الجمعة، 23 مارس 2012

مدن الاشباح




«الراي» عاينت جرود عرسال ومنطقة مشاريع القاع بعد قصفها

هاربون سوريون إلى لبنان تحدثوا عن «مدن الأشباح»: الجيش النظامي يُصعّد خشية تحوّل الحدود ممرات آمنة

سوري في سهل البقاع
سوري في سهل البقاع


| بيروت - من عفيف دياب |

  لم يكن قصف الجيش السوري النظامي (ليل الاربعاء) منطقة مشاريع القاع في شمال سهل البقاع اللبناني بعدد من القذائف المدفعية من مرابضه في مرتفعات جوسة الخراب الشرقية عادياً، فهذا التطور يعتبر الاول من نوعه منذ بدء الأزمة السورية وعكسَ مخاوف متزايدة من ارتداداتها على الواقع اللبناني ولا سيما في المناطق الحدودية في الشمال والشرق.
وجاء قصف منطقة القاع وتعرضها لرشقات نارية ما ادى الى اصابة مواطن سوري كان نزح سابقاً الى لبنان هرباً من الاعمال الحربية في مدينته حمص، ليقلق سكان القرى اللبنانية المتاخمة للحدود السورية (التابعة لمحافظة حمص)، ويعطي صورة جديدة عن تطورات الاوضاع الميدانية في القرى والمزارع السورية الحدودية التي تشهد عمليات كر وفر بين الجيش النظامي و«الجيش السوري الحر».
وقد رصدت «الراي» في الساعات الأخيرة عمليات عسكرية داخل مزرعة الحسيبية السورية التي تعرّضت لقصْف مدفعي مركز ادى الى تدمير عدد من المنازل ونزوح عدد من السكان المعارضين لنظام الرئيس بشار الاسد الى داخل الاراضي اللبنانية.
وقالت سيدة كانت تستقل دراجة نارية خلف زوجها وتحمل بعض الامتعة لـ «الراي» ان الجيش السوري النظامي «سيطر بالكامل على الحسيبية والنزارية والزراعة بعد انسحاب الجيش السوري الحر من هذه البلدات». واضافت «ان الجيش السوري النظامي يقصف بشكل متقطع كل ساعة مدينة القصير التي تعتبر اليوم تحت سيطرة الجيش الحر بالكامل».
واذ اوضحت السيدة «ان المدينة تحوّلت مدينة اشباح بعد نزوح غالبية سكانها الى داخل الاراضي اللبنانية»، قالت وهي تبكي ولا تلتزم بمحاولات زوجها لمنعها من الكلام: «لم نعد نقدر على البقاء في منزلنا لاننا نُعتبر من المعارضين للنظام». واضافت: «لقد دمر جيش بشار (الاسد) منزلنا، وهربنا بين البساتين ولا نعرف الى اين سنذهب، علماً ان في المزرعة موالين ومعارضن للنظام وكرمى لعيون الموالين دُمرت منازلنا وتهجرنا».
عمليات الكرّ والفرّ بين الجيش السوري النظامي و«الجيش الحر» على طول خط الحدود المتاخمة للبنان قرب عرسال ومشاريع القاع نزولاً حتى مدينة القصير، تحدث عنها مصدر امني لبناني لـ «الراي»، فقال ان المنطقة الحدودية السورية المتاخمة للبنان «تحولت مناطق اشتباكات عسكرية على مدار الساعة بين الجيش النظامي والمنشقين عنه»، موضحاً «ان الجيش اللبناني يرصد عن كثب تطورات الاوضاع العسكرية داخل الاراضي السورية المتاخمة لحدود لبنان».
وكشف المصدر الامني «ان حركة النزوح المدني السوري الى داخل الاراضي اللبنانية وتحديداً الى شمال سهل البقاع تراجعت نسبياً بعدما اصبحت القرى السورية شبه خالية من السكان الذين إما نزحوا الى لبنان او الى عمق الاراضي السورية»، لافتاً الى ان الجيش السوري النظامي «بدأ يمسك ببعض المعابر غير الشرعية مع لبنان».
واكد المصدر نفسه «ان الجيش اللبناني نجح خلال الايام الماضية في توقيف اكثر من مجموعة مهربين لبنانيين كانوا يعملون على نقل اسلحة ومواد متفجرة الى الجانب السوري بواسطة بغال»، موضحاً ان المهربين من جميع الطوائف اللبنانية ولا ينتمون الى اي حزب لبناني موال للنظام السوري او حتى معارض له، ومشدداً على ان الاجهزة الامنية اللبنانية التي تتابع اوضاع الحدود مع سورية «تسمح فقط بعبور الجرحى المدنيين، إما عبر المنافذ الشرعية او تلك غير الشرعية»، ولافتاً الى ان الاجراءات الامنية لم تلحظ عبور افراد من «الجيش الحر» او عناصر سورية مسلحة.
هذه الاجواء الامنية والعسكرية على طول خط الحدود في شمال سهل البقاع، تابعتها «الراي» ميدانياً حيث جالت على مدى يومين في جرود بلدة عرسال ومناطق مشاريع القاع، ليتبيّن ان غالبية نقاط العبور غير الشرعية بين عرسال وسورية اقفلت بسواتر ترابية عدا الالغام المضادة للافراد والاليات.
ويقول السيد ابو محمد حجيري الذي رافقنا في جولتنا على اعالي جرد عرسال ان سكان البلدة «لم يعودوا يعبرون الى داخل الاراضي السورية». واذ يوضح انه منذ بدء الثورة ضد الرئيس بشار الاسد «تراجعت حركة عبور المدنيين من الجانبين»، اشار الى ان الالغام التي زرعها الجيش السوري «ساهمت في امتناع الاهالي عن العبور»، ولافتاً الى عامل آخر ساهم في عرقلة عمليات العبور بين البلدين، وهو تراكم الثلوج «التي لا تسمح لاحد من عرسال بالعبور الى داخل الاراضي السورية او بالعكس».
عرسال التي تحتضن اليوم اكثر من الف عائلة سورية نازحة من قرى وبلدات في ريفيْ دمشق وحمص، انقطع تواصلها مع الجانب السوري بعد انحيازها الى الثورة السورية ضد نظام الاسد. ويقول ابو محمد ان عرسال «اخذت الجانب الانساني من العلاقة مع سورية، والاهالي يحتضنون اقاربهم واهلهم السوريين»، كاشفاً عن ان الجيش اللبناني واستخباراته «يعرفان جيداً حقيقة الامر في عرسال».
وعن تهمة تهريب الاسلحة الى الثوار السوريين يوضح ابو محمد الحجيري ان امكان تهريب الاسلحة «صعب جداً» بسبب اجراءات الجيش اللبناني ونظيره السوري في الجانب الاخر من الحدود «عدا عن العوامل الطبيعية التي لا تسمح بعبور المهربين المفترضين»، ليخلص الى ان «امكان تهريب الاسلحة من لبنان الى سورية اصبحت مستحيلة بسبب اجراءات الجيش اللبناني».
وفي موازاة الاجراءات اللبنانية، فان الجيش السوري النظامي وسّع نطاق زرْعه للالغام على طول حدوده مع بلدة عرسال وصولاً الى مرتفعات وجرد مشاريع القاع التي تبعد رمية حجر عن اقرب منزل سوري. ويقول ابو فهد «ان الالغام السورية لا تسمح لاحد بتهريب حتى ربطة خبز، فكيف بالاسلحة؟»، موضحاً «ان الجيش اللبناني يعرف تماماً حقيقة الواقع الميداني وهو موجود على الارض في مشاريع القاع».
ويضيف ابو فهد، الذي امضى يوماً كاملاً في متابعة شؤون مجموعة من النازحين السوريين من الحسيبية والنزارية والزراعة وجوسة الخراب لتأمين المسكن والمأوى لهم، «ان الجيش السوري اصبح يطلق الرصاص حتى على الحيوانات التي تتحرك قرب الحدود». ويتابع ضاحكاً: «حين نسمع ليلاً صوت انفجار لغم، نقول في سرّنا لقد خسرنا بقرة شاردة من مزارعنا».
الرجل الستيني، يوضح ان اكثر من 3 الاف عائلة لبنانية تقطن في مشاريع القاع الزراعية «وهم يرتبطون بقرابة مع عدد مماثل من السوريين في الجانب المتاخم لهم، ولذا لا يمكن ان نقف متفرجين على ما يتعرض له اهلنا، واخلاقنا لا تسمح لنا الا باغاثة المظلوم»، معدداً اصحاب المنازل الذين اصيبت بيوتهم ومزارع ابقارهم برصاصات سورية او شظايا قذائف المدفعية.
ابو فهد، الذي اصطحبنا الى الساتر الترابي الذي يفصل سورية عن لبنان، يشير الى ان الجيش السوري النظامي يسيطر تماماً على بلدة جوسة و«لا يمكن لاي انسان ان يعبر بطريقة غير شرعية، فلماذا يستهدفنا بالقصف والقنص؟»، طالباً من السلطات اللبنانية «التدخل لوقف اعمال الترهيب السوري للمدنيين اللبنانيين في منازلهم ومزارعهم».
في مشاريع القاع التي تعتبر نقطة وصل بين الداخل السوري والآخر اللبناني، تجمعات كبيرة لعائلات نازحة. ففي مسجد المنطقة الصغير حيث كانت قد وصلت 4 عائلات من مدينة حمص السورية، قال ابو وليد (48 عاماً) انه اضطر للمكوث في المسجد ريثما يستطيع تأمين مأوى لأفراد عائلته، بعدما اضطر نتيجة القذائف المدفعية ورشقات الرصاص الى ازلة الخيمة التي نصبها في بستان مشمش. واضاف: «ان المسجد قد يحمينا من القنص السوري وشظايا القذائف اذا سقطت مجدداً على مشاريع القاع»، معرباً عن اعتقاده ان الجيش السوري يستخدم رصاص القنص ورشقات عشوائية لمنع النازحين من اقامة خيم للسكن في البساتين و«حتى لا نحوّل المنطقة مخيماً للنازحين، وخصوصاً ان فصل الربيع بدأ، ويخشى النظام في الداخل ان نحوّل الجانب الحدودي اللبناني مخيمات وتتطور لاحقاً الى معابر ومناطق عازلة آمنة».


