الثلاثاء، 31 يناير 2012

أبو سمير وبغل جمال

قصة قصيرة



أبو سمير وبغل جمال 
عفيف دياب
  يفتخر أبو سمير من البقاع الغربي بأن "جبهة المقاومة الوطنية " كلفته مهمة شراء "بغل" سنة 1985 ... دون أن يعرف الأسباب الموجبة لهذه المهمة :"اعتقدت أن الجبهة تريد استخدام البغل في نقل الأسلحة والذخائر إلى المناطق الجنوبية المحتلة، لأن هناك مجموعات من رفاقنا كانت تعمل خلف خطوط العدو بشكل سري... "
  أمضى أبو سمير أكثر من 15 يوماً ، وهو يبحث عن "البغل" المطلوب على وجه السرعة، سيما وأن قيادة جبهة المقاومة طلبت منه الإسراع في تنفيذ مهمته :"تنقلت في كل قرى البقاع الغربي، من لبايا إلى سحمر ويحمر ومجدل بلهيص وكفرمشكي .. وصولاً إلى سوقي ضهر الأحمر والمرج :"تعبت كثيراً وأنا أبحث عن بغل بصفات مميزة وأن يكون قوياً إلى أن وجدت مطلبي في بلدة مشغرة".
وجد "أبو سمير" مطلب جبهة المقاومة في بلدة مشغرة، وأجرى كشفاً حسياً على ثلاثة بغال، وهو المزارع والفلاح والراعي الذي يعرف جيداً ماذا يريد... ولكنه لم يكن يعرف لماذا تصرّ جبهة المقاومة على شراء "بغل" بصفات محددة ومميزة.
 "عندما وجدت البغل المناسب وامتطيته في تلال مشغرة وأوديتها "لأجربه" رفض صاحبه لاحقاً أن يبيعه لأنه اعتقد أنني من المهربين،  وأريد أن أستخدم البغل في التهريب... ولما حاولت إقناعه بأنني لست من المهربين ولا أشتغل في هذه المهنة السيئة، قال لي: لماذا إذاً "تجرب" البغل؟ فقلت له: أنني احتاج إليه لنقل المياه واستخدامه في الفلاحة، وأنني تعرضت لعمليات غش سابقة في شراء البغال ولا أريد أن أقع في الفخ مرة أخرى ، ولهذا السبب أجرب البغل ما إذا كان قوياً أو ضعيفاً... ".
نجح " أبو سمير" في إقناع صاحب البغل بوجهة نظره ، ولكن " لم نتفق على السعر، فقد طلب سعراً عالياً والبغل لا يستحق الثمن الذي طلبه، ولكنه عندما وجدني مصراً على شراء البغل ، استغل الأمر ورفع سعره. لم تكن البغال يومها تستأهل هذا السعر، ولأنني لا أستطيع تلبية طلبه ، عدت إلى قيادة جبهة المقاومة وأبلغتها بأن البغل جيد جداً ولكن سعره مرتفع جداً ولا يستحق الثمن الذي طلبه صاحبه... ".
أصدرت قيادة الجبهة أمراً إلى " أبو سمير" بوجوب شراء البغل بأسرع وقت ومهما كلف الثمن ، لأن الأمر ملح وضروري ولا مجال للتأخير: " لم أقتنع بقرار شراء البغل، وحاولت إقناع الرفاق بأن سعره مرتفع جداً، وعلينا أن نبحث عن بغل آخر... ولكنهم رفضوا وأصرّوا على الشراء ".
نقد أبو سمير ستة آلاف ليرة لبنانية لصاحب " البغل " وهو غير مقتنع بالسعر ... وأيقن أن أمراً ما تحضر له جبهة المقاومة، وإلا ما معنى الإصرار على الشراء بأسرع وقت..." ؟
امتطى أبو سمير " البغل " من مشغرة إلى مجدل بلهيص. وبعد لحظات، وصل شاب لا يعرفه ."طلب مني أن أدربه على ركوب البغل والعدو به في الحقول وبين الصخور... وبعد أربعة أيام ، جاء الشباب من الجبهة ونقلوا البغل في سيارة بيك أب ..."قال ابو سمير.
 بعد أقل من أسبوع ، سمع أبو سمير بنبأ اقتحام "جمال ساطي" على بغل مفخخ مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في ثكنة "زغلة" في حاصبيا : " سمعت الخبر على إذاعة صوت الجبل ... وبيان جبهة المقاومة واستشهاد الرفيق جمال ... وبس شفت صورتو تاني يوم بالجريدي فرحت لأنو كان إلي دور بالعملية ... وعرفت ليش الجبهة كان بدا تشتري بغل بسرعة ... الله يرحمك يا جمال شو كان شب مهذب وقبضاي.
نجح الشهيد جمال ساطي ( أحمد ) المولود في بلدة كامد اللوز في البقاع الغربي سنة 1962، في إدخال " بغله " المفخخ بـ400 كلغ TNT إلى مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في ثكنة زغلة وتفجير المقر على من فيه... فهو من خطط لعمليته واقترح الفكرة على قيادة جبهة المقاومة التي لم تقتنع بدايةً وحاولت جاهدة إقناع جمال بالعدول عن " عمليته " واقتراح مهمة أخرى غير استشهادية. ويقول " أبو أحمد " الذي تابع كل تفاصيل عملية " جمال ساطي " أنه سعى أيضاً لإقناع الشهيد جمال بعملية أخرى ولكنه لم ينجح و"عندما وجدنا الإصرار والإلحاح من قبل الرفيق جمال...قررنا المباشرة بالتخطيط واستطلاع مقر الحاكم العسكري والوقت الأنسب لعملية اقتحام... سيما وأن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت أقفلت معبر زمريا واستبدلته بمعبر ميمس ـ زغلة للمشاة . وهذا الأمر كان محط اهتمامنا ومتابعتنا ، لأننا لا نريد أن يحصل أمر ما يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين ، داخل مقر الحاكم العسكري أو خارجه، وكنا نعلم أن قوات الاحتلال تعتقل في ثكنة زغلة بعض الشباب من العرقوب وحاصبيا..." .
تابع الشهيد جمال ساطي و"أبو أحمد" التفاصيل الدقيقة لمسار العملية وزمانها:" كان جمال يقوم باستطلاع مقر الحاكم العسكري بنفسه ونحن معه... وكنا ننتظر الوقت المناسب، تأخرنا بعض الوقت في تنفيذ المهمة... حيث كان بداخل سجن مقر الحاكم العسكري مجموعة من المعتقلين ... وقررنا ألا يقتحم جمال المقر إلا بعد خروج كل المعتقلين منه... ولكن هذا الأمر لم يحصل، فقرر جمال اقتحام المقر من أحد مداخله التي تقع بالقرب من مكتب الحاكم العسكري وكبار الضباط ... وأن يلبس جمال زي رجل دين محلياً من حاصبيا... وكلفنا أحد الرفاق في منطقة حاصبيا بأن يلبس نفس الزي ويتجول ممتطياً بغلاً بالقرب من مقر زغلة لأيام عدة وبشكل يومي حتى لا تثار شبهات عندما يحين موعد اقتحام جمال ساطي للمقر العسكري...".
" نجحت الخطة ... واستطاع رفيقنا من المنطقة المحتلة يومذاك الوصول على بغله إلى مدخل مقر زغلة أكثر من مرّة دون أن يثير الشبهات بحجة أنه بائع متجول ويريد أن يعرض بضاعته على جنود الاحتلال ، واستطاع جمال أيضاً أن يجول ممتطياً بغله أكثر من مرة بالقرب من المقر الذي استطلعه جيداً وأصبح يعرف أدق التفاصيل وساعة الاقتحام وشكله.
أبلغت قيادة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بكل التفاصيل والمعلومات ، وأن الاستعدادات لتنفيذ "العملية" أصبحت منجزة ولم يعد " ينقص" سوى تحديد "ساعة الصفر". أبلغت قيادة الجبهة القيادة الميدانية لها بوجوب أن تحدد هي الوقت المناسب... وهذا ما جرى في الساعة الواحدة ظهر يوم الثلثاء من شهر آب سنة 1985 يوم هزّ جمال ساطي مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في زغلة ـ حاصبيا.
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
          

الجمعة، 27 يناير 2012

إجازة جامعيّة من خلف القضبان




 هادي الموسوي: إجازة جامعيّة من خلف القضبان

 

عفيف دياب
لم تمنع قضبان السجن الفولاذية هادي من إكمال تحصيله العلمي. أنهى دراسته الجامعية في عتمة الزنزانة، كي يخرج عند انتهاء محكوميته حاملاً شهادة ليسانس في التاريخ. فرحة التخرّج لن يعادلها سوى لحظة الخروج إلى الحرية..
****
حقق هادي علي الموسوي حلمه خلف القضبان، ونال إجازته الجامعية بعد تعب وسهر وحرية مسجونة. حرية لم يكن هو من قرر أسرها، بل «ساعة تخلّ» كانت السبب في سجنه وإدانته بحكم قضائي بجريمة قتل قبل سنوات سبع. جريمة لا يعرف هادي كيف وقعت في قريته النبي شيت ولماذا؟ لكنه أيقن أن القانون فوق كل اعتبار، وها هو ينفذ عقوبته، منتظراً بفارغ الصبر انتهاء مدة محكوميته ليعود الى الحياة الطبيعية.
رفض هادي في قرارة نفسه أن ينهي محكوميته ويخرج الى الحرية من دون أن يكون معه ما يساعده على مواجهة الحياة ومتطلباتها. صمم على متابعة دروسه الجامعية، وهو الذي كان طالباً في السنة الثالثة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية ـــــ الفرع الرابع (زحلة) قبل وقوع الجريمة (رفض الإفصاح عن تاريخ وقوعها لحسابات خاصة) التي أدين بارتكابها وحكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات و6 أشهر.
يقول هادي لـ«الاخبار» إنه قبل وقوع الجريمة، كان أيضاً طالباً في كلية الحقوق ويتابع في الوقت نفسه دراسة التاريخ في كلية الآداب. «كنت في السنة الدراسية الرابعة في كلية الحقوق، واتهمت خلالها بجريمة القتل العرضي، ما حرمني من متابعة الدراسة، إذ لم أستطع التقدم للامتحان النهائي». ويضيف «بعدما صدر الحكم القضائي بحقي، تقدمت بطلب الى إدارة السجن لتسمح لي بمتابعة دروسي في اختصاص التاريخ في كلية الآداب».
وافقت إدارة سجن زحلة، بعد مراجعة الجهات المعنية، على طلب هادي بمتابعة دروسه الجامعية من داخل السجن. وأوضح مصدر أمني لـ«الأخبار» أن إدارة السجن توصلت الى تفاهم مع إدارة كلية الآداب في زحلة، التي وافقت على السماح لأهل السجين بتسليمه الكتب الدراسية والمحاضرات داخل السجن. ويضيف إن إدارة السجن «شجعت هادي على متابعة دروسه ووفرت له كل متطلبات تحقيق هدفه، كما أنه لم يقصّر في تنظيم مكتبة السجن ومساعدة السجناء في القراءة والكتابة وتوفير الكتب لهم». ويتابع المصدر إن «خطوة هادي الموسوي شجعت السجناء على القراءة، وبدأ التنافس في ما بينهم على من يقرأ كتباً ويناقش مضمونها»، مشيراً الى أن السجين هادي «شخص جدير بالثقة، ساعد في حل الكثير من الإشكالات، ووفّر مساعدات مهمة للسجناء من خلال مواظبته على الالتزام بالقوانين المرعية».
في نهاية العام الجامعي 2010 ـــ 2011 خضع هادي الموسوي للامتحان النهائي (الدورة الثانية) داخل سجن زحلة. تولت لجنة مراقبة ومتابعة من كلية الآداب ــــ قسم التاريخ الإشراف على خضوعه للامتحان من داخل سجنه، تحت مراقبة موظف من الكلية وآخر من إدارة السجن. وأوضح مدير كلية الآداب في زحلة الدكتور نديم مراد لـ«الأخبار» أن كليته فرزت موظفاً تولى مهمة زيارة هادي في السجن وتسليمه، وفق القوانين المرعية الإجراء، مغلفات أسئلة الامتحان النهائي. وأشار الى «أنها الحالة الأولى التي تحصل معنا في الكلية، لذا وفرنا كل متطلبات إنجاح المشروع لأهميته، بالتعاون مع إدارة السجن»، مؤكداً أن خضوع سجين لامتحان في شهادة جامعية «كان خطوة مميزة، ولذا نشجع كل سجين على متابعة تحصيله العلمي، ولا سيما أن قوى الأمن الداخلي وجدت في نجاح هادي فرصة سانحة تؤهل السجين لاحقاً للخروج بعد انتهاء محكوميته، وأن يكون أكثر قدرة على مواجهة صعوبات الحياة وألا يتحول الى عبء على أهله ومجتمعه».
في 17 الشهر الماضي، تسلم هادي علي الموسوي إفادة النجاح من كلية الآداب ـــ قسم التاريخ (رقم ملفه الجامعي 19655 ورقم الامتحان 3141) وهو في السجن. عن ذلك يقول: «كانت فرحتي كبيرة، وخصوصاً حين أقام لي رفاقي هنا حفلة صغيرة». ويضيف: «لقد نجحت وحققت حلمي وحصلت بتعبي ومثابرتي على الإجازة التعليمية في قسم التاريخ». ويتابع «حين أخرج بعد أن أنهي مدة الحكم سأتابع تحصيلي العلمي في الحقوق، وأتمنى أن تساعدني الظروف على تحقيق هذا الحلم أيضاً». وتابع «كل ما أخاف منه حين أخرج هو أن لا أجد عملاً أو وظيفة. فهناك مشكلة ستواجهني، إذ لن يقبل أحد بتوظيفي لأنني كنت مسجوناً ومحكوماً بتهمة قتل عرضي»، آملاً أن تجد الدولة حلاً لحالات كهذه، و«بالتالي تكون قد أهّلتنا فعلاً لا قولاً لنكون قدوة في مجتمعاتنا».
وأعرب عن سروره الكبير حين «زارني آمر السجن مع كبار مساعديه ومع ضباط قيادة منطقة البقاع الإقليمية وقدموا لي التهنئة باسم قائد منطقة البقاع، وهذا ما أعطى دفعاً معنوياً لبقية السجناء، إذ تحمّس بعضهم لمتابعة تحصيلهم العلمي».
هادي الموسوي الذي لم يقف السجن حائلاً دون متابعته لدراسته الجامعية، أسهم في بناء مكتبة السجن، بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي وعدد من الجمعيات المهتمة. وقال لـ«الأخبار» إن إصراره على متابعة دروسه الجامعية «لم يمنعني من تطوير مكتبة السجن ومساعدة السجناء معي على تطوير قدراتهم في القراءة والكتابة».
وتابع إن آمر السجن في زحلة وجميع الضباط والمساعدين والعسكريين «شجعوني على تحصيل علمي، وسهلوا لي كل ما احتاج إليه لتطوير وعي السجناء في التثقيف الذاتي»، مشيراً الى أنه لدى إنهائه محكوميته «سأعمل على إرسال طلب الى رئيس محاكم الاستئناف في بيروت لتعييني مرشداً اجتماعياً في السجون، وإذا لم أجد وظيفة فسأصبح عاطلاً من العمل، لذا يجب أن أستعد لمواجهة التحديات منذ الآن».

