود بالربح على دائرة الرئيس السابق العائلية كما يسلط الكتاب الضوء على شريحة كبيرة من التونسيين هؤلاء الذين اكتسحتهم رياح الهجرة وقوارب الموت نحو الضفة الاخرى للمتوسط  بينما تعيش الاصوات المغردة خارج  سرب الموالاة  تضييقات وتهميشا كبيرين. في هذا الكتاب يطارد الكاتب والصحفي ممارسات الرئيس المخلوع واستفراده بالسلطة  وتدخله في اغلب القرارات وأهمها كما يرسم شخصية مهووسة بالحكم والنفوذ.
بن بريك في القصر
في اطار كوميدي ساخر يرسم الكتاب رحلة توفيق بن بريك الخيالية الى قصر قرطاج  كما يمزج الخطاب  الشعبي بالفصحى البسيطة ومما ورد في توطئة  الشاعر  اولاد احمد  لهذا الكتاب « ها هو توفيق  بن بريك يمزج الاجناس  واللهجات والاساليب ويخلط الادبي بالشعري بالسياسي كما فعل من قبله الجاحظ  والتوحيدي ونيتشه وبرناردشو»  ويقول  في موضع آخر  «اكتب اكتب فالخطبة جاهزة... والقبر ودمعات سرقت من مجلس زهو ... وابنك يهتف بالنقاد «هذا ليس ابي »  تونس البلاد التي يرسمها الكاتب هي تونس الفقراء والجياع الذين ثاروا على الرئيس المخلوع  واطاحوا به بعد ان هبت فيهم رياح  الثورية فانطلقوا  من كل فج عميق ومن هنا بدأت الاحداث تتسارع وفي جو غرائبي ينفصل عن الزمن الموضوعي ليتحول الى فضاء زمني غير خاضع لمنطق البشر وهنا مفارقة عجيبة يرسمها الكاتب عبر شخصية الزعيم  السرمدي الملهم والذي خلد  في السلطة لكن الكتاب يستند في الاثناء الى نصوص من التراث كأنما هي اشارات الى قتامة الحاضر  الذي لا يختلف  عن الماضي ومن هنا جاء  التلاعب بالزمن ليتحول  الى شاهد على ديمومة الزعيم.