آثار القصف السوري على مشاريع القاع
آثار القصف السوري على مشاريع القاع
بقايا رصاص القنص السوري على منازل لبنانية
بقايا رصاص القنص السوري على منازل لبنانية     
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=337907&date=24032012   

عـــــام





                                                                        عـــــام

  عام وانتفاضة السوريين لم تهدأ، انها حرب بينهم وبين النظام. كل يوم يمر هو أيضاً انتفاضة. آلاف في كل يوم تنزل في كل مكان لتهتف بسقوط النظام. في كل يوم ويوما بعد يوم يكبر جبل القتلى ويقدم عشرات، هنا أو هناك. أنفسهم قرابين جديدة. لم يكسروا فقط حاجز الخوف، بل طردوا الخوف، وبعد عام نكاد لا نصدق انهم ما زالوا في الشارع، بعد عام لا نكاد نصدق انهم ما زالوا يشرعون صدورهم للرصاص. بعد عام لا يزال النظام يقتل بلا جدوى، لا يزال يقتل ولا تزال دباباته وصواريخه تقصف لكنه هو الذي يخرج من الأحياء، هو الذي يغادر حيا بعد حي، هو الذي يخاف. بعد عام الشارع يصنع البطولة اليومية، الشارع هو الطاقة التي لا تنفذ، هو القوة التي تتجدد، هو الفينيق الذي ينبعث كل يوم من الرماد. بعد عام نعرف انه مهما اشتد العسف. مهما اتسعت حقول القتل، مهما زادت الخرائب ومهما تهدم وتدمر، عنف النظام الذي لا يحسم. سيتحول شيئاً فشيئاً إلى تراجع. ستكون المعادلة معكوسة هذه المرة. كل قوة للنظام ترتد عليه، كل عنف ينقلب على صاحبه، كل عسف يتحول إلى قوة للخصم، كل استبداد ينقلب إلى ضعف، كل مجزرة تقع تفت في عضد النظام، كل تدمير يدور عليه. ما دام استفرغ عنفه، ما دام عسفه بلغ الأوج. ما دامت شراسته لم تجد. ما دام كل هذا لم يفعل شيئاً في حركة الشارع. ما دام لم يؤثر في يوميات النضال وفي زخمه وفي مداه. فإن عنف النظام سيغدو ميتاً. قوة النظام ستغدو صفراً، ضغطه سيرتخي من حاله. هنا سيفقد أسلحته. هنا ستغدو جبال القتلى بلا أثر. هنا سيفقد الرصاص والصواريخ والقذائف فاعليتها، ستغدو جميعها هراء. ستغدو أي شيء إلا ان تخيف، أي شيء إلا ان تفعل. ستكون جدواها أقل من الهتاف، ستغدو قدرتها أقل من الصدور العزلاء. لقد أحبطوا أسلحته، لقد أحالوها هواء، لقد جعلوا الموت نفسه بلا قوة، لقد أحالوه إلى صفر. النار، الحرائق، الدمار، الجوع، كلها لا تخيف. انهم يلتهمون النار ويلتهمون الدمار والرصاص. هنا يبدو الشارع مارداً. هنا يبدو جباراً وعملاقاً. هنا يظهر كل يوم جبروته وقوته. لقد تعطل كل سلاح في وجهه ويوما بعد يوم سيصمد، يوماً بعد يوم سيقف مارداً. يوما بعد يوم سيخاف النظام من نفسه، سيخاف من سلاحه. يوما بعد يوم سيتحرك الشارع من الخرائب ومن الحرائق ومن الدمار. سيتقدم كل يوم وفي النهاية سيترك الآخرون أسلحتهم ويتراجعون عنها.
انها معركة إرادات، النظام لن يكون الإرادة الوحيدة، ثمة إرادة في وجهه، إرادة تكبر كل يوم وعناد مضاد. معركة إرادات والإرادة الأقوى ستلوى الإرادة الاخرى. مهما يكن فإن النظام الذي عمر أربعين عاماً وأكثر لن يكون ارشق ولا أقوى إرادة. هناك لائحة من الإدانات في عنقه، هناك عمر من الأخطاء: الفساد والتسلط والانتهاك، عمر من الأخطاء يثقل عليه ولا يستطيع معه ان يكون سريع الحركة، عمر يثقله بعدد سنينه وعدد آفاته، عمر ينخر إرادته ويهدها. الشارع بعد ان تجاوز الخطوة الأولى، بعد ان قفز فوق الرصاص وفوق الحرائق وفوق الدمار، العنف والقتل صارا وراءه. انه الآن يصنع إرادته، يجبلها ويصنعها من آلام كل يوم ومن عناد كل يوم ومن تضحيات كل يوم. انه دين هائل يحمله في عنقه. انها إرادة لن تكسر ما دام ثمنها كل هذا الدم وكل هذه الخسائر. انها حرب إرادات، ما دام السلاح لم يعد العمدة، ما دام القتل لم يعد الرهان. الإرادة الافتى، الإرادة الأجد، الإرادة الأكثر عناداً، الإرادة التي تصقلها الخسائر وتشحنها الآلام وتقويها العذابات، هذه الإرادة ستنتصر.
من اليوم الأول ربحت الانتفاضة التحدي. لقد زلزلت الأرض تحت النظام. ليس مهما العدد، ليست مهمة النسبة. من اليوم الأول، وبالهتاف وحده، بالحشد في الشارع، وبالمصابرة على القتل وعلى الجراح وعلى الحرائق وعلى الدمار، بالمصابرة على السجون وعلى التعذيب حتى الموت وعلى الانتهاكات الفظيعة، بذلك كله سقطت هيمنة النظام، ظهرت برانيته، صارت شرعيته على الأرض. من الأيام الأولى للانتفاضات، لم تعد الأرياف في السلطة، لم تعد المدن في السلطة. صار النظام هو الدبابات التي تقصف والأسلحة والشبيحة. الشبيحة نعم، فرق الموت والإعدام على طريقة النظام السوري. من الأيام الأولى صارت الأحياء خارج السلطة، وخرجت السلطة من كل مكان. ماذا تجدي إذا المعركة، كيف تقدر السلطة على ربح معركة خسرتها مسبقاً. كيف يمكن لنظام ان يستعيد شرعية قامر هو نفسه بها. كيف يمكنه ان يسترد هيمنة انتهكها هو وتخلى عنها. من الأيام الأولى. صارت السلطة في خندق والشارع في خندق. إن تكن حرب حركة أو حرب مواقع وهي الاثنان معاً. إن يكن قسم من الشعب ما زال صامتا، مهما تكن نسبة هذا القسم فإن اعتراض الباقين ليس استفتاء. اعتراض الباقين لا يقدر بنسبة أو عدد. اعتراض الباقين حرب على النظام. النظام نفسه هو الذي حولها حرباً. كان يمكن لولا عسفه ان تبقى استفتاء. النظام هو الذي حولها إلى انتفاضة أو ثورة. النظام هو الذي وضع الجميع امام خيار أوحد إما الطاعة وإما الخروج، إما الطاعة وإما نزع الشرعية. النظام هو الذي دفع ومن الأيام الأولى، الأمور إلى هذا الحيز. نزع الهيمنة وعدم الاعتراف ليس الاستفتاء ومضحك ان يلجأ النظام بعد ان فعل ما فعل إلى الاستفتاء. مضحك وأجوف جمع الاستفتاء مع القتل والعنف. حين تنزع نسبة من الشعب الشرعية أو الهيمنة فإن النظام يغدو بدونهما، الاستفتاء أسلوب ديموقراطي وفي الديموقراطية لا تقتل المتظاهرين. في الديموقراطية لا يستمر حاكم إذا نزع قسم كبير من الشعب الشرعية عنه، لقد سقط النظام سياسياً. سقط إلى لا عودة. شجاعة وصمود الشارع جعلاه بلا أي مبرر. شجاعة وصمود الشارع أسقطاه من الأساس. ما يحدث من ذلك الحين اختبار هذا السقوط. ما يحدث هو التأكيد اليومي المتكرر عليه.
في بلد ديموقراطي يخير الشعب بين أمرين، لكن الخيار والرصاص والقذائف في الميدان ليس سوى خيار وحيد: العسف أولاً وثانياً، الاستبداد أولاً وثانياً وثالثاً وإلى الأخير. لا خيار مع الرصاص، مع ذلك حين يخير النظام العالم بين الاستبداد والإرهاب الأصولي فإن كل شيء بما في ذلك الإرهاب الأصولي يقع على عاتق النظام الذي لعب كل الألعاب الخطرة التي ترتد في النهاية عليه. الاستبداد يخلق كل شيء بما في ذلك الإرهاب الأصولي، فهذا أمر لا يقع على عاتق الشعب، والخيار الأوحد يبقى على الدوام: الاستبداد أو الحرية، الاستبداد أو الديموقراطية.
أيها الشعب السوري. لقد اعدت لنا اعتبارنا، ان شجاعتك مفخرتنا وعام من انتفاضتك هو أيضاً عام من كرامتنا وحريتنا، شكراً لك. سيكون المستقبل بعلو آلامنا وجبل شهدائنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 جريدة السفير - 23\3\2012

الأحد، 18 مارس 2012

الخطف المنظم



               مفاوضة الجهات الرسمية مع الخاطفين دفعتهم إلى التمادي

          

  سهل البقاع اللبناني ...