تعددت الأسباب التي أفضت الى جريمة القتل المتهم بها هادي علي الموسوي المحكوم بالسجن 7 سنوات ونصف. فعلى أثر الجريمة المتهم بها، تنوعت التحقيقات الأمنية والقضائية، وتوصلت الى خلاصة وضعت أمام القضاء المختص الذي أصدر حكمه بـ«انتفاء السببية بين الجرم والنتيجة، وقررنا بالإجماع اعتبار الجرم قتلاً عرضياً، وتجريمه بالمادة 184/547».

الأربعاء، 25 يناير 2012

اوتار البعيد




                        عزف اوتار البعيد 

هائمة على شفاه الشوق أناديكَ وأهمس
في المسافة الفاصلة بيننا..
قبلة تنتظر غيماً يهدهدها على ناي اللقاء
فيدندننا القمر
في المسافة الفاصلة بيننا..
روح تنتظر أنفاسكَ
وخمر ينتظر شفاهكَ
في المسافة الفاصلة بيننا..
حمائم تعشق عزف أوتار البعيد
ونورٌ يختبئ في طيّات جمركَ
في المسافة الفاصلة بيننا..
اتأملكَ على شرفة الشوق
وأتحرّش أنفاسكَ ولهفة نبضي إليك
أشاكس غيم الشوق فيهطلني على ملامحكَ
في المسافة الفاصلة بيننا..
يحتضر الياسمين على شرفات الإنتظار
وكقوس قزح تتلوّن ملامحكَ على أيامي
أيّ سماءٍ تتسع لكل هذا المدى!!
في المسافة الفاصلة بيننا..
أصرخ: ما أجمل الإسراء من شفاهكَ إلى شفاهي
في المسافة الفاصلة بيننا..
منفي هو الوقت بدونكَ والقلب غريب في الجسد
في المسافة الفاصلة بيننا..
أنام على كتف الغياب
وأحملُ مسبحة نبضي
وأسبّح بإسمكَ وعيناي قناديل بكاء
تخشع لطيفكَ
في المسافة الفاصلة بيننا..
ذكرى شفاهكَ شفيعي وإمامي و صلاتي
يا لسحرها و جلالها
تؤمّكَ أنفاسي خمس سكرات في اليوم
يا لأركان عشقكَ ما أطهرها

  •  ******                                                                               (يسرى)
     

"الكتابة على ضوء بندقيّة ـ 2

  


                                                       هجرة الرّعد


نظرت إليه وهو يلقي محاضرته على طلبته والحضور يصغي إليه بشغف بينما كانت الصّحافة بعدساتها تلتهمه... لم أستطع مقاومة فضولي و لا عتابي و لا...
غزلي بعباراته أحرجني فكنت أبادلها الابتسام و انعقاد حاجبيه لسؤال مبهم من الجالسين على يمنتي و يسرتي كان يضايقني فأبادلهم الاتّهام. فأقول له: تابع فأنت منتصر بحول اللّه. فينتصر و يقنع و يقول على لسان شكسبير: "أعذب الشّعر أكذبه" يعني و بالتٍالي يمكننا القول بأنّ أعذب الشّعر أصدقه، أو بالأحرى أصدق الشّعر أكذبه. فكيف ذلك؟؟؟!!!!!!!!
اكذب عليّ وعلّمني الصّدق في الكذب
فقلبي إذا دقّ يركع لصلاته العرب
و جنّي إذا ماج يغتصب الكِبْرِ في الحبّ
و فكري إذا ضاج يُسْكِر الكرم في العنب
أخذ الألوان جميعها من سلّة الكتب و راح يرسمني بأفكاره عن علاقة السّلطة بالدّين وعن علاقة اللّغة بالحضارة و الخيال بالإثارة...
فرأيتني عارية الوصف بل مغتربة في اللّحظ.. هل هاجرت إلى كتب لألبسها و نسيت في القرى ثوبي؟؟؟؟!!!!!!!!
فحكايات "ألف ليلة وليلة" تاريخها غارق في القدم. و أنا التّائهة في زمني أندهش لخيال "مائة عام من الوحدة"؟؟؟ فكم من من حكاية يرويها أجدادنا نراها في "علبة الضخّ"؟؟؟ و كم من جريمة كتبناها في صفحة حوادثنا نقلت من تاريخ إعدامنا بالحرق و الشّنق.. و كم من حبّ عشقناه أصبحنا نتباهى به وننقله في مذكّراتنا..!!!! و كم من سنبلة قمح نشأت هنا و سافرت إلى بطونهم. و كم و كم و كم!!!!!!!!
يال قمّة جهلي!!!!!!!!!!!!
فهل تكلّمت حيواناتهم الرّوائيّة قبل ابن المقفّع وهل نامت أميراتهم في قصور غير التّي صنعت في عتمة ليالينا؟؟؟ لقد ألفت صحارينا قصائدنا ونام "الحكواتي" في مقاهينا...
فهل صدّرنا لهم الجن ليصطادوه و ليستجيب لخيالهم فيستعمرون القمر فيعمّرون فيه. فنجني نحن دقّات ساعات نومنا بعد أن نبّهناهم لآلة قيس الزّمن و بعد فرارحكايات ذاب زمنها في الحروب... وهل تعبنا من الحلم و من الجبر و من التّساؤل..؟؟؟؟ أين النّجوم التّي كانت ترقبنا؟؟؟ هل ذابت في فضائهم؟؟ أين رنّات عود زرياب و آهات الموشّحات؟؟؟ هل ذاب تاريخ المنى في أمنياتهم؟؟
قالوا عن الأدب أنّه للتّأديب. فالعقل إذا هوى ضاعت متاهاته. و عقلنا نزح إلى كتاباتهم... إذا فتبعيّتنا أصبحت اتّباعيّة.
ف"الأدب الاتّباعيّ أدب العقل بلا منازع. - العقل دليل الأديب الذي يعصمه من الزلل.-وهو أداة ثمينة في تمييز الجيد من الرديء في الأدب. - وهو سلاح الأديب في سعيه لخلق أدب إنسانيّ خالد شبيه بالأدب القديم. -وهو ملكة مشترآة بين البشر يختلفون ، انفعالاً، عاطفة، خيالاً". ابتسمت لقوله وفجأة،قال لي: "أين ذهبت؟.. هل سرحت؟؟؟"
فأجبته بغمزة من شهدي : أنا هنا، أنا معك ها هنا أناضل ضدّ هجرة الرّعد...
                                                                                                                رحاب السّوسي

                                                                                                                     (تونس)

من المجلس الوطني السوري الى الشعب اللبناني

رسالة مفتوحة من المجلس الوطني السوري إلى الشعب اللبناني الشقيق

أيّها الأشقّاء اللبنانيّون:
مع دخول ثورتنا، ثورة الشعب السوري، شهرها الحادي عشر، ومع التضحيات التي يقدّمها شعبنا من أجل الحريّة والكرامة والتغيير الديموقراطي، وفي غمرة نضالنا لإسقاط نظام بشّار الأسد وعصابته، وهو هدفٌ يقترب من التحقّق، فإنّ مجلسنا يقدّر عالياً وقوف الشعب اللبنانيّ بجانب شقيقه الشعب السوريّ، ودعمه السياسيّ والإنسانيّ والأخلاقيّ للثورة السوريّة.
ويرى المجلس الوطنيّ السوريّ أنّ بين الشعبين السوريّ واللبنانيّ قضيّة مشتركة، ذلك أنّ الديموقراطيّة لسوريّة خيرُ دعم لاستقلال لبنان، وهي فرصةٌ لطيّ صفحات سود في تاريخ العلاقات السوريّة - اللبنانيّة، مردّ سوادها إلى النظام الديكتاتوريّ في سوريّة، والذي مارس أبشع صور الوصاية والنفوذ والتدخّل.
ويؤكّد مجلسنا أنّ المنعطف الذي ترسمه الثورة السوريّة بين زمنَين: زمن الديكتاتوريّة والطغيان من جهة، وزمن الحريّة والديمقراطيّة من جهة ثانية، يفتح الأفق واسعاً أمام مستقبل مشترك لشعبينا ويؤسّس للتعاون الوثيق بينهما.
أيّها الأشقّاء اللبنانيّون:
إنّ المجلس الوطنيّ السوريّ، إذ يسعى إلى مستقبل مضيء بين سوريّة الحرة الديمقراطية ولبنان، يؤكد على المبادئ الآتية:
1. إنّ سوريّة الحرّة المستقلّة والديمقراطيّة تعترف بلبنان وطناً سيّداً مستقلاً.
2. وهي تريد للعلاقات السوريّة – اللبنانيّة أن تكون بين دولتين مستقلّتين سيّدتين متساويتين، وشعبين شقيقين يقوم بينهما تاريخ مشترك وحاضر مشترك ومستقبل مشترك.
3. وهي تتطلّع إلى أن تبني مع لبنان المستقلّ والديموقراطيّ مشاريع مشتركة بين الدولتين والشعبين في شتّى المجالات لا يتدخّل فيها جانب في شؤون الجانب الآخر، وتؤدّي الدولتان في إطارها دوراً تكاملياً في الإطار العربيّ من أجل قيام نظام عربيّ جديد يستلهمُ مفهوماً متجدداُ للعروبة بوصفها رابطة ثقافية وحضارية واقتصادية وانسانية. ويتعاون البلدان من أجل عقد عربي جديد يستلهم "إعلان الرياض" للعام 2007 ويؤسّس لترسيخ قيم التعددية والتسامح في العالم العربي.
4. وبعتبر البلدان التعددية الدينية والعرقية ميزة فريدة يتشارك فيها لبنان وسورية ويتعهدان الدفاع عن هذه الخصوصية التاريخية التي يعتبرانها مصدر غنى على المستويين الثقافي والانساني.
5. وهي تتطلع، انسجاماً مع المبادئ الآنفة، واحتراماً منها لميثاقكم الوطني المتجسّد في اتفاق الطائف، إلى عمل مشترك مع لبنان المستقلّ والديموقراطي من أجل معالجة فوريّة مباشرة للملفّات الملحّة الآتية:
أ‌. إعادة النظر في الاتفاقيّات الموقّعة بين البلدين في سبيل التوصّل إلى اتفاقيّات جديدة تراعي مصالح كلّ من البلدين من ناحية والمصالح المشتركة بينهما من ناحية ثانية.
ب‌. تركيز العلاقات بين البلدين والدولتين في إطار التمثيل الديبلوماسيّ الصحيح على مستوى سفارتين.
ت‌. إلغاء المجلس الأعلى اللبناني – السوريّ.
ث‌. ترسيم الحدود السوريّة – اللبنانيّة لا سيّما في منطقة مزارع شبعا.
ج‌. ضبط الحدود المشتركة بين البلدين.
ح‌. انهاء الدور الأمني – المخابراتي، سواء التدخّل في الشؤون اللبنانيّة، أو التهريب السلاح لجعل لبنان ساحةً تتنافى ومبادئ الكيان والدولة والقانون.
خ‌. تشكيل لجنة تحقيق سوريّة لبنانيّة مشتركة لمعالجة ملفّ المعتقلين والمفقودين اللبنانيين في سجون النظام.
أيّها الأشقّاء اللبنانيّون،
أمام السوريين بعد انتصار ثورتهم، وأمام اللبنانيين بعدَ حريّة سوريّة وديموقراطيّتها، كفاحٌ مديد من أجل نقل البلدين إلى عصر جديد، عصر الدولة المدنيّة، عصر الحداثة والتقدّم، عصر بناء المصالح المشتركة.
إن المجلس الوطنيّ السوريّ إذ يتقدّم بالمبادئ التي يرى أنّها يجب أن تحكم العلاقات بين سوريّة ولبنان، فإنّه في واقع الأمر ينطلقُ من مصلحة سوريّة في أن تقوم بينها وبين لبنان علاقات أخوّة وحسن جوار وعمل مشترك ومصالح بيّنة، ومن مصلحة سوريّة – لبنانيّة في أن ينهض نظام عربيّ جديد مؤسَّس على المصالح بين دول سيّدة ومتكافئة.
والمجلس الوطنيّ يختار هذا التوقيت للتقدّم بهذه المبادئ، على مشارف لحظة تاريخيّة لكل من سوريّة ولبنان، مشارف سقوط نظام الأسد الذي يمثّل العقبة الدائمة في طريق بناء العلاقات الصحيحة بين الدولتين والشعبين.
وإنّ ما نعلنُه اليوم ليس فقط فعلُ إيمان بتلك العلاقات، بل هو أيضاً فعلُ اعتراف بأنّ الدولتين المستقلّتين تستطيعان العمل معاً والتعاون معاً والإنجاز معاً. دولتان تساعد كلٌّ منهما الآخرى ولا تشكّل أيٌّ منهما عبئاً على الثانية.
أيّها الأشقّاء
ها هي الثورة السوريّة تخاطبكم من القلب إلى القلب ومن العقل إلى العقل.
ها نحنُ اليوم نعمل معاً.. من أجل مستقبل مشرق يحقق الأمن والسلام والاستقرار للمنطقة وشعوبها.
المجدُ للشهداء من أجل استقلال لبنان،
والمجدُ لشهداء الثورة السوريّة الذين يكتبون بدمائهم مستقبل سوريّة ولبنان والمنطقة.

