جميلة حسين
في غمرة الانتفاضات العربية المشتعلة من المحيط الى الخليج يحضر وجه سمير قصير.
وفي غمرة النقاشات الحامية عن التغيير يتردد صوت سمير قصير .
ووسط حشد المقالات والتحليلات ورفع الشعارات، تظهر أصابع سمير قصير وحروفه الصارخة منادية للحرية ومبشرة بربيع العرب ..
ومع تحرك الشباب اللبناني اليوم المطالب بالتغيير وبإسقاط النظام الطائفي ( على الرغم من عدم وضوح الخطة والرؤيا والمشروع ) يطل وجه سمير قصير، الرجل الذي تزداد الحاجة اليه في هذه الظروف والمتغيرات ..
منذ اندلاع الثورة في تونس واشتعالها في مصر ، وامتدادها الى اليمن وليبيا والبحرين وسوريّا ، أراك يا سمير تشع فرحا .. وتندلق على شفتيك ابتسامة مضيئة .. ألم يكن هذا حلمك وما نظّرت له ..؟
رأيت وجهك في كل بيان و صوتك في كل صرخة و رأيك في كل مقال وتحليل ..
هنا تكتب وهناك تصحح .. وفي غير مكان تصوّب وتغيّر .. تتكتك مرة وتبني خططا استرتيجية مرة أخرى ..
كم نفتقدك اليوم ، بذلك النبض التغييري والحس الناقد لكل خطأ أو تهوّر .
ألم تكن من أوّل المدافعين عن العمال السوريين ورفض التعرض لهم واضطهادهم من قبل أناس موتورين حاقدين في نفس الوقت الذي اُعتبرت فيه عدوا لسوريا ؟
كم نظّرت وكتبت، وبحّ صوتك مدافعا عن القضية الفلسطينية، في الوقت الذي صنفوك فيه خصما للمقاومة .
كم بشّرت بربيع العرب وهللت له في الوقت الذي اتهموك فيه متأمركاً وعميلا..
سمير قصير .. أليس ما في المشهد العربي من ثورات وانتفاضات الكثير من أفكارك وبصماتك ..ألم تكن لبنانيا وفلسطينيّا وسوريا في الوقت نفسه ..؟؟
كنت في كل هؤلاء. كنت عروبيّاً بحقّ . وعندما رفعت صوتك اللبناني المطالب بالحريّة والسيادة قتلوك .
لماذا أخطأت التوقيت .. لماذا متّ في الوقت الخطأ.. وغير المناسب ؟؟
ألم يكن باستطاعتك تأجيل ذلك بضع سنوات فقط ..أن تكون أنانيا لبعض الوقت وتتوارى عن عين القاتل الذكي الذي عرف أهمية ما تقوم به وخطورة وجودك بوجه اجرامه...؟؟
ألم يكن الأَولى بك أن تنتظر قليلا ..؟؟!!
مثلك من يستطيع أن يواكب ما يجري اليوم عربيا ولبنانيا .
مثلك من يستطيع أن يواكب تحرك الشبابي اللبناني الذي يتخبط بحراكه
مثلك من يستطيع مواكبة ثورة التكنولوجيا وعالم الانترنت والتواصل مع الشبكة الاجتماعية الافتراضية .. مع الشباب اللبناني والعربي.
أنت من قلّة عرفوا أهمية الاعلام والاعلان وعالم الصورة ورفع الشعار المناسب في الوقت المناسب ..
انطلاقا من هنا نفتقد صوتك اليوم. نفتقد حضورك الجميل لتشهد ربيع العرب ولتشهد تاريخاً جديداً يخطّه الشباب العربي ..
يا سمير ..
القاتل هو القاتل .. ملامته وكرهه أمرٌ بديهي .. لكن عتبي عليك لأنك لم تتنبه للوحش الجائع الذي التمهك في صباح حزين .
عتبي على من جهل أهمية دورك وحضورك فلم يقدروا ضرورة أن تبقى حيا .. احترسوا على أنفسهم وبعض المسؤولين السياسيين ، وهم لا يعرفون أن السياسي ينبت كما الزرع ، يذهب وينساه التاريخ ، لكن المفكرّ والمثقف مثلك لا يتكرر بسهولة. كما وأن صوته وذكره لا يُمحى بسهولة ..
كان من الاولَى بهم أن يحرسوك بحدقات العيون ويحموك كما تحمي الأم وليدها .. لكن فاقد الشئ لا يعطيه .. فإن عرفوا ولم يفعلوا فتلك مصيبة ، وإن لم يعرفوا فتلك مصيبة أعظم.
نفتقدك مع كل ثورة عربية ومع كل مظاهرة لبنانية تطالب بإصلاح النظام بعيدا عن الانقسام الفئوي
ألم يكن أولى بك أن تنتظر .. تنتظر ولو قليلا .. لتشهد ربيع العرب مع ثوّار يخطون بدمائهم وأصواتهم لحظات تاريخية كاسرين حواجز الخوف .. ومحطمين أصناماً ملّت منها الرّيح وتكنسها مكانس التغيير.
الربيع أتٍ من المحيط الى الخليح .. لكن من دونك وبغيابك .. وفي هذا حزن كبير ، يقلّله أنك المساهم الأول في هذه الثورات وزارع الغرسة الأولى في هذا البستان ، وسيذكر التاريخ يوماً شابّاُ مفكّراً من بلادي هو سمير قصير حلم بوطن حرّ وبربيع عربي ووضعت أصابعه مع أمثاله أسسه ..
jamilehussein@hotmail.com