 «يُنتج» عصابات «الخطف المنظّم»


         




| بيروت ـ من عفيف دياب |

اكثر من عملية خطف «منظمة» لمواطنين لبنانيين وسوريين سجلت خلال سنة وحدة في سهل البقاع، انتهت جميعها «على خير» بعد دفع ذوو المخطوفين مبالغ مالية لإطلاق سراح أبنائهم.
هذه «الظاهرة» التي بدأت تقض مضاجع اللبنانيين والسوريين على حد سواء، وقفت الاجهزة الامنية عاجزة عن وضع حد لها وإلقاء القبض على مرتكبي أعمال اصبحت تهدد الامن الاجتماعي المحلي، ولا سيما ان غالبية المخطوفين من لون طائفي معين، والخاطفون من لون آخر.
وقد استدعى هذا «التسيُّب» تدخل جهات رسمية وحزبية وإبلاغ الجهات الامنية بوجوب حسم الجدال حول «فورة» الخطف التي كادت ان تؤدي الى مواجهة مذهبية في منطقة بعلبك اثر خطف عصابة لفتى هدّد والده وافراد عائلته بتنفيذ حملة «قتل» لكل من يمتّ الى الخاطفين المفترضين او المتهَمين على مختلف درجات القرابة.
وفي معلومات خاصة لـ «الراي» ان الاجهزة الامنية اللبنانية انجزت «داتا» معلوماتها وتحرياتها حول هوية افراد العصابة، او العصابات، التي قامت باعمال خطف منظمة على مدى 4 اشهر في سهل البقاع وطاولت رجال اعمال لبنانيين وسوريين اضافة الى اطفال وفتيان من الجنسيتين المذكورتين.
ويتهم مصدر امني جهات رسمية لبنانية بالوقوف وراء «منع القوى الامنية من تنفيذ مهماتها»، موضحاً ان جهات رسمية «فاوضت الخاطفين اكثر من مرة لاطلاق سراح مخطوفين، وهذه المفاوضات ساهمت في تمادي هؤلاء بافعالهم».
ويكشف المصدر ان اولى عمليات الخطف تعرض لها رجل الاعمال السوري محمد ايمن عمار ومساعده نور قدورة يوم 26 /8/ 2011 على طريق دمشق ـ بيروت الدولية في وسط سهل البقاع و«قد اجريت اتصالات من جهات رسمية امنية بالخاطفين افضت الى انهاء عملية الخطف الابتزازي بسلام بعد دفع فدية مالية للخاطفين»، لافتاً الى ان الخاطفين «طلبوا فدية 5 ملايين يورو، ولكن لا نعرف كم هو المبلغ الذي دفع لاطلاق سراحه».
ويضيف المصدر الامني ان عملية الخطف الثانية جرت في جنوب بعلبك وطاولت رجل الاعمال اللبناني احمد زيدان قرب مصنعه في ديسمبر الماضي، حيث اقتيد الى جهة مجهولة و«قد تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري شخصياً وعمل على اطلاق سراح زيدان واستقباله في مقر اقامته في عين التينة ببيروت، ولم تعرف الاجهزة الامنية كيف أُطلق سراحه وما المبلغ المالي الذي دُفع مقابل ذلك».
ويؤكد المصدر انه حين وجد الخاطفون «جهات رسمية تفاوضهم لاطلاق سراح هذا او ذاك، تمادوا في فعلتهم وأصبحوا اكثر تنظيماً وجرأة على تنفيذ عمليات الخطف، اذ اقدموا اوائل السنة الحالية على خطف رجل الاعمال السوري محمد الجابي على طريق المصنع ـ شتورة «واطلقوا سراحه بعد دفع فدية مالية قدرت بمليون ليرة سورية وقطع ذهبية»، لافتاً الى ان «عمليات الخطف الابتزازي تواصلت حيث خطف في 11 فبراير الماضي 3 اشقاء سوريين على طريق شتورة ـ الحدود السورية خلال توجههم الى دمشق وهم هشام وعماد واسامة عبد الرؤوف، والموظف لديهم خالد عبد السلام حمادة، وفي اليوم التالي اطلق سراح اسامة لإحضار فدية بقيمة مليونيْ دولار لتحرير شقيقيه والموظف وبعد اسبوع افرج عنهما ولم نعرف اذا كانوا قد دفعوا الفدية ام لا».
خطف الأخوة الثلاثة واطلاق سراحهم دون معرفة القوى الامنية، استُتبع بعملية خطف اخرى في 28 فبراير الماضي، حيث اقتحم مسلحون منزل رجل اعمال سوري قرب مدينة زحلة وخطفوا الفتى براء محمد عز الدين وشقيقه علي، وقد طلب الخاطفون فدية مالية قدرها 3 ملايين دولار لتنتهي العملية بطريقة غامضة ويفرج عن الفتيين بعد 24 ساعة دون تسجيل عملية توقيف واحدة لاي من الخاطفين من الاجهزة الامنية اللبنانية.
وهذا الامر الذي طاول سوريين تطوّر ليشمل اولاد رجل اعمال لبنانيين. فقرب مدينة بعلبك خطف في 29 فبراير الماضي الفتى زياد ابو اسبر (16 عاماً)، وطالب الخاطفون والده بفدية مالية تقدر بمئة وخمسين الف دولار ليطلقوا سراحه بعد 4 ايام ويتوجه الوالد خالد قاسم أبو إسبر بالشكر إلى قيادات وعناصر القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام، لمبادرتها إلى السعي لمعرفة مكان احتجاز زياد والعمل الحثيث للإفراج عنه. كما شكر القوى السياسية والدينية والاجتماعية والإدارية والنواب ورؤساء البلديات والمخاتير والعشائر والعائلات ولجان الإصلاح و«كل من تضامن مع العائلة في محنتها، وكل من تكبد العناء للبحث عن زياد أو للتوصل إلى أي معلومة تفيد بتحريره من خاطفيه».