                                                                                  المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري
                                                         info@snc-syria.net

الربيع العربي ليس مؤامرة *



 جورج قرم: الربيع العربي ليس مؤامرة


يعالج جورج قرم في دراساته وكتبه مسائل عدّة تهم الباحث الساعي إلى فهم العالم العربي والغربي وإشكالياتهما. الجيوسياسية حاضرة بشكل واضح في أعماله ويربطها بالفلسفة لتفسير جزء مهم من العلاقات الدولية
أنطوان فليفل
■ الجيوسياسة حاضرة في أغلبية دراساتك، هل يمكنك تحديدها لنا؟
الجيوسياسة كلمة مركبة تعني مقاربة لأوضاع نزاعية الطابع في غالب الأحيان، لها علاقة بالموقع الجغرافي لدولة ما وبجوهر كيانها السياسي، فنجمع هنا بين مقاربة جغرافية نزاعية وبين مقاربة سياسية.
■ ماذا يمكن أن تضيف هذه المقاربة إلى فهم العالم العربي وإشكالياته؟
أنا رأيت أنّ مصير المجتمعات العربية هو في نهاية الأمر مرتبط بالوضع الجغرافي للمنطقة العربية، بالإضافة إلى كل من إيران وتركيا، إذا اعتمدنا مفهوم الشرق الأوسط. فللمنطقة ثلاث ميزات تستجلب التدخل الخارجي. فهي منبع الديانات التوحيدية الثلاث التي انتشرت عالمياً، وهي موقع جغرافي استراتيجي. وأخيراً هناك وجود النفط الذي جلب أطماع الدول الاستعمارية الكبرى والغنية. هذه الميزات الثلاث لا تزال موجودة، وتضاف إليها مشكلة أخرى عند العرب: فهم على خلاف الأتراك والعثمانيين، بعد أفول الخلافة العباسية، خرجوا من التاريخ السياسي للعالم، وأصبح الفرس والأتراك هم أسياد المنطقة. فعندما انهارت السلطنة العثمانية، وجدت المجتمعات العربية نفسها يتيمة، هي التي تعودت العيش في ظل الخلافة الإسلامية. وكانت تنقص هذه المجتمعات أيّة خبرة لإدارة نفسها بنفسها. هذا بالإضافة إلى تمزّق المجتمعات العربية بين الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي، وزرع الكيان الصهيوني في وسط المنطقة العربية فصلاً بين المشرق والمغرب العربي. وبعد المرحلة الناصرية التي جمعت العرب في مرحلة ما، تشتت العرب وتشرذموا، وأصبحت كل دولة عربية تتحالف مع جهة خارجية بدلاً من أن تتحالف الأنظمة العربية في ما بينها. لذلك سميت المنطقة العربية في شكل خاص منطقة فراغ القوة الذي جذب حينها الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، ثم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، برزت إيران كقوة إقليمية مهمة ومعادية للولايات المتحدة، فاستمر الانقسام بين الأنظمة العربية. والآن نشهد صعود القوى التركية، ومن غير الواضح إن كان هذا الصعود بالاتفاق مع الولايات المتحدة لتتصرف تركيا كوكيل للمصالح الأميركية، أو إذا كانت هي حركة ذاتية للمجتمع التركي.
■ هل من رابط ما للفلسفة أو للمنهجية الفلسفية بالجيوسياسة؟
الرابط مباشر وأساسي، إنما لسوء الحظ، معظم الاختصاصيين بأمور السياسة الدولية والعلاقات الدولية قليلاً ما يعطون لعامل الإدراك الفلسفي للعالم، في صياغة سياسات الدول الكبرى، الأهمية التي يستحقها. ففي معظم الأحيان، تأتي عمليات الاستيطان والاستعمار لتختبئ وراء أهداف نبيلة فلسفية الطابع. فعندما غزا الأوروبيون العالم كان باسم تنوير الشعوب دينياً لكي تتعرف إلى المسيحية. وفي القرن التاسع عشر، كان الغزو باسم الحضارة ليساعدوا شعوباً متأخرة حضارياً. وساهم أيضاً الفكر الفلسفي الماركسي في تأييد هذا النوع من الحجج الفلسفية الطابع، لأنّ كارل ماركس كان يرى ضرورة أن تنفتح الدول «المتخلفة» للرأسمالية الحديثة، لكي تتسرع عملية التحوّل من النظام الرأسمالي البورجوازي إلى نظام اشتراكي بروليتاري. لدينا منبعان فلسفيان: فلسفة هيغل وفلسفة كارل ماركس. فقد تشابكا ليبررا كل الحملات الاستعمارية، ومن ثمّ لدينا في الفترة الأخيرة، المحافظون الجدد الأميركيون، مثل ريغان وبوش، الذي باسم الديموقراطية، غزا العراق. يجب تفكيك الحجج الفلسفية التي يحملها أي غاز أو أية دولة تقوم بشن الحروب، فذلك يتطلب باستمرار نوعاً من الشرعية الفلسفية أو الدينية.
■ ما هي المكوّنات الأساسية لفكرك؟
أنا أردت أن أعالج شيئين متكاملين. أولاً شعرت منذ دراستي في باريس بالادعاء الأوروبي في امتلاكهم الحكمة والفلسفة والانسانوية، على خلاف الشعوب الأخرى. فصدمت بنوع من النرجسية عند الدول الأوروبية، وهذا مسار طويل أدى في نهاية الأمر إلى وضعي كتاب «تاريخ أوروبا وأسطورة الغرب». ثانياً، كلما تعمقت بالثقافة العربية المعاصرة تبيّن لي مدى ارتباطها بشكل تابع إلى الفكر الغربي، وعدم اطلاعنا على الفكر الصيني والفكر الهندي وفكر الحضارات والمدنيات الأخرى. نحن أصبحنا في نوع من اللقاء وجهاً لوجه مع الغرب الأوروبي والأميركي. لقاء يضعنا في نوع من السجن، غوانتنامو فكري، لأنّ فكرة الاستقلال الفلسفي ضعيفة للغاية عندنا، وقد دعا إليها صديقنا ناصيف نصار. فشعرت بأنّ حتى الحركات الاسلامية الأكثر تشدداً هي في نهاية الأمر نتاج علاقة مرضية مع الفلسفة الغربية والنظرة الغربية إلى العالم. وبالفعل، ماذا نرى عند النخبة العربية المثقفة؟ إما انبطاحاً شاملاً أمام النظام الإدراكي الغربي للعالم، أو نوعاً من الرفض الهستيري له. وذلك في طبيعة الحال تبعية للمنظومة الفكرية الغربية. فأصبحت أدعو إلى الخروج من هذه التبعية، لتأسيس نظام إدراكي معرفي عربي، أي نظام يأخذ بالحساب حقيقة تاريخنا، ويبني هذه المنظومة المعرفية على ذلك. مثلاً، أهم سؤال لم يبحث به أحد هو: لماذا خرج العرب من الحكم؟ما دمنا لا توجد عندنا إجابة عن هذا السؤال، لا يمكننا بناء مستقبل أفضل. كيف انتهت الفتوحات العربية التي أسست للحضارة الإسلامية إلى العرب بالخروج من التاريخ. بالإضافة إلى ذلك طبعاً هناك التخبط بمسائل الهوية عند العرب، منذ زعزعة كيان السلطنة العثمانية في القرن الماضي، والتخبط بشكل خاص بين التمسك برابط ديني أو الدخول إلى التاريخ الوضعي. وإلى الآن المعركة دائرة بشكل كبير في الثورات العربية الأخيرة التي تتلخص في التنافس بين مفهوم الدولة المدنية العلمانية، ومفهوم دولة مرجعيتها أساساً الدين.
■ بما أنّنا تطرقنا إلى ذلك، كيف تقرأ إشكالية العلمانية والطائفية في لبنان؟
أعتقد أنّ لبنان كان له دور طليعي في القرن التاسع عشر، خاصة بعد المجازر الطائفية التي أيقظت العقل اللبناني. لكن نظام المتصرفية أسس لأول مرة في تاريخ لبنان لطائفية سياسية، ثم كرس عهد الانتداب في القانون العام وجود الطوائف كهيئة وسيطة بين المواطن وبين الدولة. وبعدها سعت وثيقة الوفاق الوطني إلى تهذيب الطائفية، وإعادة تكريسها بنحو أكثر توازناً بين الطوائف. نحن لا نزال أسرى الثقافة الطائفية، وهي ثقافة كارثية لأنّها تجعل من الإنسان العربي ينظر إلى أمور الدنيا من خلال المنظار الديني والمذهبي والطائفي، فلا يترقى إلى النظرة الوضعية. عندما بدأت الحرب الأهلية اللبنانية في 1975، كان المحور الأساسي القضية الفلسطينية، وما كان يجب أن تتحول إلى صدام بين المسلمين والمسيحيين. فلو طرحت بالشكل الصحيح، لما استدعت استنفار الشعور المذهبي، لأنّ القضية في لبنان كانت حول الوجود الفلسطيني المسلح. ويؤسفني أيضاً أنّ الجهات التي أعلنت الحرب على المنظمات الفلسطينية المسلحة هي اليوم مستعدة للتوطين، ولكل المقاربة الغربية السعودية، أو «العربية المعتدلة» للقضية الفلسطينية. وأنا اقول دائماً إنّنا في كثير من الأحيان نخسر ما نكسبه في المقاومات عندما تصبح المقاومة لها طابع ديني. فالقضية الفلسطينية ليست قضية دين، بل قضية احتلال شعب واستيطان. لو كان البوذيون أتوا واستوطنوا فلسطين، لجوبهوا بمقاومة شرسة. حتى لو أتى مسلمون أتراك أو إيرانيون واحتلوا فلسطين، أعتقد أنّ الفلسطينيين كانوا انتفضوا. جعل قضية فلسطين مجرد صراع أديان يقلل في نهاية الأمر من الإنجازات التي حققناها أخيراً في المقاومة.
ما هي آفاق الربيع العربي برأيك؟
لا شك في أنّ أحداثاً تاريخية حصلت، فيها ذاتية كبيرة. لم تثر الشعوب العربية نتيجة مؤامرة خارجية كما يحلو للبعض اعتقاده. لكن بطبيعة الحال، بسرعة كبيرة جداً دخلت الدول الغربية الكبرى في حمّى استعمارية جديدة، ولازمتها القوى المحافظة المعادية للحداثة السياسية ولحرية الإنسان التي كانت تسمى بالرجعية العربية في الماضي. كذلك دخل العنصر التركي على الخط وابرز نموذجاً إسلامياً كوجهة سير للثورات العربية. هذا طبعاً سيغرّب الثورات العربية ونرى نتائج مؤلمة سواء في ليبيا أو في سوريا أو في اليمن. ويبقى أن نرى إلى أي مدى ستذهب الثورات في مصر وفي تونس. وعلى كل حال، إنّ الثورات تأتي في حلقات، وقد انفتحت حلقة ثورية في العالم العربي. لكن من الصعب التنبؤ إلى أين ستذهب. أنا دائماً أقول إنّ الثورة الفرنسية انفجرت في 1789 وأعطت نتائجها النهائية فقط بعد قرن، أي عند تنظيم الجمهورية الثالثة، وإبعاد النظام الملكي عن فرنسا، وتثبيت المبادئ الجمهورية. فالحلقة الثورية تأخذ وقتاً طويلاً للغاية، وهي ليست ضربة سحرية تغيّر الأوضاع. وأنا أتصور أنّنا فقط في بداية مسار. وبطبيعة الحال، انزلاقنا إلى مناقشة قضايا دينية ومذهبية باستمرار هو نوع من الاشهار للثورة: فالنظر إلى ما حصل في البحرين وسوريا واليمن من منظار مذهبي هو خطأ. التحليل في غياب المنظومة الفكرية المستقلة والفلسفية هو مرض، فنحن نحلل حسب أدوات وأساليب الدعاية الغربية والأكاديميات الغربية والإعلام الغربي، ونحلل كل شيء بالمنظور المذهبي والطائفي. الولايات المتحدة بدأت قبل بضعة أشهر من غزو العراق بنشر وجهة نظر حول بلاد بين النهرين تقضي بأنّ المسألة تتعلق بأقلية سنية اضهدت أغلبية شيعية. طبعاً هذا النوع من التبسيط الذي نراه اليوم في تحديد الوضع في سوريا أيضاً هو مؤسف للغاية، وهو يؤدي إلى الهلاك وإلى الكارثة. يجب أن نخرج من التحليل المبني فقط على النظر إلى الشعوب العربية كشعوب دينية ومذهبية الطابع، لنرى حقيقة المعطيات الوضعية على الأرض: قضايا الفساد، والعدالة الاجتماعية، والاقتصاد الريعي الذي يؤبد أنظمة استبدادية. فكل مسار الديموقراطية يدل على أنّ الديموقراطية تقوم على تدمير الاقتصاد الريعي. ولسوء الحظ، إنّ الاقتصاد العربي إلى حد كبير اقتصاد ريعي.