ويقول المصدر الامني لـ «الراي» ان اعمال الخطف هذه «سلطت الضوء على عمل لم يكن من تصرفات اعمال العصابات المنظمة التي اقتصر عملها على السرقة وسلب السيارات مقابل فدية، وتطور الامر الى خطف اشخاص بهدف الابتزاز المالي، الامر الذي ألزمنا بوضع خطة عمل امني لمواجهة هذه الظاهرة التي لم يعد مسموحا التمادي بها»، كاشفاً ان «كل المعلومات اصبحت متوافرة وان القاء القبض على المتهَمين اصبح قاب قوسين او ادنى».
اعمال الخطف بهدف الابتزاز المالي، توقفت عندها جهات سياسية فاعلة على ارض سهل البقاع. وقالت في دردشة مع «الراي» ان هذه الافعال الجرمية المنظمة «تستفيد من تربة خصبة وفرت لها النمو وتطوير افعالها»، متسائلة «كيف يمكن لعصابات ان تخطف على مدى سنة اكثر من شخص دون توقيف واحدة من افرادها؟». واضافت «يبدو ان هناك تقصيراً امنياً ناجماً عن تقصير سياسي، او حماية سياسية لهذه العصابات». واردفت ان عمليات خطف رجال اعمال سوريين «ليس صدفة. فلو خطف واحد لقلنا ان في الامر صدفة، ولكن ان تتكرر مع اكثر من رجل اعمال، فهذا مؤشر الى وجود روابط قد تكون ممتدة الى ما يجري في سورية».
وتكشف هذه الجهات ان ظاهرة خطف رجال اعمال سوريين «وصلت الى سورية، حيث تسجل عمليات خطف منظمة لرجال اعمال، إما حاولوا تهريب اموالهم الى خارج سورية، او انهم يصنَّفون ضمن خانة المعارضين للنظام». وتوضح هذه الجهات ان رجال الاعمال السوريين الذين خطفوا في سهل البقاع «لهم مصالح اقتصادية هنا، وربما عملية خطفهم كانت رسالة لكل رجل اعمال يحاول تعويض خسائره بعمل تجاري ما في لبنان».
«
أول السبحة» خطف بولندييْن ثم الأستونيين السبعة
ظاهرة الخطف في البقاع مقابل مبالغ مالية، بدأت مع خطف 7 استونيين في مارس 2011، حيث انتهت العملية بعد 97 يوماً «لاسباب سياسية» بقيت مجهولة، بدفع نحو 3 ملايين يورو للخاطفين عقب مفاوضات استمرت عدة اشهر.
وهذه العملية التي لا تزال تفاصيلها غامضة، انتهت بقتل عدد من الخاطفين والادعاء على 11 متهماً موقوفاً او فاراً. وكان قد سبقها بعام عملية خطف سائحين بولنديين قرب الهرمل سرعان ما اطلق سراحهما بعد نجاح القوى الامنية بقتل احد الخاطفين، والقضية حتى الان غامضة التفاصيل. وكانت عمليات الخطف في لبنان قد راجت خلال فترة ثمانينات القرن الماضي لاهداف سياسية اثناء الحرب الاهلية، ومنذ العام 1990 تعتبر عمليات الخطف في لبنان نادرة الحصول الى ان عادت الى البروز أخيراً وإن لخلفيات أخرى.
«
خطْف إرادي» لتحصيل فدية
في غمرة «رواج» الخطف الابتزازي في البقاع، برزت عملية «وهمية» للفتى ع.م حاول «مبتكروها» الاستفادة من فدية مالية، الا ان «المخطوف إرادياً» كشف الأمر. وقد اوضح بيان صدر عن شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي تفاصيل هذه القضية اذ اعلن انه «نتيجة الاستقصاءات والتحريات، تبيّن أن الفتى القاصر ع. م. (مواليد 1994)، الذي قال لذويه إنه خطف في عين بورضاي البقاعية، هو من دبّر عملية خطفه بالتنسيق مع خاطفيه».
واعترف الفتى، وفق البيان، بأن هدف الخطف المزعوم كان لتحصيل فدية مالية من ذويه، يتقاسمها مع «خاطفيه»، وقيمتها مئة ألف دولار. لكن «الفتى أعاد حساباته، بعدما تم التفاوض مع ذويه، وتراجع عن اتفاقه، ثم عاد إلى منزل ذويه، دون علم أحد من الخاطفين».
وفور وصوله، ادّعى أمام مخفر درك بعلبك بأنه خطفه أشخاص مجهولون، قائلاً إنهم أطلقوا سراحه بعد يوم واحد في سهل عدوس - بعلبك. لكن بعد اعترافه بحقيقة الأمر، استدرجت القوى الأمنية كلا من شريكيه ح. ج. (مواليد 1985)، وع. ع. (مواليد 1983)، واعترفا بقيامهما بتدبير عملية الخطف      .
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=336307&date=18032012

الجمعة، 16 مارس 2012

جوع وثنيّ





جوع وثنيّ
  إصغي إليّ:
  خيط الدّمع على وجنتيك سرب طيور آبقة. . وشفاهي ريح خلّب تلاعبها أمنية ماكرة.
لا صارية تسند بحرك ولا نوتيّ يدلّك على الهوى إلّاي. والجنوب بعيد بعيد وهذي الجهات قراميد الغرباء
فهّلا قطفت ما إستوى من حزني وما تساقط منك من قاكهة عليّ .
 إصغي إليّ:
  المدن حرائق تلتهم ما نضج من عمري وأنا المسرف في وحدتي كلصّ السّلالة تأكل النّار كبدي وتصطلي وجعي وهجا . على شفاه الكلمات أدوزن مواعيد سقوطي حين أشاء، فينفتح قلمي جرحا، و الحبر محار الرّوح يْترع مخيّلتي كمْزن السّماء. وأنت عشب بحر يمتصّ ملحي ويذوّب دهشة الياقوت حين ينسكب شفقا على طلّي آخر العشيّ.
  إصغي إليّ:
  ما كنت إلّا حرفا بين أصابعي إستوى. . فتناسلت من عطشي وممّا تبعثر من تيه ضوئي حين كاس العتمة فضّه ذات مساء، فزرعك في رحم الغيب رمشا لعيني وما كنت يوسف الجبّ إلاّ حين مرق عليك طرفي فقْدّ قلبك من من قبل ومن دبر. وما كنت إمرأة العزيز وهما إذ طلبت عشقي قهرا. وأقمت في جسدي بين تيه وكَبَد.
   إصغي إليّ:
  هذا صوتك يتغنّج بروحي لحنا شقيّا .. فتومض فيّ دفقا وتغيّر نكهتها السّاعات لأمتلكك بحرا ويابسة .. ويصير الّليل ملاءة أطويها بين ذراعيّ، فيتحرش مذاقك بغوايتي كجوع وثنيّ . أنشب في الزّمن الرّديئ اظافري .. وأكنس مرايا الوجوه الآفلة ولست عنك أتوب. الإنتظار يتمرس بين نبضك ودمي فإصغي إليّ ...
                                                                                                        \ بثينة الزغلامي \
                                                                       