تعريف
جورج قرم (1940) خبير اقتصادي ومالي لبناني، اختصاصي في شؤون الشرق الأوسط ودول حوض البحر الأبيض المتوسط. درس القانون الدستوري والعلوم الاقتصادية في جامعة باريس، وتخرج من معهد العلوم السياسية في باريس. شغل منصب وزير المال في حكومة سليم الحص من 1998 إلى 2000. هو أستاذ محاضر في الجامعة اليسوعية، وقد علّم سابقاً في الجامعة اللبنانية والجامعة الأميركية. له دراسات عديدة، وقد وضع عدداً كبيراً من الكتب والمقالات المتخصصة باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، منها: «شرق وغرب: الشرخ الأسطوري»؛ و«لبنان المعاصر: تاريخ ومجتمع»؛ و«المسألة الدينية في القرن الحادي والعشرين» (نال عنه جائزة «فينيكس»)؛ و«تاريخ الشرق الأوسط ــ من الأزمنة القديمة إلى اليوم».
                                                                                ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                                                          * نقلا عن جريدة الاخبار (بيروت) العدد ١٦١٧ الثلاثاء ٢٤ كانون الثاني ٢٠١٢

الجمعة، 20 يناير 2012

بيان من أجل المواطنة



بيان من أجل المواطنة

  نحن الموقعون أدناه، مواطنون سوريون، علويو المولد، اخترنا أن نعبر عن رأي مجموعة كبيرة من أبناء الطائفة العلوية حيث أجبرتنا الظروف والمسؤولية الوطنية إلى الإشارة مكرهين إلى خلفياتنا الاجتماعية. منذ بداية انتفاضة الحرية في سوريا، دعمنا كافة مطالبها مروراً باسقاط النظام بكافة رموزه وانتهاء ببناء دولة مدنية ديموقراطية تحترم جميع مواطنيها. إننا نستنكر محاولة النظام من خلال ألاعيبه الأمنية والإعلامية ربط الطائفة العلوية خصوصاً والأقليات الدينية عموماً به. بنفس السوية ندين سلوك وتصريحات أطراف معارضة تحاول إضفاء صفة طائفية على انتفاضتنا التي كانت ومازالت انتفاضة كرامة بمطالب مدنية. هذه الأطراف ليست سوى الوجه الآخر للنظام القمعي. إننا نؤكد على ما يلي:
1. وحدة الشعب السوري بكافه أطيافه الدينية والقومية، والعمل على بناء دولة حرة ديموقراطية تحفظ حقوق مواطنيها بالتساوي وهذا يتم بداية باسقاط النظام الاستبدادي الحالي.
2. نطالب الجيش السوري التوقف عن تنفيذ أوامر القتل ضد المتظاهرين السلميين.
3. نجرّم أعمال القمع الوحشية التي يقوم بها أزلام النظام (الشبيحة) أيّاً كانوا، ولأي جماعة دينية أو قومية انتموا.
4. نتبنى الدفاع عن الحقوق المدنية للمواطنين السوريين من كافة أطياف المجتمع السوري وسنبقى ندافع عنها في وجه من يتعدى عليها أيّا كان.
5. ندعو المواطنين السوريين العلويين وأبناء الأقليات الدينية والقومية المتخوفين مما سيلي انهيار النظام إلى المشاركة في إسقاط النظام القمعي والمساهمة في بناء الجمهورية السورية الجديدة، دولة القانون والمواطنة.
6. ندين أية ممارسات وتصريحات طائفية تصدر عن معارضين، ونعتبرها إساءة للشعب السوري كله ولمستقبل سوريا. وندعو قوى الثورة إلى إدانة مثل هذه الممارسات والتصريحات.
7. ندعو جميع أبناء سوريا بكافة انتماءاتهم إلى التوقيع على هذا البيان بعد صدوره.
عاشت سوريا حرة ديموقراطية.

الموقعون (بحسب الترتيب الأبجدي): هذه النسخة لا تحتوي كل التواقيع لأنها ليست محدثة

1. أمل سليمان
2. أحمد قصير
3. اسماعيل سمهر
4. إنعام محرز
5. اعتدال اسماعيل
6. إيمان الجابر
7. إياد الكردي
8. إيمان زريق
9. إيناس سعد
10. إيهاب الحسن
11. أحمد سلمان
12. الحسن دبّول
13. بتول نيوف
14. تماضر عبدالله
15. جمال صبح
16. جفان ديوب
17. جلنار أحمد
18. حسان الخطيب
19. حسام نيّوف
20. خولة دنيا
21. دنيا علوش
22. دعد مهنّا
23. رامي البيطار
24. ربا حسن
25. رشا عمران
26. رولا أسد
27. روزا ياسين حسن
28. ريتا قاسم
29. ريهام العلي
30. سامر بدّور
31. سامر رضوان
32. سمر يزبك
33. سمر الخطيب
34. سحر شعبان
35. سامر عساف
36. سمير ميهوب
37. سندس سليمان
38. سلوى الأحمد
39. سهير بسمة
40. سوزان شعبان
41. طارق حمدان
42. طلال نعمان
43. طالب العلي
44. عباب خليل
45. عدنان منصورة
46. عبدالرحيم حمور
47. علا رمضان
48. علا يوسف
49. علي ديوب
50. علي سعد
51. علي نزير علي
52. علي سليمة
53. علي ميّا
54. عمار ياسين
55. غسان سلامة
56. فادي منصور
57. فراس سعد
58. فراس سليمان
59. فراس صبيرة
60. فؤاد حمدان
61. كرم الصالح
62. كنان يوسف
63. كنان فرحات
64. لمى حمّاد
65. لويز عبد الكريم علي
66. ليلاس حمود
67. لينا عمران
68. مالك خيربك
107 .ماهر إسبر
69. محمد حسن
70. محمد صبّور
71. محمد عدنان محمد
72. محمود حمدان
73. محمود ديب
74. مها جديد
75. مها محمود
76. معتز محمود
77. معد حسن
78. منيف ملحم
79. مناف سلّوم
80. مهند ناصيف
81. ميادة الخليل
82. مي رستم
83. نضال سلوم
84. نسيم ملحم
85. نجيب محمود
86. نبيل معروف
87. نبيل ابراهيم
88. نسرين ديب
89. نسيم عمران
90. نمير بيطار
91. نضال جديد
92. نهاد خيربك
93. نهى معروف
94. نعمان حميّد
95. نعمى أيوب
96. نوار قاسم
97. نينار حسن
98. هلا جديد
99. همام الأسعد
100. وسيم حسن
101. وسيم فاضل
102. يامن حسين
103. يمان سلامة
104. يسار سليمان
105. يزن معلّا
106. يارا عثمان

الخميس، 19 يناير 2012

معمل البصل






معمل البصل و«مقر النبي يوسف» وسجن عنجر... 
تعددت التسميات والمكان واحد: مركز الاستخبارات السورية السابق في البقاع اللبناني