الأربعاء، 14 مارس 2012

المطران عصام





         المطران عصام درويش: جنرال زحلة الأول

عفيف دياب
يقف مطران زحلة عصام درويش على شرفة كاتدرائية سيدة النجاة. يجول بناظريه على بيوت المدينة وقرميدها الأحمر. يؤكد في قرارة نفسه أن المدينة تحتاج فقط إلى الحوار ووحدة الصف حتى تصبح فاعلة. يرسم المطران الذي أحدث «انتفاضة» سياسية في زحلة مسار دوره من خلال رئاسته الدينية لعاصمة الكثلكة في الشرق، محدثاً «نقزة» سياسية لدى الجميع
*****
 منذ تسلمه سدة مطرانية الفرزل وزحلة وسائر البقاع للروم الكاثوليك قبل 8 أشهر، أحدث المطران عصام درويش حراكاً سياسياً غير مسبوق في عروس البقاع. الدمشقي المولود في عاصمة الأمويين سنة 1945، ليس طارئاً على المدينة. فالرجل الذي دخل زحلة كاهناً لرعية حي حوش الأمراء أواسط ثمانينيات القرن الماضي، وغادرها سنة 1996 إثر انتخابه مطراناً على أبرشية أستراليا، عاد العام الماضي ليكون راعياً أول لعاصمة الكثلكة في الشرق. راعٍ يحترف ألف باء السياسة، ويحفظ عن ظهر قلب كواليس زحلة وخباياها وتفصيلات عائلاتها، وفسيسفاء البقاع.
يبتسم المطران المفتخر بسعة علومه وثقافته، حين تسأله عن سر تخوف بعض السياسيين في زحلة من حراكه واتساع مروحة علاقاته السياسية. ويبتسم أكثر حين تسأله: «شو عملت بزحلة؟»، ليجيب بهدوء بعد أن يستوي على كرسيه: «مطرانية سيدة النجاة في زحلة أدّت، عبر التاريخ، دوراً وطنياً مهماً جداً. أنا على خطى من سبقني، وأريد أن أكون قائداً روحياً واجتماعياً ووطنياً لشعبي». يؤكد درويش أن دوره هذا سيكون بالتعاون مع قادة زحلة و«عندي تنسيق مباشر وغير مباشر مع السياسيين في هذه المدينة». لقد أحدثت انتفاضة في الحياة السياسية الزحلية؟ يضحك المطران من دون تعليق، ويؤكد أنه نجح إلى حد ما في «ترطيب» العلاقة بين السياسيين في زحلة، و«في الحد الأدنى صار هناك قبول من بعضهم لبعض. فكل شخص منهم حرّ في موقفه وموقعه السياسيين، وأن يختار ما يريد، ومن مصلحتنا أن يكون هناك تنوع في الرؤى والانتماءات السياسية».
حين أنجز درويش ترتيب عمل فريقه في أبرشية زحلة والبقاع للروم الكاثوليك، أطلق مبادرة لمصالحة السياسيين في عروس البقاع. نجح في جمعهم على طاولة واحدة، «ليست مصالحة بالمعنى الدقيق، أو أن يذوبوا بعضهم في بعض. نعم، كانت مصالحة من نوع آخر، أن يلتقوا ويتصافحوا بحرارة ويتحدثوا في ما بينهم، وأن يكون بينهم سلام وتحية». ويتابع: «هدفي كان كسر الجليد بين السياسيين في زحلة. وقد تحقق ذلك في خطوة أولى. فحين يرى مناصروهم كيف يلتقي قادتهم، سيؤدي ذلك إلى خلق جو من الراحة العامة»، لكن البعض قاطع مشروعك هذا؟ يجيب المطران درويش: «الوحيد الذي امتنع عن الحضور هو النائب إيلي ماروني، وقد زارني إثر اللقاء، وأعطى مبررات لمقاطعته، لكنني كنت أريد أن يتخطى أسبابه الشخصية».
مطران 8 آذار؟
يتهم البعض في زحلة المطران درويش بأنه «ينسف» كل ما بناه سلفه المطران أندريه حداد، وأنه يمشي في خط سياسي يخالف «وجدان المدينة السياسي». لا يخفي درويش انزعاجه من اتهام البعض له بأنه «مطران 8 آذار» في زحلة، فـ «أنا لا أعرف ماذا كان يجري هنا سابقاً. أنا أتيت من أستراليا. السياسة هناك تختلف عمّا هي عليه هنا. ففي أستراليا كنت صديقاً للحزبين: الحاكم والمعارض، ونسجت معهما علاقات جيدة خدمة لمصالح الجاليتين اللبنانية والعربية». ويتابع: «جئت إلى هنا لأنسج أيضاً العلاقات نفسها مع الفريقين (8 و14 آذار). البعض تجاوب معي، والبعض الآخر للأسف لم يتجاوب». ويضيف: «أصر على أن أكون على مسافة واحدة من الجميع». لا يخفي المطران معرفته بوجهة نظر هذا أو ذاك في زحلة ولبنان، و«البعض يريدني كلياً في فريقه، لذا فهو يراني مع الفريق الآخر». ويؤكد أنه لم يطلق «تصريحاً سياسياً واحداً لمصلحة هذا الفريق على حساب ذاك».