 عفيف دياب
ــــــــــــــــــــــــــــــ 


هنا,,, معمل البصل!
هنا,,, مقر «النبي يوسف»!
هنا,,, سجن عنجر! اسماء ثلاثة اشتهر بها معتقل جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية التي كانت في لبنان حتى 26 ابريل (2005).
في بداية الحرب اللبنانية تحول «معمل البصل» غرب بلدة عنجر خراباً بعدما هجرته الايدي العاملة في تجفيف البصل الاخضر الذي كان يزرع في سهل البقاع, هذا السهل المفتوح على كل الجراح والالام، من الحرمان والمعاناة الى كساد المواسم الزراعية.
عرف سهل البقاع معملين فقط لتجفيف البصل، الاول غرب عنجر لم يعد احد يتذكر من صاحبه, والثاني في منطقة الفيضة شرق مدينة زحلة، وكان يديره النائب الياس الهراوي قبل ان يصبح رئيساً للجمهورية مع نهاية الحرب اواخر 1989.
تحول معمل تجفيف البصل سجناً كبيراً مع بداية الدخول السوري الى سهل البقاع في السادس من يونيو العام 1976. وحولته الاستخبارات السورية، او جهاز الامن والاستطلاع لاحقاً، او الاستخبارات العسكرية قبلاً، اهم سجن لها على الاراضي اللبنانية, وتحول مع الايام مركزاً امنياً استراتيجياً لاعتقال كل من يعادي او يعترض او يرفض الوجود السوري في لبنان, وتحولت هنغارات المعمل غرف تحقيق وتعذيب وزنازين كبيرة وصغيرة افرادية ولمجموعات كبيرة، وصار اليوم موقعاً عسكرياً للجيش اللبناني يمنع الاقتراب منه.
يروي بعض من زار سجن عنجر، ان التوقيف في سورية كان عنواناً «للراحة والاستجمام» مقارنة بالتوقيف في عنجر, فالسجن كان للتحقيق وانتزاع الاعترافات، ومن ثم تمضية العقوبة في سجون «فرع فلسطين» في سورية.
لا احد يعرف بعد «سر» اعطاء اسم فلسطين على بعض السجون في سورية, ولكن الاسماء التي اطلقت على معمل البصل في عنجر معروفة المصدر و«الحسب والنسب», ولا احد يعرف كم من الاشخاص «مروا» في غرف «النبي يوسف»، ولا احد يعرف ما هو عدد الذين دخلوا ولم «يخرجوا» بعد!
«تجفيف البشر»
كان معمل تجفيف البصل في عنجر معملاً حقيقاً لـ «تجفيف البشر»، على قول ابو علي الذي كان من زوار «المعمل» بصورة دورية: «عندما تقع مشكلة في قريتي لا يجد عناصر الاستخبارات السورية غيري لتوقيفه، ربما انتمائي سابقاً الى جبهة التحرير العربية (كانت موالية لنظام صدام حسين) كان عنواناً وحيداً لتوقيفي الدائم والمتكرر».
يرفض «ابو علي» ان يتحدث عن مراحل التعذيب في معمل البصل: «يا اخي، مرحلة مضت واتمنى الا تتكرر، سورية دولة عربية وجيشها عربي الانتماء والعقيدة، وتصرفات بعض الضباط السلبية بحق الشعب اللبناني لا تعني ان سورية معادية او دولة عدوة».
رغم تكرار زيارات « ابو علي» لمعمل البصل وتلقيه «جرعات» من التعذيب والاهانات، فهو اصر على رفضه التحدث عن «اسرار» المعمل التي يعرفها: «الله يستر عليك ويخليك لاهلك، ما بدي احكي تنذكر ايام المعمل ولا تنعاد».
ربما الخوف، او المجهول، هو الذي منع هذا المواطن اللبناني الذي قاتل على محاور عدة في جنوب لبنان ضد اسرائيل، وعلى محاور الداخل اللبناني ضد سورية، من تناول «سيرة» سجن عنجر او معمل البصل او «النبي يوسف».
و«النبي يوسف» اسم اشتهر به «المعمل» في عنجر نسبة الى العقيد يوسف الذي كان يديره ويشرف عليه خلال الاعوام الماضية وحتى الخروج النهائي من لبنان, كان مجرد ذكر اسم «العقيد يوسف» امام اي موقوف سابق في عنجر يدخل الرعب الى النفوس، كما يقول سمير ع, الذي امضى ثلاثة اشهر في المعمل قبل ان ينقل الى سورية.
«شراء الحرية»
تهمة سمير لم تكن سوى «تهمة سخيفة»، ويقول: «في صيف 1990 صدمت بسيارتي جندياً سورياً على الطريق الدولية في برالياس (البقاع) ونقلته فوراً الى المستشفى للمعالجة من جروح طفيفة, وحين حضرت الاستخبارات للتحقيق تم توقيفي ونقلي الى عنجر وهناك كنت اتعرض للتعذيب المختلف, لم اكن اعرف ان صدمي جندياً سيؤدي بي الى مجهول».
المجهول الذي دخله سمير قسرا حول حياته جحيماً "لم اعد استطيع تحملها", وحوله متهماً كبيراً وخطيراً جداً على الامن القومي العربي: «اتهمت في التحقيق انني من كبار قادة البعث العراقي، وانني امول عمليات ضد الجيش السوري في لبنان», نقل سمير الى «فرع فلسطين» في سورية، خضع للتحقيق وتبين انه ليس سوى مواطن بسيط لا يقوى على شيء ولا يفهم في السياسة، امضى عشرة ايام في الفرع واعيد مجدداً الى «معمل البصل» في عنجر, لكن المعمل لم يقتنع انه بريء. «قالوا لي في التحقيق ان معلوماتهم تقول انني من جماعة عرفات, ولما فشلت التهمة ابلغوني ان الجندي الذي صدمته مات وعليّ دفع فدية لاهله, اتصلوا باسرتي واعلموها بالامر، استدان اهلي لمعمل البصل وافرج عني». يعرف سمير ان «خبرية» موت الجندي غير صحيحة, ويقول: «دفعت فدية اطلاقي من سجن عنجر، استبدلت تعذيبي بحفنة من المال.. لقد اشتريت حريتي».
احمد «المقاوم»
لم يكن احمد سوى مقاوم ضد الاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان, كانت مناطق حاصبيا ومرجعيون من مهماته, كان يتسلل مع رفاقه عبر اودية جبل الشيخ للوصول الى المنطقة المحتلة وتنفيذ عمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي.
في ربيع العام 1987 كان احمد في مهمة استطلاعية لموقع اسرائيلي في جبل الشيخ تمهيدا لمهاجمته لاحقاً, انجز مهمته على اكمل وجه، وصل الى قرية عين عطا (قضاء راشيا) التي كانت على خط التماس مع الجنوب المحتل: «كنا خلال عودتنا من المناطق المحتلة نسلك طرقاً توصلنا الى محيط بلدة عين عطا المحررة، ومن هناك تصل سيارة تابعة للمقاومة وتقوم بنقلنا الى قاعدتنا, صودف يوم عودتي من المهمة الاستطلاعية ان السيارة تأخرت عن موعدها فقررت متابعة سيري نحو راشيا، وعلى الطريق اوقفني حاجز متنقل (طيار) للمخابرات السورية، تم نقلي الى مفرزة راشيا التابعة لهم، ومن هناك الى عنجر, في عنجر خضعت للتحقيق وكانت التهمة انني اهرب الاسلحة الى سورية عبر مسالك ومعابر جبل الشيخ وحين قلت لهم من انا وما هي مهماتي والتنظيم الذي انتمي اليه وانني من رجال المقاومة، انهالوا عليّ بالتعذيب والضرب تحت عنوان انني اكذب وادعي شرفاً لا استحقه»,
ويتابع احمد قصته: «كانت الاستخبارات السورية في منطقة راشيا تعرف اننا نمر من هناك نحو المناطق المحتلة لتنفيذ عمليات ضد اسرائيل والحاجز الذي اوقفني كان منصوباً لنا عمداً وقصداً لان السيارة التي كانت ستحضر لنقلي لم تأت لان سائقها كان ينتظر نقل الحاجز ليتسنى له العبور وبمجرد توقيفي الغي الحاجز فوراً، وعرف السائق انني اصبحت في عهدة الاستخبارات السورية لانه شاهدني من بعيد خلال مراقبته».
لم تنفع اتصالات تنظيم احمد في فك اسره من عنجر, فالتهمة كبيرة وخطيرة: «علموا لحقيقة امري، وعرفوا من تحرياتهم انني لا اكذب، والحزب ابلغهم بذلك وبالدلائل، لكن المطلوب كان امراً اخر، خضوع الحزب لارادتهم في تنظيم العمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي، او على الاقل معرفتهم المسبقة بموعدها, تعرضت لتعذيب ادخلني لاحقاً المستشفى، انهم يعلمون من انا، لا ادري لماذا فعلوا بي ذلك».
زين ,,, على طول الخط
كان مقاوماً في الاردن مع التنظيمات الفلسطينية اواخر 1969. وشارك في عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي منذ 1970 في جنوب لبنان, كان من قادة «المقاومة الشعبية» في سفوح جبل الشيخ الغربية اثناء حرب اكتوبر 1973. يفتخر بانتمائه الى «القومية العربية» ويعتز بتاريخه المقاوم ضد الاحتلال وبدوره في العمل الاهلي الداعم لقضايا العرب,,, لكن اكثر ما يحز في نفسه انه تعرض للتوقيف اكثر من 6 مرات في السجون السورية، الموجودة في الاراضي اللبنانية والسورية,
رفض «زين» مراراً وتكراراً محاولات اقناعه بالتحدث عن مرحلة في حياته يعتبرها «شديدة الالم والوجع والحزن»، وبعدما اقتنع اخيراً، وقرر ان يروي «حزنه» لكل «العرب» من المحيط الى الخليج, قال: تركت مدرستي في العام 1969 والتحقت مع المقاومة الفلسطينية في الاردن، وشاركت في معظم المواجهات مع العدو الاسرائيلي هناك, ثم عدت الى لبنان وتابعت عمل الفدائي في جنوب لبنان حتى العام 1972، في حرب اكتوبر العام 1973 بقيت نحو مئة يوم في سفوح جبل الشيخ الغربية، كنت مسؤولاً مع احد الرفاق عن منع قوات العدو الاسرائيلي من انزال قوات مجوقلة في السفوح الغربية».
في العام 1976 دخل الجيش السوري الى لبنان, كان «زين» في جنوب لبنان يقاوم العدو في العرقوب, ويقول: «لم اكن يوما في حياتي معادياً لسورية ونهجها وخطها القوميين، لكن كان عندي ملاحظات على الاداء السوري في لبنان,,, الاداء الاستخباراتي فقط».
ربما ملاحظات «زين» كانت قاسية او «غير مستحبة» فاعتقل للمرة الاولى العام 1977 في سجن سوري في بيروت, لم يعرف بعد اسباب اعتقاله, لم يتعرض للتعذيب او الاهانة,, فقط مجرد اعتقال لاسابيع عدة.
خرج «زين» سليماً من الاعتقال الاول, تابع مسيرة نضاله وحمل السلاح ضد العدو في جنوب لبنان, شارك في مواجهات اجتياح العام 1978 لجنوب لبنان, لم تقف حدود نضاله «ضد العدو القومي والاخلاقي والديني» عند حدود اجتياح 1978، بل واصل مقاومته مدعوماً من سورية, وعندما جاء اجتياح لبنان من قبل اسرائيل في صيف 1982. قاوم خلال حصار بيروت الغزاة وخرج منتصراً مع الجندي السوري الذي كان في بيروت، وعاد الى منزله .
تهمة زين,,, «الخيانة»
لم يسترح «زين» من النضال، وهو القومي العربي على «طول الخط», وجد في انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية شمعة تضيء ليل «العرب», شكل لجان دعم لهذه المقاومة,,, امن لها السلاح والرجال، وفي صيف العام 1983 نأى بنفسه عن المشاركة في الاقتتال الفلسطيني ـ الفلسطيني، ويقول: «اعلنت رفضي للدور السوري في هذا الاقتتال, ورفضت ايضاً ان اكون مع طرف ضد آخر فاعتقلت من قبل الاستخبارات السورية».
الاعتقال الثاني لـ «زين» كان اليماً جداً: «اعتقلت لمدة 3 اشهر متنقلاً بين سجن عنجر وسجن فرع فلسطين في سورية, لم اتعرض للتعذيب او الاهانة على الاطلاق، ولم توجه الي اي تهمة, فقط كنت في السجن، ولا ادري لماذا؟ انا واحد منهم، اعتبر نفسي هكذا على الاقل، كانت مرحلة اليمة جداً على معنوياتي, كنت اتساءل دوماً، لماذا انا هنا»؟
خرج «زين» من «فرع فلسطين» وعاد الى قريته, واصل نشاطه المقاوم الى ان جاء العام 1992، وإذ به يعتقل «ظلماً وعدوانا»,,, «في مايو 1992 خرجت في لبنان تظاهرات ضد حكومة الرئيس عمر كرامي.الاستخبارات السورية اطلقت حملة توقيفات، وطالني التوقيف في بيروت ونقلت  الى  شتورة". خضع زين للتحقيق وتبين ان لا علاقة له في تنظيم التظاهرة و«للاسف الشديد اتهموني بأنني اتاجر بالحشيشة, ووضعوا في صندوق سيارتي كمية من المخدرات واصبحت متهماً بهذه المادة الممنوعة».
نقل «زين» الى سجن عنجر او سجن معمل البصل, بقي اكثر من اسبوع مقيد اليدين الى الخلف ومعصوب العينين: «تعرضت لابشع انواع التعذيب الجسدي والنفسي,,, تحولت الى كيس ملاكمة وكرة قدم وكرة مضرب، والى دجاجة تشوى يومياً حتى الاحتراق, كنت اتعرض للتعذيب ثلاث مرات في اليوم كوجبات الطعام، صباحا ًوظهراً ومساءً, اصبح جسدي مخدراً ومتعوداً على الضرب والركل, رفضت التوقيع على اي محضر تحقيق,,, ورفضت التهمة التي الصقوها بي ظلماً وعدواناً».
لم تنجح كل المحاولات في اقناع «زين» بالتوقيع على محضر ادانته بتجارة المخدرات, يئست الاستخبارات منه فحولته الى القضاء اللبناني، بناء على طلب شخصية لبنانية نافذة، رفض الافصاح عن اسمها, ويتابع: «نقلوني الى سجن وزارة الدفاع اللبنانية، وتم تحويلي الى المحكمة العسكرية وخضعت لجلسات تحقيق مطولة كان يجريها معي القاضي نصري لحود (شقيق الرئيس اميل لحود)، وقد قلت له انني لا اتاجر بالمخدرات، وان المقدم (,,,) من الاستخبارات السورية هو الذي وضعها في سيارتي، واطالب بأحضاره للتحقيق معه». ايقن لحود ان التهمة ضد «زين» ملفقة ومركبة فاطلق سراحه.
يرفض «زين» مواصلة الحوار والتحدث عن اعتقالاته المتعددة,,, يصمت طويلاً ثم يشعل سيجارة و«يشتت» بقلق ظاهر جداً دخان سيجارته «العربية» بامتياز, وبعدما يرتشف من فنجان قهوته المرة القليل، يقف فجأة ويقول: «شو ما صار راح ظل عربي، الاستخبارات السورية في لبنان حطمت حلماً, قتلت علاقات بين شعبين، اساءت كثيراً لسورية ولبنان, انهم يعرفونني جيداً ويعرفون من انا، لم اكن يوماً ضد سورية فكراً وممارسة كان همهم (الاستخبارات) المال وجمع الثروات وتكديسها، تعاونوا مع فاسدين, وقتلوا فينا روحنا العربية, سورية في لبنان لم تشتغل عروبياً وقومياً، اشتغلت فقط الاستخبارات، لماذا؟ السلام عليكم, انا رايح على بيتي,,, بدك شي بعد»؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (نشرت هذه القصة  في آيار 2005\ جريدة الرأي العام الكويتية)  

الأربعاء، 18 يناير 2012

ابتهــــــــالات المســـــــــاء




                             إبتهــــــــالات المســـــــــاء               
         
                  فوضى تعـــمُّ  الحـــــــواس

                   تُســـــــــــــــكرني ابتهـــــــالات المســـــــاء

                   أنشــــــــــــدُكَ فــــــــــــــرحي..

                   أطــــــــــــــوف في دواخلــــــــــي..