نفي المطران درويش انحيازه إلى هذا الطرف على حساب الآخر في زحلة ولبنان، لا يحجب الكلام المباح عن اقتصار زياراته السياسية على قادة 8 آذار دون سواهم، يقولون في زحلة إنك زرت النائب ميشال عون والسيد حسن نصر الله، ولم تلتق سمير جعجع والرئيس أمين الجميّل؟. يجيب بهدوء وبلا امتعاض من الكلام الزحلاوي المباح: «زرتُ النائب أنطوان زهرة وشكرته على حضوره حفل توليّ المنصب، وكان لقاءً جميلاً وتربطني به صداقة قديمة من أيام أستراليا». يتابع: «زرت مفتي البقاع الشيخ خليل الميس وتيار المستقبل هنا، وإن شاء الله سأزور قادة من 14 آذار في بيروت». وهل ستزور قائد القوات اللبنانية سمير جعجع؟ هنا لا يخفي المطران أن جعجع «دعاني لزيارته، وإن شاء الله بعد عيد الفصح سألبّي دعوته»، و«أنا لا أعرفه شخصياً، لكنني على تواصل مع القواتيين هنا».
المطران البرتقالي؟
كيل الاتهامات السياسية للمطران درويش، لم يقف عند تهمة «مطران 8 آذار»، بل وصلت الحسابات الزحلاوية إلى حد إطلاق تسمية «المطران البرتقالي» عليه. فدرويش يفتخر بأنه يحمل «فكر الإصلاح والتغيير» قبل أن يولد التيار الوطني الحر، أو «التيار البرتقالي». يصف علاقته بالنائب ميشال عون بـ«الجيدة جداً»، رافضاً تفسير أسباب «نقزة» بعض السياسيين من نشاطه السياسي: «لم ولن أنافس أحداً في السياسة، لكن حقل الشأن العام واسع جداً». يعبّر عن امتعاضه من الوضع الإنمائي المتردي في زحلة ومنطقتها، محمّلاً جميع العاملين في الشأن العام مسؤولية التقصير، ولا سيما أولئك الذين وصلوا إلى مواقع وزارية ونيابية. فـ«زحلة تدفع ثمن الانقسام السياسي». يعترف باستحالة جمع وزراء زحلة ونوابها حول إنماء المدينة؛ «لأننا دخلنا في مرحلة الإعداد للانتخابات النيابية، ومن الصعب جمعهم اليوم».
المطران الناخب
إحصاءات بعض الشركات المختصة في العمل الانتخابي أظهرت في الآونة الأخيرة وجود حيثية شعبية للمطران درويش، يمكن أن «يجيّرها» هنا أو هناك. فالرجل يتواصل مع مختلف شرائح زحلة، وهو بصدد عقد لقاءات مع التجار والصناعيين والمثقفين لتكوين «رأي عام» يسعى إلى رفع شأن زحلة والبقاع، و«سأجيّر هذه الحيثية الشعبية لزحلة، لا لطرف ضد آخر حتى يكون صوت زحلة هو صوت الأصل لا الصوت الخارجي». وهو يرى أن الانقسام السياسي داخل البيت الزحلاوي الكاثوليكي (النائب السابق إيلي سكاف والوزير نقولا فتوش) «ليس حاداً، وحين ألتقي المعنيين، لا ألمس خلافات حادة، بل لكل منهم خياراته الاستراتيجية، ولا أستبعد أن تتلاقى في المستقبل». يؤكد أنه يعمل لتوحيد الصف الكاثوليكي «كما أعمل لتوحيد بقية الصفوف»، معلناً أنه لم يعمل على مصالحة سكاف ـــــ عون، و«لم يطلب أحد مني ذلك، وإذا طلب فأنا مستعد لتقريب وجهات النظر. إنني في خدمة المصالحة بين الجميع».
سلاح حزب الله لا يقلقني
يرسم مطران زحلة والبقاع للروم الكاثوليك خطاً تحت بند العلاقة مع حزب الله. إذ أن للحزب حضوره السياسي والشعبي في مدينة زحلة. فحي الكرك ليس إلا جزءاً أساسياً من مكونات المدينة الاجتماعية والسياسية، ويعرف درويش في قرارة نفسه أهمية هذا الوجود في مدينة تسعى منذ انتهاء الحرب الأهلية واتفاق الطائف إلى تكريس خط الانفتاح والحوار الدائم مع كل البقاع، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. «العلاقة جيدة جداً مع حزب الله وحركة أمل. وزرت الرئيس نبيه بري، واستقبلتني حركة أمل في الجنوب». ويتابع: «حزب الله كان سبّاقاً في محبته لي حين زارني وفد منه برئاسة الشيخ محمد يزبك، ثم كانت زيارتي لسماحة السيد حسن نصر الله من ضمن التشاور مع الجميع، ونسج علاقات صداقة». يضيف: «علينا نسج علاقات صداقة مع كل القوى الموجودة على الأرض هنا، وزيارتي للسيد نصر الله من ضمن سلسلة زياراتي»، مؤكداً أن حزب الله حزب مقاوم لإسرائيل و«سلاحه لا يقلقني».
مسيحيّو سوريا في أمان
يرفض المطران «الدمشقي» التدخل الخارجي في شؤون سوريا، و«ما لا أفهمه هو كيف يحق لدول أن تتدخل في أمور بلد آخر، خصوصاً إذا كان تدخلاً مسلحاً، أو تحريضاً على قتل الإنسان العربي». يجزم بأن سوريا لن تشهد حرباً أهلية، و«كدمشقي أقول إن السوري يرفض الحرب، فهو بطبعه إنسان مسالم ومسامح ويحب وطنه. لذلك، تكسّرت المؤامرات الخارجية على صخرة الإرادة السورية».
يرفض درويش كل الكلام الذي يخوّف السوري المسيحي من شقيقه المسلم، مبدياً عدم تخوفه من فرضية وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم: «أنا لا أخاف ذلك أبداً؛ لأنه عبر التاريخ، المسلمون السنّة هم الذين حافظوا على الوجود المسيحي في سوريا»، مؤكداً أن «الخوف من مكان آخر لا من السوريين».