                   يطفـــــــــــــــو شـــــــــــوقي ... مهـــــــرولا

                   عنـــــــــــــد باب العطــــــــــر يتهـــــــــاوى الجــــــــدار

                   تتـــــــــــرنّح الازمنـــــــــــــــــة

                   وفــــــــــــي أتـــــــــــون الهيـــــــــام ... تذوب قصيــــدتي

                                                               (إخلاص الشـــاب)

الاثنين، 16 يناير 2012

وحدكَ.. لا شريكَ لكَ



وحدكَ.. لا شريكَ لكَ


 أي موجة حملتني إلى أعالي بحاركَ
يا لهبوبكَ كيفَ يجعلني أتلاشى.. حين بإبتسامتكَ
ترسمُ هلالاً لقمرٍ ليس كالأقمار
وأنا العاشقة الماطرة على محراب يديك
وكلّما أتعبني الشوق 
أتكّئ  على حنانكَ الغافي على جنباتِ صوتكَ
وأتأملكَ كيفّ تتهادى سيراً على أنفاسي 
تقطف  شوقي وتتربّع روحي
وتغلق القلب وراءكَ
..... 
يحدث دائماً أن تساورني عيناكَ صباحاً ومساء
فأهوي عن شجرة اَهاتي
ورقة هزّها الحنين
فسقطت حزناً لأنها تفتقد القمر

                                                         يسرى

الكتابة على ضوء بندقية


    

الكتابة على ضوء بندقية

    تلقّيتُ من صديقتي دعوة لحضور ملتقى حول حوارالحضارة و الأديان بمدينة سوسة في أفريل 2009. تردّدت في البداية، ثمّ وافقت بعد إصرار منها.
وصلت قبلها إلى بهو النّزل، فانتظرتها جالسة إذ كان معظم النّزلاء و الزّائرين وقوفا متأهّبين لافتتاح الأشغال و النّدوات..
رأيته يينما كان يحادثهم. رأيته بينما كان يقنعهم، يبتسم لهم و الثّلج المعطّر في ثغره يلمع كلآلئ قلبي له.
فتّشت عن حقيبتي اليدويّة التّي رميتها على الطّاولة لأراني، فربّما عبث بي الهواء قبل أن يطلّ الهوى.
استرقت النّظر إلى عيونه المفكّرة الهادئة المشعّة ذكاءا و أدبا و رصانة. يا ترى من أيّ بلد هو؟؟ من يكون؟؟؟ ما اسمه؟؟؟
عيونه زرع فيها تفْاحا أخضر. فنمى بخدوده التْفاح الأحمر بينما سقى شهده العسل المقمر...
وقفت لوهلة للبحث على صديقتي لاستعجالها في القدوم إليّ فلم أجدها. فأطلت الوقوف لأسدّد ما استطعت من سهامٍ إليه علّني أتعلّم الرّماية أو الخطف أو... لم أعد أدري ما أريد وقتها..
قلت له :أهلا. فأجابني:"نوّرتِ".
آهٍ!!!!!!!!! آهٍ منك يا زمنُ!!!!!!!!! حريق بدمي ينشبُ. شهريار الذّي كان في قصوري يحكمُ أراه اليومَ بأحبابه يستنجدُ....
خالني الصحفيّة التّي ضربت معه موعدا إذ بعد نهاية الوقت المخصّص للسّياسيين للتّرحيب بالحضور، سمحوا لنا براحة بغاية تناول القهوة.
فاستغلّيت الوضع و رحتُ أسأل و أسأل و أسألُ.
نسيت أن أقول أنّه دكتور و محاضر في الأدب و أنّه من أرض اليُمن و الطّيب، من أرض المرج الخصيب، من أرض جامع الأمويين و باب الحبّ للقلب، من دمشق الحبيبة.
ما رمقني و لا أقلقني بل تجاوز أسئلتي إلى ملاحظاتي إلى أوعيتي الدمويّة، إلى شوقي، إلى حبري، إلى حِمَمي...
اليوم عندما أذكره، أتذكّر إصراره على مدّي بهاتفه وبريده الالكتروني. إذ لم تنقطع حبال الودّ بيننا أبدا إلّا بعد أن ثارت جيوش بلده على أمل أن يرزقوا بواقع أفضل و قسط من الحياة أوفر و...
غاب و لم أدر أيّ شيء عنه وعن أخباره... هل الخوف يمنعني أم أنا بالغيب أستشعر..؟؟؟ إذ يجول بذهني قوله أنّ الكتابة تكون على ضوء بندقيّة و أنّ الأدب ليس من الواجب أن يكون دائما صادقا.. 
و للقصّة بقيّة..
                                                 (رحاب السوسي)
                                                         تونس

عشب الانتظار



عشب الانتظار

وأعشق كيف تحبو على جسدي العاشق
وتغمرني بما ملكت ايّمان عشقكَ
وأعشق كيف ألملم شفاهكَ وأعانقها
كما يعانق الحقل السنبلة
........
حين أَسَرَ الغياب حضوركَ
إرتديت المطر وهطلت
يا أيها المدهش كيف تخترع الوجود
يا لملامحكَ الماطرة كيف تروي عشب إنتظاري
فيورق البلل..
وإن تناثر حضوركَ فأنا كالريح أحمله بكل إتجاهاتي
وحفيف همسكَ كلّما ناداني
تغزله أذني شالٌ على صقيع غيابكَ
..........
أفترشكَ وحدي لا شريكَ لي
شفاهكّ رهن عطشي وشفاهي رهن بردكَ
أنا وأنتَ..

غيمتان نتجاذب أطراف العشق
ونهطل..
وأغفو على صدركَ كرسائل العشاق
وما بين ضوئكَ وظلي شلالات وَلَهْ
..........
أحبكَ وأستميح الربيع عذراً
وأنا أعدّ براعم قُبَلِكَ وهي تُزهر
على مساحاتي نرجساً من الحياة
وأنتشي من شفاهكَ حتى أخمص خمركَ
......
سأتلاشى خلف غصة صوتكَ وهو يشتاقني
وأحيك رداءً لصبرنا وأرتديه
.......
يغفو رأسي على كتفكِ
وتهدهدني قبلاتكَ
يا لنايات رجولتكَ كيف تعزفني
ما أكثركَ .. في كل إتجاه أراكْ
و أنشر على فضاء.. ياسمينك
فراشاتي..
 