قمة روحية بعد أسبوعين
دعا المطران عصام درويش بصفته رئيساً للجنة الحوار الإسلامي ـــــ المسيحي التابعة للبطاركة في لبنان، إلى عقد قمة بقاعية روحية مسيحية ـــــ إسلامية في زحلة. ويقول إن الاستعدادات لعقد القمة في 24 الجاري أُنجزت، واللقاء سيحضره جمع من السياسيين والشخصيات التي لها تأثير في المجتمع المدني البقاعي «لكي نخفف من التشنجات ونعمل معاً من أجل التلاقي»، كاشفاً أن اللقاء سيشارك فيه أكثر من مئتي شخص. وذكرت مصادر لـ«الأخبار» أن من بين المتحدثين في المؤتمر سيكون عضو مجلس الشورى في حزب الله الشيخ محمد يزبك، الذي تطورت علاقته بالمطران درويش سريعاً خلال الأشهر الماضية. كذلك يتولى عضو المكتب السياسي في الحزب غالب أبو زينب جانباً من التواصل بين قيادة حزبه ودرويش، وهو شارك في اللقاء الأخير الذي جمع المطران والسيد حسن نصر الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاخبار ـ العدد ١٦٥٩ الاربعاء ١٤ آذار ٢٠١٢
مقابلة

الثلاثاء، 13 مارس 2012

تقرير مشبوه


 


 



                     

   مُزِّق بعد إرساله بالفاكس

تقرير عن «انتماءات» صحافيي البقاع 

 أُعدّ للسفارة السورية في بيروت

 

 بيروت - من عفيف دياب  

  
اثار العثور على تقرير معدّ للسفارة السورية في بيروت حول أسماء المراسلين الصحافيين في منطقة البقاع و«هوياتهم السياسية»، موجة من السخط العام داخل الصف الاعلامي في المنطقة المتاخمة للحدود مع سورية.
وفيما استوجب نشر مقتفطات من التقرير دخول الأجهزة الأمنية اللبنانية على خط التحقيق لمعرفة من يقف وراء إعداده ومدى تهديده للعمل الاعلامي والصحافي في البقاع، قالت مصادر مطلعة لـ«الراي»: ان نشر اجزاء من التقرير أحدثت قلقاً في الجسم الاعلامي في البقاع وبيروت، لما يحمله من تهديد غير مباشر للعمل الصحافي الميداني والاستقصائي..
 التقرير الذي عثر عليه ممزقاً في شتورة داخل سلة مهملات بالصدفة، أعيدت «لملمته» وتم «تركيب» صفحاته الثلاث للخروج بصورة واضحة عن الاهداف الكامنة وراء إعداده لمصلحة السفارة السورية في بيروت والى ماذا يرمي معدّ التقرير وطالِبه.
وكشف زملاء في منطقة البقاع لـ «الراي» ان التقرير أدخلهم في قلق على حياتهم المهنية وحتى الشخصية، وان الكشف عنه يُعتبر رسالة «تهديد مبطن» للصحافيين الميدانيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية ومدى قربهم من هذا الحزب الموالي لسورية او ذاك المعارض لها.
واوضح هؤلاء ان صوراً عن التقرير أُرسلت لاجهزة امنية لبنانية لتجري تحقيقاتها في الأمر، فيما لم تُجر نقابتا المحررين والصحافيين في بيروت اي اتصالات بالمراسلين الصحافيين العاملين في البقاع للاطلاع منهم عن هذا التقرير وخلفياته واهدافه.
«
الراي» التي تابعت الموضوع على مدى يومين متتاليين حصلت على نسخة من التقرير المؤلف من 3 صفحات، وتبين انه يضم أسماء جميع المراسلين الصحافيين العاملين في وسائل اعلام لبنانية والمصورين التابعين لمحطات تلفزيون محلية. وقد قسم التقرير الى 3 اجزاء وفق المنطقة الجغرافية التي يقوم المراسل بتغطية اخبارها لوسائل اعلام لبنانية فقط لا غير دون ذكر اسماء المؤسسات الاعلامية العربية والدولية.
وقد اظهر التقرير الذي أُرسل، وفق معلومات زملاء، عبر الفاكس الى السفارة السورية في بيروت، دقّته بنسبة 90 في المئة. ويقول زملاء تابعوا الموضوع في البقاع: ان الهدف من وراء هذا التقرير هو معرفة كيف يتابع المراسلون تغطية الاحداث السورية وما يجري على الحدود بين لبنان وسورية، وان التقرير يهدف ايضا الى ممارسة اعمال الترغيب والترهيب على الصحافيين لمنعهم او التمنى عليهم عدم تغطية ما يجري على الحدود مع سورية او متابعة الملف السوري وارتداداته داخل لبنان.
واضاف هؤلاء، ان المعلومات الاستقصائية التي قاموا بها خلال اليومين الماضيين اظهرت لهم ان من الاهداف الاخرى للتقرير «تصنيف من هو مع النظام السوري ومن هو ضده، وكيف يمكن التمني على البعض عدم ارسال تقارير صحافية الى وسائل إعلامهم في شأن الملف السوري، وكيف يمكن الضغط معنوياً على آخرين يرفضون الانصياع الى هكذا توجيهات».
التقرير الذي شمل جميع الصحافيين ومصوّري التلفزيونات، تحدث عن الهوية السياسية للمراسلين، وزعَم قرب بعضهم من هذا الحزب او ذاك، وقد لوحظ ان المراسلين وفق التقرير يتوزعون سياسياً على : «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» و«الحزب الشيوعي اللبناني» وحزب «البعث» و«حزب الله» وحركة «أمل» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» و«الحزب الديموقراطي اللبناني» وقوى ناصرية.
ووصف صحافيون في البقاع التقرير بانه «مشبوه» ويهدد حياتهم الشخصية، وهو ما استدعى عقد لقاء بين عدد من الزملاء في البقاع، واجراء اتصالات بآخرين لتشكيل حالة تضامن في ما بينهم، والعمل على رفض هكذا ممارسات. وفيما طالب هؤلاء وزارة الاعلام اللبنانية بوضع يدها على الملف واجراء المقتضى القانوني بحق معدي التقرير، أعرب زملاء آخرون في البقاع عن اعتقادهم ان مثل هذا التقرير قد يكون أُعد عن مراسلين صحافيين في اكثر من منطقة لبنانية.
وللمصدر نفسه، علماً ان عدداً من الصحافيين (في البقاع) كشفوا انهم تلقوا اتصالات في فترات سابقة تتمنى عليهم عدم اثارة هذا الملف المتعلق بالأزمة السورية أو ذاك، وانهم تلقوا ايضا تمنيات من جهات سياسية لبنانية بـ «التخفيف» من تغطياتهم للشأن السوري 

                       
.