                                                   يسرى

الأحد، 15 يناير 2012

سُوق الحَرَامِيّة


                                                             
                                سُوق الحَرَامِيّة

اسامة محمد *
 
ولدتُ وَتَرَعْرَعْتُ وبلغْتُ وعَشِقْتُ وهجَرْتُ وهُجِرتُ في مسيرة انتهت... البارحة.
اسمي سُعاد... لم أكن أُحِبُّهُ.
خالتي سعاد هي السبب. كنت لا أُحبّ أن أكون خالتي.
بعد سُعاد حُسني تَصالحنا. شاهدتُ «خلّي بالك من زوزو» وفرِحتُ. فالحياة «بقى لونها بَمْبي وأنا جنبك وانتا جَنْبِيْ».
... الخَجَلُ يُخْجِلُني.
سأحكي لكَ قصتي وأنْتَ تكتبها.
أنا أثق بك.
البارحة غيَّرَ مجرى روحي.
البارحة بعدما عدتُ من المسيرة المليونيّة.
والله العظيم مليونيّة.
العدد مليون هو عدد الخطوات التي مشيتُ منذ طفولتي... مسيرةً تلوَ مَسيرة.
تَرَعْرَعْتُ وأبلغتُ وعَشِقْتُ وهجَرْتُ وهُجِرْتُ في مسيرة انْتَهَتْ... البارِحَة.
الابتدائيّة:
في الأول ابتدائيّ. دخل المُوَجِّهْ... وقال «بُكره ما في غياب». وأمَرَنا أن نُفْطِرَ قبل المجيء... وألّا نُحْضِرَ الحقيبة غداً إلى المدرسة.
«بُكْرَهْ ما في دروس»
«هييييه» صاح التلاميذ.
«بكرا مَسيْرَة».
فَرِحْتُ. لا أدري لماذا. فأنا شاطره.
هكذا بدأتُ أمشي. مشيت حتى البيت. واستيقظتُ و «لبستُ ثيابي الجميلة النظيفة وربطت شعري بشريطةٍ بيضاءَ. قبَّلْتُ أمي وقلتُ أنا ذاهبة إلى المدرسة يا ماما ثم قبّلتُ أبي وقلت أنا ذاهبة إلى المدرسةِ يا بابا». ومشيتُ من البيت.
لكنني نَسِيْتُ وأحْضَرْتُ الحقيبةَ مَعي. كنتُ أُمَرْجِحُها في الهواء وأردد درس القراءة لأحفظَهُ. نَسيْتُ كلمةً فانتبهت الى الحقيبة فتوقفتُ. وخفت أن أتأخر فاصطحبتها إلى المسيرة. تصور! كل المدرسة بلا كُتب وأنا وَحدي مع الحقيبة.
صعدنا الباص وجَلَسْنا فَفَتَحْتُ الكتاب وبدأتُ أُتَمْتِم:
«أيها النهرُ لا تَسِرْ وانتظرني لأتبعك».
«هههه... بَصّيمة» قالت خديجة وجلسَتْ «جنبي».
تدفق التلاميذ في جوف الباص. اختلط حابل الإناث بنابل الذكور. الصف الأول بالثالث بالسادس.
صَرَخَ المُوجِّه «يا سورية منْ سَوَّاكيْ...» وفجأةً طارَ من فمهِ شيء.
تدحرج الشيء تحت المقاعدِ نحوي. ورأيته بين قدميّ... يبْرِمُ كالنَرْدْ «جهار - سيه». ثلاثة أسنان اصطناعيّة. كانت الأسنان مُتَّسِخَةً. تَفَّ الموجِّه عليها وفَرَكها بأصابعه ووضعها في فمه. «إععع» قَرِفتُ وأغْمَضْتُ.
نزلتُ من الباص مُغمضةً. وهتفتُ مُغمضةً. فَتَحْتُ عيني. كنتُ قصيرة شاهدتُ السماء والهتافات وصور الرئيس في أعالي الأبنية. كانت «خديجة» تَهتِف في الغيوم فوقَ الموجِّه. ومرّ سرب حَمَام.
هتف الموجِّهُ مُطْبِقَاً فَمَه بكَفِّهِ «يا سورية من سواكي».
صرختُ «غير البعث الاشتراكي»، وكنتُ أقول «أيها النهر لا تسِرْ» في اللحظة نفسها.
...
في ما بَعْدْ... تَبَرَّعْنَا قسراً لشيء اسمهُ «المجهود الحربي» وسمعت أنّ المُوَجِّهَ كانَ يقتطع من المَبَالِغِ مَبَالِغَهُ ليشتري أسناناً جديدة.
إعدادي:
في الأول إعدادي.
دَخَلَتْ المديرة وقالت «بُكرا كلنا سوى». ما فيه غياب.
مشينا وهتفنا. مشينا شارع «القوتللي» ومشينا شارع «هنانو»... وتجَمَّعْنا في «8 آذارْ». لم أكن أدرك أنّ «القوّتللي» هو «شكري بِكْ القوتللي» وأنّ «هَنَانو» هو «إبراهيم هنانو».
مرَرْنا بـ «بوظة جعارة» وبـ «سينما الأهرام».
«يسقط يسقط يسقط» صرخ الصبيان.
«قَسّمْليْ على كُلِّ المواضيعْ» غَنَّتْ خديجة.
«قسِّم قسِّم قسِّم» ردَّدْنا وضَحِكْنا. وصارت تنهي كلَّ هتاف قوميّ بِـ «قسّم قسّم قسّم» فنكرر «قسّم قسّم قسّم».
أنا كنت أُقَسِّمْ وأخجل وأشعر بأنوثتي. خديجة كانت الأحَب إلى قلبي.
...
وجدتُ نفسي أقفُ في غرفة المُديرة. نَهَضَتْ وأمْسَكَتْنِيْ مِنْ أُذني...
قلتُ: خديجة.
شدّتني من أذني فقلت: أنا كَمانْ... بَسْ هِيّ بالأوَلْ.
دَخَلَتِ الـــمديرة الصــف وتحدثت عن الأنوثة والأمومة وفلسطين وصمود سوــرية و«الخنساء» و«جميلة بوحيرد» وعن الحرّية والمـسؤوليّة، ثم ندهت لخديجة ووضعت يدها على كتفها وعيَّنَتْهَا عَرِّيْفَةً لِلْصَفّ.
...
عشت كل مسيراتي مع خديجة كنت أشتاق للمسيرة معها. والذي أدهشني أنّها كانت تهتف لفلسطين وسورية حتى البكاء... بكائها وبكائنا.
ثانوي:
في الأول ثانوي. اقتحمَت سميحة «الشيوعيّة» إذاعة المدرسة. قَطَعَتْ نشيد «رعاك الله» وصرخت «الشعبُ...». فأحضَرَ المُخبرون المخابرات وشحطوها على الدَرَج. المدير كان بَعثياً. لكنه زعق «لاااااء... هادا حرم مدرسي». واحتضنها وتلقى ضربتين. ارتبكوا وخرجوا. وأخذوها من الشارع. الله يرحمو.
...
في «حرب 73» تبرعنا بالدم. تَبَرَّعَتْ خديجة فأُغمي عَلَيَّ. فَتَبَرَعَتْ منتحلةً اسمي فأغميَ عَلَيَّ. أعطوها حبتي «بقلاوه». أعطتني واحدة.
...
تَغَيرَتْ حَيَاتيْ. انْتَقَلَتْ خديجة إلى حمص. وتزوَجَتْ.
ظهرَ زوجي وأخوهُ في بيتنا قادمين من دمشق. الأخُ جاءَ ليَخْطبني لأخيه... ويخطبَ في مسيرة الغد. الأخْ كان شاعراً وفقيهاً تلفزيونياً. تَمَغنَطَ أهلي بسرّهِ. وشَعرُوا بنبوّته.
كان عليّ أن أقرر مساءَ غد.
صباحَ غَدْ كانت المسيرة. تَغَيَّر طعم المسيرة. مَشَيْتُهَا شاردةً وهَتَفْتُها شارِدةً.
شعرتُ أنَّ الهواء ضَيِّقٌ من دون خديجة. في المساء وافقتُ على الزواج. فاللاذقية لم تَعُدْ «لاذقيةً» بلا خديجة.
...
اشترطتُّ أن أكمل دراستي في دمشق. وأن أعمل.
أحضر لي زوجي أسئلة البكالوريا.
توظفت في المؤسسة معه. كان مُحاسباً مالياً.
شعرتُ أن الموظفات ينفرنَ منهُ... فصرتُ أتأمله وظنّني أشتهيه. فبدأَتْ مِحْنَتيْ.
كان يشكو مرض القِشْرَة. ليسَ قِشَرَة الشَعْر. بل قشرة البَشَرَة.
صحيح قَبِلْتُ بِهِ. لَكِنّيْ لَمْ أقَبِّلْهُ قَطّ... فجأةً نَطّ... وبدأ يضربني.
في ذكرى التصحيح. مشينا أولَ مسيرةٍ معاً... كان صوتُه حاداً في أُذُنيْ ويَلْحَنُ باللحن.
وانتبهتُ أنَّ حَرَكتَهُ مُسَرَّعَةٌ تُشبِه حركة المسيرات في التلفزيون. فهاجمني الضَحِكْ. وضحكتُ. فَضَحِكْنَ.
...
دَخَلتُ البيت ودخله بعدي. أغلَقَ الباب. وأشبعني ضرباً.
في الصباح كانت عيني مُنْتَفِخة وشفتي كذلك. أمَرَنِيْ أن أقول للموظفات إنني طَرقتُ بالعلاّقَة. فقلتُ «أنتَ العلّاقة التي طَرَقتُ بها» وأقسمت أن أحكي كلّ شيء.
هدَّدَنِيْ «منشوف المساء».
اقفل الباب عليّ وذهب.
صرتُ أمشي وأتفرج على التلفزيون. في التلفزيون كان الناس يمشون مسيرة «حمص». أمشي في البيت ويمشون في حمص.
فتح زوجي الباب. رمى بالضمادات على الطاولة. وذهب الى المطبخ. لم يجد طعاماً. مشى مُسَرعاً نحوي صَفَعَنِيْ. ثم شَمَطَ أذنيّ وهزّني بقوّة «10 ريختر».
في الصباح أقفل الباب وغادر. فتحتُ التلفزيون. مَشيتُ غاضبةً مع مسيرة «إدلِب» من حائط لحائط حتى انْفَضَّتْ. اشتقت للمسيرات.
سَمِعْتُ سَعْلَتَهُ خَلْفَ الباب فثارَتْ كرامتي.
فَتَحَ الباب. رمى «فروج البروستد» على الطاولة ومشى واثقاً نحوي. فأغْمَضْتُ ونَطَحْتُه بقوّة «11 ريختر» فَسَقَطَ على الطاولة وسَقَطْتُ في الكنبة. وجَدْتُ نَفْسيْ أتفرج كَيْفَ ارتفعت ساقاه في الهواء مثل الرقص الفنيّ في الماء.
خفتُ. هربتُ. وأقفلت باب المطبخ.
...
تغيرت علاقتنا... صالحني. واشترى لي جلاّية «سامسونغ». فطبختُ له.
بعدها صالحني واشترى لي غسّالة «إل جي»...
مشيتُ معهُ كلَّ المسيرات. كان الظلم الذي حلّ باللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين لا يحتمله ضمير.
في «حرب تموز 2006» اشتبكنا. فلقد امتلأت بيوت الموظفات «النازحات الجولانيات» بالنازحين الجنوب لبنانيين. أهلكتني نظراتهن فَهَدَّدْتُهُ «قسماً بالله بْعُمْرِيْ ما بْطْلَعْ مَعَكْ بْمَسيْرَة». فصالَحَني واستضفنا عائلة لبنانيّة. فصالحتُه فنمت إلى جانبه.
فصالحني واشترى براد «توشيبا» درفتين.
ثم صالحني واشترى شاشة «سوني» ووضعنا التلفزيون في المطبخ.
ثم صالحني واشترى خدّامَة «فيليبينيّة».
...
سَهِرنا ثورات تونس ومصر واليمن وليبيا في كلِّ المحطّات.
بعد أحداث درعا تَخَلْخَلَتْ مفاصلي وتوقف عقلي.
شعرت أن سورية مستهدفة.
كنت أسمع من زميلاتي أعداد المدنيين الشهداء ومن تلفزيوننا أعداد العسكريين.
بَكَتْ زميلتي «غيَّاث مَطَرْ» فقلتُ: «ماذا عن الآخرين؟» فقالت: «ليش ما بيسمحوا للصحافة تفوت وتحكي الحقيقة»، فقلت: «شو بيعَرّفنيْ؟!» وبكيتْ.
فنقلني زوجي إلى الماليّة وحَرَمَنيْ من جلسة المناقيش الصباحية معهنَّ.
قاطعنا كلّ المحطّات المُغْرِضَة.
شعرتُ أنني مُحاصَرة وأنَّ خراباً ما سيحلُّ بي. فدافع قلبي عن حُبِّيْ لسوريّة.
في «نيسان» هتفتُ مواليةً في مسيرة السبع بحرات الأولى. كان قلبي يهتف بالنجاة.
في «حزيران» أَمْسَكْتُ بِطَرَفِ العَلَمِ السوريّ الذي امتدَّ حتى آخر أوتوستراد المزّة. قلت لزوجي: رُوْحْ امْسِكْهُ من الطرف الثاني. وضَحِكْتُ ولم يَضْحَكْ. وفي «تمّوز» غنّيْتُ مع جورج وسوّف «كلام النيتْ لا بِيْقَدَمْ ولا يْأَخَرْ» في ساحة الأمويين. وارتحتُ فأنا ما عندي «نِيتْ» ورددت قَسَمَ الوفاء.
والبارحة.
البارحة غيَّرَ مجرى روحي.
«بُكْرَه ما في دوام»
صعدنا الباص. جلستُ إلى النافذه. تَجاوَزَنا باصٌ يشحنُ التلاميذ للمسيرة. انعكس الزجاج في الزجاج «أيها النهر» تذكرتُ.
مشيتُ وهَتَفْتُ.
عدتُ مُنهكة. عطشى. جائعة.
دخلتُ المطبخ. الفيليبينيّة كانت تتفرج على التلفزيون... شربتُ ماءً. تذكرت «مفرَكَة الكوسا» ففتحتُ باب البراد. فلمحتها في التلفزيون. جثّة أُنْثى على الإسفَلْتِ والدمّ.
اجتاحَ الصقيعُ رأسي «خديجة» هَمَستُ داخل البراد تَفَرّزْتُ للحظة.
خَرَجْتُ من البرادّ فشاهدتُ اللقطةَ الثانية. وجه أمرأة بـ «الإيشارب» يهبط على طبون السيزوكي. «إنها خديجة» توقف قلبي... وسالَ دَمُها.
كان هذا تلفزيون «الفيليبين». أزحت الفيليبينيّة عن كرسيها وجلستُ.
«العَمَهْ»... «خَديْجَة» قلت لنفسي.
«يا إلهي»! أول صورة تذكرتها وأنا معها في مسيرة «8 آذار» وكانت تَهتفُ.
ثمّ في مسيرة «16 تشرين» وكانت تَهتفُ.
ثمّ في مسيرة «تجديد البيعة» وكانت تَهتفُ.
انتظرتُ النشرة التاليّة.
رأيتُ شريط الحياة (حياتها وحياتي) الذي يتدفق لحظة الموت (موتها وموتي).
مسيرة حياتي انتهت البارحة. كان عقلي قد نامَ منذُ درعا. جَفِلَ عقلي وأقعى مثل طـريدة بلا أَمَلْ. يا إلهي. الآن استيقَظَتْ حَوَّاسّي. مِتُّ فانتبهتُ. وتَدَفَقَتْ أسئلتي.
«قتلت خديجة في حمص وأنا أهتف في المسيرة...»
المسيرة؟! ما معنى هذه الكلمة؟ كيف تترجمها؟ مَشِيْ؟ أم «ووك شوب»... «ورشة مشي» أم «سُوقْ المَشيْ» «سوق الحراميّة». مقايضة السلم المسروق بالأمن المسروق.
ثمة من يعرضنا للبيع بوصفنا أحشاءه وعضلاته الماشية. يبيعنا مُشاةً في سوق السلطة السوداء. المسيرة «ديفيليه».
من يبيع المشي ومن يشتريه؟
ثمة مــن يشــتري الكــذب بالكذب والإخلاص بالغدر. خديجة مشت كل المسيرات. وعندما مشت خُطوَتَها قُتِلَتْ.
خرِستُ وأنا أقرأ الأرقام على الشاشة.
«16424» مُعْتَقَلْ «هه». ألم يمشوا جميعاً في إحدى المسيرات أو في كلّها؟
«5800 شهيد». ألم يَمشوا في مسيرات المدارس والوظائف والمؤسسات؟
«العَمَهْ»
هذا غَدْر. هذا هو الغدر.
شعرت انني غدرتُ بخديجة.
عندما كنتُ أهتف في المسيرة... قُتِلَتْ خديجة في حمصْ.
شعرت أنَّ المسيرةَ غَدَرَتْ بِها.
تذكرت مسيرة «الشاورما». هكذا تسميها الذاكرة. يوم اشترى وحوش المال رضا وحوش الأمن وفتحوا لنا «بُخشاً» في فنادق الخمسة نجوم نتناول منه قرص كبة وشاورما. يا حرام كيف وقفت طوابير المواطنين تشتهي شاورما ببلاش. كان هذا سماً بطيئاً. لم نكن نعلم أن من يطعمنا «شاورما» ببلاش يفترس روحنا «برصاصة» بـ «بلاش»... غَدْرْ.
تخيلتُ كيف سيقول زوجي إنها هي التي غَدَرَتْ بالمسيرة.
فأسأله: أية مسيرة.
فيجيب: مسيرة الصمود.
قلتُ: سأخرجُ في جنازتها.
...
اتّصَلَ بأخيه. فَاتَّصلَ أخوه. فقال: لا يُوجَدْ اسمَ خديجة في قتلى «البياضَة».
قلتُ: لكنّ المرأة قتِلتْ.
فزعقَ: بَسْ ما إسمها «خديجة».
قلتُ: سأخرجُ في جنازتها
في حصاد اليوم تحدثت المُذيعَة. عن قتلى بينهم امرأة بنيران الأمن والشبيّحة في حمص.
سقط رأس «خديجة» على حديد «السيزوكي»
وفاضَتْ بركة دمها بسرعة فائقة.
«الحياة بقى لونها بَمبيْ»
كنت أسمع صوتَها.
بكيت فطوقتني الفيلبينية وهمست «ماما» وبكت على عنقي.
وأنا كنت أقرأ آية الكرسي.
و «أيها النهر لا تسِر».
...
أخذت «هويَّتي» وأخذت تكسي نحو كراجات القابون. «مين وين حضرتِك؟» سألني السائق.
قلت «فيليبينية». هزَّ رأسه. بين «مساكن برزة» و«القابون» أوقفنا حاجز الأمن. وخبط حَديْدَ التاكسي وأشار له بالعودة. نزلتُ ومشيتُ باتجاه «حمص». في «القابون» شاهدت جنازة وشاهدت نساءً محجبات وسافرات. فمشيتُ مَعَهُنَّ وبكيت.
________________________________________
* سينمائي سوري
نقلا عن جريدة الحياة (15 كانون الثاني ـ 2012)
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/350550#.TxIRa78RgDM.facebook

الأربعاء، 11 يناير 2012

"تَجَمُّع فنانيّْ ومُبدِعيّْ سوريا من أجل الحرّية"



نَحْن
"تَجَمُّع فنانيّْ ومُبدِعيّْ سوريا من أجل الحرّية"

 في البدء أطلق النظام الأمني الفاسِد الرصاص وقتل المدنيين العزل
ثم أطلق الإصلاح فقتل الآلاف
لا يستطيع النظامُ القاتِلُ إصلاحَ الأجسادَ القتلى وإعادةَ الحياةَ إليها
لا شيءَ يُصْلِحُ الحياةَ المقتولة إلا مستقبلٌ يَحُوْلُ دُوْنَ انْتِهاكِها مِنْ جَديدْ
نحن اليوم إذْ نَفْتَحُ الهواءَ لنُخاطِبَ السوريين
نخاطبُ أنْفُسَنا عَلَناً . نخاطبكم جميعاً. لنبدأ تّلَّمُسَ الحرية.
لقد حاول بعضنا أو كلُّنا المقاومة بالفنّ وصونَ حقِّ الرأي في ظروفٍ تُنْكِرُ حقَّ الرأي وتحتكره وتشتريه وتبيع بَعْضَهُ
وقُدِّرَ لنا جميعاً المثولُ أمامَ عَبيْدِ المخابرات وخَدمها وحاضروا بِنا في الشعر والموسيقى والسينما والمسرح بوصفهم فقهاء
و صمت بعضنا أو كُلُّنا أو هزَّ برأسِهِ و تآلف مع العبودية
وخاضَ بَعْضُنَا أو كُلُّنا مَعَارِكَ وهميّة ضدَّ زملائه في الأسى
وصمدّ البعض فنياً وأخلاقياً ونال تعاطف الأغلبية . وذَهَبَ في العُزْلَة
 لقد حوصِرتْ مُخيلةُ المبدعين السوريين لعقود طويلة في مؤسساتٍ فاسدة ووزاراتٍ فاسدةٍ ونقاباتٍ فاسدةٍ
اخترعَتْ المُخَيّلةُ الأمنيةُ مُدَراءها وشَبّيْحَتَها. فانتهكوا القوانين والدساتير وقَدَّسوا طقس الولاء الشفهي و قَوْنَنُوه
فَسَادَ فَسَادٌ يُنْتِجُ الفَسَادْ
صارت كلمةُ الثقافة عرضةً للسخرية. والحريَّةُ مَرَضَاً نفسياً
وتَعَرَّضَ البحثُ الذاتيّْ وفَنُّ المُؤَلِفِ إلى قَصْفٍ مُتَوَحِشٍ باسم "الفن للشعب"
الشَعْبُ الذي يُقْتَلُ اليومَ بِلا رَحْمَة.اليوم تغرقُ سوريا بالدم . وتغرقُ بالأمل
ليوم تُفصح سوريا عن صراع مُخَيِلتين
الأولى تَضُجّ بفنّ المُظاهرات و حُلولها الحركية البصريّة وبالغناء والرقص والسخرية وتمجيد جمال الحياة والحريَّة
وترقص المُخَيّلةُ الأخرى على أَجسادِ القتلى والمعتقلين وتقتل الحياة وتَكْرَهْ وتَلْعَنْ الحُرِّية
 إنَّ آلةَ السلطة التي انتَهَكَتْ حقَّ التعبير بالمنع والمرَاقَبة .. تَمْنَعُ اليوم حَقَّ الحياة حينَ قَرَّرَتْ الحياةُ التعبيرَعَنّْ حَقِّها والتظاهُرَ والإضراب
حقُّ التعبير هو الحياة . وكلاهما يتعرض للقتل والتعذيب
في ذروة هذه التراجيديا تكشفت مؤسساتُ الدولة عن هيكلٍ وهميّْ فتحولت المدارسُ إلى مُعتقلات والمشافي إلى غرف تعذيب
وفَقَدَتْ المُؤسساتُ الثقافيةُ بوزاراتها ومعاهدها ونقاباتها المُزَيَفةِ كلَّ شرعية أخلاقية ومهنية إذ شاركت بِصَمْتِها في القتل والاعتقال والإرهاب
وتفرجت على أبنائها في أقبيَةِ المهانة والتعذيب
ضُرب أساتذة المسرح .. ومُبْدِعَاتُهُ ومُبْدِعُوه والسينمائيات والسينمائيون و التشكيليون والموسيقيون والأديبات والأدباء والصحافيات والصحفيون
ضُرِبوا بالكابلات والعصيّْ الكهربائية واخْتُطِفوا وهُشِمَتْ أصابعهم
واعْتُقِلُوا وهُدِدوا بالقَتْلِ وما يزالون ولمْ تَنْطُقْ مؤسساتهم الأمّْ بِـ "آهْ"
اغتيلَ رموزُ السلم والمواطنة بوحشية
قَدّمَ "غياث مطر" الماءَ والوردَ للعسكر فذبحوه
وغنّى القاشوش "سوريا بدها حرّية "فانْتُزِعَتْ حُنجُرته
وصور فرزات يحيى جربان المظاهرات فاقتُلعتْ عيناه
ومُثِّلَ بِجَسَدِ الطفل "حَمْزَهْ"واخترق الرصاص جَسَدَ الطفلَة "هَاجَر"
واختفى الآلاف في المجهول.
 إنَّ فقدانَ المُؤسساتِ شرعيَّتَها الأخلاقية والمِهَنيَّة تَجْعَلُنا نَبْحَثُ عن إنسانيتنا خارج هَذِهِ "الشرعية" المُلطخة بدماء السوريين
نحن اليومَ إذْ نَنْتمي للحرّية والإبداع . ننحازُ لشعبٍ يُبْدِعُ حريَّته . وننحاز لحرِّيَتِنا وإنسانيتنا
لقد أيقظت حُريُّة الشارع حريّتنا
نحن لا نستطيع إعادةَ شُهدائنا للحياة
لَكِنَّنا نستطيع تَمْجيدَ الحياة بالعملِ يداً بِيَدْ و قَلباً بِقَلْبْ مع ثورة السوريين لبناء وطنٍ جديد
لا يغتال مواطنيه بِلَغْوٍ "وطنيّ" فاسدٍ و مُجرِم
وإذا كانَتْ صدفة الطبيعة قد جاءت بنا من كلِّ إثنيات وأديان ومذاهب سورية فإن انتماءنا الأساس لِ "جِيْنَةِ" الإنسان والحرية.. هو الطاقةُ التي تجمعنا نحو سورية المستقبل
سوريا دولة ديموقراطيّة مَدَنيَّة تعددية تفصل بين السلطات . دولة أساسها تداول السلطة والمواطنة المتساويّة أمام قانون عادِل
سوريا لا يختزلها حزب واحد و أوتستراد واحد باتِّجاهٍ واحِدْ وباسمٍ واحدٍ وفسادٍ وقتل
سورية جديدة نحتفي فيها بأفلام "أميرالاي" في صالةٍ تحمل اسم "عُمَرْ أميرالاي"
إن قدسية الحياة والحرية . حياة كلّ سوريّ وحريّته .. أمانة في ضمير كلّ إنسان
نحن " تجمعُ فنانيّْ ومبدعيّْ سوريا من أجل الحرية "
نُعلن اليوم بدء بحثنا عن شرعيّة جديدة .تُطلقُ حريّة الإبداع وأسئلتهُ وتصونُ استقلاله
و لا تُسَاوِمُ على حُقُوقِ الإنسان.

               فناني ومبدعي سوريا من اجل الحرية

الموقعون :
  1. مي سكاف
  2. سميح شقير
  3. محمد الفحام - موسيقي
  4. زينا الحلاق - ممثلة
  5. ريما فليحان - كاتبة سيناريو
  6. أسامة شقير
  7. محمد تاجا ، فنّي مونتاج وغرافيك
  8. شفع بدرالدين - موسيقي
  9. جلال الطويل - ممثل
  10. رأفت الزاقوت
  11. اياد حافظ - موسيقي
  12. طارق ملص - موسيقي
  13. خاطر ضوا - مطرب
  14. أنكيدو عميش- ممثل مسرحي
  15. عزه أبو ربعية - فنانة تشكيلية
  16. هزار الحرك - ممثلة
  17. طارق عبد الحي - فنان تشكيلي
  18. زاريا زردشت - فنانة تشكيلية
  19. كفاح بدرالدين - موسيقي
  20. رندا مداح - فنانة تشكيلية
  21. ياسر خنجر - شاعر
  22. هالة العبدالله
  23. إبراهيم الجبين
  24. رغدة الخطيب - ممثلة
  25. اياد شهاب احمد
  26. ناندا محمد
  27. محمد عمران - فنان تشكيلي
  28. عبدالله الأصيل
  29. إيمان الجابر
  30. غسان عبود - موسيقي
  31. مي قوطرش
  32. شاهر علي مرتضى - موسيقي
  33. ناظم بدرالدين - موسيقي
  34. إبراهيم سليماني - موسيقي
  35. وائل ابو جبل - مصور
  36. إيهاب غسان سعيد - مخرج سينمائي وتلفزيوني
  37. خالد عارفه ... فنان تشكيلي
  38. خالد بركة
  39. باسم الخوري - موسيقي
  40. وائل طربيه - فنان تشكيلي
  41. عبدالرحمن ريا
  42. أمل حويجة
  43. أنس العدوي
  44. غسان الجباعي - مخرج مسرحي
  45. خلود الزغير - باحثة وشاعرة
  46. مهند عمر - صحفي
  47. بثينة شيا
  48. محمد كحلاوي
  49. عمار مصارع / صحفي
  50. حلا عمران
  51. مرام المصري . شاعرة
  52. دارينا الجندي . ممثلة
  53. طارق فحام . موسيقي
  54. ماهر عنجاري
  55. مرهف عمايري
  56. محمد محمود، باحث وشاعر وروائي
  57. أبي سكر - مهندس صوت
  58. فادي الداهوك - صحفي
  59. ندى كررامي موسيقية
  60. عماد عبيد- مخرج صحفي
  61. جمال داود
  62. أنوار العمر
  63. أنس ضميرية
  64. نعيمة درويش , مصممة أزياء
  65. فضيلة الشامي
  66. مصعب النميري -شاعر
  67. نادين اللحام
  68. عامر الأتاسي
  69. عمر العليوي
  70. حسين الشيخ - شاعر وصحافي
  71. عبد الحميد برو
  72. مخلص ونوس / شاعر
  73. نائل قهوجي - موسيقي
  74.  نضال الدبس- مخرج سينمائي
  75. مهند دوس - صحفي
  76. ميّار الرومي / سينمائي
  77. مجد عبدلكي
  78. سعد حاجو/ رسّام كاريكاتير
  79. أسامة محمّد/سينمائي
  80. الموسيقار مالك جندلي
  81. ليلى النيربية
  82. عليا خاشوق
  83. محمد العلي
  84. إسلام أبو شكير ـ قاصّ
  85. حسام بدري
  86. عدنان أحمد
  87. واحة الرّاهب - مخرجة فنانة
  88. لويز عبد الكريم
  89. مهند أحمد فخر الدين
  90. رولا اسد. صحفية
  91. بشير نوفل _فنان تشكيلي
  92. تمّام هنيدي _ شاعر
  93. سوسن العلي / صحفية
  94. يزيد عاشور- اعلامي
  95. عمر ملص
  96. أديب طيبة \ مخرج مساعد-مصور ضوئي
  97. عروة الأحمد - مخرج
  98. جولان حاجي
  99. علاء حمزة \ رسوم متحركة
  100. خالد الحلبي - رسوم متحركة
  101. علاء خنجر - فنان تشكيلي
  102. هبة الأنصاري
  103. مــالـك الشــامي
  104. رامي العاشق
  105. مروان جمول  - فنان تشكيلي
  106. حسام بدري
  107. مرهف عمايري
  108. منيف عجاج
  109. أثير محمد علي
  110. أميرة أبو الحسن
  111. ضياء تحقاخة - مصور ضوئي ومخرج
  112. نبال جزائري ممثلة
  113. فارس البحرة - شاعر
  114. سعاد الرفاعي
  115. فواز قادري
  116. محمد حمود
  117. رافي كوستانيان - موسيقي
  118. نذير غليون
  119. حازم العظمة
  120. أسامة الطويل ـ فنان تشكيلي
  121. إبراهيم سليماني - موسيقي
  122. زاهي نوفل - قاص
  123. عروة الحلاق - مخرج سينمائي
  124. الاعلامية علا ملص
  125. محمد ملص
  126. أحمد ملص
  127. ريم علي - ممثلة
  128. عماد حورية
  129. عمرو شعيب
  130. بشار ايوب - موسيقي
  131. إيمان سرحان - فنانة تشكيلية
  132. مأمون بني - مخرج تلفزيوني و سينمائي
  133. شذى الصفدي
  134. حسان زركي - غرافيكس مخرج فني
  135. آرام أحمد
  136. رشا عمران
  137. علا الخطيب
  138. سليم سروة - موسيقي وأكاديمي علوم سياسية
  139. عدنان بركة، موسيقي
  140. حسان أبو الفضل
  141. هالا محمد ـ شاعرة وسينمائية
  142. ريم بنّا .. فنّانة فلسطينيّة
  143. محمد عودة
  144. رجائي القوجة
  145. كندة زاعور
  146. محمد سامح
  147. عدنان الزراعي
  148. ريم حمزة
  149. يامن حسين
  150. عزام فوق العادة - مخرج
  151. لينا العبد
  152. إياد شربجي- صحفي
  153. دلير يوسف- كاتب ومخرج
  154. أنمار حجازي - صحفية و مخرجة
  155. طلال اسماعيل
  156. لبنى زاعور
  157. نبيل سايس
  158. هبه عبيد
  159. علي قاف
  160. عبدالاله فرهود - سينمائي
  161. محمد الرومي - مصور فوتوغرافي
  162. محمد الجاموس
  163. فاذي زيدان  - مصور ومخرج فني
  164. جورج ناصر
  165. حازم رعد - كاتب ومصور
  166. ريم الخوري
  167. أحمد صلان - ممثل
  168. مهند السيد علي ـ صحفي
  169. الممثلة والمخرجة ليلى عوض
  170. إنانا عثمان
  171. سهيل نظام الدين - صحفي
  172. أحمد خربوطلي
  173. إياد حجازي
  174. عماد دعبول
  175. زينة البيطار - صحفية
  176. محمد زيد مستو - صحفي
  177. محمد علي عبدالرحمن
  178. نسرين طرابلسي -كاتبة وإعلامية
  179. سلافة عويشق ممثلة
  180. بشر الامين
  181. قصي الجرادات - فنان و مصور ضوئي
  182. لمى قنوت _مهندسة ,ناشطة سياسية
  183. عتاب لباد صحفية
  184. جبران سعد
  185. منصف طالب
  186. يزن الحاجإإبراهيم صموئيل - كاتب
  187. سونيا بيطار
  188. علياء أبو خضور
  189. عمٓار العاني
  190. فخر الدين فياض ـ كاتب وصحفي
  191. جمانه نجيدات
  192. حكم الواهب - فنان تشكيلي
  193. شادي الحلو
  194. سهيل ضاحي - مسرحي
  195. الإعلامية لينا الشواف
  196. نبال حريري
  197. د.أنس يوسف -ن اشط حقوقي
  198. فاتن العطار
  199. سامر الحلقي - تشكيلي
  200. رواد زاعور
  201. مازن البلخي شاعر
  202. وائل زويهد - مهندس
  203. حافظ قرقوط - كاتب وسيناريست
  204. حسان العوض- طبيب وكاتب